وقوله جلَّ وعزَّ: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً﴾.
قال أبو جعفر: فيه أربعة أقوال:
أ- منها ما حدثنا أحمد بن محمد البَرَاثيُّ قال: حدَّثنا عمرُو بنُ الهَيْثَم، عن يونس بن أبي إسحق، عن أبيه، عن عمرو بن ميمونٍ، عن عبدالله بن مسعود في قوله تعالى ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً﴾ قال: فَرَغَ من كل شيء في الدنيا، إلاَّ من ذكر موسى ﷺ.
قال أبو جعفر: وكذا قال ابنُ عباسٍ، وأبو عُبيدة، وأبو عمرانَ الجونيُّ، والحسنُ، ومجاهدٌ، وعكرمةُ، وقتادةُ، والضَّحَّاكُ.
ب- وقال الكسائي: ﴿فَارِغاً﴾ أي ناسياً ذاهلاً، كما يُقال لمن لم تُقْضَ حاجتُه: فَرَغ، وللميِّت: قد فَرَغَ.
وأنكر الكسائي أن يكون المعنى: فارغاً من كل شيء، إلاَّ من ذكر موسى، وليس المعنى عليه.
ج- وقال الأخفشُ سعيدٌ: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً﴾ من الوحي ﴿إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ أي بالوحي.
د- وقال أبو عبيدة: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً﴾ أي من الحزن، لمَّا علمتْ أنَّه لم يغرق.
قال أبو جعفر: أصحُّ هذه الأقوالِ الأوَّلُ، والذين قالوه أعلمُ بكتاب اللهِ جلَّ وعزَّ، وإذا كان فارغاً من كل شيء إلا من ذكر موسى، فهو فارغٌ من الوحي، وقولُهم: قد فرغ الميِّتُ من هذا: أي فرغ مما يجب عليه أن يعمله.
وقولُ: أبي عُبيدة: فارغاً من الغمِّ، غلطٌ قبيحٌ، لأن بعده ﴿إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا﴾.
وروى سعيد بن جُبير عن ابن عباس قال: كادتْ تقولُ واإبناه.
قال أبو جعفر: ومعنى ﴿رَبَطْنا﴾: شَدَدْنَا، وقوَّينا.
قال قتادة: ﴿لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا﴾ أي ربطنا على قلبها بالإيمان.
{"ayah":"وَأَصۡبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَـٰرِغًاۖ إِن كَادَتۡ لَتُبۡدِی بِهِۦ لَوۡلَاۤ أَن رَّبَطۡنَا عَلَىٰ قَلۡبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}