الباحث القرآني

﴾﴿﴾﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ ، يعني أنه يرويه بعضكم عن بعض، تلقَّى الشيء بمعنى: استقبله وأخذه، فهم يتلقونه بألسنتهم، ويقولون بأفواههم ما ليس لهم به علم، الفرق بين ﴿وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ﴾ و﴿تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾؛ التلقي أخْذُه من الغيب، تلقَّاه، مثل تلقِّي الجلَب، يعني استقبالهم، فالتلقي لاستقبال الكلام. ﴿وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ﴾ ذلك؛ لإلقاء الكلام إلى الغير، وفيه إشارة إلى أن هذا القول لا يصل إلى القلب، وإنما هو مجرد كلام باللسان، وذلك لتشكك كثير من الصحابة في هذا الخبر، وسبق أن جمهورهم وفضلاءهم أنكروه من أول الأمر. ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾، وفي هذا من التوبيخ ما فيه؛ أن يقول الإنسان بفمه، بأفواه جمع (فاه)، وهو الفم، تقول بفمك ما ليس لك به علم. إذا قال قائل: أليس القول بالفم؟ لماذا قال: تقولون بأفواهكم، مع أن القول لا يكون إلا بالفم؟ * طالب: للفائدة التي ذكرت، يعني: لمجرد كلام وليس.. * الشيخ: أي: وليس مستقرًّا في نفوسهم، إي نعم، هذا هو؛ لأنه مجرد كلام باللسان وبالفم، ولكنه لم يستقر في القلب؛ لأنه ليس عن علم. وقد يقال: إن هذا من باب التأكيد، كما في قوله: مشى برجله إلى فلان، تحقيقًا للمشي، يعني أنه قول محقَّق تقولونه قولًا صريحًا، وليس ذلك ظنًّا في النفس، فإن القول يُطْلَق على الظن، ومثله أيضًا: ﴿وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ [الأنعام ٣٨]، فإن الطائر يطير بجناحيه، معلوم أن الطائر ما يطير إلا بجناحيه، ﴿وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾. فعلى كل حال نقول: إن قوله: ﴿بِأَفْوَاهِكُمْ﴾ إما أن يراد به تحقيق القول، وأنه ليس مجرد ظن أو تخيل، بل يقولونه صراحةً بأفواههم، وإما أن يقال: إن هذا القول على مجرد الفم فقط، ولا يصل إلى قرارة النفس؛ لأنهم وإن كانوا يقولونه لكن كأنهم مُسْتَبْعِدُونَه مُسْتَرِيبُون في حقيقته. وقوله: ﴿مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ ما أكثر ما يقع هذا من الناس! يفيد أنه لا بد أن الإنسان لا يقول قولًا إلا وله به علم، ما يكفي أن تقول قولًا لمجرد الظن، ولا لمجرد الوهم أو التخيل، لا تقل -خصوصًا في الأمور الخطيرة- إلا فيما لك به علم، ولهذا قال الله عز وجل في سورة الإسراء: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ يعني: لا تتبعه، ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء ٣٦]، فأنت مسؤول عن سمعك وبصرك وقلبك اللي هو محل الظن والاعتقاد. إذن لا تقل ما ليس لك به علم، لا تتبع ما ليس لك به علم، فلا بد من أن يكون الإنسان على علم، وهذه تربية من الله عز وجل، تفيد أن الإنسان يتثبَّت فيما يقول؛ ليكون قوله معتَبَرًا، وليسلم من إثم القول بلا علم، لا سيما إذا كان القول على الله؛ فإنه لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبًا، أو كان القول في مثل هذه الأمور الخطيرة التي فيها القدح بالنبي ﷺ، وآل بيته، وأصحابه، وبالتالي القدح في الدين؛ لأنه إذا قدح في الرسول الذي جاء به فهو قدح في نفس الدين الذي أتى به هذا الرسول (...) فيه. قال الله تعالى: ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا﴾: لا إثم فيه، ﴿وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ في الإثم، في هذه الجملة من تعظيم هذا الأمر ما فيه، يعني: تحسبون أن القول في هذا الأمر هينًا، وأنها كلمات تقال وتُنْقَل، لكنه عند الله عظيم، ويتعاظم كلما كان الإنسان المقُول فيه أبعد عما قيل فيه. ولهذا قَذْف المحصَن فيه الحد، وقَذْف غير المحصَن فيه التعزير، يعني لو قذف إنسانًا متهمًا بالزنا وليس عفيفًا عُزِّر فقط، ولو قذف إنسانًا معروفًا بالعفة وجب فيه الحد كاملًا، ولهذا قال: ﴿تَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾. وقلنا: إنه يتعاظم بحسب إيش؟ حال المقذوف المتكلَم فيه، وكذلك إذا لم يكن الكلام قذفًا يكون أعظم بحسب حال القول، ولهذا يقول الله عز وجل: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [الأنعام ٢١]، فأعظم الكذب الكذب على الله، ثم على رسوله ﷺ، وهكذا يتعاظم الكذب بحسب من نُمِيَ إليه الكلام.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب