الباحث القرآني
وهي مَكِّيَّةٌ بِلا خِلافٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ، والنَّحّاسُ في ناسِخِهِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ مِن طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: نَزَلَتْ والفَجْرِ بِمَكَّةَ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وعائِشَةَ مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ النَّسائِيُّ عَنْ جابِرٍ قالَ: «صَلّى مُعاذٌ صَلاةً، فَجاءَ رَجُلٌ فَصَلّى مَعَهُ فَطَوَّلَ، فَصَلّى في ناحِيَةِ المَسْجِدِ ثُمَّ انْصَرَفَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعاذًا فَقالَ: مُنافِقٌ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ أُصَلِّي فَطَوَّلَ عَلَيَّ، فانْصَرَفْتُ فَصَلَّيْتُ في ناحِيَةِ المَسْجِدِ فَعَلَفْتُ ناضِحِي، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أفَتّانٌ أنْتَ يا مُعاذُ ؟ أيْنَ أنْتَ مِن ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلى﴾ ﴿والشَّمْسِ وضُحاها﴾ والفَجْرِ، ﴿واللَّيْلِ إذا يَغْشى﴾» .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(p-١٦١٧)أقْسَمَ سُبْحانَهُ بِهَذِهِ الأشْياءِ كَما أقْسَمَ بِغَيْرِها مِن مَخْلُوقاتِهِ.
واخْتُلِفَ في الفَجْرِ الَّذِي أقْسَمَ اللَّهُ بِهِ هُنا، فَقِيلَ هو الوَقْتُ المَعْرُوفُ، وسُمِّيَ فَجْرًا لِأنَّهُ وقْتُ انْفِجارِ الظُّلْمَةِ عَنِ النَّهارِ مِن كُلِّ يَوْمٍ.
وقالَ قَتادَةُ: إنَّهُ فَجْرُ أوَّلِ يَوْمٍ مِن شَهْرِ مُحَرَّمٍ؛ لِأنَّ مِنهُ تَتَفَجَّرُ السَّنَةُ.
وقالَ مُجاهِدٌ: يُرِيدُ يَوْمَ النَّحْرِ.
وقالَ الضَّحّاكُ: فَجْرُ ذِي الحِجَّةِ.
لِأنَّ اللَّهَ قَرَنَ الأيّامَ بِهِ فَقالَ: ﴿ولَيالٍ عَشْرٍ﴾ أيْ لَيالٍ عَشْرٍ مِن ذِي الحِجَّةِ، وبِهِ قالَ السُّدِّيُّ، والكَلْبِيُّ.
وقِيلَ المَعْنى: وصَلاةُ الفَجْرِ أوْ رَبُّ الفَجْرِ.
والأوَّلُ أوْلى.
وجَوابُ هَذا القَسَمِ وما بَعْدَهُ هو قَوْلُهُ: ﴿إنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصادِ﴾ كَذا قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ، وقِيلَ مَحْذُوفٌ لِدَلالَةِ السِّياقِ عَلَيْهِ: أيْ لَيُجازِيَنَّ كُلَّ أحَدٍ بِما عَمِلَ، أوْ لَيُعَذِّبَنَّ، وقَدَّرَهُ أبُو حَيّانَ بِما دَلَّتْ عَلَيْهِ خاتِمَةُ السُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهُ: أيْ والفَجْرِ إلَخْ لِإيابِهِمْ إلَيْنا وحِسابِهِمْ عَلَيْنا، وهَذا ضَعِيفٌ جِدًّا، وأضْعَفُ مِنهُ قَوْلُ مَن قالَ: إنَّ الجَوابَ قَوْلُهُ: ﴿هَلْ في ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾ وأنَّ " هَلْ " بِمَعْنى قَدْ؛ لِأنَّ هَذا لا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ مُقْسَمًا عَلَيْهِ أبَدًا ﴿ولَيالٍ عَشْرٍ﴾ هي عَشْرُ ذِي الحِجَّةِ في قَوْلِ جُمْهُورِ المُفَسِّرِينَ.
وقالَ الضَّحّاكُ: إنَّها الأواخِرُ مِن رَمَضانَ، وقِيلَ العَشْرُ الأُوَلُ مِنَ المُحَرَّمِ إلى عاشِرِها يَوْمَ عاشُوراءَ.
قَرَأ الجُمْهُورُ لَيالٍ بِالتَّنْوِينِ، وعَشْرٍ صِفَةٌ لَها.
وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ ولَيالِي عَشْرٍ بِالإضافَةِ، قِيلَ والمُرادُ لَيالِي أيّامِ عَشْرٍ، وكانَ حَقُّهُ عَلى هَذا أنْ يُقالَ عَشَرَةٌ؛ لِأنَّ المَعْدُودَ مُذَكَّرٌ.
وأُجِيبَ عَنْهُ بِأنَّهُ إذا حُذِفَ المَعْدُودُ جازَ الوَجْهانِ.
﴿والشَّفْعِ والوَتْرِ﴾ الشَّفْعُ والوَتْرُ يَعُمّانِ كُلَّ الأشْياءِ شَفْعَها ووَتْرَها، وقِيلَ شَفْعُ اللَّيالِي ووَتْرُها.
وقالَ قَتادَةُ: الشَّفْعُ والوَتْرُ شَفْعُ الصَّلاةِ ووَتْرُها، مِنهُ شَفْعٌ ومِنها وتْرٌ.
وقِيلَ الشَّفْعُ يَوْمُ عَرَفَةَ ويَوْمُ النَّحْرِ، والوَتْرُ لَيْلَةُ يَوْمِ النَّحْرِ.
وقالَ مُجاهِدٌ، وعَطِيَّةُ العَوْفِيُّ: الشَّفْعُ الخَلْقُ، والوَتْرُ اللَّهُ الواحِدُ الصَّمَدُ، وبِهِ قالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، ومَسْرُوقٌ، وأبُو صالِحٍ، وقَتادَةُ.
وقالَ الرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ، وأبُو العالِيَةِ: هي صَلاةُ المَغْرِبِ فِيها رَكْعَتانِ والوَتْرُ الرَّكْعَةُ.
وقالَ الضَّحّاكُ: الشَّفْعُ عَشْرُ ذِي الحِجَّةِ والوَتْرُ أيّامُ مِنًى الثَّلاثَةُ، وبِهِ قالَ عَطاءٌ. وقِيلَ هُما آدَمُ وحَوّاءُ، لِأنَّ آدَمَ كانَ وتْرًا فَشُفِعَ بِحَوّاءَ.
وقِيلَ الشَّفْعُ دَرَجاتُ الجَنَّةِ وهي ثَمانٍ، والوَتْرُ دَرَكاتُ النّارِ وهي سَبْعٌ، وبِهِ قالَ الحُسَيْنُ بْنُ الفَضْلِ.
وقِيلَ الشَّفْعُ الصَّفا والمَرْوَةُ، والوَتْرُ الكَعْبَةُ.
وقالَ مُقاتِلٌ: الشَّفْعُ الأيّامُ واللَّيالِي، والوَتْرُ اليَوْمُ الَّذِي لا لَيْلَةَ بَعْدَهُ، وهو يَوْمُ القِيامَةِ وقالَ سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: الوَتْرُ هو اللَّهُ سُبْحانَهُ، وهو الشَّفْعُ أيْضًا لِقَوْلِهِ: ﴿ما يَكُونُ مِن نَجْوى ثَلاثَةٍ إلّا هو رابِعُهم﴾ [المجادلة: ٧] الآيَةَ وقالَ الحَسَنُ: المُرادُ بِالشَّفْعِ والوَتْرِ العَدَدُ كُلُّهُ؛ لِأنَّ العَدَدَ لا يَخْلُو عَنْهُما.
وقِيلَ الشَّفْعُ مَسْجِدُ مَكَّةَ والمَدِينَةِ، والوَتْرُ مَسْجِدُ بَيْتِ المَقْدِسِ.
وقِيلَ الشَّفْعُ حَجُّ القِرانِ، والوَتْرُ الإفْرادُ.
وقِيلَ الشَّفْعُ الحَيَوانُ لِأنَّهُ ذَكَرٌ وأُنْثى، والوَتْرُ الجَمادُ.
وقِيلَ الشَّفْعُ ما سُمِّيَ، والوَتْرُ ما لا يُسَمّى.
ولا يَخْفاكَ ما في غالِبِ هَذِهِ الأقْوالِ مِنَ السُّقُوطِ البَيِّنِ والضَّعْفِ الظّاهِرِ، والِاتِّكالِ في التَّعْيِينِ عَلى مُجَرَّدِ الرَّأْيِ الزّائِفِ والخاطِرِ الخاطِئِ.
والَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ ويَتَعَيَّنُ المَصِيرُ إلَيْهِ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ مَعْنى الشَّفْعِ والوَتْرِ في كَلامِ العَرَبِ، وهُما مَعْرُوفانِ واضِحانِ، فالشَّفْعُ عِنْدَ العَرَبِ الزَّوْجُ، والوَتْرُ الفَرْدُ.
فالمُرادُ بِالآيَةِ إمّا نَفْسُ العَدَدِ أوْ ما يَصْدُقُ عَلَيْهِ مِنَ المَعْدُوداتِ بِأنَّهُ شَفْعٌ أوْ وتْرٌ.
وإذا قامَ دَلِيلٌ عَلى تَعْيِينِ شَيْءٍ مِنَ المَعْدُوداتِ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ، فَإنْ كانَ الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ المُرادُ نَفْسُهُ دُونَ غَيْرِهِ فَذاكَ، وإنْ كانَ الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ مِمّا تَناوَلَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مانِعًا مِن تَناوُلِها لِغَيْرِهِ.
قَرَأ الجُمْهُورُ والوَتْرُ بِفَتْحِ الواوِ.
وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ وخَلَفٌ بِكَسْرِها، وهي قِراءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وأصْحابِهِ وهُما لُغَتانِ، والفَتْحُ لُغَةُ قُرَيْشٍ وأهْلِ الحِجازِ، والكَسْرُ لُغَةُ تَمِيمٍ.
قالَ الأصْمَعِيُّ: كُلُّ فَرْدِ وِتْرٌ، وأهْلُ الحِجازِ يَفْتَحُونَ فَيَقُولُونَ وتْرٌ في الفَرْدِ.
وحَكى يُونُسُ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أنَّهُ قَرَأ بِفَتْحِ الواوِ وكَسْرِ التّاءِ، فَيُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ لُغَةً ثالِثَةً، ويُحْتَمَلُ أنَّهُ نَقَلَ كَسْرَةَ الرّاءِ إلى التّاءِ إجْراءً لِلْوَصْلِ مَجْرى الوَقْفِ.
﴿واللَّيْلِ إذا يَسْرِي﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ يَسْرِ بِحَذْفِ الياءِ وصْلًا ووَقْفًا اتِّباعًا لِرَسْمِ المُصْحَفِ.
وقَرَأ نافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو بِحَذْفِها في الوَقْفِ وإثْباتِها في الوَصْلِ.
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ، ويَعْقُوبُ بِإثْباتِها في الوَصْلِ والوَقْفِ.
قالَ الخَلِيلُ: تَسْقُطُ الياءُ مِنها مُوافَقَةً لِرُؤُوسِ الآيِ.
قالَ الزَّجّاجُ: والحَذْفُ أحَبُّ إلَيَّ لِأنَّها فاصِلَةٌ والفَواصِلُ تُحْذَفُ مِنها الياءاتُ.
قالَ الفَرّاءُ: قَدْ تَحْذِفُ العَرَبُ الياءَ وتَكْتَفِي بِكَسْرِ ما قَبْلَها، وأنْشَدَ بَعْضُهم:
؎كَفاكَ كَفٌّ ما تَلِيقُ دِرْهَمًا جُودًا وأُخْرى تُعْطِ بِالسَّيْفِ دَمًا
ما تَلِيقُ: أيْ ما تُمْسِكُ.
قالَ المُؤَرِّجُ: سَألْتُ الأخْفَشَ عَنِ العِلَّةِ في إسْقاطِ الياءِ مِن " يَسْرِ " فَقالَ: لا أُجِيبُكَ حَتّى تَبِيتَ عَلى بابِ دارِي سَنَةً، فَبَتَّ عَلى بابِ دارِهِ سَنَةً فَقالَ: اللَّيْلُ لا يَسْرِي، وإنَّما يُسْرى فِيهِ، فَهو مَصْرُوفٌ عَنْ جِهَتِهِ، وكُلُّ ما صَرَفْتَهُ عَنْ جِهَتِهِ بَخَسْتَهُ مِن إعْرابِهِ، ألا تَرى إلى قَوْلِهِ: ﴿وما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ [مريم: ٢٨] ولَمْ يَقُلْ بَغِيَّةً؛ لِأنَّهُ صَرَفَها مِن باغِيَةٍ.
وفِي كَلامِ الأخْفَشِ هَذا نَظَرٌ، فَإنَّ صَرْفَ الشَّيْءِ عَنْ مَعْناهُ لِسَبَبٍ مِنَ الأسْبابِ لا يَسْتَلْزِمُ صَرْفَ لَفْظِهِ عَنْ بَعْضِ ما يَسْتَحِقُّهُ، ولَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَلَزِمَ في كُلِّ المَجازاتِ العَقْلِيَّةِ واللَّفْظِيَّةِ، واللّازِمُ باطِلٌ فالمَلْزُومُ مِثْلُهُ، والأصْلُ هاهُنا إثْباتُ الياءِ، لِأنَّها لامُ الفِعْلِ المُضارِعِ المَرْفُوعِ، ولَمْ تُحْذَفْ لِعِلَّةٍ مِنَ العِلَلِ إلّا لِاتِّباعِ رَسْمِ المُصْحَفِ ومُوافَقَةِ رُؤُوسِ الآيِ إجْراءً لِلْفَواصِلِ مَجْرى القَوافِي. ومَعْنى ﴿واللَّيْلِ إذا يَسْرِي﴾ إذا يَمْضِي، كَقَوْلِهِ: ﴿واللَّيْلِ إذْ أدْبَرَ﴾ [المدثر: ٣٣] ﴿واللَّيْلِ إذا عَسْعَسَ﴾ [التكوير: ١٧] وقِيلَ مَعْنى يَسْرِ: يَسارٌ فِيهِ، كَما يُقالُ لَيْلٌ نائِمٌ ونَهارٌ صائِمٌ، كَما في قَوْلِ الشّاعِرِ:
؎لَقَدْ لُمْتِنا يا أُمَّ غَيْلانَ في السُّرى ∗∗∗ ونِمْتِ وما لَيْلُ المَطِيِّ بِنائِمِ
وبِهَذا قالَ الأخْفَشُ، والقُتَيْبِيُّ وغَيْرُهُما مِن أهْلِ المَعانِي، (p-١٦١٨)وبِالأوَّلِ قالَ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ.
وقالَ قَتادَةُ، وأبُو العالِيَةِ: ﴿واللَّيْلِ إذا يَسْرِي﴾ أيْ جاءَ وأقْبَلَ.
قالَ النَّخَعِيُّ: أيِ اسْتَوى.
قالَ عِكْرِمَةُ، وقَتادَةُ، والكَلْبِيُّ، ومُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: هي لَيْلَةُ المُزْدَلِفَةِ خاصَّةً لِاخْتِصاصِها بِاجْتِماعِ النّاسِ فِيها لِطاعَةِ اللَّهِ سُبْحانَهُ، وقِيلَ لَيْلَةُ القَدْرِ لِسَرايَةِ الرَّحْمَةِ فِيها.
والرّاجِحُ عَدَمُ تَخْصِيصِ لَيْلَةٍ مِنَ اللَّيالِي دُونَ أُخْرى.
﴿هَلْ في ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾ هَذا الِاسْتِفْهامُ لِتَقْرِيرِ تَعْظِيمِ ما أقْسَمَ سُبْحانَهُ بِهِ وتَفْخِيمِهِ مِن هَذِهِ الأُمُورِ المَذْكُورَةِ، والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: " ذَلِكَ " إلى تِلْكَ الأُمُورِ، والتَّذْكِيرُ بِتَأْوِيلِ المَذْكُورِ أيْ: هَلْ في ذَلِكَ المَذْكُورِ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي أقْسَمْنا بِها قَسَمٌ: أيْ مُقْسَمٌ بِهِ حَقِيقٌ بِأنْ تُؤَكَّدَ بِهِ الأخْبارُ ﴿لِذِي حِجْرٍ﴾ أيْ عَقْلٍ ولُبٍّ، فَمَن كانَ ذا عَقْلٍ ولُبٍّ عَلِمَ أنَّ ما أقْسَمَ اللَّهُ بِهِ مِن هَذِهِ الأشْياءِ حَقِيقٌ بِأنْ يُقْسَمَ بِهِ، ومِثْلُ هَذا قَوْلُهُ: ﴿وإنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ [الواقعة: ٧٦] .
قالَ الحَسَنُ ﴿لِذِي حِجْرٍ﴾ أيْ لِذِي حِلْمٍ.
وقالَ أبُو مالِكٍ: لِذِي سِتْرٍ مِنَ النّاسِ.
وقالَ الجُمْهُورُ: الحِجْرُ العَقْلُ.
قالَ الفَرّاءُ: الكُلُّ يَرْجِعُ إلى مَعْنًى واحِدٍ، لِذِي عَقْلٍ ولِذِي حِلْمٍ ولِذِي سِتْرٍ، الكُلُّ بِمَعْنى العَقْلِ.
وأصْلُ الحِجْرِ المَنعُ، يُقالُ لِمَن مَلَكَ نَفْسَهُ ومَنَعَها: إنَّهُ لَذُو حِجْرٍ، ومِنهُ سُمِّيَ الحَجَرُ لِامْتِناعِهِ بِصَلابَتِهِ، ومِنهُ حَجَرَ الحاكِمُ عَلى فُلانٍ: أيْ مَنَعَهُ.
قالَ والعَرَبُ تَقُولُ: إنَّهُ لَذُو حِجْرٍ: إذا كانَ قاهِرًا لِنَفْسِهِ ضابِطًا لَها.
ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحانَهُ عَلى طَرِيقَةِ الِاسْتِشْهادِ ما وقَعَ مِن عَذابِهِ عَلى بَعْضِ طَوائِفِ الكُفّارِ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ وعِنادِهِمْ وتَكْذِيبِهِمْ لِلرُّسُلِ تَحْذِيرًا لِلْكُفّارِ في عَصْرِ نَبِيِّنا ﷺ وتَخْوِيفًا لَهم أنْ يُصِيبَهم ما أصابَهم فَقالَ: ﴿ألَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إرَمَ ذاتِ العِمادِ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ بِتَنْوِينِ عادٍ عَلى أنْ يَكُونَ إرَمَ عَطْفَ بَيانٍ لِعادٍ، والمُرادُ بِعادٍ اسْمُ أبِيهِمْ، وإرَمُ اسْمُ القَبِيلَةِ أوْ بَدَلٌ مِنهُ، وامْتِناعُ صَرْفِ إرَمَ لِلتَّعْرِيفِ والتَّأْنِيثِ.
وقِيلَ المُرادُ بِعادٍ أوْلادُ عادٍ، وهم عادٌ الأُولى، ويُقالُ لِمَن بَعْدَهم عادٌ الأُخْرى، فَيَكُونُ ذِكْرُ إرَمَ عَلى طَرِيقَةِ عَطْفِ البَيانِ أوِ البَدَلِ، لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّهم عادٌ الأُولى لا عادٌ الأُخْرى، ولا بُدَّ مِن تَقْدِيرِ مُضافٍ عَلى كِلا القَوْلَيْنِ: أيْ أهْلِ إرَمَ، أوْ سِبْطِ إرَمَ. فَإنَّ إرَمَ هو جَدُّ عادٍ، لِأنَّهُ عادُ بْنُ عُوصِ بْنِ إرَمَ بْنِ سامِ بْنِ نُوحٍ.
وقَرَأ الحَسَنُ، وأبُو العالِيَةِ بِإضافَةِ عادٍ إلى إرَمَ.
قَرَأ الجُمْهُورُ إرَمَ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وفَتْحِ الرّاءِ والمِيمِ.
وقَرَأ الحَسَنُ، ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، والضَّحّاكُ " أرَمَ " بِفَتْحِ الهَمْزَةِ والرّاءِ، وقَرَأ مُعاذٌ بِسُكُونِ الرّاءِ تَخْفِيفًا، وقُرِئَ بِإضافَةِ إرَمَ إلى ذاتِ العِمادِ.
قالَ مُجاهِدٌ: مَن قَرَأ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ شَبَّهَهم بِالإرَمِ الَّتِي هي الأعْلامُ واحِدُها أرَمُ، وفي الكَلامِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ: أيْ والفَجْرِ وكَذا وكَذا ﴿إنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصادِ﴾ ألَمْ تَرَ: أيْ ألَمْ يَنْتَهِ عِلْمُكَ إلى ما فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ، وهَذِهِ الرُّؤْيَةُ رُؤْيَةُ القَلْبِ، والخِطابُ لِلنَّبِيِّ ﷺ، أوْ لِكُلِّ مَن يَصْلُحُ لَهُ، وقَدْ كانَ أمْرُ عادٍ وثَمُودَ مَشْهُورًا عِنْدَ العَرَبِ؛ لِأنَّ دِيارَهم مُتَّصِلَةٌ بِدِيارِ العَرَبِ، وكانُوا يَسْمَعُونَ مِن أهْلِ الكِتابِ أمْرَ فِرْعَوْنَ.
وقالَ مُجاهِدٌ أيْضًا: إرَمُ أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ، وقالَ قَتادَةُ: هي قَبِيلَةٌ مِن عادٍ، وقِيلَ هُما عادانِ، فالأُولى هي إرَمُ، ومِنهُ قَوْلُ قَيْسِ بْنِ الرُّقَيّاتِ:
؎مَجْدًا تَلِيدًا بَناهُ أوَّلُهم ∗∗∗ أدْرَكَ عادًا وقَبْلَهُ إرَمَ
قالَ مَعْمَرٌ: إرَمُ إلَيْهِ مُجْتَمَعُ عادٍ وثَمُودَ، وكانَ يُقالُ عادُ إرَمَ وعادُ ثَمُودَ، وكانَتِ القَبِيلَتانِ تُنْسَبُ إلى إرَمَ.
قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: هُما عادانِ، فالأُولى إرَمُ.
ومَعْنى ﴿ذاتِ العِمادِ﴾: ذاتُ القُوَّةِ والشِّدَّةِ، مَأْخُوذٌ مِن قُوَّةِ الأعْمِدَةِ، كَذا قالَ الضَّحّاكُ.
وقالَ قَتادَةُ، ومُجاهِدٌ: إنَّهم كانُوا أهْلَ عُمُدٍ سَيّارَةٍ في الرَّبِيعِ، فَإذا هاجَ النَّبْتُ رَجَعُوا إلى مَنازِلِهِمْ.
وقالَ مُقاتِلٌ: ﴿ذاتِ العِمادِ﴾ يَعْنِي طُولَهم، كانَ طُولُ الرَّجُلِ مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ ذِراعًا، ويُقالُ رَجُلٌ طَوِيلُ العِمادِ: أيِ القامَةِ.
قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: ﴿ذاتِ العِمادِ﴾ ذاتِ الطُّولِ، يُقالُ رَجْعٌ مُعَمَّدٌ: إذا كانَ طَوِيلًا.
وقالَ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ أيْضًا: كانَ عِمادًا لِقَوْمِهِمْ، يُقالُ فُلانٌ عَمِيدُ القَوْمِ وعَمُودُهم: أيْ سَيِّدُهم.
وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿ذاتِ العِمادِ﴾ يَعْنِي إحْكامَ البُنْيانِ بِالعَمْدِ.
قالَ في الصِّحاحِ: والعِمادُ: الأبْنِيَةُ الرَّفِيعَةُ تُذَكَّرُ وتُؤَنَّثُ، قالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
؎ونَحْنُ إذا عِمادُ الحَيِّ خَرَّتْ ∗∗∗ عَلى الإخْفاضِ نَمْنَعُ مَن يَلِينا
وقالَ عِكْرِمَةُ، وسَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ: هي دِمَشْقُ، ورَواهُ ابْنُ وهْبٍ، وأشْهَبُ عَنْ مالِكٍ.
وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: هي الإسْكَنْدَرِيَّةُ.
﴿الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها في البِلادِ﴾ هَذِهِ صِفَةٌ لِعادٍ: أيْ لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُ تِلْكَ القَبِيلَةِ في الطُّولِ والشِّدَّةِ والقُوَّةِ، وهُمُ الَّذِينَ قالُوا: ﴿مَن أشَدُّ مِنّا قُوَّةً﴾ [فصلت: ١٥] أوْ صِفَةٌ لِلْقَرْيَةِ عَلى قَوْلِ مَن قالَ: إنَّ إرَمَ اسْمٌ لِقَرْيَتِهِمْ أوْ لِلْأرْضِ الَّتِي كانُوا فِيها.
والأوَّلُ أوْلى، ويَدُلُّ عَلَيْهِ قِراءَةُ أُبَيٍّ " الَّتِي لَمْ يُخْلَقُ مِثْلُهم في البِلادِ " وقِيلَ الإرَمُ الهَلاكُ.
قالَ الضَّحّاكُ ﴿إرَمَ ذاتِ العِمادِ﴾: أيْ أهْلَكَهم فَجَعَلَهم رَمِيمًا، وبِهِ قالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ.
وقَدْ ذَكَرَ جَماعَةٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ أنَّ ﴿إرَمَ ذاتِ العِمادِ﴾ اسْمُ مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِالذَّهَبِ والفِضَّةِ قُصُورُها ودُورُها وبَساتِينُها، وأنَّ حَصْباءَها جَواهِرُ وتُرابَها مِسْكٌ، ولَيْسَ بِها أنِيسٌ ولا فِيها ساكِنٌ مِن بَنِي آدَمَ، وأنَّها لا تَزالُ تَنْتَقِلُ مِن مَوْضِعٍ إلى مَوْضِعٍ، فَتارَةً تَكُونُ بِاليَمَنِ، وتارَةً تَكُونُ بِالشّامِ، وتارَةً تَكُونُ بِالعِراقِ، وتارَةً تَكُونُ بِسائِرِ البِلادِ، وهَذا كَذِبٌ بَحْتٌ لا يَنْفُقُ عَلى مَن لَهُ أدْنى تَمَيُّزٍ.
وزادَ الثَّعْلَبِيُّ في تَفْسِيرِهِ فَقالَ: إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قِلابَةَ في زَمانِ مُعاوِيَةَ دَخَلَ هَذِهِ المَدِينَةَ، وهَذا كَذِبٌ عَلى كَذِبٍ وافْتِراءٌ عَلى افْتِراءٍ، وقَدْ أُصِيبَ الإسْلامُ وأهْلُهُ بِداهِيَةٍ دَهْياءَ وفاقِرَةٍ عُظْمى ورَزِيَّةٍ كُبْرى مِن أمْثالِ هَؤُلاءِ الكَذّابِينَ الدَّجّالِينَ الَّذِينَ يَجْتَرِئُونَ عَلى الكَذِبِ، تارَةً عَلى بَنِي إسْرائِيلَ، وتارَةً عَلى الأنْبِياءِ، وتارَةً عَلى الصّالِحِينَ، وتارَةً عَلى رَبِّ العالَمِينَ، وتَضاعَفَ هَذا الشَّرُّ وزادَ كَثْرَةً بِتَصَدُّرِ جَماعَةٍ مِنَ الَّذِينَ لا عِلْمَ لَهم بِصَحِيحِ الرِّوايَةِ مِن ضَعِيفِها مِن مَوْضُوعِها لِلتَّصْنِيفِ والتَّفْسِيرِ لِلْكِتابِ العَزِيزِ، فَأدْخَلُوا هَذِهِ الخُرافاتِ المُخْتَلَقَةَ والأقاصِيصَ المَنحُولَةَ والأساطِيرَ المُفْتَعَلَةَ في تَفْسِيرِ كِتابِ اللَّهِ سُبْحانَهُ، فَحَرَّفُوا وغَيَّرُوا وبَدَّلُوا.
ومَن أرادَ أنْ يَقِفَ عَلى (p-١٦١٩)بَعْضِ ما ذَكَرْنا فَلْيَنْظُرْ في كِتابِي الَّذِي سَمَّيْتُهُ الفَوائِدَ المَجْمُوعَةَ في الأحادِيثِ المَوْضُوعَةِ.
ثُمَّ عَطَفَ سُبْحانَهُ القَبِيلَةَ الآخِرَةَ، وهي ثَمُودُ عَلى قَبِيلَةِ عادٍ فَقالَ: ﴿وثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالوادِي﴾ وهم قَوْمُ صالِحٍ سُمُّوا بِاسْمِ جَدِّهِمْ ثَمُودَ بْنِ عابِرِ بْنِ إرَمَ بْنِ سامِ بْنِ نُوحٍ، ومَعْنى ﴿جابُوا الصَّخْرَ﴾: قَطَعُوهُ، والجَوْبُ القَطْعُ، ومِنهُ جابَ البِلادَ: إذا قَطَعَها، ومِنهُ سُمِّيَ جَيْبُ القَمِيصِ لِأنَّهُ جَيْبٌ: أيْ قَطْعٌ.
قالَ المُفَسِّرُونَ: أوَّلُ مَن نَحَتَ الجِبالَ والصُّخُورَ ثَمُودُ، فَبَنَوْا مِنَ المَدائِنِ ألْفًا وسَبْعَمِائَةِ مَدِينَةٍ كُلُّها مِنَ الحِجارَةِ، ومِنهُ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿وكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتًا آمِنِينَ﴾ [الحجر: ٨٢] وكانُوا يَنْحِتُونَ الجِبالَ ويَنْقُبُونَها ويَجْعَلُونَ تِلْكَ الأنْقابَ بُيُوتًا يَسْكُنُونَ فِيها، وقَوْلُهُ: بِالوادِ مُتَعَلِّقٌ بِجابُوا، أوْ بِمَحْذُوفٍ عَلى أنَّهُ حالٌ مِنَ الصَّخْرِ، وهو وادِي القُرى.
قَرَأ الجُمْهُورُ ثَمُودَ بِمَنعِ الصَّرْفِ عَلى أنَّهُ اسْمٌ لِلْقَبِيلَةِ، فَفِيهِ التَّأْنِيثُ والتَّعْرِيفُ.
وقَرَأ يَحْيى بْنُ وثّابٍ بِالصَّرْفِ عَلى أنَّهُ اسْمٌ لِأبِيها.
وقَرَأ الجُمْهُورُ أيْضًا بِالوادِ بِحَذْفِ الياءِ وصْلًا ووَقْفًا اتِّباعًا لِرَسْمِ المُصْحَفِ.
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ بِإثْباتِها فِيهِما.
وقَرَأ قُنْبُلٌ في رِوايَةٍ عَنْهُ بِإثْباتِها في الوَصْلِ دُونَ الوَقْفِ.
﴿وفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتادِ﴾ أيْ ذُو الجُنُودِ الَّذِينَ لَهم خِيامٌ كَثِيرَةٌ يَشُدُّونَها بِالأوْتادِ، أوْ جَعَلَ الجُنُودُ أنْفُسَهم أوْتادًا لِأنَّهم يَشُدُّونَ المَلِكَ كَما تَشُدُّ الأوْتادُ الخِيامَ، وقِيلَ كانَ لَهُ أوْتادٌ يُعَذِّبُ النّاسَ بِها ويَشُدُّهم إلَيْها.
وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ هَذا في سُورَةِ ص.
﴿الَّذِينَ طَغَوْا في البِلادِ﴾ المَوْصُولُ صِفَةٌ لِعادٍ وثَمُودَ وفِرْعَوْنَ: أيْ طَغَتْ كُلُّ طائِفَةٍ مِنهم في بِلادِهِمْ وتَمَرَّدَتْ وعَتَتْ، والطُّغْيانُ مُجاوَزَةُ الحَدِّ.
﴿فَأكْثَرُوا فِيها الفَسادَ﴾ بِالكُفْرِ ومَعاصِي اللَّهِ والجَوْرِ عَلى عِبادِهِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَوْصُولُ في مَحَلِّ رَفْعٍ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ: أيْ هُمُ الَّذِينَ طَغَوْا، أوْ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الذَّمِّ.
﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ﴾ أيْ أفْرَغَ عَلَيْهِمْ وألْقى عَلى تِلْكَ الطَّوائِفِ سَوْطَ عَذابٍ، وهو ما عَذَّبَهم بِهِ.
قالَ الزَّجّاجُ: جَعَلَ سَوْطَهُ الَّذِي ضَرَبَهم بِهِ العَذابَ، يُقالُ: صَبَّ عَلى فُلانٍ خُلْعَةً: أيْ ألْقاها عَلَيْهِ، ومِنهُ قَوْلُ النّابِغَةِ:
؎فَصَبَّ عَلَيْهِ اللَّهُ أحْسَنَ صِبْغَةً ∗∗∗ وكانَ لَهُ بَيْنَ البَرِيَّةِ ناصِرُ
ومِنهُ قَوْلُ الآخَرِ:
؎ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ أظْهَرَ دِينَهُ ∗∗∗ وصَبَّ عَلى الكُفّارِ سَوْطَ عَذابِ
ومَعْنى ﴿سَوْطَ عَذابٍ﴾: نَصِيبَ عَذابٍ، وذِكْرُ السَّوْطِ إشارَةٌ إلى أنَّ ما أحَلَّهُ بِهِمْ في الدُّنْيا مِنَ العَذابِ العَظِيمِ هو بِالنِّسْبَةِ إلى ما أعَدَّهُ لَهم في الآخِرَةِ كالسَّوْطِ إذا قِيسَ إلى سائِرِ ما يُعَذَّبُ بِهِ.
وقِيلَ ذِكْرُ السَّوْطِ لِلدَّلالَةِ عَلى شِدَّةِ ما نَزَلَ بِهِمْ، وكانَ السَّوْطُ عِنْدَهم هو نِهايَةَ ما يُعَذَّبُ بِهِ.
قالَ الفَرّاءُ: هي كَلِمَةٌ تَقُولُها العَرَبُ لِكُلِّ نَوْعٍ مِن أنْواعِ العَذابِ، وأصْلُ ذَلِكَ أنَّ السَّوْطَ هو عَذابُهُمُ الَّذِي يُعَذَّبُونَ بِهِ، فَجَرى لِكُلِّ عَذابٍ إذا كانَ فِيهِ عِنْدَهم غايَةُ العَذابِ.
وقِيلَ مَعْناهُ: عَذابٌ يُخالِطُ اللَّحْمَ والدَّمَ، مِن قَوْلِهِمْ ساطَهُ يَسُوطُهُ سَوْطًا: أيْ خَلَطَهُ، فالسَّوْطُ خَلْطُ الشَّيْءِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، ومِنهُ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
؎لَكِنَّ خَلَّةً قَدْ سِيطَ مِن دَمِها ∗∗∗ فَجْعٌ ووَلَعٌ وإخْلافٌ وتَبْدِيلُ
وقالَ الآخَرُ:
؎أحارِثُ إنّا لَوْ تُشاطُ دِماؤُنا ∗∗∗ تَزَيَّلْنَ حَتّى لا يَمَسَّ دَمٌ دَما
وقالَ آخَرُ:
؎فَسُطْها ذَمِيمَ الرَّأْيِ غَيْرَ مُوَفَّقٍ ∗∗∗ فَلَسْتَ عَلى تَسْوِيطِها بِمُعانِ
﴿إنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصادِ﴾ قَدْ قَدَّمْنا قَوْلَ مَن قالَ إنَّ هَذا جَوابُ القَسَمِ.
والأوْلى أنَّ الجَوابَ مَحْذُوفٌ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِما قَبْلَها، وفِيها إرْشادٌ إلى أنَّ كُفّارَ قَوْمِهِ ﷺ سَيُصِيبُهم ما أصابَ أُولَئِكَ الكُفّارَ، ومَعْنى بِالمِرْصادِ: أنَّهُ يَرْصُدُ عَمَلَ كُلِّ إنْسانٍ حَتّى يُجازِيَهُ عَلَيْهِ بِالخَيْرِ خَيْرًا وبِالشَّرِّ شَرًّا.
قالَ الحَسَنُ، وعِكْرِمَةُ: أيْ عَلَيْهِ طَرِيقُ العِبادِ لا يَفُوتُهُ أحَدٌ، والرَّصْدُ والمِرْصادُ: الطَّرِيقُ.
وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُهُ في سُورَةِ بَراءَةَ، وتَقَدَّمَ أيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿إنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصادًا﴾ [النبأ: ٢١] .
وقَدْ أخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿والفَجْرِ﴾ قالَ: فَجْرُ النَّهارِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قالَ: يَعْنِي صَلاةَ الفَجْرِ.
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ وابْنُ عَساكِرَ عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: والفَجْرِ قالَ: هو المُحَرَّمُ فَجْرُ السَّنَةِ، وقَدْ ورَدَ في فَضْلِ صَوْمِ شَهْرٍ مُحَرَّمٍ أحادِيثُ صَحِيحَةٌ، ولَكِنَّها لا تَدُلُّ عَلى أنَّهُ المُرادُ بِالآيَةِ لا مُطابَقَةً ولا تَضَمُّنًا ولا التِزامًا.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، والنَّسائِيُّ، والبَزّارُ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ جابِرٍ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «﴿والفَجْرِ ولَيالٍ عَشْرٍ والشَّفْعِ والوَتْرِ﴾ قالَ: إنَّ العَشْرَ عَشْرُ الأضْحى، والوَتْرَ: يَوْمُ عَرَفَةَ، والشَّفْعَ: يَوْمُ النَّحْرِ» .
وفِي لَفْظٍ: هي لَيالٍ مِن ذِي الحِجَّةِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أنَّهُ دَخَلَ عَلى ابْنِ عُمَرَ هو وأبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَدَعاهُمُ ابْنُ عُمَرَ إلى الغَداءِ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَقالَ أبُو سَلَمَةَ: ألَيْسَ هَذِهِ اللَّيالِيَ العَشْرَ الَّتِي ذَكَرَها اللَّهُ في القُرْآنِ ؟ فَقالَ ابْنُ عُمَرَ: وما يُدْرِيكَ ؟ قالَ: ما أشُكُّ، قالَ: بَلى فاشْكُكْ.
وقَدْ ورَدَ في فَضْلِ هَذِهِ العَشْرِ أحادِيثُ، ولَيْسَ فِيها ما يَدُلُّ عَلى أنَّها المُرادَةُ بِما في القُرْآنِ هُنا بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ولَيالٍ عَشْرٍ﴾ قالَ: هي العَشْرُ الأواخِرُ مِن رَمَضانَ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والتِّرْمِذِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ عَنِ الشَّفْعِ والوَتْرِ، فَقالَ: هي الصَّلاةُ بَعْضُها شَفْعٌ وبَعْضُها وتْرٌ» وفي إسْنادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وهو الرّاوِي لَهُ عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ.
وقَدْ رُوِيَ عَنْ عِمْرانَ بْنِ عِصامٍ عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ بِإسْقاطِ الرَّجُلِ المَجْهُولِ.
وقالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إخْراجِهِ بِالإسْنادِ الَّذِي فِيهِ الرَّجُلُ المَجْهُولُ: هو حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا (p-١٦٢٠)نَعْرِفُهُ إلّا مِن حَدِيثِ قَتادَةَ.
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وعِنْدِي أنَّ وقْفَهُ عَلى عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ أشْبَهُ، واللَّهُ أعْلَمُ.
قالَ: ولَمْ يَجْزِمِ ابْنُ جَرِيرٍ بِشَيْءٍ مِن هَذِهِ الأقْوالِ في الشَّفْعِ والوَتْرِ.
وقَدْ أخْرَجَ هَذا الحَدِيثَ مَوْقُوفًا عَلى عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، فَهَذا يُقَوِّي ما قالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿والشَّفْعِ والوَتْرِ﴾ فَقالَ: كُلُّ شَيْءٍ شَفْعٌ فَهو اثْنانِ، والوَتْرُ واحِدٌ.
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، قالَ السُّيُوطِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أبِي أيُّوبَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «أنَّهُ سُئِلَ عَنِ الشَّفْعِ والوَتْرِ فَقالَ: يَوْمانِ ولَيْلَةٌ، يَوْمُ عَرَفَةَ، ويَوْمُ النَّحْرِ، والوَتْرُ لَيْلَةُ النَّحْرِ لَيْلَةُ جُمَعٍ» .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ جابِرٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «الشَّفْعُ اليَوْمانِ، والوَتْرُ اليَوْمُ الثّالِثُ» .
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ سَعْدٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أنَّهُ سُئِلَ عَنِ الشَّفْعِ والوَتْرِ فَقالَ: الشَّفْعُ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿فَمَن تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] والوَتْرُ اليَوْمُ الثّالِثُ.
وفِي لَفْظٍ: الوَتْرُ أوْسَطُ أيّامِ التَّشْرِيقِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ مِن طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: الشَّفْعُ يَوْمُ النَّحْرِ، والوَتْرُ يَوْمُ عَرَفَةَ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ ﴿واللَّيْلِ إذا يَسْرِ﴾ قالَ: إذا ذَهَبَ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ قَرَأ ﴿والفَجْرِ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿إذا يَسْرِ﴾ قالَ: هَذا قَسَمٌ عَلى ﴿إنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصادِ﴾ .
وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ مِن طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾ قالَ: لِذِي حِجًى وعَقْلٍ ونُهًى.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿بِعادٍ إرَمَ﴾ قالَ: يَعْنِي بِالإرَمِ: الهالِكَ، ألا تَرى أنَّكَ تَقُولُ أرُمَ بَنُو فُلانٍ ﴿ذاتِ العِمادِ﴾ يَعْنِي: طُولُهم مِثْلُ العِمادِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ المِقْدامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ «عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ ذَكَرَ ﴿إرَمَ ذاتِ العِمادِ﴾ فَقالَ: كانَ الرَّجُلُ مِنهم يَأْتِي إلى الصَّخْرَةِ فَيَحْمِلُها عَلى كاهِلِهِ فَيُلْقِيها عَلى أيِّ حَيٍّ أرادَ فَيُهْلِكُهم» .
وفِي إسْنادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لِأنَّ مُعاوِيَةَ بْنَ صالِحٍ رَواهُ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ المِقْدامِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿جابُوا الصَّخْرَ بِالوادِي﴾ قالَ: خَرَقُوها.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ في الآيَةِ قالَ: كانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتًا ﴿وفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتادِ﴾ قالَ: الأوْتادُ: الجُنُودُ الَّذِي يَشُدُّونَ لَهُ أمْرَهُ.
وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿ذِي الأوْتادِ﴾ قالَ: وتَّدَ فِرْعَوْنُ لِامْرَأتِهِ أرْبَعَةَ أوْتادٍ ثُمَّ جَعَلَ عَلى ظَهْرِها رَحًى عَظِيمَةً حَتّى ماتَتْ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصادِ﴾ قالَ: يَسْمَعُ ويَرى.
وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ والبَيْهَقِيُّ في الأسْماءِ والصِّفاتِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصادِ﴾ قالَ: مِن وراءِ الصِّراطِ جُسُورٌ: جِسْرٌ عَلَيْهِ الأمانَةُ، وجِسْرٌ عَلَيْهِ الرَّحِمُ، وجِسْرٌ عَلَيْهِ الرَّبُّ عَزَّ وجَلَّ.
{"ayahs_start":6,"ayahs":["أَلَمۡ تَرَ كَیۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ","إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ","ٱلَّتِی لَمۡ یُخۡلَقۡ مِثۡلُهَا فِی ٱلۡبِلَـٰدِ","وَثَمُودَ ٱلَّذِینَ جَابُوا۟ ٱلصَّخۡرَ بِٱلۡوَادِ","وَفِرۡعَوۡنَ ذِی ٱلۡأَوۡتَادِ","ٱلَّذِینَ طَغَوۡا۟ فِی ٱلۡبِلَـٰدِ","فَأَكۡثَرُوا۟ فِیهَا ٱلۡفَسَادَ","فَصَبَّ عَلَیۡهِمۡ رَبُّكَ سَوۡطَ عَذَابٍ","إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ"],"ayah":"إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق