الباحث القرآني

﴿قالَ﴾ اسْتِئْنافٌ كَنَظائِرِهِ ﴿فَبِما أغْوَيْتَنِي﴾ الفاءُ لِتَرْتِيبِ مَضْمُونِ الجُمْلَةِ الَّتِي بَعْدُ عَلى الإنْظارِ والباءُ إمّا لِلْقَسَمِ أوْ لِلسَّبَبِيَّةِ وما عَلى التَّقْدِيرَيْنِ مَصْدَرِيَّةٌ والجارُّ والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِأُقْسِمُ وقِيلَ: إنَّهُ عَلى تَقْدِيرِ السَّبَبِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِما بَعْدَ اللّامِ وفِيهِ أنَّ لَها الصَّدْرَ عَلى الصَّحِيحِ فَلا يَعْمَلُ ما بَعْدَها فِيما قَبْلَها وجَوَّزَ بَعْضُهم كَوْنَ ما اسْتِفْهامِيَّةً لَمْ يُحْذَفْ ألِفُها وأنَّ الجارَّ مُتَعَلِّقٌ بِأغْوَيْتَنِي ولا يَخْفى ضَعْفُهُ والإغْواءُ خَلْقُ الغَيِّ وأصْلُ الغَيِّ الفَسادُ ومِنهُ غَوِيَ الفَصِيلُ وغَوى إذا بَشِمَ وفَسَدَتْ مَعِدَتُهُ وجاءَ بِمَعْنى الجَهْلِ مِنِ اعْتِقادٍ فاسِدٍ كَما في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ما ضَلَّ صاحِبُكم وما غَوى﴾ وبِمَعْنى الخَيْبَةِ كَما في قَوْلِهِ. فَمَن يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَدِ النّاسُ أمْرَهُ ومَن يَغْوِ لا يُعْدَمْ عَلى الغَيِّ لائِما ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى﴾ واسْتُعْمِلَ بِمَعْنى العَذابِ مَجازًا بِعَلاقَةِ السَّبَبِيَّةِ ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ ولا مانِعَ عِنْدَ أهْلِ السُّنَّةِ أنْ يُرادَ بِالإغْواءِ هُنا خَلْقُ الغَيِّ بِمَعْنى الضَّلالِ أيْ بِما أضْلَلْتَنِي وهو المَرْوِيُّ عَنِابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما ونِسْبَةُ الإغْواءِ بِهَذا المَعْنى إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ مِمّا يَقْتَضِيهِ عُمُومُ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ( خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) والمُعْتَزِلَةُ يَأْبُونَ نِسْبَةَ مِثْلِ ذَلِكَ إلَيْهِ سُبْحانَهُ وقالُوا في هَذا تارَةً: إنَّهُ قَوْلٌ شَيْطانِيٌّ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وأوَّلُوهُ أُخْرى بِأنَّ الإغْواءَ النِّسْبَةُ إلى الغَيِّ كَأكْفَرَهُ إذا نَسَبَهُ إلى الكُفْرِ أوْ أنَّهُ بِمَعْنى إحْداثِ سَبَبِ الغَيِّ وإيقاعِهِ وهو الأمْرُ بِالسُّجُودِ. وقالَ بَعْضُهم: إنَّ الغَيَّ هُنا بِمَعْنى الخَيْبَةِ أيْ بِما خَيَّبْتَهُ مِن رَحْمَتِكَ أوِ الهَلاكِ أيْ بِما أهْلَكْتَهُ بِلَعْنِكَ إيّاهُ وطَرْدِكَ لَهُ والَّذِي دَعاهم إلى هَذا كُلِّهِ عَدَمُ قَوْلِهِمْ بِأنَّ اللَّهَ تَعالى خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وأنَّهُ سُبْحانَهُ لا خالِقَ غَيْرُهُ ولَمْ يَكْفِهِمْ ذَلِكَ حَتّى طَعَنُوا بِأهْلِ السُّنَّةِ القائِلِينَ بِذَلِكَ وما الظَّنُّ بِطائِفَةٍ تَرْضى لِنَفْسِها مِن خَفايا الشِّرْكِ بِما لَمْ يَسْبِقْ إبْلِيسُ عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ نَعُوذُ بِاللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى التَّعَرُّضَ لِسَخَطِهِ نَعَمِ الإغْواءُ بِمَعْنى التَّرْغِيبِ بِما فِيهِ الغَوايَةُ والأمْرُ بِهِ كَما هو مُرادُ اللَّعِينِ مِن قَوْلِهِ: ﴿لأُغْوِيَنَّهُمْ﴾ مِمّا لا يَجُوزُ مِنَ اللَّهِ تَعالى شَأْنُهُ كَما لا يَخْفى ثُمَّ إنْ كانَتِ الباءُ لِلْقَسَمِ يَكُونُ المُقْسَمُ بِهِ صِفَةً مِن صِفاتِ الأفْعالِ وهو مِمّا يُقْسَمُ بِهِ في العُرْفِ وإنْ لَمْ تُجْرِ الفُقَهاءُ بِهِ أحْكامَ اليَمِينِ. ولَعَلَّ القَسَمَ وقَعَ مِنَ اللَّعِينِ بِهِما جَمِيعًا فَحَكى تارَةً قَسَمَهُ بِأحَدِهِما وأُخْرى بِالآخَرِ وإنْ كانَتْ سَبَبِيَّةً فالقَسَمُ بِالعِزَّةِ أيْ بِسَبَبِ إغْوائِكَ إيّايَ لِأجْلِهِمْ أُقْسِمُ بِعِزَّتِكَ ﴿لأقْعُدَنَّ لَهُمْ﴾ أيْ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وذُرِّيَّتِهِ تَرَصُّدًا بِهِمْ كَما يَقْعُدُ القُطّاعُ لِلسّابِلَةِ ﴿صِراطَكَ المُسْتَقِيمَ﴾ (16) المُوَصِّلَ إلى الجَنَّةِ وهو الحَقُّ الَّذِي فِيهِ رِضاكَ. أخْرَجَ أحْمَدُ والنَّسائِيُّ وابْنُ حِبّانَ والطَّبَرانِيُّ والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ عَنْ سَبْرَةَ بْنِ الفاكِهِ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إنَّ الشَّيْطانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ في طُرُقِهِ فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الإسْلامِ فَقالَ أتُسْلِمُ وتَذَرَ دِينَكَ ودِينَ آبائِكَ فَعَصاهُ فَأسْلَمَ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الهِجْرَةِ فَقالَ: أتُهاجِرُ وتَذَرَ أرْضَكَ وسَماءَكَ وإنَّما مَثَلُ المُهاجِرِ كالفَرَسِ في طَوْلِهِ فَعَصاهُ فَهاجَرَ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الجِهادِ فَقالَ هو جَهْدُ النَّفْسِ والمالِ فَتُقاتِلُ فَتَقْتُلُ فَتُنْكَحُ المَرْأةُ ويُقَسَّمُ (p-95)المالُ فَعَصاهُ فَجاهَدَ ثُمَّ قالَ ﷺ فَمَن فَعَلَ ذَلِكَ مِنهم فَماتَ أوْ وقَصَتْهُ دابَّتُهُ فَماتَ كانَ حَقًّا عَلى اللَّهِ تَعالى أنَّ يَدْخُلَ الجَنَّةَ» ولَعَلَّ الِاقْتِصارَ مِنهُ ﷺ عَلى هَذِهِ المَذْكُوراتِ لِلِاعْتِناءِ بِشَأْنِها والتَّنْبِيهِ عَلى عِظَمِ قَدْرِها لِما أنَّ المَقامَ قَدِ اقْتَضى ذَلِكَ لا لِلْحَصْرِ ونَظِيرُ ذَلِكَ ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما وغَيْرِهِما مِن تَفْسِيرِ الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ بِطَرِيقِ مَكَّةَ والكَلامُ مِن بابِ الكِنايَةِ أوِ التَّمْثِيلِ ونُصِبَ ( الصِّراطَ ) إمّا عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ بِتَضْمِينِ أقْعُدَنَّ مَعْنى الزَّمَنِ أوْ عَلى نَزْعِ الخافِضِ أيْ عَلى صِراطِكَ كَقَوْلِكَ ضَرَبَ زَيْدٌ الظَّهْرَ والبَطْنَ أوْ عَلى الظَّرْفِيَّةِ وجاءَ نَصْبُ ظَرْفِ المَكانِ المُخْتَصِّ عَلَيْها قَلِيلًا ومِن ذَلِكَ في المَشْهُورِ قَوْلُهُ. ؎لَدُنْ بِهَزِّ الكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنُهُ فِيهِ كَما عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب