الباحث القرآني
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْفَجْرِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَكَمِ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثار وَأَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: صَلَّى مُعَاذٌ صَلَاةً، فَجَاءَ رَجُلٌ فَصَلَّى مَعَهُ فطَول، فَصَلَّى فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ انْصَرَفَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا فَقَالَ: مُنَافِقٌ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَسَأَلَ الْفَتَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُ أُصَلِّي مَعَهُ فَطَوّل عَلَيّ، فَانْصَرَفْتُ وصليتُ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَعَلَّقْتُ نَاضِحِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أفَتَّان يَا مُعَاذُ؟ أَيْنَ أَنْتَ مِن ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى﴾ ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ ﴿وَالْفَجْرِ﴾ ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾ [[سنن النسائي الكبرى برقم (١١٦٧٣) .]] .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
* * *
أَمَّا الْفَجْرُ فَمَعْرُوفٌ، وَهُوَ: الصُّبْحُ. قَالَهُ عَلَيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالسُّدِّيُّ. وَعَنْ مَسْرُوقٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ: الْمُرَادُ بِهِ فَجْرُ يَوْمِ النَّحْرِ خَاصَّةً، وَهُوَ خَاتِمَةُ اللَّيَالِي الْعَشْرِ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ الصَّلَاةُ الَّتِي تُفْعَلُ عِنْدَهُ، كَمَا قَالَهُ عِكْرِمَةُ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ النَّهَارِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَاللَّيَالِي الْعَشْرُ: الْمُرَادُ بِهَا عَشَرُ ذِي الْحِجَّةِ. كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَمُجَاهِدٌ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ" -يَعْنِي عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ -قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلًا خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، ثُمَّ لَمْ يَرْجِعُ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ" [[صحيح البخاري برقم (٩٦٩) .]] .
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْعَشْرُ الْأَوَّلُ مِنَ الْمُحَرَّمِ، حكاه أبو جعفر ابن جَرِيرٍ وَلَمْ يَعْزُهُ إِلَى أَحَدٍ [[في أ: "إلى واحد".]] وَقَدْ رَوَى أَبُو كُدَيْنة، عَنْ قَابُوسُ بْنُ أَبِي ظِبْيان، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ قَالَ: هُوَ الْعَشْرُ الْأَوَّلُ مِنْ رَمَضَانَ.
وَالصَّحِيحُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ؛ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا عَيَّاش بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنِي خَير بْنُ نُعَيم، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "إِنَّ الْعَشْرَ عَشْرُ الْأَضْحَى، وَالْوَتْرُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّفْعُ يَوْمُ النَّحْرِ".
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَعَبْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، بِهِ [[المسند (٣/٣٢٧) وسنن النسائي الكبرى برقم (١٦٧١) .]] وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، بِهِ [[تفسير الطبري (٣٠/١٠٨) .]] وَهَذَا إِسْنَادٌ رِجَالُهُ لَا بَأْسَ بِهِمْ، وَعِنْدِي أَنَّ الْمَتْنَ فِي رَفْعِهِ نَكَارَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ قَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَتْرَ يَوْمُ عَرَفَةَ، لِكَوْنِهِ التَّاسِعَ، وَأَنَّ الشَّفْعَ يَوْمُ النَّحْرِ لِكَوْنِهِ الْعَاشِرَ. وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَالضَّحَّاكُ أَيْضًا.
قَوْلٌ ثَانٍ: وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنِي عقبة بن خالد، عن واصل ابن السَّائِبِ قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ قلتُ: صَلَاتُنَا وِتْرَنَا هَذَا؟ قَالَ: لَا وَلَكِنَّ الشَّفْعَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالْوَتْرَ لَيْلَةُ الْأَضْحَى.
قَوْلٌ ثَالِثٌ: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ النُّعْمَانِ -يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ-عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ عَوْفٍ، حَدَّثَنِي بِمَكَّةَ قال: سمعتُ عبد الله ابن الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَقَامَ إِلَيْهِ رجلٌ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْبِرْنِي عَنِ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ. فَقَالَ: الشَّفْعُ قَوْلُ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ وَالْوَتْرُ قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٢٠٣] .
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُرْتَفِعِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: الشَّفْعُ أَوْسَطُ أَيَّامِ [[في أ: "الشفع الأيام من".]] التَّشْرِيقِ، وَالْوَتْرُ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيرة، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: "إِنْ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةٌ إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وهو وتر يحب الوتر" [[صحيح البخاري برقم (٦٤١٠) وصحيح مسلم برقم (٢٦٧٧) .]] .
قَوْلٌ رَابِعٌ: قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: الْخَلْقُ كُلُّهُمْ شَفْعٌ، وَوِتْرٌ، أَقْسَمَ تَعَالَى بِخَلْقِهِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ الأول.
وَقَالَ العَوفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ قَالَ: اللَّهُ وِتْرٌ وَاحِدٌ، وَأَنْتُمْ شَفْعٌ. وَيُقَالُ: الشَّفْعُ صَلَاةُ الْغَدَاةِ، وَالْوَتْرُ: صَلَاةُ الْمَغْرِبِ.
قَوْلٌ خَامِسٌ: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ قَالَ: الشَّفْعُ الزَّوْجُ، وَالْوَتْرُ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: اللَّهُ الْوَتْرُ، وَخَلْقُهُ الشَّفْعُ، الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ كُلُّ شَيْءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ شَفْعٌ، السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ، وَالْبَرُّ وَالْبَحْرُ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَنَحْوُ هَذَا. وَنَحَا مُجَاهِدٌ فِي هَذَا مَا ذَكَرُوهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الذَّارِيَاتِ:٤٩] أَيْ: لِتَعْلَمُوا أَنَّ خَالِقَ الْأَزْوَاجِ وَاحِدٌ.
قَوْلٌ سَادِسٌ: قَالَ قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ هُوَ الْعَدَدُ، مِنْهُ شَفْعٌ وَمِنْهُ وَتْرٌ.
قَوْلٌ سَابِعٌ: فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ رَوَاهُ ابنُ أَبِي حَاتِمٍ وابنُ جَرير مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَرُوي عَنِ النَّبِيِّ ﷺ خَبَرٌ يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ: حَدَّثَنِي عَبد اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ الْقَطَوَانِيُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، أَخْبَرَنِي عَيَّاشُ بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنِي خَيْرُ [[في أ: "حدثني القطراني".]] بْنُ نُعَيم، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: "الشَّفْعُ الْيَوْمَانِ، وَالْوَتَرُ الْيَوْمُ الثَّالِثُ" [[تفسير الطبري (٣٠/١٠٩) .]] .
هَكَذَا وَرَدَ هَذَا الْخَبَرُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ اللَّفْظِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَمَا رَوَاهُ هُوَ أَيْضًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَغَيْرُهُمَا: هِيَ الصَّلَاةُ، مِنْهَا شَفْعٌ كَالرُّبَاعِيَّةِ وَالثُّنَائِيَّةِ، وَمِنْهَا وَتْرٌ كَالْمَغْرِبِ، فَإِنَّهَا ثَلَاثٌ، وَهِيَ وَتْرُ النَّهَارِ. وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْوِتْرِ فِي آخِرِ التَّهَجُّدِ مِنَ اللَّيْلِ.
وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ قَالَ: هِيَ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ، مِنْهَا شَفْعٌ وَمِنْهَا وَتْرٌ. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ وَمَوْقُوفٌ، وَلَفْظُهُ خَاصٌّ بِالْمَكْتُوبَةِ. وَقَدْ رُوِيَ مُتَّصِلًا مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَلَفْظُهُ عَامٌّ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ -هُوَ الطَّيَالِسِيُّ-حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عِصَامٍ: أَنَّ شَيْخًا [[في أ: "أن جبيرا".]] حَدَّثَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، عَنْ عِمْرَانِ بْنِ حُصَيْنٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِل عَنِ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ، فَقَالَ: "هِيَ الصَّلَاةُ، بَعْضُهَا شَفْعٌ، وَبَعْضُهَا وَتْرٌ" [[المسند (٤/٤٣٧) .]] .
هَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُسْنَدِ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بُنْدَار، عَنِ عَفَّانَ وَعَنْ أَبِي كُرَيْب، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، كِلَاهُمَا عَنْ هَمَّامٍ -وَهُوَ ابْنُ يَحْيَى-عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عِصَامٍ، عن شَيْخٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ [[تفسير الطبري (٣٠/١٠٩) .]] وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيّ وَأَبِي دَاوُدَ، كِلَاهُمَا عَنْ همام، عن قتادة، عن عمران بن عصام، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، بِهِ. ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، وَقَدْ رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ قَيْسٍ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ [[سنن الترمذي برقم (٣٣٤٢) .]] .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عِصَامٍ، عَنْ عِمْرَانَ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْتُ: وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا هَمَّامُ [[في أ: "أخبرنا هشام".]] عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عِصَامٍ الضُّبَعِيِّ -شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ-عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فَذَكَرَهُ، هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي تَفْسِيرِهِ، فَجَعَلَ الشَّيْخَ الْبَصْرِيَّ هُوَ عِمْرَانَ بْنَ عِصَامٍ [الضُّبَعِيَّ] [[زيادة من أ.]] .
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عِصَامٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ قَالَ: "هِيَ الصَّلَاةُ مِنْهَا شَفْعٌ، وَمِنْهَا وَتْرٌ" [[تفسير الطبري (٣٠/١٠٩) .]] .
فَأَسْقَطَ ذِكْرَ الشَّيْخِ الْمُبْهَمِ، وَتَفَرَّدَ بِهِ عِمْرَانُ بْنُ عِصَامٍ الضُّبَعِيُّ أَبُو عُمَارَةَ الْبَصْرِيُّ، إِمَامُ مَسْجِدِ بَنِي ضُبَيعة وَهُوَ وَالِدُ أَبِي جَمْرَة [[في أ: "أبي حمزة".]] نَصْرِ بْنِ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ. رَوَى عَنْهُ قَتَادَةُ، وَابْنُهُ أَبُو جَمْرَةَ [[في أ: "أبي حمزة".]] وَالْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو التَّيَّاحِ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ. وَذَكَرَهُ ابْنُ حبَّان فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ [[الثقات (٥/٢٣٤) .]] وَذَكَرَهُ خَلِيفَةُ ابن خَيَاط فِي التَّابِعِينَ [[في أ: "المتابعين".]] مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَكَانَ شَرِيفًا نَبِيلًا حَظِيًّا عِنْدَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ، ثُمَّ قَتَلَهُ يَوْمَ الزَّاوِيَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ [[في م: "سنة ثنتين".]] وَثَمَانِينَ لِخُرُوجِهِ مَعَ ابْنِ الْأَشْعَثِ، وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ. وَعِنْدِي أَنَّ وَقْفَهُ عَلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَشْبَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمْ يَجْزِمِ ابْنُ جَرِيرٍ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ [[في م: "يسرى".]] قَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ إِذَا ذَهَبَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ حَتَّى يُذْهِبَ بَعْضُهُ بَعْضًا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَقَتَادَةُ، وَمَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَابْنِ زَيْدٍ: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ إِذَا سَارَ.
وَهَذَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَيْ: ذَهَبَ. ويحتمل أن يكون المراد إذا سار، أَيْ: أَقْبَلَ. وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ هَذَا أَنْسَبُ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَالْفَجْرِ﴾ فَإِنَّ الْفَجْرَ هُوَ إِقْبَالُ النَّهَارِ وَإِدْبَارُ اللَّيْلِ، فَإِذَا حُمِلَ قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ [[في م: "يسرى".]] عَلَى إِقْبَالِهِ كَانَ قَسَمًا بِإِقْبَالِ اللَّيْلِ وَإِدْبَارِ النَّهَارِ، وَبِالْعَكْسِ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾ [التَّكْوِيرِ:١٧، ١٨] . وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ: ﴿ [وَاللَّيْلِ] إِذَا يَسْرِ﴾ [[زيادة من م، أ.]] أَيْ: يَجْرِي.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ يَعْنِي: لَيْلَةَ جَمْع. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِصَامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ قَالَ: اسْرِ يَا سَارِ وَلَا تَبِينَ إِلَّا بجَمْع.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾ أَيْ: لِذِي عَقْلٍ وَلُبٍّ وَحِجَا [وَدِينٍ] [[زيادة من م.]] وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْعَقْلُ حجْرًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْإِنْسَانَ مِنْ تَعَاطِي مَا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنَ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ، وَمِنْهُ حجْرُ الْبَيْتِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الطَّائِفَ مِنَ اللُّصُوقِ بِجِدَارِهِ الشَّامِيِّ. وَمِنْهُ حِجْرُ الْيَمَامَةِ، وحَجَرَ الْحَاكِمُ عَلَى فُلَانٍ: إِذَا مَنَعَهُ التَّصَرُّفَ، ﴿وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الْفُرْقَانِ:٢٢] ، كُلُّ هَذَا مِنْ قَبِيلٍ وَاحِدٍ، وَمَعْنًى مُتَقَارِبٍ، وَهَذَا الْقَسَمُ هُوَ بِأَوْقَاتِ الْعِبَادَةِ، وَبِنَفْسِ الْعِبَادَةِ مِنْ حَجٍّ وَصَلَاةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْقُرَبِ الَّتِي يَتَقَرَّبُ بِهَا [إِلَيْهِ عِبَادُهُ] [[زيادة من م، أ.]] الْمُتَّقُونَ الْمُطِيعُونَ لَهُ، الْخَائِفُونَ مِنْهُ، الْمُتَوَاضِعُونَ لَدَيْهِ، الْخَاشِعُونَ لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ.
وَلَمَّا ذَكَرَ هَؤُلَاءِ وَعِبَادَتَهُمْ وَطَاعَتَهُمْ قَالَ بَعْدَهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ﴾ وَهَؤُلَاءِ كَانُوا مُتَمَرِّدِينَ عُتَاةً جَبَّارِينَ، خَارِجِينَ عَنْ طَاعَتِهِ مُكَذِّبِينَ لِرُسُلِهِ، جَاحِدِينَ لِكُتُبِهِ. فَذَكَرَ تَعَالَى كَيْفَ أَهْلَكَهُمْ وَدَمَّرَهُمْ، وَجَعَلَهُمْ أَحَادِيثَ وعبَرا، فَقَالَ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ وَهَؤُلَاءِ عَادٌ الْأَوْلَى، وَهُمْ أَوْلَادُ عَادِ بْنِ إِرَمَ بْنِ عَوص بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ، قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَهُمُ الَّذِينَ بَعَثَ اللَّهُ فِيهِمْ رَسُولَهُ هُودًا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَكَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ، فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ وَمَنْ آمَنُ مَعَهُ مِنْهُمْ، وَأَهْلَكَهُمْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ، ﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾ [الْحَاقَّةِ:٧، ٨] وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ قِصَّتَهُمْ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ، لِيَعْتَبِرَ بِمَصْرَعِهِمُ الْمُؤْمِنُونَ.
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ [[في م: "بعاد إرم".]] عَطْفُ بَيَانٍ؛ زِيَادَةُ تَعْرِيفٍ بِهِمْ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْكُنُونَ بُيُوتَ الشِّعر الَّتِي تُرْفَعُ بِالْأَعْمِدَةِ الشِّدَادِ، وَقَدْ كَانُوا أَشَدَّ النَّاسِ فِي زَمَانِهِمْ [[في م: "زيادتهم".]] خِلْقَةً وَأَقْوَاهُمْ بَطْشًا، وَلِهَذَا ذكَّرهم هُودٌ بِتِلْكَ النِّعْمَةِ وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى أَنْ يَسْتَعْمِلُوهَا فِي طَاعَةِ رَبِّهِمُ الَّذِي خَلَقَهُمْ، فَقَالَ: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ [لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] ﴾ [[في م، أ، هـ: "ولا تعثوا في الأرض مفسدين" والصواب ما أثبتناه.]] [الأعراف:٦٩] . وقال تعالى: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ [فُصِّلَتْ:١٥] ، وَقَالَ هَاهُنَا: ﴿الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ﴾ أَيِ: الْقَبِيلَةُ الَّتِي لَمْ يَخْلُقْ مِثْلَهَا فِي بِلَادِهِمْ، لِقُوَّتِهِمْ وَشِدَّتِهِمْ وَعِظَمِ تَرْكِيبِهِمْ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: إِرَمَ: أُمَّةٌ قَدِيمَةٌ. يَعْنِي: عَادًا الْأُولَى، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ، والسُّدِّيُّ: إِنَّ إِرَمَ بَيْتُ مَمْلَكَةِ عَادٍ. وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالْكَلْبِيُّ فِي قَوْلِهِ: ﴿ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ كَانُوا أَهْلَ عَمُودٍ لَا يُقِيمُونَ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا قِيلَ لَهُمْ: ﴿ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ لِطُولِهِمْ.
وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ ابنُ جَرِيرٍ، وَرَدَّ الثَّانِي فَأَصَابَ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ﴾ أَعَادَ ابْنُ زَيْدٍ الضميرَ عَلَى الْعِمَادِ؛ لِارْتِفَاعِهَا، وَقَالَ: بَنَوْا عُمُدا بِالْأَحْقَافِ لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ. وَأَمَّا قَتَادَةُ وَابْنُ جَرِيرٍ فَأَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى الْقَبِيلَةِ، أَيْ: لَمْ يَخْلُقْ مِثْلَ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ فِي الْبِلَادِ، يَعْنِي فِي زَمَانِهِمْ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ، وَقَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ: الَّتِي لَمْ يُعْمَلْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ، وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ﴾
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنِ الْمِقْدَامِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ ذَكَرَ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ فَقَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَأْتِي عَلَى صَخْرَةٍ فَيَحْمِلُهَا عَلَى الْحَيِّ فَيُهْلِكُهُمْ" [[ورواه ابن مردويه في تفسيره كما في فتح الباري لابن حجر (٨/٧٠١) .]] .
ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ. قَالَ: قَرَأْتُ كِتَابًا -قَدْ سَمَّى حَيْثُ قَرَأَهُ-: أَنَا شَدَّادُ بْنُ عَادٍ، وَأَنَا الَّذِي رَفَعْتُ الْعِمَادَ، وَأَنَا الَّذِي شَدَدْتُ بِذِرَاعِي نَظَرَ وَاحِدٍ، وَأَنَا الَّذِي كَنَزْتُ كَنْزًا عَلَى سَبْعَةِ أَذْرُعٍ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ.
قُلْتُ: فَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ سَوَاءٌ كَانَتِ الْعِمَادُ أَبْنِيَةً بَنَوْهَا، أَوْ أَعْمِدَةَ بُيُوتِهِمْ لِلْبَدْوِ، أَوْ سِلَاحًا يُقَاتِلُونَ بِهِ، أَوْ طُولَ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ -فَهُمْ قَبِيلَةٌ وَأُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ، وَهُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ، الْمَقْرُونُونَ بِثَمُودَ كَمَا هَاهُنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: ﴿إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ مَدِينَةٌ إِمَّا دِمَشْقُ، كَمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعِكْرِمَةَ، أَوِ إِسْكَنْدَرِيَّةُ كَمَا رُوي عَنِ القُرَظي [[في أ: "القرطبي".]] أَوْ غَيْرُهُمَا، فَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ كَيْفَ يَلْتَئِمُ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ إِنْ جَعَلَ ذَلِكَ بَدَلًا أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ، فَإِنَّهُ لَا يَتَّسِقُ الْكَلَامُ حِينَئِذٍ. ثُمَّ الْمُرَادُ إِنَّمَا هُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ إِهْلَاكِ الْقَبِيلَةِ الْمُسَمَّاةِ بِعَادٍ، وَمَا أَحَلَّ اللَّهُ بِهِمْ مِنْ بَأْسِهِ الَّذِي لَا يُرَد، لَا أَنَّ المراد الإخبار عن مدينة أو إقليم.
وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِكَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ، مِنْ ذِكْرِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا: ﴿إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، قُصُورُهَا وَدَوْرُهَا وَبَسَاتِينُهَا، وَإِنَّ حَصْبَاءَهَا [[في أ: "وأن حصباؤها" وهو خطأ.]] لَآلِئٌ وَجَوَاهِرُ، وَتُرَابُهَا بَنَادِقُ الْمِسْكِ، وَأَنْهَارُهَا سَارِحَةٌ، وَثِمَارُهَا سَاقِطَةٌ، وَدُورُهَا لَا أَنِيسَ بِهَا، وَسُورُهَا [[في م: "وسررها".]] وَأَبْوَابُهَا تَصْفَرُّ، لَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٍ. وَأَنَّهَا تَنْتَقِلُ فَتَارَةٌ تَكُونُ بِأَرْضِ الشَّامِ، وَتَارَةٌ بِالْيَمَنِ، وَتَارَةٌ بِالْعِرَاقِ، وَتَارَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْبِلَادِ -فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ خُرَافَاتِ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ، مِنْ وَضْعِ بَعْضِ زَنَادِقَتِهِمْ، لِيَخْتَبِرُوا بِذَلِكَ عُقُولَ الْجَهَلَةِ مِنَ النَّاسِ أَنْ تُصَدِّقَهُمْ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ.
وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ -وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قِلابة-فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ ذَهَبَ فِي طَلَبِ أَبَاعِرَ لَهُ شَرَدَتْ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَتِيهُ فِي ابْتِغَائِهَا، إِذْ طَلَعَ عَلَى مَدِينَةٍ عَظِيمَةٍ لَهَا سُورٌ وَأَبْوَابٌ، فَدَخَلَهَا فَوَجَدَ فِيهَا قَرِيبًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنْ صِفَاتِ الْمَدِينَةِ الذَّهَبِيَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، وَأَنَّهُ رَجَعَ فَأَخْبَرَ النَّاسَ، فَذَهَبُوا مَعَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي قَالَ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ قِصَّةَ ﴿إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ هَاهُنَا مُطَوَّلَةً جِدًّا، فَهَذِهِ الْحِكَايَةُ لَيْسَ يَصِحُّ إِسْنَادُهَا، وَلَوْ صَحَّ إِلَى ذَلِكَ الْأَعْرَابِيِّ فَقَدْ يَكُونُ اخْتَلَقَ ذَلِكَ، أَوْ أَنَّهُ أَصَابَهُ نَوْعٌ مِنَ الهَوَس وَالْخَبَالِ [[في م: "والخيال".]] فَاعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ حَقِيقَةٌ فِي الْخَارِجِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَهَذَا مِمَّا يُقْطَعُ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ. وَهَذَا قَرِيبٌ مِمَّا يُخْبِرُ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْجَهَلَةِ وَالطَّامِعِينَ وَالْمُتَحَيِّلِينَ، مِنْ وُجُودِ مَطَالِبَ تَحْتَ الْأَرْضِ، فِيهَا قَنَاطِيرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَلْوَانِ الْجَوَاهِرِ وَالْيَوَاقِيتِ [[في م: "والياقوت".]] وَاللَّآلِئِ وَالْإِكْسِيرِ الْكَبِيرِ، لَكِنْ عَلَيْهَا مَوَانِعُ تَمْنَعُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهَا وَالْأَخْذِ مِنْهَا، فَيَحْتَالُونَ عَلَى أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ وَالضَّعَفَةِ وَالسُّفَهَاءِ، فَيَأْكُلُونَهَا بِالْبَاطِلِ فِي صَرْفِهَا فِي بَخَاخِيرَ وَعَقَاقِيرَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْهَذَيَانَاتِ، ويَطْنزون بِهِمْ. وَالَّذِي يُجْزَمُ بِهِ أَنَّ فِي الْأَرْضِ دَفَائِنَ جَاهِلِيَّةً وَإِسْلَامِيَّةً وَكُنُوزًا كَثِيرَةً، مَنْ ظَفَرَ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَمْكَنَهُ تَحْوِيلُهُ [[في م: "تحويلها".]] فَأَمَّا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي زَعَمُوهَا فَكَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ وَبُهْتٌ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِمَّا يَقُولُونَ إِلَّا عَنْ نَقْلِهِمْ أَوْ نَقْلِ مَنْ أَخَذَ عَنْهُمْ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْهَادِي لِلصَّوَابِ.
وقولُ ابْنِ جَرِيرٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِرَمَ﴾ قَبِيلَةً أَوْ بَلْدَةً كَانَتْ عَادٌ تَسْكُنُهَا فَلِذَلِكَ لَمْ تُصرَف فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ السِّيَاقِ إِنَّمَا هُوَ الْإِخْبَارُ عَنِ الْقَبِيلَةِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَهُ: ﴿وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ﴾ يَعْنِي: يَقْطَعُونَ الصَّخْرَ بِالْوَادِي. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَنْحِتُونَهَا وَيَخْرِقُونَهَا. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَابْنُ زَيْدٍ. وَمِنْهُ يُقَالُ: "مُجْتَابِي النِّمَارَ". إِذَا خَرَقُوهَا، وَاجْتَابَ الثَّوْبَ: إِذَا فَتَحَهُ. وَمِنْهُ الْجَيْبُ أَيْضًا. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ﴾ [الشُّعَرَاءِ:١٤٩] . وَأَنْشَدَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا قَوْلَ الشَّاعِرِ: أَلَا كُلّ شَيْءٍ -مَا خَلا اللَّهَ-بائدٌ ... كَما بَاد حَيٌّ مِنْ شَنِيفٍ وَمَارِدِ ...
هُم ضَرَبُوا فِي كُلِّ صَمَّاء صَعدة ... بِأَيْدٍ شِدَاد أَيَّدَاتِ السَّواعد [[تفسير الطبري (٣٠/١١٣) .]]
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانُوا عَرَبًا، وَكَانَ مَنْزِلُهُمْ بِوَادِي الْقُرَى. وَقَدْ ذَكَرْنَا قِصَّةَ "عَادٍ" مُسْتَقْصَاةً فِي سُورَةِ "الْأَعْرَافِ" بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ﴾ قَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْأَوْتَادُ: الْجُنُودُ الَّذِينَ يَشُدُّونَ لَهُ أَمْرَهُ. وَيُقَالُ: كَانَ فِرْعَوْنُ يُوتِدُ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ فِي أَوْتَادٍ مِنْ حَديد يُعَلِّقُهُمْ بِهَا. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ يُوتِدُ النَّاسَ بِالْأَوْتَادِ. وَهَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنُ، وَالسُّدِّيُّ. قَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ يَرْبِطُ الرَّجُلَ، كُلُّ قَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِهِ فِي وَتَدٍ ثُمَّ يُرْسِلُ عَلَيْهِ صَخْرَةً عَظِيمَةً فَتَشْدَخُهُ [[في أ: "فشخده".]] .
وَقَالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ مَطَالٌّ وَمَلَاعِبٌ، يَلْعَبُ لَهُ تَحْتَهَا، مِنْ أَوْتَادٍ وَحِبَالٍ.
وَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ: قِيلَ لِفِرْعَوْنَ ﴿ذِي الأوْتَادِ﴾ ؛ لِأَنَّهُ ضَرَبَ لِامْرَأَتِهِ أَرْبَعَةَ أَوْتَادٍ، ثُمَّ جَعَلَ عَلَى ظَهْرِهَا رَحًى عَظِيمَةً حَتَّى مَاتَتْ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ﴾ أَيْ: تَمَرَّدُوا وَعَتَوْا وَعَاثُوا فِي الْأَرْضِ بِالْإِفْسَادِ وَالْأَذِيَّةِ لِلنَّاسِ، ﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ﴾ أَيْ: أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ، وَأَحَلَّ بِهِمْ عُقُوبَةً لَا يَرُدُّهَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَسْمَعُ وَيَرَى. يَعْنِي: يَرْصُدُ [[في أ: "يراصد".]] خَلْقَهُ فِيمَا يَعْمَلُونَ، وَيُجَازِي كُلًّا بِسَعْيِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى، وَسَيُعْرَضُ الْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ عَلَيْهِ، فَيَحْكُمُ فِيهِمْ بِعَدْلِهِ، وَيُقَابِلُ كُلًّا بِمَا يَسْتَحِقُّهُ. وَهُوَ الْمُنَزَّهُ عَنِ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا حَدِيثًا غَرِيبًا جِدًّا -وَفِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ وَفِي صِحَّتِهِ-فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الْبَيْسَانِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَا مُعَاذُ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَدَى الْحَقِّ أَسِيرٌ. يَا مُعَاذُ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَسْكُنُ رَوْعُهُ وَلَا يَأْمَنُ اضْطِرَابُهُ حَتَّى يُخَلَّف جِسْرَ جَهَنَّمَ خَلْفَ ظَهْرِهِ. يَا مُعَاذُ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ قَيَّدَهُ الْقُرْآنُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ شَهَوَاتِهِ، وَعَنْ أَنْ يَهْلَكَ فِيهَا هُوَ بِإِذْنِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَالْقُرْآنُ دَلِيلُهُ، وَالْخَوْفُ مَحَجَّتُهُ، وَالشَّوْقُ مَطِيَّتُهُ، وَالصَّلَاةُ كَهْفُهُ، وَالصَّوْمُ جَنَّتُهُ، وَالصَّدَقَةُ فِكَاكُهُ، وَالصِّدْقُ أَمِيرُهُ، وَالْحَيَاءُ وَزِيرُهُ، وَرَبُّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْمِرْصَادِ" [[ورواه أبو نعيم في الحلية (١٠/٣١) من طريق إسحاق بن أبي حسان، عن أحمد بن أبي الحواري به، ورواه أبو نعيم في الحلية (١/٢٦) من طريق عبد الملك بن أبي كريمة، عن أبي حاجب، عن عبد الرحمن، عن معاذ مرفوعا بنحوه.]] .
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: يُونُسُ الْحَذَّاءُ وَأَبُو حَمْزَةَ مَجْهُولَانِ، وَأَبُو حَمْزَةَ عَنْ مُعَاذٍ مُرْسَلٌ. وَلَوْ كَانَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ لَكَانَ حَسَنًا. أَيْ: لَوْ كَانَ مِنْ كَلَامِهِ لَكَانَ حَسَنًا. ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حاتم: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَيْفَعَ بْنِ عَبْدٍ الْكُلَاعِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَهُ وَهُوَ يَعِظُ النَّاسَ يَقُولُ: إِنَّ لِجَهَنَّمَ سَبْعَ قَنَاطِرَ -قَالَ: وَالصِّرَاطُ عَلَيْهِنَّ، قَالَ: فَيَحْبِسُ الْخَلَائِقَ عِنْدَ الْقَنْطَرَةِ الْأُولَى، فَيَقُولُ: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾ [الصَّافَّاتِ:٢٤] ، قَالَ: فَيُحَاسَبُونَ عَلَى الصَّلَاةِ ويُسألون عَنْهَا، قَالَ: فَيَهْلِكُ فِيهَا مَنْ هَلَكَ، وَيَنْجُو مَنْ نَجَا، فَإِذَا بَلَغُوا الْقَنْطَرَةَ الثَّانِيَةَ حُوسبوا عَلَى الْأَمَانَةِ كَيْفَ أَدَّوْهَا، وَكَيْفَ خَانُوهَا؟ قَالَ: فَيَهْلِكُ مَنْ هَلَكَ وَيَنْجُو مَنْ نَجَا. فَإِذَا بَلَغُوا الْقَنْطَرَةَ الثَّالِثَةَ سُئلوا عَنِ الرَّحِمِ كَيْفَ وَصَلُوها وَكَيْفَ قَطَعُوهَا؟ قَالَ: فَيَهْلِكُ مَنْ هَلَكَ وَيَنْجُو مَنْ نَجَا. قَالَ: وَالرَّحِمُ يَوْمَئِذٍ مُتَدَلِّيَةٌ إِلَى الهُويّ فِي جَهَنَّمَ تَقُولُ: اللَّهُمَّ مَنْ وَصَلَنِي فَصِلْه، وَمَنْ قَطَعَنِي فَاقْطَعْهُ. قَالَ: وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ .
هَكَذَا أَوْرَدَ هَذَا الْأَثَرَ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَمَامَهُ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["وَٱلۡفَجۡرِ","وَلَیَالٍ عَشۡرࣲ","وَٱلشَّفۡعِ وَٱلۡوَتۡرِ","وَٱلَّیۡلِ إِذَا یَسۡرِ","هَلۡ فِی ذَ ٰلِكَ قَسَمࣱ لِّذِی حِجۡرٍ","أَلَمۡ تَرَ كَیۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ","إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ","ٱلَّتِی لَمۡ یُخۡلَقۡ مِثۡلُهَا فِی ٱلۡبِلَـٰدِ","وَثَمُودَ ٱلَّذِینَ جَابُوا۟ ٱلصَّخۡرَ بِٱلۡوَادِ","وَفِرۡعَوۡنَ ذِی ٱلۡأَوۡتَادِ","ٱلَّذِینَ طَغَوۡا۟ فِی ٱلۡبِلَـٰدِ","فَأَكۡثَرُوا۟ فِیهَا ٱلۡفَسَادَ","فَصَبَّ عَلَیۡهِمۡ رَبُّكَ سَوۡطَ عَذَابٍ","إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ"],"ayah":"إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق