الباحث القرآني

النوع الرّابِعُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذْ تَلَقَّوْنَهُ بِألْسِنَتِكم وتَقُولُونَ بِأفْواهِكم ما لَيْسَ لَكم بِهِ عِلْمٌ وتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وهو عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ وهَذا أيْضًا مِنَ الزَّواجِرِ قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: ”إذْ“ ظَرْفٌ لِـ”مَسَّكُمْ“ أوْ لِـ ”﴿أفَضْتُمْ﴾“ ومَعْنى ”﴿تَلَقَّوْنَهُ﴾“ يَأْخُذُهُ بَعْضُكم مِن بَعْضٍ يُقالُ تَلَقّى القَوْلَ وتَلَقَّنَهُ وتَلَقَّفَهُ ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَتَلَقّى آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِماتٍ﴾ [البقرة: ٣٧] وقُرِئَ عَلى الأصْلِ ”تَتَلَقَّوْنَهُ“ و”إتَّلَقَّوْنَهُ“ بِإدْغامِ الذّالِ في التّاءِ وتَلَقَّوْنَهُ مِن لَقِيَهُ بِمَعْنى لَفِقَهُ وتُلْقُونَهُ مِن إلْقائِهِ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ، وتَلِقُونَهُ وتَأْلِقُونَهُ مِنَ الوَلْقِ والألْقِ وهو الكَذِبُ، وتَلِقُونَهُ مَحْكِيَّةٌ عَنْ عائِشَةَ، وعَنْ سُفْيانَ: سَمِعْتُ أُمِّي تَقْرَأُ إذْ تَثَقَّفُونَهُ، وكانَ أبُوها يَقْرَأُ بِحَرْفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، واعْلَمْ أنَّ اللَّهَ تَعالى وصَفَهم بِارْتِكابِ ثَلاثَةِ آثامٍ وعَلَّقَ مَسَّ العَذابِ العَظِيمِ بِها؛ أحَدُها: تَلَقِّي الإفْكِ بِألْسِنَتِهِمْ وذَلِكَ أنَّ الرَّجُلَ كانَ يَلْقى الرَّجُلَ فَيَقُولُ لَهُ ما وراءَكَ ؟ فَيُحَدِّثُهُ بِحَدِيثِ الإفْكِ حَتّى شاعَ واشْتَهَرَ فَلَمْ يَبْقَ بَيْتٌ ولا نادٍ إلّا طارَ فِيهِ، فَكَأنَّهم سَعَوْا في إشاعَةِ الفاحِشَةِ وذَلِكَ مِنَ العَظائِمِ. وثانِيها: أنَّهم كانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِما لا عِلْمَ لَهم بِهِ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ لا يَجُوزُ الإخْبارُ إلّا مَعَ العِلْمِ فَأمّا الَّذِي لا يُعْلَمُ صِدْقُهُ فالإخْبارُ عَنْهُ كالإخْبارِ عَمّا عُلِمَ كَذِبُهُ في الحُرْمَةِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿ولا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: ٣٦] فَإنْ قِيلَ ما مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿بِأفْواهِكُمْ﴾ والقَوْلُ لا يَكُونُ إلّا بِالفَمِ ؟ قُلْنا مَعْناهُ أنَّ الشَّيْءَ المَعْلُومَ يَكُونُ عِلْمُهُ في القَلْبِ فَيُتَرْجَمُ عَنْهُ بِاللِّسانِ وهَذا الإفْكُ لَيْسَ إلّا قَوْلًا يَجْرِي عَلى ألْسِنَتِكم مِن غَيْرِ أنْ يَحْصُلَ في القَلْبِ عِلْمٌ بِهِ، كَقَوْلِهِ: ﴿يَقُولُونَ بِأفْواهِهِمْ ما لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٧] . وثالِثُها: أنَّهم كانُوا يَسْتَصْغِرُونَ ذَلِكَ وهو عَظِيمٌ مِنَ العَظائِمِ، ويَدُلُّ عَلى أُمُورٍ ثَلاثَةٍ: الأوَّلُ: يَدُلُّ عَلى أنَّ القَذْفَ مِنَ الكَبائِرِ لِقَوْلِهِ: ﴿وهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ الثّانِي: نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: ﴿وتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا﴾ عَلى أنَّ عِظَمَ المَعْصِيَةِ لا يَخْتَلِفُ بِظَنِّ فاعِلِها وحُسْبانِهِ، بَلْ رُبَّما كانَ ذَلِكَ مُؤَكِّدًا لِعِظَمِها مِن حَيْثُ جَهْلِ كَوْنِها عَظِيمًا. الثّالِثُ: الواجِبُ عَلى المُكَلَّفِ في كُلِّ مُحَرَّمٍ أنْ يَسْتَعْظِمَ الإقْدامَ عَلَيْهِ، إذْ لا يَأْمَنُ أنَّهُ مِنَ الكَبائِرِ، وقِيلَ لا صَغِيرَةَ مَعَ الإصْرارِ ولا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفارِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب