الباحث القرآني

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ لَمَّا أُنْظِرَ إِبْلِيسُ ﴿إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [[في م: "الدين" وهو خطأ.]] وَاسْتَوْثَقَ إِبْلِيسُ بِذَلِكَ، أَخَذَ فِي الْمُعَانَدَةِ وَالتَّمَرُّدِ، فَقَالَ: ﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ أَيْ: كَمَا أَغْوَيْتَنِي. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَمَا أَضْلَلْتَنِي. وَقَالَ غَيْرُهُ: كَمَا أَهْلَكْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لِعِبَادِكَ -الَّذِينَ تخلقهم من ذُرِّيَّةِ هَذَا الَّذِي أَبْعَدْتَنِي بِسَبَبِهِ -عَلَى ﴿صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ أَيْ: طَرِيقَ الْحَقِّ وَسَبِيلَ النَّجَاةِ، وَلَأُضِلَّنَّهُمْ [[في أ: "أفلأضلنهم".]] عَنْهَا لِئَلَّا يَعْبُدُوكَ وَلَا يُوَحِّدُوكَ بِسَبَبِ إِضْلَالِكَ إِيَّايَ. وَقَالَ بَعْضُ النُّحَاةِ: الْبَاءُ هَاهُنَا قَسَمِيَّةٌ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: فَبِإِغْوَائِكَ إِيَّايَ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ يَعْنِي: الْحَقَّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ [[في أ: "مجاهد".]] بْنُ سُوقَةَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: يَعْنِي طَرِيقَ مَكَّةَ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ [كُلِّهِ] [[زيادة من ك.]] . قُلْتُ: لِمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيل-يَعْنِي الثَّقَفِيَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَقِيلٍ -حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ أَبِي الجَعْد عَنْ سَبْرَة بْنِ أَبِي فَاكِه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِطُرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: أَتُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ؟ ". قَالَ: "فَعَصَاهُ وَأَسْلَمَ". قَالَ: "وَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ [[في د: "في طريق".]] الْهِجْرَةِ فَقَالَ: أَتُهَاجِرُ وَتَدَعُ [[في د، ك، م، أ: "وتذر".]] أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَالْفَرَسِ فِي الطّوَل؟ فَعَصَاهُ وَهَاجَرَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ [[في د: "في طريق".]] الْجِهَادِ، وَهُوَ جِهَادُ النَّفْسِ وَالْمَالِ، فَقَالَ: تُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ، فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ وَيُقَسَّمُ الْمَالُ؟ ". قَالَ: "فَعَصَاهُ، فَجَاهَدَ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ [[في د: "منهم ذلك".]] فَمَاتَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ قُتِلَ كَانَ [[في ك: "وإن قتل كان"، وفي م: "وإن كان قتل".]] حَقًّا عَلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ [[في م: "وإن".]] وَقَصته دَابَّةٌ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَدْخُلَهُ الْجَنَّةَ" [[المسند (٣/٤٨٣) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿ثمَُ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ [وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وِعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ] ﴾ [[زيادة من أ، وفي هـ: "الآية".]] قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ أُشَكِّكُهُمْ فِي آخِرَتِهِمْ، ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ أُرَغِّبُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾ أشبَه عَلَيْهِمْ أَمْرَ دِينِهِمْ ﴿وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ أُشَهِّي لَهُمُ الْمَعَاصِي. وَقَالَ [عَلِيُّ] [[زيادة من أ.]] بْنُ طَلْحَةَ -فِي رِوَايَةٍ -والعَوْفي، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَمَّا ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ فَمِنْ قِبَلِ دُنْيَاهُمْ، وَأَمَّا ﴿مِنْ خَلْفِهِمْ﴾ فَأَمْرُ آخِرَتِهِمْ، وَأَمَّا ﴿عَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾ فَمِنْ قِبَل حَسَنَاتِهِمْ، وَأَمَّا ﴿عَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ فَمِنْ قِبَلِ سَيِّئَاتِهِمْ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَة، عَنْ قَتَادَةَ: أَتَاهُمْ ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ [[في ك: "أن".]] لَا بعث ولا جَنَّةَ وَلَا نَارَ ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فزيَّنها لَهُمْ وَدَعَاهُمْ إِلَيْهَا وَ ﴿عَنْ أَيْمَانِهِم﴾ مِنْ قِبَلِ حَسَنَاتِهِمْ بَطَّاهم [[في أ: "بطأهم".]] عَنْهَا ﴿وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ زَيَّنَ لَهُمُ السَّيِّئَاتِ وَالْمَعَاصِيَ، وَدَعَاهُمْ إِلَيْهَا، وَأَمَرَهُمْ بِهَا. أَتَاكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِكَ مِنْ فَوْقِكَ، لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَحُولَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ رَحْمَةِ اللَّهِ. وَكَذَا رُوي عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعي، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ [[في م، أ: "عيينة".]] وَالسُّدِّيِّ، وَابْنِ جَرِيرٍ [[في د، ك، م: "جريج".]] إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ الدُّنْيَا ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ الْآخِرَةُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ": حَيْثُ يُبْصِرُونَ، "وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ": حَيْثُ لَا يُبْصِرُونَ. وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُ طُرُقِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَالْخَيْرُ يَصُدُّهُمْ عَنْهُ، وَالشَّرُّ يُحببه [[في د، ك، م، أ:"يحسنه".]] لَهُمْ. وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿ثمَُ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وِعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ وَلَمْ يَقِلْ: مِنْ فَوْقِهِمْ؛ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ مِنْ فَوْقِهِمْ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ قَالَ: مُوَحِّدِينَ. وَقَوْلُ إِبْلِيسَ هَذَا إِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ مِنْهُ وَتَوَهُّمٌ، وَقَدْ وَافَقَ فِي هَذَا الْوَاقِعَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ [سَبَأٍ: ٢٠، ٢١] . وَلِهَذَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْ تَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ جِهَاتِهِ كُلِّهَا، كَمَا قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا نَصْر بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُجَمِّع، عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّاب، عَنِ ابْنِ جُبَيْر بْنِ مُطْعِم -يَعْنِي نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ -عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -يَعْنِي السِّجِسْتَانِيَّ -حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنِ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ -عَنِ ابْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ -عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ، وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتي، وَآمِنْ رَوْعَتِي [[في د، ك: "اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي".]] وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدِي وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وعن شمالي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِكَ [[في د: "بعظمتك".]] اللَّهُمَّ أَنْ أُغْتَال مِنْ تَحْتِي". تَفَرَّدَ بِهِ الْبَزَّارُ [[مسند البزار برقم (٣١٩٦) "كشف الأستار" وقال الهيثمي في المجمع (١٠/١٧٥) : "فيه يونس بن خباب وهو ضعيف"]] وَحَسَّنَهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيع، حَدَّثَنَا عُبَادَةُ بْنُ مُسْلِمٍ الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنِي جُبَير بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ابن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ يَدْعُ هَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ [[في أ: "أسألك العفو والعافية".]] فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوَرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعاتي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وعن شمالي، ومن فَوْقِي، وأعوذ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي". قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي الْخَسْفَ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ حِبَّان، وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، بِهِ [[المسند (٢/٢٥) وسنن أبي داود برقم (٥٠٧٤) وسنن النسائي (٨/٢٨٢) وسنن ابن ماجة برقم (٣٨٧١) وصحيح ابن حبان (٢/١٥٥) "الإحسان" والمستدرك (١/٥١٧) .]] وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب