الباحث القرآني
(p-٤١٥)قوله عزّ وجلّ:
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهم إلى الجَنَّةِ زُمَرًا حَتّى إذا جاءُوها وفُتِحَتْ أبْوابُها وقالَ لَهم خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكم طِبْتُمْ فادْخُلُوها خالِدِينَ﴾ ﴿وَقالُوا الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وعْدَهُ وأورَثَنا الأرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أجْرُ العامِلِينَ﴾ ﴿وَتَرى المَلائِكَةَ حافِّينَ مِن حَوْلِ العَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وقُضِيَ بَيْنَهم بِالحَقِّ وقِيلَ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ لَفْظٌ يَعُمُّ كُلَّ مَن يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنَ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ اتَّقَوُا الشِرْكَ، لِأنَّ الَّذِينَ لَمَّ يَتَّقُوا المَعاصِي قَدْ يُساقُ مِنهُمْ، وهُمُ الَّذِينَ سَبَقَ لَهم أنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهم مِن أهْلِ المَشِيئَةِ، وأيْضًا فالَّذِينَ يَدْخُلُونَ النارَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنها قَدْ يُساقُونَ زُمَرًا إلى الجَنَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَصِيرُونَ مِن أهْلِ هَذِهِ الآيَةِ، والواوُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ "وَفُتِحَتْ"﴾ مُؤْذِنَةٌ بِأنَّها قَدْ فَتَحَتْ قَبْلَ وُصُولِهِمْ إلَيْها، وقَدْ قالَتْ فِرْقَةٌ: هي زائِدَةٌ، وجَوابُ "إذا" هو "فُتِحَتْ"، وقالَ الزَجّاجُ عَنِ المُبَرِّدِ: جَوابُ "إذا" مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ "خالِدِينَ"﴾ سَعِدُوا.
وقالَ الخَلِيلُ: الجَوابُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: حَتّى إذا جاؤُوها وفُتِحَتْ أبْوابُها، وهَذا كَما قَدَّرَ الخَلِيلُ قَوْلَ اللهِ تَعالى: ﴿فَلَمّا أسْلَما وتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ [الصافات: ١٠٣].
وكَمّا قُدِّرَ أيْضًا قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ:
؎ فَلَمّا أجَزْنا ساحَةَ الحَيِّ وانْتَحى
(p-٤١٦)أيْ: أجَزْنا وانْتَحى. وقالَ قَوْمٌ - أشارَ إلَيْهِمُ ابْنُ الأنْبارِيِّ وضَعَّفَ قَوْلَهم -: هَذِهِ واوُ الثَمانِيَةِ، وسَقَطَتْ هَذِهِ الواوُ في مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَهي كالأُولى.
وقَوْلُهُ: ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ﴾ تَحِيَّةٌ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ أنَّهم قالُوا لَهُمْ: سَلامٌ عَلَيْكم وأمَنَةٌ لَكُمْ، و"طِبْتُمْ" مَعْناهُ: أعْمالًا ومُعْتَقَدًا ومُسْتَقَرًّا وجَزاءً.
وقَوْلُهُ تَعالى حِكايَةً عنهُمْ: ﴿وَأورَثَنا الأرْضَ﴾ يُرِيدُ أرْضَ الجَنَّةِ قالَهُ قَتادَةُ، وابْنُ زَيْدٍ، والسُدِّيُّ، والوِراثَةُ هُنا مُسْتَعارَةٌ، لِأنَّ حَقِيقَةَ المِيراثِ أنْ يَكُونَ تَصْيِيرَ شَيْءٍ إلى إنْسانٍ بَعْدَ مَوْتِ إنْسانٍ، وهَؤُلاءِ إنَّما ورِثُوا مَواضِعَ أهْلِ النارِ أنْ لَوْ كانُوا مُؤْمِنِينَ، و"نَتَبَوَّأُ" مَعْناهُ: نَتَّخِذُ أمْكِنَةً ومَساكِنَ.
ثُمَّ وصَفَ حالَةَ المَلائِكَةِ مِنَ العَرْشِ وحُفُوفَهم بِهِ. وقالَ قَوْمٌ: واحِدُ "حافِّينَ": حافٌّ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: لا واحِدَ لِقَوْلِهِ: حافِّينَ لِأنَّ الواحِدَ لا يَكُونُ حافًّا، إذِ الحُفُوفُ الإحْداقُ بِالشَيْءِ، وهَذِهِ اللَفْظَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الحِفافِ وهو الجانِبُ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ لَهُ لَحَظاتٌ عن حِفافَيْ سَرِيِرِهِ ∗∗∗ ∗∗∗ إذا كَرَّها فِيها عِقابٌ ونائِلُ
أيْ: عن جانِبَيْهِ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: [مِن] في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِن حَوْلِ العَرْشِ﴾ زائِدَةٌ
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: والصَوابُ أنَّها لِابْتِداءِ الغايَةِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾، قالَتْ فِرْقَةٌ: مَعْناهُ: أنَّ تَسْبِيحَهم يَتَأتّى بِحَمْدِ اللهِ وفَضْلِهِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: تَسْبِيحُهم هو بِتَرْدِيدِ حَمْدِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى وتَكْرارِهِ. قالَ الثَعْلَبِيُّ: مُتَلَذِّذِينَ لا مُتَعَبِّدِينَ ولا مُكَلَّفِينَ.
(p-٤١٧)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقِيلَ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ خَتْمٌ لِلْأمْرِ، وقَوْلٌ جَزْمٌ عِنْدَ فَصْلِ القَضاءِ، أيْ أنَّ هَذا الحاكِمَ العَدْلَ يَنْبَغِي أنْ يُحْمَدَ عِنْدَ نُفُوذِ حُكْمِهِ وإكْمالِ قَضائِهِ، ومِن هَذِهِ الآيَةِ جُعِلْتِ ﴿ "الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ"﴾ خاتِمَةُ المَجالِسِ والمُجْتَمَعاتِ في العِلْمِ، وقالَ قَتادَةُ: فَتَحَ اللهُ أوَّلَ الخَلْقِ بِالحَمْدِ فَقالَ: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَماواتِ والأرْضَ﴾ [الأنعام: ١]، وخَتَمَ القِيامَةَ بِالحَمْدِ في هَذِهِ الآيَةِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وجَعَلَ ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ فاتِحَةَ كِتابِهِ، فَبِهِ يُبْدَأُ كُلُّ أمْرٍ، وبِهِ يُخْتَمُ، وحَمْدُ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى وتَقْدِيسُهُ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِ، كَما قالَ الشاعِرُ:
؎ وآخِرُ شَيْءٍ أنْتَ في كُلِّ ضَجْعَةٍ ∗∗∗ ∗∗∗ وأوَّلُ شَيْءٍ أنْتَ عِنْدَ هُبُوبِي
وقَدْ أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حَمِيدٍ عن وهَبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قالَ: "مَن أرادَ أنْ يَعْرِفَ قَضاءَ اللهِ في خَلْقِهِ فَلْيَقْرَأْ سُورَةَ الزُمَرِ".
كَمُلَ تَفْسِيرُ سُورَةِ الزُمَرِ والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ
{"ayahs_start":73,"ayahs":["وَسِیقَ ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَ ٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَـٰمٌ عَلَیۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَـٰلِدِینَ","وَقَالُوا۟ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی صَدَقَنَا وَعۡدَهُۥ وَأَوۡرَثَنَا ٱلۡأَرۡضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلۡجَنَّةِ حَیۡثُ نَشَاۤءُۖ فَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَـٰمِلِینَ","وَتَرَى ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةَ حَاۤفِّینَ مِنۡ حَوۡلِ ٱلۡعَرۡشِ یُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡۚ وَقُضِیَ بَیۡنَهُم بِٱلۡحَقِّۚ وَقِیلَ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"],"ayah":"وَسِیقَ ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَ ٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَـٰمٌ عَلَیۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَـٰلِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق