الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لما بلغ يوسف أشده، يقول: ولما بلغ منتهى شدته وقوته في شبابه وحَدِّه، وذلك فيما بين ثماني عشرة إلى ستين سنة، وقيل إلى أربعين سنة. [[انظر تفسير" الأشد" فيما سلف ١٢: ٢٢٢.]] * * * يقال منه:"مضت أشُدُّ الرجل": أي شدته، وهو جمع مثل"الأضُرّ" و"الأشُرّ"، [[هكذا جاءني المخطوطة والمطبوعة، إلا أنه كان في المخطوطة" الأسر"، و" سر"، وقد مضى هذان اللفظان أيضا فيما سلف ١٢: ٢٢٢، وظننت هناك أنهما محرفتان، ولكن عجيب أن يظل التحريف هو. هو على بعد المكانين وأخشى أن يكون صواب" الأضر" هو" الأضب" جمع" ضب" ومهما يكن من شيء، فهذا مما لم أتبينه ولا عرفته، وفوق كل ذي علم عليم.]] لم يسمع له بواحد من لفظه. ويجب في القياس أن يكون واحده"شدَّ"، كما واحد"الأضر""ضر"، وواحد"الأشُر""شر"، كما قال الشاعر : [[لم أعرف قائله.]] هَلْ غَيْرُ أَنْ كَثُرَ الأشُرُّ وَأَهْلَكَتْ ... حَرْبُ المُلُوكِ أَكَاثِرَ الأَمْوَالِ [[في المطبوعة:" كثر الأشد"، وفي المخطوطة بالراء، ولم أجد البيت في غير هذا المكان.]] وقال حُميد: وَقَدْ أَتَى لَوْ تُعْتِبُ الْعَوَاذِلُ ... بَعْدَ الأشُدّ أَرْبَعٌ كَوَامِلِ [[لم أجده في غير هذا المكان. ولا أدري أهي في الرجز" الأشد" أو" الأشر".]] * * * وقد اختلف أهل التأويل في الذي عنى الله به في هذا الموضع من"مبلغ الأشد". فقال بعضهم: عني به ثلاث وثلاثون سنة. * ذكر من قال ذلك: ١٨٩٥٧ - حدثنا ابن وكيع والحسن بن محمد، قالا حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿ولما بلغ أشده﴾ ، قال: ثلاثًا وثلاثين سنة. ١٨٩٥٨ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ١٨٩٥٩ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، مثله. ١٨٩٦٠ - حدثت عن علي بن الهيثم، عن بشر بن المفضل، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن مجاهد، قال: سمعت ابن عباس يقول في قوله: ﴿ولما بلغ أشده﴾ قال: بضعًا وثلاثين سنة. * * * وقال آخرون: بل عني به عشرون سنة. * ذكر من قال ذلك: ١٨٩٦١ - حدثت عن علي بن المسيب، عن أبي روق، عن الضحاك، في قوله: ﴿ولما بلغ أشده﴾ قال: عشرين سنة. * * * وروي عن ابن عباس من وجه غير مرضيّ أنه قال: ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين. وقد بينت معنى"الأشُدّ". * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنه آتى يوسف لما بلغ أشدهُ حكمًا وعلمًا = و"الأشُدّ": هو انتهاء قوته وشبابه = وجائز أن يكون آتاه ذلك وهو ابن ثماني عشرة سنة = وجائز أن يكون آتاه وهو ابن عشرين سنة = وجائز أن يكون آتاه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة = ولا دلالة له في كتاب الله، ولا أثر عن الرسول ﷺ، ولا في إجماع الأمة، على أيّ ذلك كان. وإذا لم يكن ذلك موجودًا من الوجه الذي ذكرت، فالصوابُ أن يقال فيه كما قال عز وجل، حتى تثبت حجة بصحة ما قيل في ذلك من الوجه الذي يجب التسليم له، فيسلم لها حينئذ. * * * وقوله: ﴿آتيناه حكمًا وعلمًا﴾ يقول تعالى ذكره: أعطيناه حينئذ الفهم والعلم، [[انظر تفسير" الحكم" فيما سلف ٦: ٥٣٨، وما سلف من فهارس اللغة (حكم) .]] كما: - ١٨٩٦٢ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿حكمًا وعلمًا﴾ قال: العقل والعلم قبل النبوة. * * * وقوله: ﴿وكذلك نجزي المحسنين﴾ يقول تعالى ذكره: وكما جزيت يوسف فآتيته بطاعته إيّاي الحكمَ والعلمَ، ومكنته في الأرض، واستنقذته من أيدي إخوته الذين أرادوا قتله، كذلك نجزي من أحسن في عمله، فأطاعني في أمري، وانتهى عما نهيته عنه من معاصيّ. [[انظر تفسير" الجزاء" و" الإحسان" فيما سلف من فهارس اللغة (جزى) ، (حسن) .]] * * * وهذا، وإن كان مخرج ظاهره على كل محسن، فإن المرادَ به محمدٌ نبيُّ الله ﷺ. يقول له عز وجل: كما فعلت هذا بيوسف من بعد ما لقي من إخوته ما لقي، وقاسى من البلاء ما قاسى، فمكنته في الأرض، ووطَّأتُ له في البلاد، فكذلك أفعل بك فأنجيك من مشركي قومك الذين يقصدونك بالعداوة، وأمكن لك في الأرض، وأوتيك الحكم والعلم، لأنّ ذلك جزائي أهلَ الإحسان في أمري ونهيي. * * * ١٨٩٦٣ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: ﴿وكذلك نجزي المحسنين﴾ يقول: المهتدين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب