الباحث القرآني
(p-٧١٠)بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ [الإخْلاصِ]
هَذِهِ السُورَة مَكِّيَّةٌ، قالَهُ مُجاهِدٌ -بِخِلافٍ عنهُ- وعَطاءٌ وقَتادَةُ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، والقُرْطُبِيُّ وأبُو العالِيَةِ: هي مَدَنِيَّةٌ.
قوله عزّ وجلّ:
﴿قُلْ هو اللهُ أحَدٌ﴾ ﴿اللهُ الصَمَدُ﴾ ﴿لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ﴾ ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحَدٌ﴾
قَرَأ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ، وابْنُ مَسْعُودٍ، والرَبِيعُ بْنُ خَيْثَمَ: "قُلْ هو اللهُ أحَدٌ الواحِدُ الصَمَدُ"، ورَوى أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ «أنَّ المُشْرِكِينَ سَألُوا رَسُولَ اللهِ ﷺ عن نَسَبِ رَبِّهِ -تَعالى عَمّا يَقُولُ الجاهِلُونَ- فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُورَةُ،» ورَوى ابْنُ عَبّاسٍ «أنَّ اليَهُودَ دَخَلُوا عَلى النَبِيِّ ﷺ فَقالُوا لَهُ: يا مُحَمَّدُ، صِفْ لَنا رَبَّكَ وانْسِبْهُ، فَإنَّهُ وصَفَ نَفْسَهُ في التَوْراةِ ونَسَبَها، فارْتَعَدَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَتّى خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ ونَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِما السَلامُ بِهَذِهِ السُورَةِ،» وقالَ أبُو العالِيَةِ وقالَ قَتادَةُ: الأحْزابُ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ: انْسِبْ لَنا رَبَّكَ، فَأتاهُ الوَحْيُ بِهَذِهِ السُورَةِ.
و"أحَدٌ" مَعْناهُ: واحِدٌ فَرْدٌ مِن جَمِيعِ جِهاتِ الوَحْدانِيَّةِ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، و"هُوَ" ابْتِداءٌ و"اللهُ" ابْتِداءٌ ثانٍ وأحَدٌ خَبَرُهُ، والجُمْلَةُ خَبَرُ الأوَّلِ، وقِيلَ: "هُوَ" (p-٧١١)ابْتِداءٌ، و"اللهُ" خَبَرُهُ، و"أحَدٌ" بَدَلٌ مِنهُ، وحَذَفَ أبُو عَمْرٍو التَنْوِينَ مَن "أحَدٌ" لِالتِقاءِ الساكِنَيْنِ فَقَرَأ " اللهُ أحَدُ اللهُ"، وأثْبَتَهُ الباقُونَ مَكْسُورًا لِلِالتِقاءِ، وأمّا وقْفُهم كُلُّهم فَبِسُكُونِ الدالِ، وقَدْ رُوِيَ عن أبِي عَمْرٍو الوَصْلُ بِسُكُونِ الدالِ، ورُوِيَ عنهُ أيْضًا تَنْوِينُها.
و"الصَمَدُ" في كَلامِ العَرَبِ: السَيِّدُ الَّذِي يَصْمُدُ إلَيْهِ في الأُمُورِ ويَسْتَقِلُّ بِها، وأنْشَدُوا:
؎ ألّا بَكَّرَ الناعِي بِخَيْرَيْ بَنِي أسَدْ بِعَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وبِالسَيِّدِ الصَمَدْ
وبِهَذا تَتَفَسَّرُ هَذِهِ الآيَةُ؛ لِأنَّ اللهَ تَعالى جَلَتْ قُدْرَتُهُ هو مَوْجُودُ المَوْجُوداتِ، وإلَيْهِ تَصْمُدُ، وبِهِ قِوامُها، ولا غَنِيٌّ بِنَفْسِهِ إلّا هو سُبْحانَهُ تَبارَكَ وتَعالى. وقالَ كَثِيرٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ: الصَمَدُ: الَّذِي لا جَوْفَ لَهُ، كَأنَّهُ بِمَعْنى المُصْمَتِ، وقالَ الشَعْبِيُّ: هو الَّذِي لا يَأْكُلُ ولا يَشْرَبُ. وفي هَذا التَفْسِيرِ كُلّه نَظَر؛ لِأنَّ الجِسْمَ في غايَةِ البُعْدِ عَنِ اللهِ تَعالى وعن صِفاتِهِ، فَما الَّذِي يُعْطِينا هَذِهِ العِباراتِ؟ و"اللهُ الصَمَدُ" ابْتِداءٌ وخَبَرٌ وقِيلَ: "الصَمَدُ" نَعْتٌ والخَبَرُ فِيما بَعْدُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ﴾ رَدٌّ عَلى إشارَةِ الكُفّارِ في النَسَبِ الَّذِي سَألُوهُ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "تَفَكَّرُوا في كُلِّ شَيْءٍ ولا تَتَفَكَّرُوا في ذاتِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
لِأنَّ الأفْهامَ تَقِفُ دُونَ ذَلِكَ حَسِيرَةً، والمُؤْمِنُونَ يَعْرِفُونَ اللهَ تَعالى بِواجِبِ وجُودِهِ، وافْتِقارِ كُلِّ شَيْءٍ إلَيْهِ، واسْتِغْنائِهِ عن كُلِّ شَيْءٍ ويَنْفِي العَقْلُ عنهُ كُلَّ ما لا يَلِيقُ بِهِ عَزَّ (p-٧١٢)وَجَلَّ، وأنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وكُلُّ ما ذَكَرْتُهُ فَهو في ضِمْنِ هَذِهِ السُورَةِ الوَجِيزَةِ البَلِيغَةِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحَدٌ﴾ مَعْناهُ: لَيْسَ لَهُ ضِدٌّ ولا نِدٌّ ولا شَبِيهٌ، والكُفُؤُ والكِفاءُ: النَظِيرُ، وقَرَأ: "كُفُوًا" -بِضَمِّ الكافِ وهَمْزٍ مُسَهِّلٍ- نافِعٌ، والأعْرَجُ، وأبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ. وقَرَأ بِالهَمْزِ عاصِمٌ، وأبُو عَمْرٍو -بِخِلافٍ عنهُ، وقَرَأ حَمْزَةُ، وأبُو عَمْرٍو:"كُفْؤًا" بِالهَمْزِ وإسْكانِ الفاءِ، ورُوِيَ عن نافِعٍ: "كَفًا" بِفَتْحِ الفاءِ وبِغَيْرِ هَمْزٍ، وقَرَأ سُلَيْمانُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ: "وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كِفاءٌ" بِكَسْرِ الكافِ وفَتْحِ الفاءِ، والمَدِّ، و"كُفُوًا" خَبَرُ "كانَ"، واسْمُها "أحَدٌ"، والظَرْفُ مُلْغى، وسِيبَوَيْهِ رَحِمَهُ اللهُ تَعالى يَسْتَحْسِنُ أنْ يَكُونَ الظَرْفُ -إذا تَقَدَّمَ- خَبَرًا، ولَكِنْ قَدْ يَجِيءُ مُلْغًى في أماكِنَ يَقْتَضِيها المَعْنى كَهَذِهِ الآيَةِ، وكَما قالَ الشاعِر:
-أنْشَدَهُ سِيبَوَيْهِ -:
؎ ما دامَ فِيهِنَّ فَصِيلٌ حَيّا.
ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ "كُفُوًا" حالٌ لِما تَقَدَّمَ مِن كَوْنِهِ وصْفًا لِنَكِرَةٍ، كَما قالَ:
؎ لِعِزَّةَ مُوحِشًا طَلَلُ ∗∗∗...........
(p-٧١٣)قالَ سِيبَوَيْهِ: وهَذا يَقِلُّ في الكَلامِ، وبابُهُ الشِعْرُ، وقالَ ﷺ: «إنَّ ﴿قُلْ هو اللهُ أحَدٌ﴾ تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ".»
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
لِما فِيها مِنَ التَوْحِيدِ.
كَمُلَ تَفْسِيرُ سُورَةِ [الإخْلاصِ] والحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ","ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ","لَمۡ یَلِدۡ وَلَمۡ یُولَدۡ","وَلَمۡ یَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ"],"ayah":"لَمۡ یَلِدۡ وَلَمۡ یُولَدۡ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق