الباحث القرآني

﴿وَلَمّا بَلَغَ أشُدَّهُ﴾ أيْ: مُنْتَهى اشْتِدادِ جِسْمِهِ وقُوَّتِهِ، وهو سِنُّ الوُقُوفِ ما بَيْنَ الثَّلاثِينَ إلى الأرْبَعِينَ، وقِيلَ: سِنُّ الشَّبابِ، ومَبْدَأُ بُلُوغِ الحُلُمِ، والأوَّلُ هو الأظْهَرُ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿آتَيْناهُ حُكْمًا﴾ حِكْمَةً وهو العِلْمُ المُؤَيَّدُ بِالعَمَلِ، أوْ حُكْمًا بَيْنَ النّاسِ وفِقْهًا أوْ نُبُوَّةً ﴿وَعِلْمًا﴾ أيْ: تَفَقُّهًا في الدِّينِ وتَنْكِيرُهُما لِلتَّفْخِيمِ، أيْ: حُكْمًا وعِلْمًا لا يُكْتَنَهُ كُنْهُهُما، ولا يُقادَرُ قَدْرُهُما، فَهُما ما آتاهُ اللَّهُ تَعالى عِنْدَ تَكامُلِ قُواهُ، سَواءٌ كانا عِبارَةً عَنِ النُّبُوَّةِ والحُكْمِ بَيْنَ النّاسِ أوْ غَيْرِهِما، كَيْفَ لا وقَدْ جُعِلَ إيتاؤُهُما (p-264)جَزاءً لِعَمَلِهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - حَيْثُ قالَ: ﴿وَكَذَلِكَ﴾ أيْ: مِثْلَ ذَلِكَ الجَزاءِ العَجِيبِ ﴿نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾ أيْ: كُلَّ مَن يُحْسِنُ في عَمَلِهِ، فَيَجِبُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ انْقِضاءِ أعْمالِهِ الحَسَنَةِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها مُعاناةُ الأحْزانِ والشَّدائِدِ، وقَدْ فُسِّرَ العِلْمُ بِعِلْمِ تَأْوِيلِ الأحادِيثِ، ولا صِحَّةَ لَهُ إلّا أنْ يُخَصَّ بِعِلْمِ تَأْوِيلِ رُؤْيا المَلِكِ، فَإنَّ ذَلِكَ حَيْثُ كانَ عِنْدَ تَناهِي أيّامِ البَلاءِ صَحَّ أنْ يُعَدَّ إيتاؤُهُ مِن جُمْلَةِ الجَزاءِ، وأمّا رُؤْيا صاحِبَيِ السِّجْنِ فَقَدْ لَبِثَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بَعْدَ تَعْبِيرِها في السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ، وفي تَعْلِيقِ الجَزاءِ المَذْكُورِ بِالمُحْسِنِينَ إشْعارٌ بِعِلِّيَّةِ الإحْسانِ لَهُ، وتَنْبِيهٌ عَلى أنَّهُ سُبْحانَهُ إنَّما آتاهُ ما آتاهُ لِكَوْنِهِ مُحْسِنًا في أعْمالِهِ مُتَّقِيًا في عُنْفُوانِ أمْرِهِ ﴿هَلْ جَزاءُ الإحْسانِ إلا الإحْسانِ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب