الباحث القرآني
(p-٦٠٤)بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ الفَجْرِ
وهِيَ مَكِّيَّةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ المُفَسِّرِينَ، وحَكى أبُو عَمْرٍو الدانِيُّ في كِتابِهِ المُؤَلَّفِ في تَنْزِيلِ القُرْآنِ عن بَعْضِ العُلَماءِ أنَّهُ قالَ: إنَّها مَدَنِيَّةٌ، والأوَّلُ أشْهَرُ وأصَحُّ.
قوله عزّ وجلّ:
﴿والفَجْرِ﴾ ﴿وَلَيالٍ عَشْرٍ﴾ ﴿والشَفْعِ والوَتْرِ﴾ ﴿واللَيْلِ إذا يَسْرِ﴾ ﴿هَلْ في ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾ ﴿ألَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ﴾ ﴿إرَمَ ذاتِ العِمادِ﴾ ﴿الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها في البِلادِ﴾ ﴿وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَخْرَ بِالوادِ﴾ ﴿وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوتادِ﴾ ﴿الَّذِينَ طَغَوْا في البِلادِ﴾ ﴿فَأكْثَرُوا فِيها الفَسادَ﴾ ﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ﴾ ﴿إنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصادِ﴾
قالَ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ: "الفَجْرِ" هُنا هو المَشْهُورُ الطالِعُ كُلَّ يَوْمٍ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: الفَجْرُ: النَهارُ كُلُّهُ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا وزَيْدُ بْنُ أسْلَمَ: الفَجْرُ الَّذِي أقْسَمَ اللهُ بِهِ: صَلاةُ الصُبْحِ، وقَرَأ: " إنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ" وقالَ مُجاهِدٌ: إنَّما أرادَ فَجْرَ يَوْمِ النَحْرِ، وقالَ الضَحّاكُ: المُرادُ فَجْرُ ذِي الحِجَّةِ، وقالَ مُقاتِلٌ: المُرادُ فَجْرُ لَيْلَةِ جَمْعٍ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا: المُرادُ فَجْرُ أوَّلِ يَوْمِ المُحَرَّمِ لِأنَّهُ فَجْرُ السَنَةِ، وقِيلَ: المُرادُ فَجْرُ العُيُونِ مِنَ الصُخُورِ وغَيْرِها. وقالَ عِكْرِمَةُ: المُرادُ فَجْرُ يَوْمِ الجُمْعَةِ.
واخْتَلَفَ الناسُ في "اللَيالِي العَشْرِ" -فَقالَ بَعْضُ الرُواةِ: هي العَشْرُ الأُوَلُ مِن رَمَضانَ، وابْنُ عَبّاسٍ والضَحّاكُ: هي العَشْرُ الأواخِرُ مِن رَمَضانَ، وقالَ يَمانُ وجَماعَةٌ مِنَ المُتَأوِّلِينَ: هي العَشْرُ الأُوَلُ مِنَ المُحَرَّمِ، وفِيهِ يَوْمُ عاشُوراءَ، وقالَ ابْنُ (p-٦٠٥)الزُبَيْرِ، ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، والضَحّاكُ، والسُدِّيُّ، وعَطِيَّةُ العَوْفِيُّ: هي عَشَرُ ذِي الحِجَّةِ، وقالَ مُجاهِدٌ: هي عَشْرُ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ الَّتِي أتَمَّها اللهُ تَعالى لَهُ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "وَلَيالٍ"، وقَرَأ بَعْضُ القُرّاءِ: [وَلَيالِي عَشْرٌ] بِالإضافَةِ، وكَأنَّ هَذا عَلى أنَّ "العَشْرَ" مُشارٌ إلَيْهِ مُعَيَّنٌ بِالعِلْمِ بِهِ، ثُمَّ وقَعَ القَسَمُ بِلَيالِيهِ، فَكَأنَّ "العَشْرَ" اسْمٌ لَزِمَهُ، وهَذا نَحْوُ قَوْلِهِمْ: "فَعَلْتُ كَذا في العَشْرِ الأوسَطِ"، فَإنَّما هَذا عَلى أنَّ "العَشْرَ" اسْمٌ لَزِمَ حَتّى عُومِلَ مُعامَلَةَ الفَرْدِ ثُمَّ وُصِفَ بِهِ، ومَن راعى فِيهِ اللَيالِي قالَ "العَشْرُ الوَسَطُ".
واخْتَلَفَ الناسُ في "الشَفْعِ والوِتْرِ" -فَقالَ جابِرٌ عَنِ النَبِيِّ ﷺ: « "الشَفْعُ يَوْمُ النَحْرِ، والوِتْرُ يَوْمُ عَرَفَةَ"» ورَوى أبُو أيُّوبَ عنهُ ﷺ أنَّهُ قالَ: « "الشَفْعُ يَوْمُ عَرَفَةَ ويَوْمُ الأضْحى، والوِتْرُ لَيْلَةَ النَحْرِ"»، ورَوى عِمْرانُ بْنُ حُصَيْنٍ عنهُ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ أنَّهُ قالَ: « "هِيَ الصَلَواتُ مِنها الشَفْعُ ومِنها الوَتْرُ"»، وقالَ ابْنُ الزُبَيْرِ وغَيْرُهُ: الشَفْعُ اليَوْمانِ مِن أيّامِ التَشْرِيقِ، والوَتْرُ اليَوْمُ الثالِثُ، وقالَ آخَرُونَ: الشَفْعُ العالِمُ، والوِتْرُ اللهُ سُبْحانُهُ؛ إذْ هو تَعالى الواحِدُ مَحْضًا وسِواهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وقالَ بَعْضُ المُتَأوِّلِينَ: الشَفْعُ آدَمُ وحَوّاءُ عَلَيْهِما السَلامُ، والوِتْرُ اللهُ سُبْحانَهُ وتَعالى، وقالَ ابْنُ سِيرِينَ، ومَسْرُوقٌ، وأبُو صالِحٍ: الشَفْعُ والوِتْرُ شائِعانِ في الخَلْقِ كُلِّهِ، الإيمانُ والكُفْرُ، والإنْسُ والجِنُّ وما اطَّرَدَ نَحْوُ هَذا فَهي أضْدادٌ أو كالأضْدادِ، ووَتَرَها اللهُ تَعالى فَرْدٌ واحِدٌ، وقِيلَ: الشَفْعُ الصَفا والمَرْوَةُ، والوِتْرُ البَيْتُ، وقالَ الحُسَيْنُ بْنُ الفَضْلِ: الشَفْعُ أبْوابُ الجَنَّةِ لِأنَّها ثَمانِيَةٌ، والوِتْرُ أبْوابُ النارِ لِأنَّها سَبْعَةٌ، وقالَ مُقاتِلٌ: الشَفْعُ الأيّامُ واللَيالِي، والوِتْرُ يَوْمُ القِيامَةِ لِأنَّهُ لا لَيْلَ بَعْدَهُ، وقالَ أبُو بَكْرٍ الوَرّاقُ: الشَفْعُ تَضادُّ أوصافِ المَخْلُوقِينَ كالعِزِّ والذُلِّ ونَحْوِهِ، والوِتْرُ اتِّحادُ صِفاتِ اللهِ تَعالى، عِزٌّ مَحْضٌ وكَرَمٌ مَحْضٌ، ونَحْوُهُ، وقِيلَ: الشَفْعُ، قُرْآنُ الحَجِّ والعُمْرَةِ، والوِتْرُ الإفْرادُ بِالحَجِّ، وقالَ (p-٦٠٦)الحَسَنُ: أقْسَمَ اللهُ تَعالى بِالعَدَدِ لِأنَّهُ إمّا شَفَعَ وإمّا وتَرَ، وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: الشَفْعُ حَوّاءٌ والوِتْرُ آدَمُ عَلَيْهِما السَلامُ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ: الوِتْرُ صَلاةُ المَغْرِبِ والشَفْعُ صَلاةُ الصُبْحِ، وقالَ أبُو العالِيَةِ: الشَفْعُ الرَكْعَتانِ مِنَ المَغْرِبِ والوِتْرُ الرَكْعَةُ الأخِيرَةُ، وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: الشَفْعُ تَنَفُّلُ اللَيْلِ مَثْنى مَثْنى، والوِتْرُ الرَكْعَةُ الأخِيرَةُ المَعْرُوفَةُ.
وقَرَأ جُمْهُورُ القُرّاءِ والناسُ: "والوَتَرُ" بِفَتْحِ الواوِ، وهي لُغَةُ قُرَيْشٍ وأهْلِ الحِجازِ، وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ والحَسَنُ -بِخِلافٍ- وأبُو رَجاءٍ، وابْنُ وثّابٍ، وطَلْحَةُ، والأعْمَشُ، وقَتادَةُ: "والوِتْرُ" بِكَسْرِ الواوِ، وهي لُغَةُ تَمِيمٍ وبَكْرٍ، وذَكَرَ الزَهْراوِيُّ أنَّ الأغَرَّ رَواها عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وهُما لُغَتانِ في الفَرْدِ، وأمّا الذَحْلُ فَإنَّما هو "وِتْرٌ" بِالكَسْرِ لا غَيْرُ، وقَدْ ذَكَرَ الزَهْراوِيُّ أنَّ الأصْمَعِيَّ حَكى فِيهِ اللُغَتَيْنِ، الفَتْحَ والكَسْرَ.
و"سَرى اللَيْلُ" ذَهابُهُ وانْقِراضُهُ، هَذا قَوْلُ الجُمْهُورِ، وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ، والأخْفَشُ، وغَيْرُهُما: المَعْنى إذا يَسْرِي فِيهِ، فَيَخْرُجُ هَذا الكَلامُ مَخْرَجَ "لَيْلٌ نائِمٌ ونَهارٌ صائِمٌ"، وقالَ مُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، والكَلْبِيُّ: أرادَ بِهَذا لَيْلَةَ جُمَعٍ لِأنَّهُ يُسْرى فِيها، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "يَسْرِ" دُونَ ياءٍ في وصْلٍ ووَقْفٍ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ: "يَسْرِي" بِالياءِ في وصْلٍ ووَقْفٍ، وقَرَأ نافِعٌ وأبُو عَمْرٍو -بِخِلافٍ- عنهُ "يَسْرِي" بِياءٍ في الوَصْلِ ودُونَهُ في الوَقْفِ، وحَذْفُها تَخْفِيفٌ لِاعْتِدالِ رُؤُوسِ الآيِ إذْ هي فَواصَلُ كالقَوافِي، قالَ اليَزِيدِيُّ: الوَصْلُ في هَذا وما أشْبَهَهُ بِالياءِ، والوَقْفُ بِغَيْرِ ياءٍ عَلى خَطِّ المُصْحَفِ، ووَقَفَ تَعالى عَلى هَذِهِ الأقْسامِ العِظامِ هَلْ فِيها مُقْنِعٌ وحَسَبٌ لِذِي عَقْلٍ. و"الحِجْرُ" العَقْلُ والنُهْيَةُ، والمَعْنى: فَيَزْدَجِرُ ذُو الحِجْرِ ويَنْظُرُ في آياتِ اللهِ تَعالى.
ثُمَّ وقَفَ تَعالى عَلى مُصارِعِ الأُمَمِ الخالِيَةِ الكافِرَةِ وما فَعَلَ رَبُّكَ مِنَ التَعْذِيبِ والإهْلاكِ، والمُرادُ بِذَلِكَ تَوَعُّدُ قُرَيْشٍ ونُصْبُ المَثَلِ لَها. و"عادٌ" قَبِيلَةٌ لا خِلافَ في ذَلِكَ، واخْتَلَفَ الناسُ في "إرَمَ" - فَقالَ مُجاهِدٌ وقَتادَةُ: هي القَبِيلَةُ بِعَيْنِها، وعَلى هَذا قالَ ابْنُ قَيْسِ الرُقَيّاتِ:
؎ مَجْدًا تَلِيدًا بَناهُ أوَّلُهُ أدْرَكَ عادًا وقَبْلَها إرْما
(p-٦٠٧)وَقالَ زُهَيْرٌ:
؎ وآخَرِينَ تَرى الماذِيَّ عُدَّتُهم ∗∗∗ مِن نَسْجِ داوُدَ أو ما أورَثَتْ إرَمُ
وقالَ ابْنُ إسْحاقَ: إرَمٌ هو أبُو عادٍ كُلِّها، وهو عادُ بْنُ عَوْصَ بْنِ إرَمَ بْنِ سامَ بْنِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَلامُ، وقالَ غَيْرُ ابْنِ إسْحاقَ: هو أحَدُ أجْدادِها، وقالَ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ: إرَمُ مَدِينَةٌ لَهم عَظِيمَةٌ كانَتْ عَلى وجْهِ الدَهْرِ بِاليَمَنِ، وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: هي "الإسْكَنْدَرِيَّةُ"، وقالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ والمُقْبِرِيُّ: هي دِمَشْقُ، وهَذانَ القَوْلانِ ضَعِيفانِ، وقالَ مُجاهِدٌ "إرَمُ" مَعْناهُ: قَدِيمَةٌ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "بِعادٍ إرَمَ"، فَصَرَفُوا "عادًا" عَلى إرادَةِ الحَيِّ، ونَعَتُوا بـ "إرَمَ " بِكَسْرِ الهَمْزَةِ عَلى أنَّها القَبِيلَةُ بِعَيْنِها، ويُؤَيِّدُ هَذا قَوْلُ اليَهُودِ لِلْعَرَبِ: سَيَخْرُجُ فِينا نَبِيٌّ نَتْبَعُهُ، نَقْتُلُكم مَعَهُ قَتْلَ عادٍ وإرَمَ، فَهَذا يَقْتَضِي أنَّها قَبِيلَةٌ، وعَلى هَذِهِ القِراءَةِ يَتَّجِهُ أنْ يَكُونَ "إرَمُ" أبًا لِعادٍ أو جَدًّا غَلَبَ اسْمُهُ عَلى القَبِيلَةِ، وقَرَأ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ "بِعادِ إرَمَ" عَلى تَرْكِ الصَرْفِ في "عادٍ" وإضافَتِها إلى "إرَمَ"، وهَذا يَتَّجِهُ عَلى أنْ يَكُونَ "إرَمَ" أبًا أو جَدًّا، وعَلى أنْ تَكُونَ مَدِينَةً. وقَرَأ الضَحّاكُ: "بِعادَ أرَمَ" بِفَتْحِ الدالِ والهَمْزَةِ مِن "أرَمَ" وفَتْحِ الراءِ والمِيمِ، عَلى تَرْكِ الصَرْفِ في "عادٍ" والإضافَةِ، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ والضَحّاكُ "بِعادِ إرَمَّ" بِشَدّ المِيمِ عَلى الفِعْلِ الماضِي بِمَعْنى: بَلِيَ وصارَ رَمِيمًا، يُقالُ أرِمَ العَظْمُ ورُمَّ وأرَمَّهُ اللهُ، تَعِدّى "رَمَّ" بِالهَمْزَةِ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا: "أرْمِ ذاتَ" بِالنَصْبِ في التاءِ، عَلى إيقاعِ الإرْمامِ عَلَيْها، أيْ: أبْلاها رَبُّكَ وجَعَلَها رَمِيمًا، وقَرَأ ابْنُ الزُبَيْرِ: "أرْمِ" بِفَتْحِ الهَمْزَةِ (p-٦٠٨)وَكَسْرِ الراءِ، وهي لُغَةٌ في المَدِينَةِ، وقَرَأ الضَحّاكُ بْنُ مُزاحِمٍ "أرْمِ" بِسُكُونِ الراءِ وفَتْح الهَمْزَةِ وهي تَخْفِيفٌ في "أرُمَ" كَفَخْذَةٍ وفَخْذٍ.
واخْتَلَفَ الناسُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ذاتِ العِمادِ﴾ فَمَن قالَ "إرَمُ مَدِينَةٌ" قالَ: العِمادُ هي أعْمِدَةُ الحِجارَةِ الَّتِي بُنِيَتْ بِها، وقِيلَ القُصُورُ العالِيَةُ والأبْراجُ يُقالُ لَها: عِمادٌ، ومَن قالَ "إرَمَ" قَبِيلَةٌ قالَ: العِمادُ إمّا أعْمِدَةُ أبْنِيَتِهِمْ وإمّا أعْمِدَةُ بُيُوتِهِمُ الَّتِي يَرْحَلُونَ بِها؛ لِأنَّهم كانُوا أهْلَ عَمُودٍ يَنْتَجِعُونَ البِلادَ، قالَهُ مُقاتِلٌ وجَماعَةٌ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هي كِنايَةٌ عن طُولِ أبْدانِهِمْ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: " لَمْ يُخْلَقْ" بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ اللامِ "مِثُلَها" رَفْعًا، وقَرَأ ابْنُ الزُبَيْرِ "لَمْ يَخْلُقْ" بِفَتْحِ الياءِ وضَمِّ اللامِ "وَمِثْلَها" نَصْبًا، وذَكَرَ أبُو عَمْرٍو الدانِيُّ عنهُ أنَّهُ قَرَأ: "لَمْ نَخْلُقْ" بِالنُونِ وضَمِّ اللامِ "مِثْلَها" نَصْبًا، وذَكَرَ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ عن عِكْرِمَةَ، والضَمِيرُ في مِثْلِها يَعُودُ إمّا عَلى المَدِينَةِ وإمّا عَلى القَبِيلَةِ.
وقَرَأ يَحْيى بْنُ وثّابٍ "وَثَمُودًا" بِتَنْوِينِ الدالِ، و"جابُوا الصَخْرَ" مَعْناهُ: خَرَقُوهُ ونَحَتُوهُ، وكانُوا في وادِيهِمْ قَدْ نَحَتُوا بُيُوتَهم في حِجارَةٍ، و"الوادِي" ما بَيْنَ الجَبَلَيْنِ وإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ماءٌ، هَذا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ المُفَسِّرِينَ في مَعْنى "جابُوا الصَخْرَ بِالوادِ"، وقالَ الثَعْلَبِيُّ: يُرِيدُ: بِوادِي القُرى، وقالَ قَوْمٌ: المَعْنى: جابُوا وادِيَهم وجَلَبُوا ماءَهم في صَخْرٍ شَقُّوهُ، وهَذا فِعْلُ ذَوِي القُوَّةِ والآمالِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ: "بِالوادِي" بِالياءِ، وقَرَأ أكْثَرُ السَبْعَةِ: "بِالوادِ" بِدُونِ ياءٍ، واخْتَلَفَ في ذَلِكَ نافِعٌ، وقَدْ تَقَدَّمَ هَذا.
و"فِرْعَوْنَ" هو فِرْعَوْنُ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ، واخْتَلَفَ الناسُ في أوتادِهِ فَقِيلَ أبْنِيَتُهُ العالِيَةُ العَظِيمَةُ، قالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وقِيلَ: جُنُودُهُ الَّذِينَ بِهِمْ يَثْبُتُ مُلْكُهُ، وقِيلَ المُرادُ أوتادُ أخْبِيَةٍ عَساكِرُهُ وذُكِرَتْ لِكَثْرَتِها ودَلالَتِها عَلى غَزَواتِهِ وطَوافِهِ في البِلادِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ ومِنهُ قَوْلُ الأسْوَدِ بْنِ يَعْفُرَ:
؎ .............. ∗∗∗ في ظِلِّ مُلْكٍ ثابِتِ الأوتادِ
(p-٦٠٩)وَقالَ قَتادَةُ: كانَ لَهُ أوتادٌ يَلْعَبُ عَلَيْها الرِجالُ بَيْنَ يَدَيْهِ وهو مُشْرِفٌ عَلَيْهِمْ، وقالَ مُجاهِدٌ: كانَ يُوتِدُ الناسَ بِأوتادِ الحَدِيدِ، يَقْتُلُهم بِذَلِكَ، يَضْرِبُها في أبْدانِهِمْ حَتّى تَنْفُذَ إلى الأرْضِ، وقِيلَ: إنَّما فُعِلَ ذَلِكَ بِزَوْجَتِهِ آسِيَةَ، وقِيلَ: فَعَلَ ذَلِكَ بِماشِطَةِ بِنْتِهِ لِأنَّها كانَتْ آمَنَتْ بِمُوسى عَلَيْهِ السَلامُ.
و"الطُغْيانُ" تَجاوُزُ الحُدُودِ، و"الصَبُّ" يُسْتَعْمَلُ في السَوْطِ لِأنَّهُ يَقْتَضِي سُرْعَةً في النُزُولِ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ في المَحْدُودِينَ في الإفْكِ:
؎ فَصُبَّتْ عَلَيْهِمْ مُحْصَداتٌ كَأنَّها ∗∗∗ شَآبِيبُ لَيْسَتْ مِن سَحابٍ ولا قَطْرِ
ومِن ذَلِكَ قَوْلُ المُتَأخِّرِ في صِفَةِ الخَيْلِ:
؎ صَبَبْنا عَلَيْها ظالِمِينَ سِياطَنا ∗∗∗ فَطارَتْ بِها أيْدٍ سِراعٍ وأرْجُلِ
وإنَّما خُصَّ "السَوْطُ" بِأنْ يُسْتَعارَ لِلْعَذابِ لِأنَّهُ يَقْتَضِي مِنَ التَكْرارِ والتَرْدادِ ما لا يَقْتَضِيهِ السَيْفُ ولا غَيْرُهُ، وقالَ بَعْضُ اللُغَوِيِّينَ: السَوْطُ هُنا مَصْدَرٌ مَن ساطَ يَسُوطُ، فَكَأنَّهُ تَعالى قالَ: خِلْطُ عَذابٍ.
و"المِرْصادُ" و"المَرْصَدُ": مَوْضِعُ الرَصْدِ، قالَهُ اللُغَوِيُّونَ، أيْ أنَّهُ عِنْدَ لِسانِ كُلِّ قائِلٍ، ومَرْصَدٌ لِكُلِّ فاعِلٍ، وعَلى هَذا التَأْوِيلِ في المِرْصادِ جَوابُ عامِرِ بْنِ قَيْسٍ
(p-٦١٠)لِعُثْمانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ حِينَ قالَ لَهُ: أيْنَ رَبُّكَ يا أعْرابِيُّ؟ قالَ بِالمِرْصادِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ "المِرْصادُ" في الآيَةِ اسْمُ فاعِلٍ، كَأنَّهُ تَعالى قالَ: لَبِالراصِدِ، فَعَبَّرَ بِبِناءِ مُبالِغَةٍ، ورُوِيَ في بَعْضِ الحَدِيثِ « "إنَّ عَلى جِسْرِ جَهَنَّمَ ثَلاثُ قَناطِرَ، عَلى إحْداهُما الأمانَةُ، وعَلى الأُخْرى الدَمُ، وعَلى الأخِيرَةِ الرَبُّ تَعالى، فَذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿إنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصادِ﴾».
{"ayahs_start":1,"ayahs":["وَٱلۡفَجۡرِ","وَلَیَالٍ عَشۡرࣲ","وَٱلشَّفۡعِ وَٱلۡوَتۡرِ","وَٱلَّیۡلِ إِذَا یَسۡرِ","هَلۡ فِی ذَ ٰلِكَ قَسَمࣱ لِّذِی حِجۡرٍ","أَلَمۡ تَرَ كَیۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ","إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ","ٱلَّتِی لَمۡ یُخۡلَقۡ مِثۡلُهَا فِی ٱلۡبِلَـٰدِ","وَثَمُودَ ٱلَّذِینَ جَابُوا۟ ٱلصَّخۡرَ بِٱلۡوَادِ","وَفِرۡعَوۡنَ ذِی ٱلۡأَوۡتَادِ","ٱلَّذِینَ طَغَوۡا۟ فِی ٱلۡبِلَـٰدِ","فَأَكۡثَرُوا۟ فِیهَا ٱلۡفَسَادَ","فَصَبَّ عَلَیۡهِمۡ رَبُّكَ سَوۡطَ عَذَابٍ","إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ"],"ayah":"إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق