الباحث القرآني
﴿فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (٦) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (٧) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (٩) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (١٠) نَارٌ حَامِيَةٌ﴾ [القارعة: ٦ - ١١] قَسَّمَ اللَّهُ تعالى الناسَ إلى قِسْمين:
القسم الأول: مَنْ ثَقُلتْ مَوَازينه؛ وهو الذي رَجَحَتْ حسناتُه على سيئاتِه.
والثاني: مَنْ خفَّتْ مَوَازينه؛ وهو الذي رَجَحَتْ سيئاتُه على حسناتِه، أو الذي ليس له حسنةٌ أصْلًا كالكافر.
يقول تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (٦) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾ العِيشَةُ مأخوذةٌ من العَيْش، وهو الحياة؛ يُقال: عاشَ الرجُلُ زَمَنًا طويلًا؛ أي: بَقِيَ وحَيِيَ زَمَنًا طويلًا. والعِيشَةُ هُنا على وزن (فِعْلَة)، فهي هيئةٌ وليستْ مصدرًا، المصدر الدالُّ على الوحدة أنْ تقول: (عَيْشَة)، وأمَّا إذا قلت: (عِيشَة) فهي (فِعْلَة) تدلُّ على الهيئة؛ كما قال ابن مالك رحمه الله:
؎وَ(فَعْلَةٌ) لِمَرَّةٍ كَجَلْسَهْ ∗∗∗ وَ(فِعْلَةٌ) لِهَيْئَةٍ كَجِلْسَهْ
المعنى أنَّه في حياةٍ طيِّبةٍ راضية.
و﴿رَاضِيَةٍ﴾ قيل: إنها اسمُ فاعلٍ بمعنى اسم المفعول؛ أي: مَرْضِيَّة. وقيل: إنها اسمُ فاعلٍ من باب النِّسبة؛ أي: ذات رِضًا، وكِلا المعنيين واحدٌ؛ المعنى أنَّها عِيشةٌ طيِّبةٌ ليس فيها نَكَدٌ، وليس فيها صَخَبٌ، وليس فيها نَصَبٌ، كاملةٌ من كلِّ وجه، وهذا -يعني العيش في الجنة، جعلنا الله وإيَّاكم منهم- هذا العيش ﴿لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ [الحجر ٤٨]، لا يحزنون، ولا يخافون، في أَنْعَمِ عيشٍ وأَطْيبِ بالٍ، وأَسَرِّ حالٍ، فهي عيشةٌ راضِية.
﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ و﴿مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ﴾ قُلنا: إنَّه الكافر الذي ليس له أيُّ حسنةٍ؛ لأن حسنات الكافر يُجازَى بها في الدنيا ولا تنفعُه في الآخرة، أو إنَّه مسلمٌ لكنَّه مُسْرِفٌ على نفسه وسيئاتُه أكْثَر.
﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ (أُم) هُنا بمعنى: مقصوده؛ أي: الذي يقصده الهاوية. والهاويةُ من أسماء النار؛ يعني أنَّه مآلُه إلى نار جهنَّم والعياذ بالله، وقيل: إن المراد بالأُمِّ هُنا أُمُّ الدِّماغ؛ والمعنى أنَّه يُلْقَى في النار على أمِّ رأسه، نسأل الله السلامة، وإذا كانت الآية تحتمل معنيَيْنِ لا يترجَّح أحدُهما على الآخَر ولا يتنافيانِ فإنَّه يُؤخَذ بالمعنيينِ جميعًا فيُقال: يُرمَى في النار على أُمِّ رأسه، وأيضًا: ليس له مأوًى ولا مقصدٌ إلا النار.
﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ﴾ هذا من باب التفخيم والتعظيم لهذه الهاوية، والعياذُ بالله، يَسْأل: ما هي؟ أتدري ما هي؟ إنَّها لَشَيءٌ عظيمٌ، إنَّها ﴿نَارٌ حَامِيَةٌ﴾ في غاية ما يكون من الحمو، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَى نَارِ الدُّنْيَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا»[[أخرج البخاري (٣٢٦٥)، ومسلم (٢٨٤٣ / ٣٠) واللفظ له، عن أبي هريرة أنَّ النبي ﷺ قال: «نارُكم هذه التي يُوقِد ابنُ آدم جزءٌ من سبعين جزءًا من حرِّ جهنَّم». قالوا: واللهِ إنْ كانت لَكافيةً يا رسول الله. قال: «فإنها فُضِّلتْ عليها بتسعةٍ وستين جزءًا كلُّها مِثْل حرِّها».]]. إذا تأمَّلتَ نارَ الدنيا كلَّها سواء نارُ الحطب أو الوَرَق أو البوتغاز أو أشد من ذلك، فإنَّ نار جهنَّم مفضَّلةٌ عليها بتسعةٍ وستين جزءًا، نسأل الله العافية.
* في هذه الآية: التخويفُ والتحذيرُ من هذا اليوم، وأنَّ الناس لا يخرجون عن حالين: إمَّا رجُلٌ رَجَحَتْ حسناتُه، أو رجُلٌ رَجَحَتْ سيئاتُه.
* وفيها أيضًا: دليلٌ على أن يوم القيامة فيه موازين، وقد جاء في بعض النصوص أنَّه ميزانٌ، فهل هو واحدٌ أو متعدِّد؟
قال بعض أهل العلم: إنَّه واحدٌ، وإنما جُمِعَ باعتبار الموزون؛ لأنَّه يُوزَن فيه الحسناتُ والسيئاتُ، وتُوزَن فيه حسناتُ فلان وفلان، وتُوزَن فيه حسناتُ الأُمَّةِ هذه والأُمَّةِ الأُخرى، فهو مجموعٌ باعتبار الموزون لا باعتبار الميزان، وإلَّا فالميزان واحد.
وقال بعض أهل العلم: إنها موازين متعدِّدة؛ لكلِّ أُمَّةٍ ميزان، ولكُلِّ عملٍ ميزانٌ، فلهذا جُمِعَتْ.
والأظهر -والله أعلم- أنَّه ميزانٌ واحدٌ، لكنَّه جُمِعَ باعتبار الموزون على حسب الأعمال، أو على حسب الأُمَم، أو على حسب الأفراد.
* وفي هذه الآية: دليلٌ على أن الإنسان إذا تساوتْ حسناتُه وسيِّئاتُه فإنَّه قد سُكِتَ عنه في هذه الآية، ولكنْ بيَّن الله تعالى في سورة الأعراف أنَّهم لا يدخلون النار، وإنما يُحبَسون في مكانٍ يُقال له الأعراف، وذكر اللَّهُ تعالى في سورة الأعراف ما يَجْري بينهم وبين المؤمنين، وأنَّهم ﴿إِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف ٤٧]، نسأل الله تعالى أنْ يجعلنا وإيَّاكم مِمَّن رَجَحَتْ حسناتُه على سيئاتِهِ وأنْ يغفر لنا ولكم ويعاملنا بعفوه، إنَّه على كلِّ شيءٍ قدير.
{"ayahs_start":6,"ayahs":["فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَ ٰزِینُهُۥ","فَهُوَ فِی عِیشَةࣲ رَّاضِیَةࣲ","وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَ ٰزِینُهُۥ","فَأُمُّهُۥ هَاوِیَةࣱ","وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا هِیَهۡ","نَارٌ حَامِیَةُۢ"],"ayah":"فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَ ٰزِینُهُۥ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق