الباحث القرآني
﴿ولَمّا بَلَغَ أشُدَّهُ﴾ أيْ بَلَغَ زَمانَ انْتِهاءِ اشْتِدادِ جِسْمِهِ وقُوَّتِهِ وهو سِنُّ الوُقُوفِ عَنِ النُّمُوِّ المُعْتَدِّ بِهِ أعْنِي ما بَيْنَ الثَّلاثِينَ والأرْبَعِينَ، وسُئِلَ القاضِي النَّحْوِيِّ مُهَذَّبُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ الخَيْمِيُّ عَنْهُ، فَقالَ: هو خَمْسٌ وثَلاثُونَ سَنَةً وتَمامُهُ أرْبَعُونَ.
وقالَ الزَّجّاجُ: هو سَبْعَةَ عَشَرَ عامًا إلى نَحْوِ الأرْبَعِينَ، وعَنْ مُجاهِدٍ وقَتادَةَ -ورَواهُ ابْنُ جُبَيْرٍ- عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ ثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ، أوْ ثَلاثُونَ أوْ أحَدُ وعِشْرُونَ، وقالَ الضَّحّاكُ: عِشْرُونَ، وحَكى ابْنُ قُتَيْبَةَ أنَّهُ ثَمانٍ وثَلاثُونَ.
وقالَ الحَسَنُ: أرْبَعُونَ، والمَشْهُورُ أنَّ الإنْسانَ يَقِفُ جِسْمُهُ عَنِ النُّمُوِّ إذا بَلَغَ ذَلِكَ، وإذا وقَفَ الجِسْمُ وقَفَتِ القُوى والشَّمائِلُ والأخْلاقُ، ولِذا قِيلَ:
؎إذا المَرْءُ وفى الأرْبَعِينَ ولَمْ يَكُنْ لَهُ دُونَ ما يَهْوى حَياءٌ ولا سِتْرُ
؎فَدَعْهُ ولا تُنَفِّسْ عَلَيْهِ الَّذِي مَضى ∗∗∗ وإنْ جَرَّ أسْبابَ الحَياةِ لَهُ العُمُرُ
وقِيلَ: أقْصى الأشُدِّ اثْنانِ وسِتُّونَ، وإلى كَوْنِ الأشُدِّ مُنْتَهى الشَّبابِ والقُوَّةِ قَبْلَ أنْ يُؤْخَذَ في النُّقْصانِ ذَهَبَ أبُو عُبَيْدَةَ وغَيْرُهُ مِن ثِقاتِ اللُّغَوِيِّينَ، واسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ، وهو عِنْدَ سِيبَوَيْهِ جَمْعٌ واحِدُهُ شِدَّةٌ كَنِعْمَةٍ وأنْعُمٍ- وقالَ الكِسائِيُّ والفَرّاءُ: إنَّهُ جَمْعُ شَدٍّ نَحْوُ صَكٍّ وأصُكٍّ وفَلْسٍ وأفْلُسٍ- وهَذا عَلى ما ذَكَرَ أبُو حاتِمٍ يُوجِبُ أنْ يَكُونَ مُؤَنَّثًا لِأنَّ كُلَّ جَمْعٍ عَلى أفْعُلٍ مُؤَنَّثٌ.
وزَعَمَ عَنْ أبِي عُبَيْدَةَ أنَّهُ لا واحِدَ لَهُ مِن لَفْظِهِ عِنْدَ العَرَبِ، وقالَ الفَرّاءُ: أهْلُ البَصْرَةِ يَزْعُمُونَ أنَّهُ اسْمٌ واحِدٌ لَكِنَّهُ عَلى بِناءٍ نَدَرَ في المُفْرَداتِ وقَلَّما رَأيْنا اسْمًا عَلى أفْعْلٍ إلّا وهو جَمْعٌ ﴿آتَيْناهُ حُكْمًا﴾ أيْ حِكْمَةً وهي في لِسانِ الشَّرْعِ العِلْمُ النّافِعُ المُؤَيَّدُ بِالعَمَلِ لِأنَّهُ بِدُونِهِ لا يُعْتَدُّ بِهِ، والعَمَلُ بِخِلافِ العِلْمِ سَفَهٌ، أوْ حُكْمًا بَيْنَ النّاسِ ﴿وعِلْمًا﴾ يَعْنِي عِلْمَ تَأْوِيلِ الرُّؤْيا، وخُصَّ بِالذِّكْرِ لِأنَّهُ غَيْرُ داخِلٍ فِيما قَبْلَهُ، أوْ أُفْرِدَ بِالذِّكْرِ لِأنَّهُ مِمّا لَهُ شَأْنٌ ولِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِهِ اخْتِصاصٌ تامٌّ كَذا قِيلَ، وفَسَّرَ بَعْضُهُمُ الحِكْمَةَ بِالنُّبُوَّةِ والعِلْمَ بِالتَّفَقُّهِ في الدِّينِ، وقِيلَ: الحِكْمَةُ حَبْسُ النَّفْسِ عَنْ هَواها وصَوْنُها عَمّا لا يَنْبَغِي، والعِلْمُ هو العِلْمُ النَّظَرِيُّ، وقِيلَ: أرادَ بِالحِكْمَةِ الحُكْمَ بَيْنَ النّاسِ، وبِالعِلْمِ العِلْمَ بِوُجُوهِ المَصالِحِ، فَإنَّ النّاسَ كانُوا إذا تَحاكَمُوا إلى العَزِيزِ أمَرَهُ بِأنْ يَحْكُمَ بَيْنَهم لِما رَأى مِن عَقْلِهِ وإصابَتِهِ في الرَّأْيِ.
وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ الحُكْمَ النُّبُوَّةُ، والعِلْمَ الشَّرِيعَةُ، وتَنْكِيرُهُما لِلتَّفْخِيمِ أيْ حُكْمًا وعِلْمًا لا يُكْتَنَهُ كُنْهُهُما ولا يُقادَرُ قَدْرُهُما، وتُعُقِّبَ كَوْنُ المُرادِ بِالعِلْمِ العِلْمَ بِتَأْوِيلِ الأحادِيثِ -بِأنَّ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: ﴿وكَذَلِكَ﴾ أيْ مِثْلُ ذَلِكَ الجَزاءِ العَجِيبِ ﴿نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾ أيْ كُلَّ مَن يُحْسِنُ في عِلْمِهِ -يَأْباهُ لِأنَّ ذَلِكَ لا يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ جَزاءً لِأعْمالِهِ الحَسَنَةِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها مُعاناةُ الأحْزانِ والشَّدائِدِ إلّا أنْ يُخَصَّ بِعِلْمِ تَأْوِيلِ رُؤْيا المَلِكِ فَإنَّ ذَلِكَ (p-210)حَيْثُ كانَ عِنْدَ تَناهِي أيّامِ البَلاءِ صَحَّ أنْ يُعَدَّ إيتاؤُهُ مِن جُمْلَةِ الجَزاءِ؛ وأمّا رُؤْيا صاحِبَيِ السِّجْنِ فَقَدْ لَبِثَ عَلَيْهِ السَّلامُ بَعْدَ تَعْبِيرِها في السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ، وفي تَعْلِيقِ الجَزاءِ المَذْكُورِ بِالمُحْسِنِينَ إشْعارٌ بِعَلِيَّةِ الإحْسانِ لَهُ وتَنْبِيهٌ عَلى أنَّهُ تَعالى إنَّما آتاهُ ما آتاهُ لِكَوْنِهِ مُحْسِنًا في أعْمالِهِ مُتْقِنًا في عُنْفُوانِ أمْرِهِ، ومِن هُنا قالَ الحَسَنُ: مَن أحْسَنَ عِبادَةَ اللَّهِ سُبْحانَهُ في شَبِيبَتِهِ آتاهُ اللَّهُ تَعالى الحِكْمَةَ في اكْتِهالِهِ، واسْتُشْكِلَ ما أفادَهُ تَعْلِيقُ الحُكْمِ بِالمُشْتَقِّ مِنَ العِلْيَةِ عَلى تَقْدِيرِ أنْ يُرادَ مِنَ الحِكْمَةِ العِلْمُ المُؤَيَّدُ بِالعَمَلِ مَثَلًا بِأنَّ إحْسانَ العَمَلِ لا يَكُونُ إلّا بَعْدَ العِلْمِ بِهِ فَلَوْ كانَ العِلْمُ المُؤَيَّدُ بِهِ مَثَلًا عِلَّةً لِلْإحْسانِ بِذَلِكَ لَزِمَ الدَّوْرُ.
وأُجِيبَ بِأنَّ إحْسانَ العَمَلِ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ بِطَرِيقٍ آخَرَ كالتَّقْلِيدِ والتَّوْفِيقِ الإلَهِيِّ فَيَكُونُ سَبَبًا لِلْعِلْمِ بِهِ عَنْ دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ أوْ سَمْعِيٍّ، أوِ المُرادُ الأعْمالُ غَيْرُ المُتَوَقِّفَةِ عَلى السَّمْعِ فَيَكُونُ ذَلِكَ السَّبَبَ لِلْعِلْمِ بِما شَرَعَ لَهُ مِنَ الأعْمالِ، وقالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ: الظّاهِرُ تَغايُرُ العِلْمَيْنِ كَما في الأثَرِ: ”مَن عَمِلَ بِما عَلِمَ يَسَّرَ اللَّهُ تَعالى لَهُ عِلْمَ ما لَمْ يَعْلَمْ“. وعَنِ الضَّحّاكِ تَفْسِيرُ ( المُحْسِنِينَ ) بِالصّابِرِينَ عَلى النَّوائِبِ
{"ayah":"وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥۤ ءَاتَیۡنَـٰهُ حُكۡمࣰا وَعِلۡمࣰاۚ وَكَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُحۡسِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











