الباحث القرآني
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا وصَفَ يَوْمَ القِيامَةِ قَسَّمَ النّاسَ فِيهِ إلى قِسْمَيْنِ فَقالَ: ﴿فَأمّا مَن ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ﴾ واعْلَمْ أنَّ في المَوازِينِ قَوْلَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ جَمْعُ مَوْزُونٍ وهو العَمَلُ الَّذِي لَهُ وزْنٌ وخَطَرٌ عِنْدَ اللَّهِ، وهَذا قَوْلُ الفَرّاءِ قالَ: ونَظِيرُهُ يُقالُ: عِنْدِي دِرْهَمٌ بِمِيزانِ دِرْهَمِكَ ووَزْنِ دِرْهَمِكَ ودارِي بِمِيزانِ دارِكَ ووَزْنِ دارِكَ أيْ بِحِذائِها.
والثّانِي: أنَّهُ جَمْعُ مِيزانٍ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: المِيزانُ لَهُ لِسانٌ وكِفَّتانِ لا يُوزَنُ فِيهِ إلّا الأعْمالُ فَيُؤْتى بِحَسَناتِ المُطِيعِ في أحْسَنِ صُورَةٍ، فَإذا رَجَحَ فالجَنَّةُ لَهُ، ويُؤْتى بِسَيِّئاتِ الكافِرِ في أقْبَحِ صُورَةٍ فَيَخِفُّ وزْنُهُ فَيَدْخُلُ النّارَ. وقالَ الحَسَنُ في المِيزانِ: لَهُ كِفَّتانِ ولا يُوصَفُ، قالَ المُتَكَلِّمُونَ: إنَّ نَفْسَ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ لا يَصِحُّ وزْنُهُما، خُصُوصًا وقَدِ انْقَضَيا، بَلِ المُرادُ أنَّ الصُّحُفَ المَكْتُوبَ فِيها الحَسَناتُ والسَّيِّئاتُ تُوزَنُ، أوْ يُجْعَلُ النُّورُ عَلامَةَ الحَسَناتِ والظُّلْمَةُ عَلامَةَ السَّيِّئاتِ، أوْ تُصَوَّرُ صَحِيفَةُ الحَسَناتِ بِالصُّورَةِ الحَسَنَةِ وصَحِيفَةُ السَّيِّئاتِ بِالصُّورَةِ القَبِيحَةِ فَيَظْهَرُ بِذَلِكَ الثِّقَلُ والخِفَّةُ، وتَكُونُ الفائِدَةُ في ذَلِكَ ظُهُورَ حالِ صاحِبِ الحَسَناتِ في الجَمْعِ العَظِيمِ فَيَزْدادُ سُرُورًا، وظُهُورَ حالِ صاحِبِ السَّيِّئاتِ فَيَكُونُ ذَلِكَ كالفَضِيحَةِ لَهُ عِنْدَ الخَلائِقِ.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَهُوَ في عِيشَةٍ راضِيَةٍ﴾ فالعِيشَةُ مَصْدَرٌ بِمَعْنى العَيْشِ، كالخِيفَةِ بِمَعْنى الخَوْفِ، وأمّا الرّاضِيَةُ فَقالَ الزَّجّاجُ: مَعْناهُ: أيْ: عِيشَةٍ ذاتِ رِضًا يَرْضاها صاحِبُها وهي كَقَوْلِهِمْ: لابِنٌ، وتامِرٌ بِمَعْنى: ذُو لَبَنٍ وذُو تَمْرٍ، ولِهَذا قالَ المُفَسِّرُونَ: تَفْسِيرُها: مَرْضِيَّةٌ عَلى مَعْنى يَرْضاها صاحِبُها.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وأمّا مَن خَفَّتْ مَوازِينُهُ﴾ أيْ قَلَّتْ حَسَناتُهُ فَرَجَحَتِ السَّيِّئاتُ عَلى الحَسَناتِ قالَ أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إنَّما ثَقُلَتْ مَوازِينُ مَن ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ بِاتِّباعِهِمُ الحَقَّ في الدُّنْيا وثِقَلِهِ عَلَيْهِمْ، وحُقَّ لِمِيزانٍ لا يُوضَعُ فِيهِ إلّا الحَقُّ أنْ يَكُونَ ثَقِيلًا، وإنَّما خَفَّتْ مَوازِينُ مَن خَفَّتْ مَوازِينُهُ بِاتِّباعِهِمُ الباطِلَ في الدُّنْيا وخِفَّتِهِ عَلَيْهِمْ، وحُقَّ لِمِيزانٍ يُوضَعُ فِيهِ الباطِلُ أنْ يَكُونَ خَفِيفًا، وقالَ مُقاتِلٌ: إنَّما كانَ كَذَلِكَ لِأنَّ الحَقَّ ثَقِيلٌ والباطِلَ خَفِيفٌ.
﴿فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ﴾ ﴿وما أدْراكَ ما هِيَهْ﴾ ﴿نارٌ حامِيَةٌ﴾ أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ﴾ فَفِيهِ وُجُوهٌ:
أحَدُها: أنَّ الهاوِيَةَ مِن أسْماءِ النّارِ وكَأنَّها النّارُ العَمِيقَةُ يَهْوِي أهْلُ النّارِ فِيها مَهْوًى بَعِيدًا، والمَعْنى فَمَأْواهُ النّارُ، وقِيلَ لِلْمَأْوى ”أُمٌّ“ عَلى سَبِيلِ التَّشْبِيهِ بِالأُمِّ الَّتِي لا يَقَعُ الفَزَعُ مِنَ الوَلَدِ إلّا إلَيْها.
وثانِيها: فَأُمُّ رَأْسِهِ هاوِيَةٌ في النّارِ ذَكَرَهُ الأخْفَشُ، والكَلْبِيُّ، وقَتادَةُ قالَ: لِأنَّهم يَهْوُونَ في النّارِ عَلى رُءُوسِهِمْ.
وثالِثُها: أنَّهم إذا دَعَوْا عَلى الرَّجُلِ بِالهَلاكِ قالُوا: هَوَتْ أُمُّهُ؛ لِأنَّهُ إذا هَوى أيْ: سَقَطَ وهَلَكَ فَقَدْ هَوَتْ أُمُّهُ حُزْنًا وثُكْلًا، فَكَأنَّهُ قِيلَ: ﴿وأمّا مَن خَفَّتْ مَوازِينُهُ﴾ فَقَدْ هَلَكَ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وما أدْراكَ ما هِيَهْ﴾ قالَ صاحِبُ الكَشّافِ: ”هِيَهْ“ ضَمِيرُ الدّاهِيَةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْها قَوْلُهُ: (p-٧١)﴿فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ﴾ في التَّفْسِيرِ الثّالِثِ: أوْ ضَمِيرُ ”هاوِيَةٌ“ والهاءُ لِلسَّكْتِ فَإذا وصَلَ جازَ حَذْفُها، والِاخْتِيارُ الوَقْفُ بِالهاءِ لِاتِّباعِ المُصْحَفِ والهاءُ ثابِتَةٌ فِيهِ، وذَكَرْنا الكَلامَ في هَذِهِ الهاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ [البقرة: ٢٥٩]، ﴿فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [ الأنْعامِ: ٩٠]، ﴿ما أغْنى عَنِّي مالِيَهْ﴾ [الحاقة: ٢٨] .
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿نارٌ حامِيَةٌ﴾ والمَعْنى أنَّ سائِرَ النِّيرانِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْها كَأنَّها لَيْسَتْ حامِيَةً، وهَذا القَدْرُ كافٍ في التَّنْبِيهِ عَلى قُوَّةِ سُخُونَتِها، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنها ومِن جَمِيعِ أنْواعِ العَذابِ، ونَسْألُهُ التَّوْفِيقَ وحُسْنَ المَآبِ: ﴿رَبَّنا وآتِنا ما وعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ ولا تُخْزِنا يَوْمَ القِيامَةِ إنَّكَ لا تُخْلِفُ المِيعادَ﴾ [آل عمران: ١٩٤]
{"ayahs_start":6,"ayahs":["فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَ ٰزِینُهُۥ","فَهُوَ فِی عِیشَةࣲ رَّاضِیَةࣲ","وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَ ٰزِینُهُۥ","فَأُمُّهُۥ هَاوِیَةࣱ","وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا هِیَهۡ","نَارٌ حَامِیَةُۢ"],"ayah":"فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَ ٰزِینُهُۥ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق