الباحث القرآني
وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ حَالِ السُّعَدَاءِ الْمُؤْمِنِينَ حِينَ يُسَاقُونَ عَلَى النَّجَائِبِ وَفْدًا إِلَى الْجَنَّةِ ﴿زُمَرًا﴾ أَيْ: جَمَاعَةً بَعْدَ جَمَاعَةٍ: الْمُقَرَّبُونَ، ثُمَّ الْأَبْرَارُ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كُلُّ طَائِفَةٍ مَعَ مَنْ يُنَاسِبُهُمْ: الْأَنْبِيَاءُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصِّدِّيقُونَ مَعَ أَشْكَالِهِمْ، وَالشُّهَدَاءُ مَعَ أَضَرَابِهِمْ، وَالْعُلَمَاءُ مَعَ أَقْرَانِهِمْ، وَكُلُّ صِنْفٍ مَعَ صِنْفٍ، كُلُّ زُمْرَةٍ تُنَاسِبُ بَعْضُهَا بَعْضًا.
﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا﴾ أَيْ: وَصَلُوا إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الصِّرَاطِ حُبِسُوا عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَاقْتَصَّ لَهُمْ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا ونُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ الصُّوَرِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا انْتَهَوْا إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ تَشَاوَرُوا فِيمَنْ يَسْتَأْذِنُ لَهُمْ بِالدُّخُولِ، فَيَقْصِدُونَ، آدَمَ، ثُمَّ نُوحًا، ثُمَّ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ مُوسَى، ثُمَّ عِيسَى، ثُمَّ مُحَمَّدًا، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، كَمَا فَعَلُوا فِي الْعَرَصَاتِ [[في ت، أ: "الصرخات".]] عِنْدَ اسْتِشْفَاعِهِمْ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يَأْتِيَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، لِيَظْهَرَ شَرَفُ مُحَمَّدٍ ﷺ عَلَى سَائِرِ الْبَشَرِ فِي الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَنَا أَوَّلُ شَفِيعٍ فِي الْجَنَّةِ" وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ". [[صحيح مسلم برقم (١٩٦) .]] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ. قَالَ: يَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ أَلَّا أَفْتَحَ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرٍو [[في أ: "عمرو بن محمد الناقد".]] النَّاقِدِ وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ سُلَيْمَانَ -وَهُوَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ الْقَيْسِيُّ-عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، بِهِ [[المسند (٢/٣١٦) وصحيح مسلم برقم (١٩٧) .]] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَر عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [[في أ: "أبي هريرة رضي الله عنه".]] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ [[في ت: "يدخلون".]] الْجَنَّةَ صُوَرُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا، وَلَا يَمْتَخِطُونَ فِيهَا، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ فِيهَا. آنِيَتُهُمْ وَأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَمُجَامِرُهُمُ الْأَلُوَّةُ [[في س، أ: "ومجامرهم من الألوة".]] ، ورَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، يَرَى مُخَّ سَاقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الْحُسْنِ. لَا اخْتِلَافَ بَيْنِهِمْ وَلَا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ [[في أ: "قلب رجل واحد".]] يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا".
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ [[المسند (٢/٣١٦) وصحيح البخاري برقم (٣٢٢٥) وصحيح مسلم برقم (٢٨٣٤) .]] . وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [[زيادة من أ.]] ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ [[أخرجه البخاري في صحيحه برقم (٣٢٤٦) .]] .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمة، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [[زيادة من أ.]] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أول زُمْرَة يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى ضَوْءِ أشدُّ كَوْكَبٍ دُرِّي فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يتْفلون وَلَا يَمْتَخِطُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الْأَلُوَّةُ، وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ، أخلاقهم على خلق رجل واحد، على صورة أَبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ" [[مسند أبي يعلى (١٠/٤٧٠) .]] .
وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ [[صحيح البخاري برقم (٣٣٢٧) وصحيح مسلم برقم (٢٨٣٤) .]] .
وَقَالَ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي زُمْرَة، هُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا، تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ". فَقَامَ عُكَّاشة بْنُ مِحْصَن فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ، أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ: فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ". ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ ﷺ: "سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشة".
أَخْرَجَاهُ [[في ت: "أخرجه البخاري ومسلم".]] [[صحيح البخاري برقم (٦٥٤٢) وصحيح مسلم برقم (٢١٥) .]] وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ -فِي السَّبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ-الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعِمْرَانَ بْنِ حصين، وابن مسعود، ورفاعة بن عرابة الْجُهَنِيِّ، وَأُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ.
وَلَهُمَا عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا -أَوْ: سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ-آخذٌ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمُ الْجَنَّةَ، وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ". [[صحيح البخاري برقم (٦٥٥٤) وصحيح مسلم برقم (٢١٩) .]] .
وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ [[في ت: "عن أبي أمامة".]] الْبَاهِلِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: وَعَدَنِي رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَلَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ، وَثَلَاثُ حَثَيَات مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ" [[المصنف (١١/٤٧١) ورواه الترمذي في السنن برقم (٢٤٣٧) من طريق إسماعيل بن عياش به، وقال: "هذا حديث حسن غريب".]] .
وَكَذَا رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ [وَ] [[زيادة من أ.]] أَبِي الْيَمَانِ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لحُيّ [[في أ: "يحيى".]] عَنْ أَبِي أُمَامَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [[زيادة من أ.]] [[رواه الطبراني في المعجم الكبير (٨/١٨٧) .]] .
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلمي: "ثُمَّ يُشَفَّعُ كُلُّ أَلْفٍ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا" [[المعجم الكبير (١٧/١٢٦، ١٢٧) .]] .
وَرُوِيَ مِثْلُهُ، عَنْ ثَوْبَانَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْأَنْمَارِيِّ، وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ لَمْ يَذْكُرِ الْجَوَابَ هَاهُنَا، وَتَقْدِيرُهُ: حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا، وَكَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ مِنْ فَتْحِ الْأَبْوَابِ لَهُمْ إِكْرَامًا وَتَعْظِيمًا، وَتَلَقَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ الْخَزَنَةُ بِالْبِشَارَةِ وَالسَّلَامِ وَالثَّنَاءِ، لَا كَمَا تَلْقَى الزَّبَانِيَةُ الْكَفَرَةَ بِالتَّثْرِيبِ [[في أ: "بالذم".]] وَالتَّأْنِيبِ، فَتَقْدِيرُهُ: إِذَا كَانَ هَذَا سَعِدوا وَطَابُوا، وسُرّوا وَفَرِحُوا، بِقَدْرِ كُلِّ مَا يَكُونُ لَهُمْ فِيهِ نَعِيمٌ. وَإِذَا حُذِفَ الْجَوَابُ هَاهُنَا ذَهَبَ الذِّهْنُ كُلَّ مَذْهَبٍ فِي الرَّجَاءِ وَالْأَمَلِ.
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ "الْوَاوَ" فِي قَوْلِهِ: ﴿وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ وَاوُ الثَّمَانِيَةِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةٌ، فَقَدْ أَبْعَدَ النّجْعَة وَأَغْرَقَ فِي النَّزْعِ. وَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ كَوْنُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ [[في ت: "فروى البخاري ومسلم".]] ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [[في أ: "أبي هريرة رضي الله عنه".]] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَلِلْجَنَّةِ أَبْوَابٌ [[في أ: "أبواب ثمانية".]] ، فَمَنْ كَانَ مَنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِي مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ كَانَ مَنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ" فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ ضَرُورَةٍ دُعي، مِنْ أَيِّهَا [[في أ: "أيتهما".]] دُعِيَ، فَهَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ".
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، بِنَحْوِهِ [[المسند (٢/٢٦٨) وصحح البخاري برقم (٣٦٦٦) وصحيح مسلم برقم (١٠٢٧) .]] .
وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ سَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ [[في ت: "وفي الصحيحين".]] ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ، بَابٌ مِنْهَا يُسَمَّى الرَّيَّانُ، لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ" [[صحيح البخاري برقم (١٨٩٦) وصحيح مسلم برقم (١١٥٢) .]] .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغَ -أَوْ: فَيُسْبِغَ الْوُضُوءَ-ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ". [[صحيح مسلم برقم (٢٣٤) .]] .
وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَين، عَنْ شَهْر بْنِ حَوْشَب، عَنْ مُعَاذٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" [[زورواه أحمد في مسنده (٥/٢٤٢) من طريق إسماعيل بن عياش به، وشهر بن حوشب فيه كلام ولم يسمع من معاذ.]] .
ذِكْرُ سَعَةِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ -نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ مِنْ فَضْلِهِ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِهَا-:
فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثَ أَبِي زُرْعَة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [[زيادة من أ.]] فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ الطَّوِيلِ: "فَيَقُولُ اللَّهُ [[في أ: "قال الله عز وجل".]] يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلْ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ [[في أ: "لا حساب عليه ولا ملامة".]] .
مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ الْبَابِ الْأَيْمَنِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِي الْأَبْوَابِ الْأُخَرِ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ -مَا بَيْنَ عِضَادَتَيِ الْبَابِ-لَكُمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ-أَوْ هَجَرٍ وَمَكَّةَ". وَفِي رِوَايَةٍ: "مَكَّةَ وَبُصْرَى" [[صحيح البخاري برقم (٤٧١٢) وصحيح مسلم برقم (١٩٤) .]] .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ أَنَّهُ خَطَبَهُمْ خُطْبَةً فَقَالَ فِيهَا: "وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ، مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلِيَأْتِيَنَّ عَلَيْهِ يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ" [[صحيح مسلم برقم (٢٩٦٧) .]] .
وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، مِثْلُهُ [[المسند (٥/٣) .]] .
وَقَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا دَرَّاج، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قال: "إِنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً" [[المنتخب برقم (٩٢٤) ودراج عن أبي الهيثم ضعيف.]] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ﴾ أَيْ: طَابَتْ أَعْمَالُكُمْ وَأَقْوَالُكُمْ، وَطَابَ سَعْيُكُمْ فَطَابَ جَزَاؤُكُمْ، كَمَا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُنَادَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي بَعْضِ الْغَزَوَاتِ: "إِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ" وَفِي رِوَايَةٍ: "مُؤْمِنَةٌ". [[رواه النسائي في السنن (٥/٢٣٤) من حديث أبي هريرة.]] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ أَيْ: مَاكِثِينَ فِيهَا أَبَدًا، لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا.
﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾ أَيْ: يَقُولُ الْمُؤْمِنُونَ إِذَا عَايَنُوا فِي الْجَنَّةِ ذَلِكَ الثَّوَابَ الْوَافِرَ، وَالْعَطَاءَ الْعَظِيمَ، وَالنَّعِيمَ الْمُقِيمَ، وَالْمُلْكَ الْكَبِيرَ، يَقُولُونَ عِنْدَ ذَلِكَ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾ أَيِ: الَّذِي كَانَ وَعَدَنَا عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ الْكِرَامِ، كَمَا دَعَوْا فِي الدُّنْيَا: ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٩٤] ، ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾ [الْأَعْرَافِ:٤٣] ، ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ [فَاطِرٍ:٣٥، ٣٤] .
* * *
وَقَوْلُهُمْ: ﴿وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ [[في ت: "وأبو صالح وغيرهما".]] : أَيْ أَرْضِ الْجَنَّةِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ:١٠٥] ، وَلِهَذَا قَالُوا: ﴿نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ﴾ أَيْ: أَيْنَ [[في أ: "حيث".]] شِئْنَا حَلَلْنَا، فَنِعْمَ الْأَجْرُ أَجْرُنَا عَلَى عَمَلِنَا.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ الْمِعْرَاجِ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ" [[انظر: الحديث بطوله عند تفسير الآية الأولى من سورة الإسراء.]] .
وَقَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [[زيادة من أ.]] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم سَأَلَ ابْنَ صَائِدٍ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ: دَرْمَكة بيضاءُ مِسْك خَالِصٌ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "صَدَقَ".
وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْلَمَةَ [[في س: "سلمة".]] ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، بِهِ [[المنتخب برقم (٨٧٤) وصحيح مسلم برقم (٢٩٢٨) .]] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ [أَيْضًا] [[زيادة من أ.]] عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنِ الجُرَيْرِي، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ أَنَّ ابْنَ صَائِدٍ [[في س: "صياد".]] سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ: "دَرْمكة بَيْضَاءُ مِسْكٌ خَالِصٌ" [[صحيح مسلم برقم (٢٩٢٨) .]] .
وَقَوْلُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ [[في ت: "وروى ابن أبي حاتم بسنده عن علي" وفي أ: "حمزة".]] ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا﴾ ، قَالَ: سِيقُوا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَوَجَدُوا عِنْدَهَا شَجَرَةً يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ سَاقِهَا عَيْنَانِ، فَعَمَدُوا إِلَى إِحْدَاهُمَا فَتَطَهَّرُوا مِنْهَا، فَجَرَتْ عليهم نضرة النَّعِيمِ، فَلَمْ تُغَير أَبْشَارُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا، وَلَمْ تُشْعَث أَشْعَارُهُمْ أَبَدًا بَعْدَهَا، كَأَنَّمَا دُهِنُوا بِالدِّهَانِ، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى الْأُخْرَى كَأَنَّمَا أُمِرُوا بِهَا، فَشَرِبُوا مِنْهَا، فَأَذْهَبَتْ مَا كَانَ فِي بُطُونِهِمْ مِنْ أَذًى أَوْ قَذًى، وَتَلَقَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ [[في أ: "باب".]] الْجَنَّةِ: ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ . وَيَلْقَى كُلُّ غِلْمَانٍ صَاحِبَهُمْ يطيفُون بِهِ، فِعْلَ [[في أ: "مثل".]] الْوِلْدَانِ بِالْحَمِيمِ جَاءَ مِنَ الْغَيْبَةِ: أَبْشِر، قَدْ أعَد اللَّهُ لَكَ مِنَ الْكَرَامَةِ كَذَا وَكَذَا، قَدْ أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ مِنَ الْكَرَامَةِ كَذَا وَكَذَا. وَقَالَ: وَيَنْطَلِقُ غُلَامٌ مِنْ غِلْمَانِهِ إِلَى أَزْوَاجِهِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، فَيَقُولُ: هَذَا فُلَانٌ -بِاسْمِهِ فِي الدُّنْيَا-فَيَقُلْنَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيَسْتَخِفُّهُنَّ الْفَرَحُ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَى أَسكُفَّة [[في س: "أسفكة".]] الْبَابِ. قَالَ: فَيَجِيءُ فَإِذَا هُوَ بِنَمَارِقَ مَصْفُوفَةٍ، وَأَكْوَابٍ مَوْضُوعَةٍ، وَزَرَابِيِ مَبْثُوثَةٍ. قَالَ: ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى تَأْسِيسِ بُنْيَانِهِ [[في أ: "بنائه".]] ، فَإِذَا هُوَ قَدْ أَسَّسَ عَلَى جَنْدَلِ اللُّؤْلُؤِ، بَيْنَ أَحْمَرَ وَأَخْضَرَ وَأَصْفَرَ [وَأَبْيَضَ] [[زيادة من ت، س، أ.]] ، وَمِنْ كُلِّ لَوْنٍ. ثُمَّ يَرْفَعُ طَرَفَهُ إِلَى سَقْفِهِ، فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَهُ لَهُ، لألمَّ أَنْ يَذْهَبَ بِبَصَرِهِ، إِنَّهُ لَمِثْلُ الْبَرْقِ. ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى أَزْوَاجِهِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، ثُمَّ يَتَّكِئُ عَلَى أَرِيكَةٍ مِنْ أَرَائِكِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ [الْأَعْرَافِ:٤٣] الْآيَةَ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا، أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النّهْدِي، حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ [[في ت، أ: "سلمة".]] بْنُ جَعْفَرٍ الْبَجَلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْبَصْرِيَّ يَقُولُ: إِنَّ عَلِيَّا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ النَّبِيُّ [[في ت: "رسول الله".]] ﷺ: "وَالَّذِي نَفْسِي، بِيَدِهِ إِنَّهُمْ إِذَا خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ يُسْتَقبلون -أَوْ: يُؤْتون-بِنُوقٍ لَهَا أَجْنِحَةٌ، وَعَلَيْهَا رِحَالُ الذَّهَبِ، شِرَاكُ نِعَالِهِمْ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ كُلُّ خَطْوَةٍ مِنْهَا مَدُّ الْبَصَرِ، فَيَنْتَهُونَ إِلَى شَجَرَةٍ يَنْبُعُ مَنْ أَصِلُهَا عَيْنَانِ، فَيَشْرَبُونَ مِنْ إِحْدَاهُمَا فيُغْسَل مَا فِي بُطُونِهِمْ مَنْ دَنَسٍ، وَيَغْتَسِلُونَ مِنَ الْأُخْرَى، فَلَا تَشْعَثُ أَبْشَارُهُمْ وَلَا أَشْعَارُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا، وَتَجْرِي عَلَيْهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيمِ، فَيَنْتَهُونَ -أَوْ: فَيَأْتُونَ-بَابَ الْجَنَّةِ، فَإِذَا حَلْقَةٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ عَلَى صَفَائِحِ الذَّهَبِ، فَيَضْرِبُونَ بِالْحَلْقَةِ عَلَى الصَّفِيحَةِ [[في س: "الصفحة".]] ، فَيُسْمَعُ [[في أ: "فلو سمع".]] لَهَا طَنِينٌ يَا عَلِيُّ، فَيَبْلُغُ كُلَّ حَوْرَاءَ أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ أَقْبَلَ، فَتَبْعَثُ قَيّمها فَيَفْتَحُ لَهُ، فَإِذَا رَآهُ خَرّ لَهُ -قَالَ مَسْلَمَةُ: أُرَاهُ قَالَ: سَاجِدًا [[في ت: "خر له ساجد" وهو خطأ والصواب: "ساجدا".]] -فَيَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، فَإِنَّمَا أَنَا قَيمك، وُكِّلْتُ بِأَمْرِكَ. فَيَتْبَعُهُ وَيَقْفُو أَثَرَهُ، فَتَسْتَخِفُّ الْحَوْرَاءَ الْعَجَلَةُ، فَتَخْرُجُ مِنْ خِيَامِ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ حَتَّى تَعْتَنِقَهُ، ثُمَّ تَقُولُ: أَنْتَ حِبِّي، وَأَنَا حِبُّكَ، وَأَنَا الْخَالِدَةُ الَّتِي لَا أَمُوتُ، وَأَنَا النَّاعِمَةُ الَّتِي لَا أَبْأَسُ، وَأَنَا الرَّاضِيَةُ الَّتِي لَا أَسْخَطُ، وَأَنَا الْمُقِيمَةُ الَّتِي لَا أَظْعَنُ". فَيَدْخُلُ بَيْتًا مِنْ أُسِّهِ إِلَى سَقْفِهِ مِائَةُ أَلْفِ ذِرَاعٍ، بِنَاؤُهُ عَلَى جَنْدَلِ اللُّؤْلُؤِ، طَرَائِقُ أصفر وأخضر وأحمر، ليس فيها [[في ت، س::منها".]] طريقة تُشَاكِلُ صَاحِبَتَهَا، فِي الْبَيْتِ سَبْعُونَ سَرِيرًا، عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ سَبْعُونَ حَشْيَة، عَلَى كُلِّ حَشِيَّةٍ سَبْعُونَ زَوْجَةً، عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً، يُرَى مُخّ سَاقِهَا مِنْ بَاطِنِ الحُلَل، يَقْضِي جِمَاعَهَا فِي مِقْدَارِ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِيكُمْ هَذِهِ. الأنهار مِنْ تَحْتِهِمْ تَطّرد، أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ -قَالَ: صَافٍ، لَا كَدَرَ فِيهِ-وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ -قَالَ: لَمْ يَخْرُجْ مِنْ ضُرُوعِ الْمَاشِيَةِ-وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ -قَالَ: لَمْ تَعْصِرْهَا الرِّجَالُ بِأَقْدَامِهِمْ -وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفَّى-قَالَ: لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بُطُونِ النَّحْلِ. يَسْتَجْنِي الثِّمَارَ، فَإِنْ شَاءَ قَائِمًا، وَإِنْ شَاءَ قَاعِدًا، وَإِنْ شَاءَ مُتَّكِئًا -ثُمَّ تَلَا ﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا﴾ [الْإِنْسَانِ:١٤]-فَيَشْتَهِي الطَّعَامَ فَيَأْتِيهِ طَيْرٌ أَبْيَضُ-قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ: أَخْضَرُ. قَالَ: -فَتَرْفَعُ أَجْنِحَتَهَا، فَيَأْكُلُ مِنْ جُنُوبِهَا، أَيَّ الْأَلْوَانِ شَاءَ، ثُمَّ يَطِيرُ فَيَذْهَبُ [[في س: "ثم تطير فتذهب".]] ، فَيَدْخُلُ الْمَلَكُ فَيَقُولُ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. وَلَوْ أَنَّ شَعْرَةً مِنْ شَعْرِ [[في ت: "شعور".]] الْحَوْرَاءِ وَقَعَتْ لِأَهْلِ الْأَرْضِ، لَأَضَاءَتِ الشَّمْسُ مَعَهَا سَوَادًا فِي نُورٍ".
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَكَأَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
{"ayahs_start":73,"ayahs":["وَسِیقَ ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَ ٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَـٰمٌ عَلَیۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَـٰلِدِینَ","وَقَالُوا۟ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی صَدَقَنَا وَعۡدَهُۥ وَأَوۡرَثَنَا ٱلۡأَرۡضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلۡجَنَّةِ حَیۡثُ نَشَاۤءُۖ فَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَـٰمِلِینَ"],"ayah":"وَسِیقَ ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَ ٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَـٰمٌ عَلَیۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَـٰلِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق