الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِن مِصْرَ لامْرَأتِهِ أكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أنْ يَنْفَعَنا أو نَتَّخِذَهُ ولَدًا وكَذَلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ في الأرْضِ ولِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحادِيثِ واللهُ غالِبٌ عَلى أمْرِهِ ولَكِنَّ أكْثَرَ الناسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿وَلَمّا بَلَغَ أشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْمًا وعِلْمًا وكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾
رُوِيَ أنَّ مُبْتاعَ يُوسُفَ -وَهُوَ الوارِدُ مِن إخْوَتِهِ أوِ التاجِرُ مِنَ الوُرّادِ حَسْبَما تَقَدَّمَ مِنَ الخِلافِ- ورَدَ بِهِ مِصْرَ -البَلَدَ المَعْرُوفَ ولِذَلِكَ لا يَنْصَرِفُ- فَعَرَضَهُ في السُوقِ، وكانَ أجْمَلَ الناسِ، فَوَقَعَتْ فِيهِ مُزايَدَةٌ حَتّى بَلَغَ ثَمَنًا عَظِيمًا، فَقِيلَ: وزْنُهُ مِن ذَهَبٍ، ومِن فِضَّةِ، ومِن حَرِيرٍ. فاشْتَراهُ العَزِيزُ وكانَ حاجِبُ المَلِكِ وخازِنُهُ، واسْمُ المَلِكِ الرَيّانُ بْنُ الوَلِيدِ وقِيلَ: مُصْعَبُ بْنُ الرَيّانِ، وهو أحَدُ الفَراعِنَةِ، وقِيلَ: هو فِرْعَوْنُ مُوسى عُمِّرَ إلى زَمانِهِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا ضَعِيفٌ، وذَلِكَ أنَّ ظُهُورَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَلامُ لَمْ يَكُنْ في مُدَّةِ كافِرٍ يَخْدُمُهُ يُوسُفُ. واسْمُ العَزِيزِ المَذْكُورِ: قَطْفِيرُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وقِيلَ: أطْفِيرُ، وقِيلَ: قَنْطُورُ، واسْمُ امْرَأتِهِ: راعِيلُ، قالَهُ ابْنُ إسْحاقَ، وقِيلَ: رَبِيحَةُ، وقِيلَ: زُلَيْخا، وظاهِرُ أمْرِ العَزِيزِ أنَّهُ كانَ كافِرًا، ويَدُلُّ عَلى ذَلِكَ كَوْنُ الصَنَمِ في بَيْتِهِ -حَسْبَما نَذْكُرُهُ في (p-٦٢)البُرْهانِ الَّذِي رَأى يُوسُفُ - وقالَ مُجاهِدٌ: كانَ العَزِيزُ مُسْلِمًا. والمَثْوى: مَكانُ الإقامَةِ، و الإكْرامُ إنَّما هو لِذِي المَثْوى، فَفي الكَلامِ اسْتِعارَةٌ. وقَوْلُهُ: ﴿عَسى أنْ يَنْفَعَنا﴾، أيْ: بِأنْ يُعِينَنا في أبْوابِ دُنْيانا وغَيْرِ ذَلِكَ مِن وُجُوهِ النَفْعِ، وقَوْلُهُ: ﴿أو نَتَّخِذَهُ ولَدًا﴾ أيْ نَتَبَنّاهُ، وكانَ -فِيما يُقالُ- لا ولَدَ لَهُ.
ثُمَّ قالَ تَعالى: "وَكَذَلِكَ"، أيْ: كَما وصَفْنا ﴿مَكَّنّا لِيُوسُفَ في الأرْضِ ولِنُعَلِّمَهُ﴾ فَعَلْنا ذَلِكَ، و"الأحادِيثُ": الرُؤْيا في النَوْمِ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وقِيلَ: أحادِيثُ الأنْبِياءِ والأُمَمِ. والضَمِيرُ في "أمْرِهِ" يُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى يُوسُفَ، قالَهُ الطَبَرِيُّ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ، فَيَكُونُ إخْبارًا مُنَبِّهًا عَلى قُدْرَةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ لَيْسَ في شَأْنِ يُوسُفَ خاصَّةً بَلْ عامًّا في كُلِّ أمْرٍ، وكَذَلِكَ الِاحْتِمالُ في قَوْلِ الشاعِرِ:
؎ رَأيْتُ أبا بَكْرٍ - ورَبُّكَ غالِبٌ ∗∗∗ عَلى أمْرِهِ- يَبْغِي الخِلافَةَ بِالتَمْرِ
وأكْثَرُ الناسِ الَّذِينَ نُفِيَ عنهُمُ العِلْمُ هُمُ الكَفَرَةُ، وفِيهِمُ الَّذِينَ زَهِدُوا في يُوسُفَ وغَيْرِهِمْ مِمَّنْ جَهِلَ أمْرَهُ، ورُوِيَ عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قالَ: أصَحُّ الناسِ فِراسَةً ثَلاثَةٌ: العَزِيزُ حِينَ قالَ لِامْرَأتِهِ: ﴿أكْرِمِي مَثْواهُ﴾، وابْنَةُ شُعَيْبٍ حِينَ قالَتْ: ﴿اسْتَأْجِرْهُ، إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأمِينُ﴾ [القصص: ٢٦] وأبُو بَكْرٍ حِينَ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ-.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وفِراسَةُ العَزِيزِ إنَّما كانَتْ في نَفْسِ نَجابَةِ يُوسُفَ، لا أنَّهُ تَفَرَّسَ الَّذِي كانَ كَما في المِثالَيْنِ الآخَرَيْنِ، فَإنَّ ما تَفَرَّسَ خَرَجَ بِعَيْنِهِ.
(p-٦٣)و الأشُدُّ: اسْتِكْمالُ القُوَّةِ وتَناهِي البَأْسِ، وهُما أشُدّانِ: أوَّلُهُما البُلُوغُ، وقَدْ عَبَّرَ عنهُ مالِكٌ ورَبِيعَةُ بِأشُدٍّ، وذَكَرَهُ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ، والثانِي الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ العَرَبُ، وقِيلَ: هو مِن ثَمانِي عَشْرَةَ سَنَةٍ إلى سِتِّينَ سَنَةٍ، وهَذا قَوْلٌ ضَعِيفٌ. وقِيلَ: الأشَدُّ: بُلُوغُ الأرْبَعِينَ، وقِيلَ: بَلْ سِتَّةٌ وثَلاثُونَ، وقِيلَ: ثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ،وَهَذا هو أظْهَرُ الأقْوالِ فِيما نَحْسَبُهُ، وقِيلَ: عِشْرُونَ سَنَةً، وهَذا ضَعِيفٌ، وقالَ الطَبَرِيُّ: الأشُدُّ لا واحِدَ لَهُ مِن لَفْظِهِ، وقالَ سِيبَوَيْهِ: الأشُدُّ: جَمَعَ شِدَّةٍ نَحْوُ نِعْمَةٍ وأنْعُمٍ، وقالَ الكِسائِيُّ: أشُدُّ جَمْعُ شَدٍّ نَحْوُ قَدٍّ وأقُدٍّ، وشَدُّ النَهارِ: مُعْظَمُهُ وحَيْثُ تُسْتَكْمَلُ نَهارِيَّتُهُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: "حُكْمًا" يُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ الحِكْمَةَ والنُبُوءَةَ، وهَذا عَلى الأشُدِّ الأعْلى، ويُحْتَمَلُ الحِكْمَةَ والعِلْمَ دُونَ النُبُوَّةِ، وهَذا أشْبَهُ إنْ كانَتْ قِصَّةُ المُراوَدَةِ بَعْدَ هَذا. "وَعِلْمًا" يُرِيدُ تَأْوِيلَ الأحادِيثِ وغَيْرَ ذَلِكَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: "حُكْمًا" أيْ سَلَّطانا في الدُنْيا وحُكْمًا بَيْنَ الناسِ بِالحَقِّ، وتَدْخُلُ النُبُوَّةُ وتَأْوِيلُ الأحادِيثِ وغَيْرُ ذَلِكَ في قَوْلِهِ: "وَعِلْمًا".
﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾ ألْفاظٌ فِيها وعْدٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَلا يَهُولَنَّكَ فِعْلُ الكَفَرَةِ بِكَ وعُتُوُّهم عَلَيْكَ، فاللهُ تَعالى يَصْنَعُ لِلْمُحْسِنِينَ أجْمَلَ صُنْعٍ.
{"ayahs_start":21,"ayahs":["وَقَالَ ٱلَّذِی ٱشۡتَرَىٰهُ مِن مِّصۡرَ لِٱمۡرَأَتِهِۦۤ أَكۡرِمِی مَثۡوَىٰهُ عَسَىٰۤ أَن یَنفَعَنَاۤ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدࣰاۚ وَكَذَ ٰلِكَ مَكَّنَّا لِیُوسُفَ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلِنُعَلِّمَهُۥ مِن تَأۡوِیلِ ٱلۡأَحَادِیثِۚ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰۤ أَمۡرِهِۦ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ","وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥۤ ءَاتَیۡنَـٰهُ حُكۡمࣰا وَعِلۡمࣰاۚ وَكَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُحۡسِنِینَ"],"ayah":"وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥۤ ءَاتَیۡنَـٰهُ حُكۡمࣰا وَعِلۡمࣰاۚ وَكَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُحۡسِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق