الباحث القرآني

ولَمّا انْتَهى بَيانُ حَقِيقَتِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، وأنَّهُ غَيْرُ مُرَكَّبٍ أصْلًا، وبَيَّنَ سُبْحانَهُ بِصَمَدِيَّتِهِ المُسْتَلْزَمَةِ لِوَحْدانِيَّتِهِ أنَّ الكُلَّ مُسْتَنِدٌ إلَيْهِ ومُحْتاجٌ إلَيْهِ، وأنَّهُ المُعْطِي لِوُجُودِ جَمِيعِ المَوْجُوداتِ، والمُفِيضُ لِلْجُودِ عَلى كُلِّ الماهِيّاتِ فَلا يُجانِسُ شَيْئًا ولا يُجانِسُهُ شَيْءٌ، ولا يَكُونُ لَهُ نَظِيرٌ في شَيْءٍ مِن ذَلِكَ. وكانَ رُبَّما تَعَلَّقَ بِوَهْمِ واهِمٍ أنْ تَوَلَّدَ غَيْرُهُ عَنْهُ يَكُونُ مِن تَمامِ سُؤْدُدِهِ المُعَبَّرِ بِهِ عَنْ قُدْرَتِهِ، بَيَّنَ أنَّ ذَلِكَ مُحالٌ لِاقْتِضائِهِ الحاجَةَ مِمّا لا تَعَلُّقَ لَهُ بِالقُدْرَةِ لِأنَّ القُدْرَةَ مِن شَأْنِها أنَّها لا تَتَعَلَّقُ بِالمُحالِ، وهَذا (p-٣٨٠)مُحالٌ، لِأنَّهُ سُبْحانَهُ صَمَدٌ، فَكانَ ذاكَ [بَيانًا -] لِلصَّمَدِيَّةِ في كِلا مَعْنَيَيْها، فَقالَ مِن غَيْرِ عاطِفٍ دالًّا عَلى انْتِفاءِ الجَوْفِ الَّذِي هو أحَدُ مَدْلُولَيْ ”صَمَدَ“ مُكاشِفًا لِلْعُقَلاءِ شارِحًا لِأنَّهُ لا يُساوِيهِ شَيْءٌ مِن نَوْعٍ يَتَوَلَّدُ عَنْهُ ولا جِنْسَ يُولَدُ هو عَنْهُ، ولا غَيْرَ ذَلِكَ يُوازِيهِ في وُجُودٍ ولا غَيْرِهِ ﴿لَمْ يَلِدْ﴾ أيْ يَصِحُّ ولَمْ يَنْبَغِ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ أنْ يَقَعَ تَوَلُّدُ الغَيْرِ عَنْهُ مَرَّةً مِنَ المَرّاتِ، فَكَيْفَ بِما فَوْقَها لِأنَّ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْجَوْفِ وهو صَمَدٌ لا جَوْفَ لَهُ، لِأنَّ الجَوْفَ مِن صِفاتِ النَّفْسِ المُسْتَلْزِمِ لِلْحاجَةِ وهو مُسْتَغْنٍ بِدَوامِهِ في أبَدِيَّتِهِ عَمَّنْ يَخْلُفُهُ أوْ يُعِينُهُ لِامْتِناعِ الحاجَةِ والفَناءِ عَلَيْهِ، فَهو رَدٌّ عَلى مَن قالَ: المَلائِكَةُ بَناتُ اللَّهِ أوْ عُزَيْرٌ أوِ المَسِيحُ أوْ غَيْرُهُ. ولَمّا بَيَّنَ أنَّهُ لا فَصْلَ لَهُ، ظَهَرَ أنَّهُ لا جِنْسَ لَهُ، فَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿ولَمْ يُولَدْ﴾ لِأنَّهُ لَوْ تَوَلَّدَ عَنْهُ غَيْرُهُ تَوَلَّدَ هو عَنْ غَيْرِهِ كَما هو المَعْهُودُ والمَعْقُولُ، فَهو قَدِيمٌ لا أوَّلَ لَهُ بَلْ هو الأوَّلُ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْهُ عَدَمٌ، أنَّ الوِلادَةَ لا تَكُونُ ولا تَتَشَخَّصُ إلّا بِواسِطَةِ المادَّةِ وعَلاقَتِها، وكُلُّ ما كانَ مادِيًّا أوْ [كانَ -] لَهُ عَلاقَةٌ بِالمادَّةِ، كانَ مُتَوَلِّدًا عَنْ غَيْرِهِ فَكانَ لا يَصِحُّ أنْ يَتَوَلَّدَ عَنْهُ شَيْءٌ لِأنَّهُ لا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ هو مُتَوَلِّدًا (p-٣٨١)عَنْ غَيْرِهِ لِأنَّهُ لا ماهِيَّةَ لَهُ ولا اعْتِبارَ لِوُجُودِهِ سِوى أنَّهُ هُوَ، فَهَوِيَّتُهُ لِذاتِهِ، [ومَن كانَتْ هُوِيَّتُهُ لِذاتِهِ -] لَمْ يَصِحَّ بِوَجْهٍ أنْ يَتَوَلَّدَ عَنْ غَيْرِهِ [لِأنَّهُ لَوْ تَوَلَّدَ عَنْ غَيْرِهِ -] لَمْ يَكُنْ هو هو لِذاتِهِ، ولا يَكُونُ أحَدًا حَقِيقِيًّا ولا صَمَدًا، فَيَنْتَفِي مِن أصْلِهِ، ولا يَكُونُ لَهُ مِن ذاتِهِ إلّا العَدَمُ، فَقَدْ تَبَيَّنَ أنَّهُ واجِبُ الوُجُودِ، فَوَضَّحَ كالشَّمْسِ أنَّهُ لَيْسَ مادِيًّا لِأنَّهُ غَيْرُ مُحْتاجٍ بِوَجْهٍ، فَلا يَصِحُّ أنْ يَتَوَلَّدَ عَنْهُ غَيْرُهُ، لِأنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أنْ يَتَوَلَّدَ هو عَنْ غَيْرِهِ، ومَن كانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ، فَلا يَصِحُّ بِوَجْهٍ أنْ يُساوِيَهُ شَيْءٌ لِيَصِحَّ أنْ يَقُومَ مَقامَهُ فِيما بَيَّنَ ما انْتَفى في الأوَّلِ والآخِرِ، فَدَلَّ عَلى ذَلِكَ إتْمامًا لِشَرْحِ حَقِيقَتِهِ المُعَبَّرِ عَنْها بَهو بِقَوْلِهِ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب