الباحث القرآني
﴿لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ﴾
جُمْلَةُ ﴿لَمْ يَلِدْ﴾ خَبَرٌ ثانٍ عَنِ اسْمِ الجَلالَةِ مِن قَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ [الإخلاص: ٢] أوْ حالٌ مِنَ المُبْتَدَأِ أوْ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِن جُمْلَةِ ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ [الإخلاص: ٢] لِأنَّ مَن يُصْمَدُ إلَيْهِ لا يَكُونُ مِن حالِهِ أنْ يَلِدَ؛ لِأنَّ طَلَبَ الوَلَدِ لِقَصْدِ الِاسْتِعانَةِ بِهِ في إقامَةِ شُئُونِ الوالِدِ وتَدارُكِ عَجْزِهِ، ولِذَلِكَ اسْتُدِلَّ عَلى إبْطالِ قَوْلِهِمْ ﴿اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا﴾ [يونس: ٦٨] بِإثْباتِ أنَّهُ الغَنِيُّ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا سُبْحانَهُ هو الغَنِيُّ لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ [يونس: ٦٨] فَبَعْدَ أنْ أبْطَلَتِ الآيَةُ الأوْلى مِن هَذِهِ السُّورَةِ تَعَدُّدَ الإلَهِ بِالأصالَةِ والِاسْتِقْلالِ، أبْطَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ تَعَدُّدَ الإلَهِ بِطَرِيقِ تَوَلُّدِ إلَهٍ عَنْ إلَهٍ؛ لِأنَّ المُتَوَلِّدَ مُساوٍ لِما تَوَلَّدَ عَنْهُ.
والتَّعَدُّدُ بِالتَّوَلُّدِ مُساوٍ في الِاسْتِحالَةِ لِتَعَدُّدِ الإلَهِ بِالأصالَةِ لِتَساوِي ما يَلْزَمُ عَلى التَّعَدُّدِ في كِلَيْهِما مِن فَسادِ الأكْوانِ المُشارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلّا اللَّهُ لَفَسَدَتا﴾ [الأنبياء: ٢٢] (وهو بُرْهانُ التَّمانُعِ)، ولِأنَّهُ لَوْ تَوَلَّدَ عَنِ اللَّهِ مَوْجُودٌ آخَرُ لَلَزِمَ انْفِصالُ جُزْءٍ عَنِ اللَّهِ تَعالى وذَلِكَ مُنافٍ لِلْأحَدِيَّةِ كَما عَلِمْتَ آنِفًا، وبَطَلَ اعْتِقادُ المُشْرِكِينَ مِنَ العَرَبِ أنَّ المَلائِكَةَ بَناتُ اللَّهِ تَعالى فَعَبَدُوا المَلائِكَةَ لِذَلِكَ؛ لِأنَّ النُّبُوَّةَ لِلْإلَهِ تَقْتَضِي إلَهِيَّةَ الِابْنِ قالَ تَعالى: ﴿وقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٦] .
وجُمْلَةُ ﴿ولَمْ يُولَدْ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿لَمْ يَلِدْ﴾ أيْ: ولَمْ يَلِدْهُ غَيْرُهُ، وهي بِمَنزِلَةِ الِاحْتِراسِ سَدًّا لِتَجْوِيزِ أنْ يَكُونَ لَهُ والِدٌ، فَأُرْدِفَ نَفْيُ الوَلَدِ بِنَفْيِ الوالِدِ، وإنَّما قُدِّمَ نَفْيُ الوَلَدِ لِأنَّهُ أهَمُّ، إذْ قَدْ نَسَبَ أهْلُ الضَّلالَةِ الوَلَدَ إلى اللَّهِ تَعالى ولَمْ يَنْسُبُوا (p-٦١٩)إلى اللَّهِ والِدًا. وفِيهِ الإيماءُ إلى أنَّ مَن يَكُونُ مَوْلُودًا مِثْلَ عِيسى لا يَكُونُ إلَهًا؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ الإلَهُ مَوْلُودًا لَكانَ وُجُودُهُ مَسْبُوقًا بِعَدَمٍ لا مَحالَةَ وذَلِكَ مُحالٌ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ مَسْبُوقًا بِعَدَمٍ لَكانَ مُفْتَقِرًا إلى مَن يُخَصِّصُهُ بِالوُجُودِ بَعْدَ العَدَمِ، فَحَصَلَ مِن مَجْمُوعِ جُمْلَةِ ﴿لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ﴾ إبْطالُ أنْ يَكُونَ اللَّهُ والِدًا لِمَوْلُودٍ، أوْ مَوْلُودًا مِن والِدٍ بِالصَّراحَةِ. وبَطَلَتْ إلَهِيَّةُ كُلِّ مَوْلُودٍ بِطَرِيقِ الكِنايَةِ فَبَطَلَتِ العَقائِدُ المَبْنِيَّةُ عَلى تَوَلُّدِ الإلَهِ مِثْلَ عَقِيدَةِ (زَرادِشْتَ) الثّانَوِيَّةِ القائِلَةِ بِوُجُودِ إلَهَيْنِ: إلَهِ الخَيْرِ وهو الأصْلُ، وإلَهِ الشَّرِّ وهو مُتَوَلَّدٌ عَنْ إلَهِ الخَيْرِ. لِأنَّ إلَهَ الخَيْرِ وهو المُسَمّى عِنْدَهم (يَزْدانَ) فَكَّرَ فِكْرَةَ سُوءٍ، فَتَوَلَّدَ مِنهُ إلَهُ الشَّرِّ المُسَمّى عِنْدَهم (أهْرُمُنْ) وقَدْ أشارَ إلى مَذْهَبِهِمْ أبُو العَلاءِ بِقَوْلِهِ:
؎قالَ أُناسٌ باطِلٌ زَعْمُهم فَراقِبُوا اللَّهَ ولا تَزْعُمُنْ
؎فَكَّرَ (يَزْدانُ) عَلى غِرَّةٍ ∗∗∗ فَصِيغَ مِن تَفْكِيرِهِ (أهْرُمُنْ)
وبَطَلَتْ عَقِيدَةُ النَّصارى بِإلَهِيَّةِ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِتَوَهُّمِهِمْ أنَّهُ ابْنُ اللَّهِ وأنَّ ابْنَ اللَّهِ لا يَكُونُ إلّا إلَهًا بِأنَّ الإلَهَ يَسْتَحِيلُ أنْ يَكُونَ لَهُ ولَدٌ، فَلَيْسَ عِيسى بِابْنِ اللَّهِ، وبِأنَّ الإلَهَ يَسْتَحِيلُ أنْ يَكُونَ مَوْلُودًا بَعْدَ عَدَمٍ، فالمَوْلُودُ المُتَّفَقُ عَلى أنَّهُ مَوْلُودٌ يَسْتَحِيلُ أنْ يَكُونَ إلَهًا، فَبَطَلَ أنْ يَكُونَ عِيسى إلَهًا.
فَلَمّا أبْطَلَتِ الجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ الأُولى إلَهِيَّةَ إلَهٍ غَيْرِ اللَّهِ بِالأصالَةِ، وأبْطَلَتِ الجُمْلَةُ الثّانِيَةُ إلَهِيَّةَ غَيْرِ اللَّهِ بِالِاسْتِحْقاقِ، أبْطَلَتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ إلَهِيَّةَ غَيْرِ اللَّهِ بِالفَرْعِيَّةِ والتَّوَلُّدِ بِطَرِيقِ الكِنايَةِ.
وإنَّما نَفْيُ أنْ يَكُونَ اللَّهُ والِدًا وأنْ يَكُونَ مَوْلُودًا في الزَّمَنِ الماضِي؛ لِأنَّ عَقِيدَةَ التَّوَلُّدِ ادَّعَتْ وُقُوعَ ذَلِكَ في زَمَنٍ مَضى، ولَمْ يَدَّعِ أحَدٌ أنَّ اللَّهَ سَيَتَّخِذُ ولَدًا في المُسْتَقْبَلِ.
{"ayah":"لَمۡ یَلِدۡ وَلَمۡ یُولَدۡ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق