الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾، قال ابن عباس: (يريد: فبما أضللتني، مثل قول نوح: ﴿إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ﴾) [[أخرجه الطبري 8/ 133 بسند جيد، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 135.]] [هود: 34].
قال أبو بكر الأنباري حاكيًا عن أهل اللغة: (الإغواء [[أصل الإغواء: تزيين الرجل للرجل الشيء حتى يحسنه عنده يقال: غَوَى، بالفتح: الرجل يَغْوَى غَيًّا من الغي، خلاف الرشد، والغواية: الانهماك في الغيَّ، ويأتي الغَيَّ بمعنى الفساد والضلال والجهل والخيبة.
انظر: "الطبري" 8/ 133، و"الجمهرة" 1/ 244، و"تهذيب اللغة" 3/ 2706، و"الصحاح" 6/ 2450، و"المفردات" ص 620، و"اللسان" 6/ 3320 (غوى).]] إيقاع الغَيِّ في القلب، والغَيُّ: المذموم من الفعل، وقوله: ﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾ أي: فبما أوقعت في قلبي من الغي الذي كان سبب خروجي من الجنة، وكذلك قوله: ﴿إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ﴾ [هود: 34] أي: يوقع الشر في قلوبكم ويحسن القبيح لكم لما سبق لكم عنده من الشقاء.
قال: وقال بعضهم: الإغواء الإهلاك، ومنه قوله تعالى: ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: 59] أي: هلاكاً وبلاء، ومنه أيضًا قولهم: غَوِيَ الفصيل يَغْوَى غوى [[جاء في "الزاهر" لابن الأنباري 2/ 252 (يقال: غَوى الرجل يَغْوى غَيًّا وغَواية: إذا جهل وأساء. ويقال: قد غَوِي الفصيل يَغْوَى إذا بشم من لبن أمه عند الإكثار والازدياد منه) اهـ. ونحوه في "شرح القصائد" ص 52، وفي مصادر اللغة يطلق ذلك عليه، إذا فقد اللبن حتى كاد يهلك، ويقال أيضًا: إذا أكثر من اللبن فأتخم. انظر: "العين" 4/ 456، و"البارع" ص 443 - 445، والمراجع السابقة.]]، إذا أكثر من اللبن حتى يفسد جوفه ويشارف [[في (ب): (ويشارك)، وهو تحريف.]] الهلاك والعطب، وفسروا قوله: ﴿إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ﴾ [هود: 34] إن كان الله يريد أن يهلككم بعنادكم الحق، وهذا قول تحتمله اللغة، وأهل التفسير على القول الأول) [[ذكر بعضه الواحدي في "الوسيط" 1/ 162، والبغوي 3/ 218، وابن الجوزي 3/ 175، وقال: (الجمهور على أنه بمعنى: الإضلال) اهـ. وهو بدون نسبة في "تفسير الثعلبي" 188 أ، والرازي 14/ 37]]
قال أبو إسحاق: (في ﴿أَغْوَيْتَنِي﴾ قولان: قال بعضهم: أضللتني، وقال بعضهم: فبما دعوتني إلى شيء غَويت به، أي: غويت من أجل آدم) [["معاني الزجاج" 2/ 324، وانظر: "معاني النحاس" 3/ 16، و"تفسير السمرقندي" 1/ 533، والماوردي 2/ 206.]].
قال أبو بكر: (وأما قوله عز وجل: ﴿فَبِمَا﴾؛ فإن الباء تحتمل أمرين: أحدهما: القسم؛ أي: بإغوائك إياي ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ بقدرتك عليَّ ونفاذ سلطانك في لأقعدن لهم على الطريق المستقيم [الذي] [[لفظ: (الذي) ساقط من (ب).]] يسلكونه إلى الجنة بأن أزين لهم الباطل وما يكسبهم المآثم، فإذا كان الباء قسمًا كان اللام جواب القسم، و (ما) بتأويل المصدر و ﴿أَغْوَيْتَنِي﴾ صلتها ولا عائد لها. قال: ويجوز أن يكون (ما) بتأويل الشرط والباء من صلة الإغواء، والفاء المضمرة جواب الشرط، والتقدير قال: فبأي شيء أغويتني فلأقعدن لهم صراطك، فتضمر [[في (ب): (فيضمر) بالياء.]] الفاء جوابًا للشرط كما تضمرها [[في (ب): (يضمرها) بالياء.]] في قولك: إلى ما أومأت إني قابله وبما أمرت إني سامع له مطيع) [[ذكر بعضه الواحدي في "الوسيط" 1/ 162، والوجوه في (الباء) و (ما) في عامة المصادر. انظر: "تفسير الطبري" 8/ 135، والماوردي 2/ 206، و"غرائب الكرماني" 1/ 399، و"تفسير البغوي" 3/ 218، وابن عطية 5/ 444، و"الفريد" 2/ 277، وقال أبو حيان في "البحر" 4/ 274، والسمين في "الدر" 5/ 264 - 265: (الظاهر أن الباء للقسم، وما مصدرية) اهـ. وذكر السمين قول ابن الأنباري في أن ما شرطية وقال: (هذا الذي قاله ضعيف جدًّا، فإنه على تقدير صحة معناه يمتنع من حيث الصناعة، فإن فاء الجزاء لا تحذف إلا في ضرورة شعر، فعلى رأي أبي بكر يكون قوله ﴿لَأَقْعُدَنَّ﴾ جواب قسم محذوف، وذلك القسم المقدر، وجوابه جواب الشرط فيقدر دخول الفاء على نفس جملة القسم مع جوابها تقديره: فبما أغويتني، فوالله لأقعدن، هذا يتمم مذهبه) اهـ.]].
وقوله تعالى: ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾، قال الزجاج: (أي: على طريقك المستقيم، ولا اختلاف بين النحويين [[انظر: "الكتاب" 1/ 34 - 37، و"معاني الأخفش" 2/ 295.]] في أن (على) محذوفة، ومثل ذلك قولك: ضربه زيد الظهر والبطن، والمعنى: على الظهر والبطن) [["معاني الزجاج" 2/ 324، ونحوه ذكر النحاس في "إعراب القرآن" 1/ 602، والمعاني 3/ 16، ومكي في "المشكل" 1/ 284.]].
وزاد الفراء بيانًا، فقال [[في (أ): (وقال).]]: (المعنى -والله أعلم-: لأقعدن لهم على طريقهم وفي [[في "معاني الفراء" (أو في).]]، وإلقاء الصفة [[المراد بالصفة هاهنا -عند الكوفيين-: حرف الجر، وكذلك يطلقونه أيضًا على الظرف انظر: "معجم المصطلحات النحوية" للدكتور محمَّد اللبدي ص 241، و"حاشية تفسير الطبري" 12/ 337.]] من هذا جائز، كما تقول: قعدت لك وجه الطريق، وعلى وجه الطريق؛ لأن الطريق ظرف [[في (ب): (طرقٌ) -وهو تصحيف-، وفي "معاني الفراء" 1/ 375؛ لأن الطريق صفة في المعنى، وما ذكره الواحدي هو تفسير لذلك؛ لأن الفراء يطلق على الظرف لفظ الصفة كما سبق بيانه.]] في المعنى، فاحتمل [[في (ب): (فاحتمله ما يحتمله) وهو تحريف.]] ما يحتمله اليوم والليلة، والعام إذا قيل: آتيك غدًا وفي غد) [[في "معاني الفراء" 1/ 375: (آتيك غدًا أو آتيك في غد). وضعف أبو حيان في "البحر" 4/ 275، والسمين في "الدر" 5/ 266 - 268، النصب على إسقاط الخافض لأن حذف حرف الجر لا ينقاس في مثل هذا ، ولا يطرد حذفه، بل هو مخصوص بالضرورة. وقالا: (والأولى أن يضمن (لأقعدن) معنى ما يتعدى بنفسه فينتصب الصراط على أنه مفعول به، والتقدير: لألزمن بقعودي صراطك المستقيم) اهـ.]].
ومعنى ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ كما ذكره أبو بكر فيما حكينا [[سبق تخريجه عن ابن الأنباري]] عنه، قال ابن عباس في تفسير ﴿صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ (يريد: دينك الواضح) [["تنوير المقباس" 2/ 84، وذكره ابن القيم كما في "بدائع التفسير" 2/ 195 عن ابن عباس.]]. وقال ابن مسعود: (هو كتاب الله) [[ذكره ابن القيم كما في "بدائع التفسير" 2/ 195، وفي أكثر كتب التفسير عن ابن == مسعود قال: (طريق مكة).
انظر: "تفسير الماوردي" 2/ 206، وابن الجوزي 3/ 176، و"الدر المنثور" 3/ 135.]].
وقال جابر بن عبد الله: (هو الإسلام) [[ذكره ابن الجوزي في "تفسيره" 3/ 176، وابن القيم كما في "بدائع التفسير" 2/ 195، وما ذكر تنبيه على بعض أنواع الصراط، والظاهر هو العموم، فالصراط: الطريق وسبيل النجاة، وذلك دين الله الحق، والإسلام وشرائعه، وهو اختيار عامة المفسرين.
انظر: "تفسير الطبري" 8/ 134، 135، و"معاني النحاس " 3/ 16، و"تفسير السمرقندي" 1/ 533، و"البغوي" 3/ 218، و"ابن عطية" 5/ 446.]].
{"ayah":"قَالَ فَبِمَاۤ أَغۡوَیۡتَنِی لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَ ٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق