الباحث القرآني
(فائدة: في أن الطلاق ليس بتحريم)
قال ابن القيم - بعد كلام -:
ويدل على أن الطلاق ليس بتحريم أن الله تعالى أباحه ولم يبح قط تحريم الحلال، والتحريم ليس إلى العبد إنما إليه الأسباب والتحليل والتحريم يتبعها فهو كالعتق سواء وقد قال تعالى: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾
ثم فرض تحلة اليمين في تحريم الحلال وقد طلق ﷺ حفصة ولم يكن ذلك تحريما لها ولو كان الطلاق تحريما لشرعت فيه الكفارة كما شرعت في تحريم الحلال وكما شرعت في الظهار الذي هو تحريم.
* [فصل: حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّذِي بَيَّنَهُ عَنْ رَبِّهِ تَبارَكَ وتَعالى فِيمَن حَرَّمَ أمَتَهُ أوْ زَوْجَتَهُ أوْ مَتاعَهُ]
قالَ تَعالى: ﴿ياأيُّها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاةَ أزْواجِكَ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ - قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكم تَحِلَّةَ أيْمانِكُمْ﴾
ثَبَتَ في " الصَّحِيحَيْنِ ": «أنَّهُ ﷺ شَرِبَ عَسَلًا مِن بَيْتِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فاحْتالَتْ عَلَيْهِ عائشة وحَفْصَةُ حَتّى قالَ لَنْ أعُودَ لَهُ». وفي لَفْظٍ: (وَقَدْ حَلَفَتْ).
وَفِي " سُنَنِ النَّسائِيِّ ": عَنْ أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كانَتْ لَهُ أمَةٌ يَطَؤُها، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ عائشة وحفصة حَتّى حَرَّمَها، فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ ﴿ياأيُّها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾».
وَفِي " صَحِيحِ مسلم ": عَنِ (ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: «إذا حَرَّمَ الرَّجُلُ امْرَأتَهُ فَهي يَمِينٌ يُكَفِّرُها، وقالَ: (لَقَدْ كانَ لَكم في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)»
وَفِي " جامِعِ التِّرْمِذِيِّ ": عَنْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالَتْ: «آلى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِن نِسائِهِ وحَرَّمَ، فَجَعَلَ الحَرامَ حَلالًا، وجَعَلَ في اليَمِينِ كَفّارَةً» هَكَذا رَواهُ مسلمة بن علقمة، عَنْ داود، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مسروق، عَنْ عائشة، ورَواهُ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، وغَيْرُهُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مُرْسَلًا وهو أصَحُّ، انْتَهى كَلامُ أبي عيسى.
وَقَوْلُها: جَعَلَ الحَرامَ حَلالًا، أيْ جَعَلَ الشَّيْءَ الَّذِي حَرَّمَهُ وهو العَسَلُ، أوِ الجارِيَةُ، حَلالًا بَعْدَ تَحْرِيمِهِ إيّاهُ.
وَقالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: عَنْ يَزِيدَ بْنِ أبِي حَبِيبٍ، عَنْ عبد الله بن هبيرة، عَنْ (قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، قالَ: سَألْتُ زَيْدَ بْنَ ثابِتٍ، وابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عَمَّنْ قالَ لِامْرَأتِهِ: أنْتِ عَلَيَّ حَرامٌ، فَقالا جَمِيعًا: كَفّارَةُ يَمِينٍ).
وَقالَ عبد الرزاق، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أبِي نَجِيحٍ، عَنْ مجاهد، عَنِ (ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ في التَّحْرِيمِ: هي يَمِينٌ يُكَفِّرُها).
قالَ ابْنُ حَزْمٍ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أبِي بَكْرٍ الصِّدِيقِ، وعائشة أُمِّ المُؤْمِنِينَ. وقالَ الحَجّاجُ بْنُ مِنهالٍ، حَدَّثَنا (جَرِيرُ بْنُ حازِمٍ قالَ: «سَألْتُ نافِعًا مَوْلى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الحَرامِ أطَلاقٌ هُوَ؟ قالَ: لا، أوَلَيْسَ قَدْ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جارِيَتَهُ، فَأمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ، أنْ يُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ، ولَمْ يُحَرِّمْها عَلَيْهِ».
وَقالَ عبد الرزاق، عَنْ معمر، عَنْ يَحْيى بْنِ أبِي كَثِيرٍ، وأيُّوبَ السَّخْتِيانِيِّ، كِلاهُما عَنْ عكرمة، أنَّ (عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ قالَ: هي يَمِينٌ يَعْنِي التَّحْرِيمَ).
وَقالَ إسْماعِيلُ بْنُ إسْحاقَ: حَدَّثَنا المقدمي، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَّةَ، عَنْ نافع، عَنِ (ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، قالَ: الحَرامُ يَمِينٌ).
وَفِي " صَحِيحِ البُخارِيِّ ": عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما يَقُولُ: إذا حَرَّمَ امْرَأتَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وقالَ: ﴿لَقَدْ كانَ لَكم في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: ٢١] فَقِيلَ هَذا رِوايَةٌ أُخْرى عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقِيلَ إنَّما أرادَ أنَّهُ لَيْسَ بِطَلاقٍ، وفِيهِ كَفّارَةُ يَمِينٍ، ولِهَذا احْتَجَّ بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وهَذا الثّانِي أظْهَرُ، وهَذِهِ المَسْألَةُ فِيها عِشْرُونَ مَذْهَبًا لِلنّاسِ، ونَحْنُ نَذْكُرُها، ونَذْكُرُ وُجُوهَها، ومَآخِذَها، والرّاجِحَ مِنها، بِعَوْنِ اللَّهِ تَعالى وتَوْفِيقِهِ.
أحَدُها: أنَّ التَّحْرِيمَ لَغْوٌ لا شَيْءَ فِيهِ، لا في الزَّوْجَةِ، ولا في غَيْرِها، لا طَلاقَ، ولا إيلاءَ، ولا يَمِينَ، ولا ظِهارَ، رَوى وكِيعٌ عَنْ إسْماعِيلَ بْنِ أبِي خالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مسروق: (ما أُبالِي حَرَّمْتُ امْرَأتِي أوْ قَصْعَةً مِن ثَرِيدٍ)
وَذَكَرَ عبد الرزاق عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ صالح بن مسلم، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أنَّهُ (قالَ في تَحْرِيمِ المَرْأةِ: لَهي أهْوَنُ عَلَيَّ مِن نَعْلِي)
وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أخْبَرَنِي عبد الكريم، عَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أنَّهُ قالَ: ما أُبالِي حَرَّمْتُها، يَعْنِي امْرَأتَهُ، أوْ حَرَّمْتُ ماءَ النَّهْرِ.
وَقالَ قتادة: سَألَ رَجُلٌ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمْيَرِيَّ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقالَ: قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿فَإذا فَرَغْتَ فانْصَبْ - وإلى رَبِّكَ فارْغَبْ﴾ [الشرح: ٧-٨]
وَأنْتَ رَجُلٌ تَلْعَبُ، فاذْهَبْ فالعَبْ، هَذا قَوْلُ أهْلِ الظّاهِرِ كُلِّهِمْ.
المَذْهَبُ الثّانِي: أنَّ التَّحْرِيمَ في الزَّوْجَةِ طَلاقٌ ثَلاثٌ. قالَ ابْنُ حَزْمٍ قالَهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ وزَيْدُ بْنُ ثابِتٍ وابْنُ عُمَرَ وهو قَوْلُ الحسن ومُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي لَيْلى، ورُوِيَ عَنِ الحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ.
قُلْتُ: الثابت عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ وابْنِ عُمَرَ ما رَواهُ هو مِن طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أبِي حَبِيبٍ عَنْ أبي هبيرة عَنْ قبيصة، أنَّهُ سَألَ زَيْدَ بْنَ ثابِتٍ، وابْنَ عُمَرَ، عَمَّنْ قالَ لِامْرَأتِهِ. أنْتِ عَلَيَّ حَرامٌ، فَقالا جَمِيعًا: كَفّارَةُ يَمِينٍ، ولَمْ يَصِحَّ عَنْهُما خِلافُ ذَلِكَ، وأمّا عَلِيٌّ، فَقَدْ رَوى أبو محمد ابن حزم مِن طَرِيقِ يَحْيى القَطّانِ، حَدَّثَنا إسْماعِيلُ بْنُ أبِي خالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قالَ: يَقُولُ رِجالٌ في الحَرامِ، هي حَرامٌ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، ولا واللَّهِ ما قالَ ذَلِكَ علي، وإنَّما قالَ علي: (ما أنا بِمُحِلِّها، ولا بِمُحَرِّمِها عَلَيْكَ، إنْ شِئْتَ فَتَقَدَّمْ، وإنْ شِئْتَ فَتَأخَّرْ)
وَأمّا الحسن، فَقَدْ رَوى أبو محمد مِن طَرِيقِ قتادة عَنْهُ أنَّهُ قالَ: (كُلُّ حَلالٍ عَلَيَّ حَرامٌ فَهو يَمِينٌ) ولَعَلَّ أبا محمد غَلِطَ عَلى علي وزيد، وابْنِ عُمَرَ، مِن مَسْألَةِ الخَلِيَّةِ والبَرِيَّةِ والبَتَّةِ، فَإنَّ أحمد حَكى عَنْهم أنَّها ثَلاثٌ.
وَقالَ هو عَنْ علي وابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ، فَوَهِمَ أبو محمد وحَكاهُ فِي: أنْتِ عَلَيَّ حَرامٌ وهو وهْمٌ ظاهِرٌ، فَإنَّهم فَرَّقُوا بَيْنَ التَّحْرِيمِ فَأفْتَوْا فِيهِ بِأنَّهُ يَمِينٌ، وبَيْنَ الخَلِيَّةِ فَأفْتَوْا فِيها بِالثَّلاثِ، ولا أعْلَمُ أحَدًا قالَ إنَّهُ ثَلاثٌ بِكُلِّ حالٍ.
المَذْهَبُ الثّالِثُ: أنَّهُ ثَلاثٌ في حَقِّ المَدْخُولِ بِها لا يُقْبَلُ مِنهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وإنْ كانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِها وقَعَ ما نَواهُ مِن واحِدَةٍ واثْنَتَيْنِ وثَلاثٍ، فَإنْ أطْلَقَ فَواحِدَةٌ، وإنْ قالَ لَمْ أُرِدْ طَلاقًا، فَإنْ كانَ قَدْ تَقَدَّمَ كَلامٌ يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَيْهِ قُبِلَ مِنهُ، وإنْ كانَ ابْتِداءً لَمْ يُقْبَلْ، وإنْ حَرَّمَ أمَتَهُ، أوْ طَعامَهُ، أوْ مَتاعَهُ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وهَذا مَذْهَبُ مالك.
المَذْهَبُ الرّابِعُ: أنَّهُ إنْ نَوى الطَّلاقَ، كانَ طَلاقًا، ثُمَّ إنْ نَوى بِهِ الثَّلاثَ فَثَلاثٌ، وإنْ نَوى دُونَها فَواحِدَةٌ بائِنَةٌ، وإنْ نَوى يَمِينًا فَهو يَمِينٌ فِيها كَفّارَةٌ، وإنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهو إيلاءٌ فِيهِ حُكْمُ الإيلاءِ. فَإنْ نَوى الكَذِبَ صُدِّقَ في الفُتْيا، ولَمْ يَكُنْ شَيْئًا، ويَكُونُ في القَضاءِ إيلاءً، وإنْ صادَفَ غَيْرَ الزَّوْجَةِ الأمَةَ والطَّعامَ وغَيْرَهُ، فَهو يَمِينٌ فِيهِ كَفّارَتُها وهَذا مَذْهَبُ أبي حنيفة.
المَذْهَبُ الخامِسُ: أنَّهُ إنْ نَوى بِهِ الطَّلاقَ، كانَ طَلاقًا، ويَقَعُ ما نَواهُ فَإنْ أطْلَقَ، وقَعَتْ واحِدَةً، وإنْ نَوى الظِّهارَ كانَ ظِهارًا، وإنْ نَوى اليَمِينَ، كانَ يَمِينًا، وإنْ نَوى تَحْرِيمَ عَيْنِها مِن غَيْرِ طَلاقٍ ولا ظِهارٍ، فَعَلَيْهِ كَفّارَةُ يَمِينٍ، وإنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَفِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: لا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.
والثّانِي: يَلْزَمُهُ كَفّارَةُ يَمِينٍ. وإنْ صادَفَ جارِيَةً فَنَوى عِتْقَها، وقَعَ العِتْقُ، وإنْ نَوى تَحْرِيمَها، لَزِمَهُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ كَفّارَةُ يَمِينٍ، وإنْ نَوى الظِّهارَ مِنها، لَمْ يَصِحَّ، ولَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وقِيلَ بَلْ يَلْزَمُهُ كَفّارَةُ يَمِينٍ، وإنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَفِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: لا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. والثّانِي: عَلَيْهِ كَفّارَةُ يَمِينٍ. وإنْ صادَفَ غَيْرَ الزَّوْجَةِ والأمَةِ لَمْ يَحْرُمْ، ولَمْ يَلْزَمْهُ بِهِ شَيْءٌ، وهَذا مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ.
المَذْهَبُ السّادِسُ: أنَّهُ ظِهارٌ بِإطْلاقِهِ، نَواهُ أوْ لَمْ يَنْوِهِ، إلّا أنْ يَصْرِفَهُ بِالنِّيَّةِ إلى الطَّلاقِ أوِ اليَمِينِ، فَيَنْصَرِفُ إلى ما نَواهُ، هَذا ظاهِرُ مَذْهَبِ أحْمَدَ.
وَعَنْهُ رِوايَةٌ ثانِيَةٌ أنَّهُ بِإطْلاقِهِ يَمِينٌ إلّا أنْ يَصْرِفَهُ بِالنِّيَّةِ إلى الظِّهارِ أوِ الطَّلاقِ، فَيَنْصَرِفُ إلى ما نَواهُ، وعَنْهُ رِوايَةٌ أُخْرى ثالِثَةٌ، أنَّهُ ظِهارٌ بِكُلِّ حالٍ ولَوْ نَوى غَيْرَهُ، وفِيهِ رِوايَةٌ رابِعَةٌ، حَكاها أبُو الحُسَيْنِ في " فُرُوعِهِ " أنَّهُ طَلاقٌ بائِنٌ. ولَوْ وصَلَهُ بِقَوْلِهِ أعْنِي بِهِ الطَّلاقَ، فَعَنْهُ فِيهِ رِوايَتانِ. إحْداهُما: أنَّهُ طَلاقٌ، فَعَلى هَذا، هَلْ تَلْزَمُهُ الثَّلاثُ، أوْ واحِدَةٌ؟ عَلى رِوايَتَيْنِ، والثّانِيَةُ أنَّهُ ظِهارٌ أيْضًا، كَما لَوْ قالَ: أنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي: أعْنِي بِهِ الطَّلاقَ، هَذا تَلْخِيصُ مَذْهَبِهِ.
المَذْهَبُ السّابِعُ: أنَّهُ إنْ نَوى بِهِ ثَلاثًا، فَهي ثَلاثٌ، وإنْ نَوى بِهِ واحِدَةً، فَهي واحِدَةٌ بائِنَةٌ، وإنْ نَوى بِهِ يَمِينًا، فَهي يَمِينٌ، وإنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَهي كِذْبَةٌ لا شَيْءَ فِيها، وهَذا مَذْهَبُ سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ، حَكاهُ عَنْهُ أبو محمد ابن حزم.
المَذْهَبُ الثّامِنُ: أنَّهُ طَلْقَةٌ واحِدَةٌ بائِنَةٌ بِكُلِّ حالٍ، وهَذا مَذْهَبُ حَمّادِ بْنِ أبِي سُلَيْمانَ.
المَذْهَبُ التّاسِعُ: أنَّهُ إنْ نَوى ثَلاثًا فَثَلاثٌ، وإنْ نَوى واحِدَةً، أوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَواحِدَةٌ بائِنَةٌ، وهَذا مَذْهَبُ إبْراهِيمَ النَّخَعِيِّ، حَكاهُ عَنْهُ أبو محمد ابن حزم.
المَذْهَبُ العاشِرُ: أنَّهُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، حَكاهُ ابن الصباغ، وصاحِبُهُ أبُو بَكْرٍ الشّاشِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ.
المَذْهَبُ الحادِيَ عَشَرَ: أنَّها حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَقَطْ، ولَمْ يَذْكُرْ هَؤُلاءِ ظِهارًا، ولا طَلاقًا، ولا يَمِينًا، بَلْ ألْزَمُوهُ مُوجَبَ تَحْرِيمِهِ. قالَ ابْنُ حَزْمٍ صَحَّ هَذا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ ورِجالٍ مِنَ الصَّحابَةِ لَمْ يُسَمَّوْا وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ.
وَصَحَّ عَنِ الحسن وخِلاسِ بْنِ عَمْرٍو، وجابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وقتادة، أنَّهم أمَرُوهُ بِاجْتِنابِها فَقَطْ.
المَذْهَبُ الثّانِي عَشَرَ: التَّوَقُّفُ في ذَلِكَ لا يُحَرِّمُها المُفْتِي عَلى الزَّوْجِ، ولا يُحَلِّلُها لَهُ، كَما رَواهُ الشَّعْبِيُّ عَنْ علي أنَّهُ قالَ: (ما أنا بِمُحِلِّها ولا مُحَرِّمِها عَلَيْكَ، إنْ شِئْتَ فَتَقَدَّمْ، وإنْ شِئْتَ فَتَأخَّرْ)
المَذْهَبُ الثّالِثَ عَشَرَ: الفَرْقُ بَيْنَ أنْ يُوقِعَ التَّحْرِيمَ مُنَجَّزًا أوْ مُعَلَّقًا تَعْلِيقًا مَقْصُودًا، وبَيْنَ أنْ يُخْرِجَهُ مَخْرَجَ اليَمِينِ، فالأوَّلُ ظِهارٌ بِكُلِّ حالٍ، ولَوْ نَوى بِهِ الطَّلاقَ، ولَوْ وصَلَهُ بِقَوْلِهِ: أعْنِي بِهِ الطَّلاقَ.
والثّانِي: يَمِينٌ يَلْزَمُهُ بِهِ كَفّارَةُ يَمِينٍ، فَإذا قالَ أنْتِ عَلَيَّ حَرامٌ، أوْ إذا دَخَلَ رَمَضانُ فَأنْتِ عَلَيَّ حَرامٌ، فَظِهارٌ، وإذا قالَ إنْ سافَرْتُ، أوْ إنْ أكَلْتُ هَذا الطَّعامَ، أوْ كَلَّمْتُ فُلانًا، فامْرَأتِي عَلَيَّ حَرامٌ، فَيَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ، وهَذا اخْتِيارُ شَيْخِ الإسْلامِ ابن تيمية، فَهَذِهِ أُصُولُ المَذاهِبِ في هَذِهِ المَسْألَةِ، وتَتَفَرَّعُ إلى أكْثَرَ مِن عِشْرِينَ مَذْهَبًا.
* [فَصْلٌ: الِاخْتِلافُ في تَحْرِيمِ غَيْرِ الزَّوْجَةِ]
وَقَدْ تَبَيَّنَ بِما ذَكَرْنا أنَّ مَن حَرَّمَ شَيْئًا غَيْرَ الزَّوْجَةِ مِنَ الطَّعامِ والشَّرابِ واللِّباسِ أوْ أمَتِهِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وعَلَيْهِ كَفّارَةُ يَمِينٍ، وفي هَذا خِلافٌ في ثَلاثَةِ مَواضِعَ.
أحَدُها: أنَّهُ لا يَحْرُمُ، وهَذا قَوْلُ الجُمْهُورِ، وقالَ أبو حنيفة: يَحْرُمُ تَحْرِيمًا مُقَيَّدًا تُزِيلُهُ الكَفّارَةُ، كَما إذا ظاهَرَ مِنِ امْرَأتِهِ، فَإنَّهُ لا يَحِلُّ لَهُ وطْؤُها حَتّى يُكَفِّرَ، ولِأنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ سَمّى الكَفّارَةَ في ذَلِكَ تَحِلَّةً، وهي ما يُوجِبُ الحِلَّ، فَدَلَّ عَلى ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ قَبْلَها، ولِأنَّهُ سُبْحانَهُ قالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿لِمَ تُحَرِّمُ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾، ولِأنَّهُ تَحْرِيمٌ لِما أُبِيحَ لَهُ، فَيَحْرُمُ بِتَحْرِيمِهِ كَما لَوْ حَرَّمَ زَوْجَتَهُ.
وَمُنازِعُوهُ يَقُولُونَ: إنَّما سُمِّيَتِ الكَفّارَةُ تَحِلَّةً مِنَ الحَلِّ الَّذِي هو ضِدُّ العَقْدِ، لا مِنَ الحِلِّ الَّذِي هو مُقابِلُ التَّحْرِيمِ، فَهي تَحِلُّ اليَمِينَ بَعْدَ عَقْدِها.
وَأمّا قَوْلُهُ: ﴿لِمَ تُحَرِّمُ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ فالمُرادُ تَحْرِيمُ الأمَةِ أوِ العَسَلِ، ومَنعُ نَفْسِهِ مِنهُ، وذَلِكَ يُسَمّى تَحْرِيمًا، فَهو تَحْرِيمٌ بِالقَوْلِ لا إثْباتَ لِلتَّحْرِيمِ شَرْعًا.
وَأمّا قِياسُهُ عَلى تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ بِالظِّهارِ، أوْ بِقَوْلِهِ: أنْتِ عَلَيِّ حَرامٌ، فَلَوْ صَحَّ هَذا القِياسُ لَوَجَبَ تَقْدِيمُ التَّكْفِيرِ عَلى الحِنْثِ قِياسًا عَلى الظِّهارِ، إذْ كانَ في مَعْناهُ، وعِنْدَهم لا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ إلّا بَعْدَ الحِنْثِ، فَعَلى قَوْلِهِمْ يَلْزَمُ أحَدُ أمْرَيْنِ: ولا بُدَّ إمّا أنْ يَفْعَلَهُ حَرامًا، وقَدْ فَرَضَ اللَّهُ تَحِلَّةَ اليَمِينِ، فَيَلْزَمُ كَوْنُ المُحَرَّمِ مَفْرُوضًا أوْ مِن ضَرُورَةِ المَفْرُوضِ؛ لِأنَّهُ لا يَصِلُ إلى التَّحِلَّةِ إلّا بِفِعْلِ المَحْلُوفِ عَلَيْهِ، أوْ أنَّهُ لا سَبِيلَ لَهُ إلى فِعْلِهِ حَلالًا؛ لِأنَّهُ لا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الكَفّارَةِ، فَيَسْتَفِيدُ بِها الحِلَّ، وإقْدامُهُ عَلَيْهِ، وهو حَرامٌ مُمْتَنِعٌ، هَذا ما قِيلَ في المَسْألَةِ مِنَ الجانِبَيْنِ.
وَبَعْدُ، فَلَها غَوْرٌ، وفِيها دِقَّةٌ وغُمُوضٌ، فَإنَّ مَن حَرَّمَ شَيْئًا، فَهو بِمَنزِلَةِ مَن حَلَفَ بِاللَّهِ عَلى تَرْكِهِ، ولَوْ حَلَفَ عَلى تَرْكِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ هَتْكُ حُرْمَةِ المَحْلُوفِ بِهِ بِفِعْلِهِ، إلّا بِالتِزامِ الكَفّارَةِ، فَإذا التَزَمَها جازَ لَهُ الإقْدامُ عَلى فِعْلِ المَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَلَوْ عَزَمَ عَلى تَرْكِ الكَفّارَةِ، فَإنَّ الشّارِعَ لا يُبِيحُ لَهُ الإقْدامَ عَلى فِعْلِ ما حَلَفَ عَلَيْهِ، ويَأْذَنُ لَهُ فِيهِ، وإنَّما يَأْذَنُ لَهُ فِيهِ ويُبِيحُهُ، إذا التَزَمَ ما فَرَضَ اللَّهُ مِنَ الكَفّارَةِ، فَيَكُونُ إذْنُهُ لَهُ فِيهِ وإباحَتُهُ بَعْدَ امْتِناعِهِ مِنهُ بِالحَلِفِ أوِ التَّحْرِيمِ رُخْصَةً مِنَ اللَّهِ لَهُ، ونِعْمَةً مِنهُ عَلَيْهِ، بِسَبَبِ التِزامِهِ لِحُكْمِهِ الَّذِي فَرَضَ لَهُ مِنَ الكَفّارَةِ، فَإذا لَمْ يَلْتَزِمْهُ بَقِيَ المَنعُ الَّذِي عَقَدَهُ عَلى نَفْسِهِ إصْرًا عَلَيْهِ، فَإنَّ اللَّهَ إنَّما رَفَعَ الآصارَ عَمَّنِ اتَّقاهُ، والتَزَمَ حُكْمَهُ، وقَدْ كانَتِ اليَمِينُ في شَرْعِ مَن قَبْلَنا يَتَحَتَّمُ الوَفاءُ بِها، ولا يَجُوزُ الحِنْثُ، فَوَسَّعَ اللَّهُ عَلى هَذِهِ الأُمَّةِ وجَوَّزَ لَها الحِنْثَ بِشَرْطِ الكَفّارَةِ، فَإذا لَمْ يُكَفِّرْ لا قَبْلُ ولا بَعْدُ لَمْ يُوَسَّعْ لَهُ في الحِنْثِ فَهَذا مَعْنى قَوْلِهِ: إنَّهُ يَحْرُمُ حَتّى يُكَفِّرَ.
وَلَيْسَ هَذا مِن مُفْرَداتِ أبي حنيفة، بَلْ هو أحَدُ القَوْلَيْنِ في مَذْهَبِ أحمد، يُوَضِّحُهُ: أنَّ هَذا التَّحْرِيمَ والحَلِفَ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ مَنعانِ: مَنعٌ مِن نَفْسِهِ لِفِعْلِهِ، ومَنعٌ مِنَ الشّارِعِ لِلْحِنْثِ بِدُونِ الكَفّارَةِ، فَلَوْ لَمْ يُحَرِّمْهُ تَحْرِيمُهُ أوْ يَمِينُهُ، لَمْ يَكُنْ لِمَنعِهِ نَفْسَهُ، ولا لِمَنعِ الشّارِعِ لَهُ أثَرٌ، بَلْ كانَ غايَةُ الأمْرِ أنَّ الشّارِعَ أوْجَبَ في ذِمَّتِهِ بِهَذا المَنعِ صَدَقَةً، أوْ عِتْقًا، أوْ صَوْمًا لا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ حِلُّ المَحْلُوفِ عَلَيْهِ ولا تَحْرِيمُهُ ألْبَتَّةَ، بَلْ هو قَبْلَ المَنعِ وبَعْدَهُ عَلى السَّواءِ مِن غَيْرِ فَرْقٍ، فَلا يَكُونُ لِلْكَفّارَةِ أثَرٌ ألْبَتَّةَ، لا في المَنعِ مِنهُ، ولا في الإذْنِ، وهَذا لا يَخْفى فَسادُهُ.
وَأمّا إلْزامُهُ بِالإقْدامِ عَلَيْهِ مَعَ تَحْرِيمِهِ حَيْثُ لا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الكَفّارَةِ، فَجَوابُهُ أنَّهُ إنَّما يَجُوزُ لَهُ الإقْدامُ عِنْدَ عَزْمِهِ عَلى التَّكْفِيرِ، فَعَزْمُهُ عَلى التَّكْفِيرِ مَنعٌ مِن بَقاءِ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ، وإنَّما يَكُونُ التَّحْرِيمُ ثابِتًا إذا لَمْ يَلْتَزِمِ الكَفّارَةَ، ومَعَ التِزامِها لا يَسْتَمِرُّ التَّحْرِيمُ.
* [فَصْلٌ: كَفّارَةُ التَّحْرِيمِ]
الثّانِي: أنْ يَلْزَمَهُ كَفّارَةٌ بِالتَّحْرِيمِ، وهو بِمَنزِلَةِ اليَمِينِ، وهَذا قَوْلُ مَن سَمَّيْناهُ مِنَ الصَّحابَةِ، وقَوْلُ فُقَهاءِ الرَّأْيِ والحَدِيثِ، إلّا الشّافِعِيَّ ومالكا، فَإنَّهُما قالا: لا كَفّارَةَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ.
والَّذِينَ أوْجَبُوا الكَفّارَةَ أسْعَدُ بِالنَّصِّ مِنَ الَّذِينَ أسْقَطُوها، فَإنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ ذَكَرَ تَحِلَّةَ الأيْمانِ عَقِبَ قَوْلِهِ: ﴿لِمَ تُحَرِّمُ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ [التحريم: ١] وهَذا صَرِيحٌ في أنَّ تَحْرِيمَ الحَلالِ قَدْ فُرِضَ فِيهِ تَحِلَّةُ الأيْمانِ، إمّا مُخْتَصًّا بِهِ، وإمّا شامِلًا لَهُ ولِغَيْرِهِ، فَلا يَجُوزُ أنْ يُخْلى سَبَبُ الكَفّارَةِ المَذْكُورَةِ في السِّياقِ عَنْ حُكْمِ الكَفّارَةِ ويُعَلَّقَ بِغَيْرِهِ، وهَذا ظاهِرُ الِامْتِناعِ.
وَأيْضًا فَإنَّ المَنعَ مِن فِعْلِهِ بِالتَّحْرِيمِ كالمَنعِ مِنهُ بِاليَمِينِ، بَلْ أقْوى، فَإنَّ اليَمِينَ إنْ تَضَمَّنَ هَتْكَ حُرْمَةِ اسْمِهِ سُبْحانَهُ، فالتَّحْرِيمُ تَضَمَّنَ هَتْكَ حُرْمَةِ شَرْعِهِ وأمْرِهِ، فَإنَّهُ إذا شَرَعَ الشَّيْءَ حَلالًا، فَحَرَّمَهُ المُكَلَّفُ، كانَ تَحْرِيمُهُ هَتْكًا لِحُرْمَةِ ما شَرَعَهُ، ونَحْنُ نَقُولُ: لَمْ يَتَضَمَّنِ الحِنْثُ في اليَمِينِ هَتْكَ حُرْمَةِ الِاسْمِ، ولا التَّحْرِيمُ هَتْكَ حُرْمَةِ الشَّرْعِ، كَما يَقُولُهُ مَن يَقُولُ مِنَ الفُقَهاءِ، وهو تَعْلِيلٌ فاسِدٌ جِدًّا، فَإنَّ الحِنْثَ إمّا جائِزٌ، وإمّا واجِبٌ، أوْ مُسْتَحَبٌّ، وما جَوَّزَ اللَّهُ لِأحَدٍ ألْبَتَّةَ أنْ يَهْتِكَ حُرْمَةَ اسْمِهِ، وقَدْ شَرَعَ لِعِبادِهِ الحِنْثَ مَعَ الكَفّارَةِ، وأخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ أنَّهُ
«إذا حَلَفَ عَلى يَمِينٍ ورَأى غَيْرَها خَيْرًا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ، وأتى المَحْلُوفَ عَلَيْهِ»
وَمَعْلُومٌ أنَّ هَتْكَ حُرْمَةِ اسْمِهِ تَبارَكَ وتَعالى لَمْ يُبَحْ في شَرِيعَةٍ قَطُّ، وإنَّما الكَفّارَةُ كَما سَمّاها اللَّهُ تَعالى تَحِلَّةً، وهي تَفْعِلَةٌ مِنَ الحَلِّ، فَهي تَحِلُّ ما عُقِدَ بِهِ اليَمِينُ لَيْسَ إلّا وهَذا العَقْدُ كَما يَكُونُ بِاليَمِينِ يَكُونُ بِالتَّحْرِيمِ، وظَهَرَ سِرُّ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكم تَحِلَّةَ أيْمانِكُمْ﴾ [التحريم: ٢] عَقِيبَ قَوْلِهِ: ﴿لِمَ تُحَرِّمُ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾.
* [فَصْلٌ: الحَلِفُ بِالطَّلاقِ وبِالحَرامِ لَهُ صِيغَتانِ]
قَدْ عُرِفَ أنَّ الحَلِفَ بِالطَّلاقِ لَهُ صِيغَتانِ؛ إحْداهُما: إنْ فَعَلْت كَذا وكَذا فَأنْتِ طالِقٌ، والثّانِيَةُ الطَّلاقُ يَلْزَمُنِي لا أفْعَلُ كَذا، وأنَّ الخِلافَ في الصِّيغَتَيْنِ قَدِيمًا وحَدِيثًا، وهَكَذا الحَلِفُ بِالحَرامِ لَهُ صِيغَتانِ؛ إحْداهُما: إنْ فَعَلْت كَذا فَأنْتِ عَلَيَّ حَرامٌ، أوْ ما أحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرامٌ.
والثّانِيَةُ: الحَرامُ يَلْزَمُنِي لا أفْعَلُ كَذا، فَمَن قالَ في " الطَّلاقِ يَلْزَمُنِي " إنّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ ولا كِنايَةَ ولا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ
فَفِي قَوْلِهِ " الحَرامُ يَلْزَمُنِي " أوْلى، ومَن قالَ إنّهُ كِنايَةٌ إنْ نَوى بِهِ الطَّلاقَ كانَ طَلاقًا وإلّا فَلا فَهَكَذا يَقُولُ في " الحَرامِ يَلْزَمُنِي " إنْ نَوى بِهِ التَّحْرِيمَ كانَ كَما لَوْ نَوى بِالطَّلاقِ التَّطْلِيقَ، فَكَأنَّهُ التَزَمَ أنْ يُحَرِّمَ كَما التَزَمَ ذَلِكَ أنْ يُطَلِّقَ؛ فَهَذا التِزامٌ لِلتَّحْرِيمِ وذَلِكَ التِزامٌ لِلتَّطْلِيقِ، وإنْ نَوى بِهِ ما حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيَّ يَلْزَمُنِي تَحْرِيمُهُ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا ولا تَحْرِيمًا ولا طَلاقًا ولا ظِهارًا، ولا يَجُوزُ أنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ المُسْلِمِ وبَيْنَ امْرَأتِهِ بِغَيْرِ لَفْظٍ لَمْ يُوضَعْ لِلطَّلاقِ ولا نَواهُ، وتَلْزَمُهُ كَفّارَةُ يَمِينِ حُرْمَةٍ لِشِدَّةِ اليَمِينِ؛ إذْ لَيْسَتْ كالحَلِفِ بِالمَخْلُوقِ الَّتِي لا تَنْعَقِدُ ولا هي مِن لَغْوِ اليَمِينِ وهي يَمِينٌ مُنْعَقِدَةٌ فَفِيها كَفّارَةُ يَمِينٍ.
وَبِهَذا أفْتى ابْنُ عَبّاسٍ ورَفَعَهُ إلى النَّبِيِّ ﷺ؛ فَصَحَّ عَنْهُ بِأصَحِّ إسْنادٍ «الحَرامُ يَمِينٌ يُكَفِّرُها» ثُمَّ قالَ: لَقَدْ كانَ لَكم في رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.
وَهَكَذا حُكْمُ قَوْلِهِ: " إنْ فَعَلْت كَذا فَأنْتِ عَلَيَّ حَرامٌ " وهَذا أوْلى بِكَفّارَةِ يَمِينٍ مِن قَوْلِهِ: " أنْتِ عَلَيَّ حَرامٌ ".
وَفِي قَوْلِهِ: " أنْتِ عَلَيَّ حَرامٌ " أوْ: " ما أحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرامٌ " أوْ: " أنْتِ عَلَيَّ حَرامٌ كالمَيْتَةِ والدَّمِ ولَحْمِ الخِنْزِيرِ " مَذاهِبُ:
أحَدُها: أنَّهُ لَغْوٌ وباطِلٌ لا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وهو إحْدى الرِّوايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ وبِهِ قالَ مَسْرُوقٌ وأبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وعَطاءٌ والشَّعْبِيُّ وداوُد وجَمِيعُ أهْلِ الظّاهِرِ وأكْثَرُ أصْحابِ الحَدِيثِ، وهو أحَدُ قَوْلَيْ المالِكِيَّةِ اخْتارَهُ أصْبَغُ بْنُ الفَرَجِ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أنَّهُ «سَمِعَ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: إذا حَرَّمَ امْرَأتَهُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لَقَدْ كانَ لَكم في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»، وصَحَّ عَنْ مَسْرُوقٍ أنَّهُ قالَ: ما أُبالِي أحَرَّمْت امْرَأتِي أوْ قَصْعَةً مِن ثَرِيدٍ، وصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ في تَحْرِيمِ المَرْأةِ: لَهو أهْوَنُ عَلَيَّ مِن نَعْلِي.
وَقالَ أبُو سَلَمَةَ: ما أُبالِي أحَرَّمْت امْرَأتِي أوْ حَرَّمْت ماءَ النَّهْرِ.
وَقالَ الحَجّاجُ بْنُ مِنهالٍ: إنّ رَجُلًا جَعَلَ امْرَأتَهُ عَلَيْهِ حَرامًا، فَسَألَ عَنْ ذَلِكَ حُمَيْدٍ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقالَ لَهُ حُمَيْدٍ: قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿فَإذا فَرَغْتَ فانْصَبْ (٧) وإلى رَبِّكَ فارْغَبْ﴾. وأنْتَ رَجُلٌ تَلْعَبُ فاذْهَبْ فالعَبْ.
المَذْهَبُ الثّانِي: أنَّها ثَلاثُ تَطْلِيقاتٍ، وهو قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ وزَيْدِ بْنِ ثابِتٍ وابْنِ عُمَرَ والحَسَنِ البَصْرِيِّ ومُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي لَيْلى، وقَضى فِيها أمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ بِالثَّلاثِ في عَدِيِّ بْنِ قَيْسٍ الكِلابِيِّ وقالَ لَهُ: واَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ مَسِسْتَها قَبْلَ أنْ تَتَزَوَّجَ غَيْرَك لَأرْجُمَنَّك، وحُجَّةُ هَذا القَوْلِ أنَّها لا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ إلّا بِالثَّلاثِ، فَكانَ وُقُوعُ الثَّلاثِ مِن ضَرُورَةِ كَوْنِها حَرامًا عَلَيْهِ.
المَذْهَبُ الثّالِثُ: أنَّها بِهَذا القَوْلِ حَرامٌ عَلَيْهِ، صَحَّ أيْضًا عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ والحَسَنِ وخِلاسِ بْنِ عَمْرٍو وجابِرِ بْنِ زَيْدٍ وقَتادَةَ، ولَمْ يَذْكُرْ هَؤُلاءِ طَلاقًا، بَلْ أمَرُوهُ بِاجْتِنابِها فَقَطْ.
وَصَحَّ ذَلِكَ أيْضًا عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلامُ -، فَإمّا أنْ يَكُونَ عَنْهُ رِوايَتانِ، أوْ يَكُونَ أرادَ تَحْرِيمَ الثَّلاثِ، وحُجَّةُ هَذا القَوْلِ أنَّ لَفْظَهُ إنّما اقْتَضى التَّحْرِيمَ ولَمْ يَتَعَرَّضْ لِعَدَدِ الطَّلاقِ؛ فَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِمُقْتَضى تَحْرِيمِهِ.
المَذْهَبُ الرّابِعُ: الوَقْفُ فِيها، صَحَّ ذَلِكَ عَنْ أمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ أيْضًا، وهو قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، قالَ: يَقُولُ رِجالٌ في " الحَلالُ حَرامٌ " إنّها حَرامٌ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، ويَنْسُبُونَهُ إلى عَلِيٍّ، واللَّهِ ما قالَ ذَلِكَ عَلِيٌّ، إنّما قالَ: ما أنا بِمُحِلِّها ولا بِمُحَرِّمِها عَلَيْك، إنْ شِئْت فَتَقَدَّمْ وإنْ شِئْت فَتَأخَّرْ. وحُجَّةُ هَؤُلاءِ أنَّ التَّحْرِيمَ لَيْسَ بِطَلاقٍ، وهو لا يَمْلِكُ تَحْرِيمَ الحَلالِ، وإنَّما يَمْلِكُ إنْشاءَ السَّبَبِ الَّذِي يُحَرِّمُ بِهِ وهو الطَّلاقُ، وهَذا لَيْسَ بِصَرِيحٍ في الطَّلاقِ، ولا هو مِمّا ثَبَتَ لَهُ عُرْفُ الشَّرْعِ في تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ، فاشْتَبَهَ الأمْرُ فِيهِ.
المَذْهَبُ الخامِسُ: إنْ نَوى بِهِ الطَّلاقَ فَهو طَلاقٌ، وإلّا فَهو يَمِينٌ، وهَذا قَوْلُ طاوُسٍ والزُّهْرِيِّ والشّافِعِيِّ ورِوايَةٌ عَنْ الحَسَنِ، وحُجَّةُ هَذا القَوْلِ أنَّهُ كِنايَةٌ في الطَّلاقِ، فَإنْ نَواهُ بِهِ كانَ طَلاقًا، وإنْ لَمْ يَنْوِهِ كانَ يَمِينًا لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿تَحِلَّةَ أيْمانِكُمْ﴾.
المَذْهَبُ السّادِسُ: أنَّهُ إنْ نَوى بِها الثَّلاثَ فَثَلاثٌ، وإنْ نَوى واحِدَةً فَواحِدَةٌ بائِنَةٌ، وإنْ نَوى يَمِينًا فَهو يَمِينٌ، وإنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهي كَذِبَةٌ لا شَيْءَ فِيها، قالَهُ سُفْيانُ وحَكاهُ النَّخَعِيُّ عَنْ أصْحابِهِ، وحُجَّةُ هَذا القَوْلِ أنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ لِما نَواهُ مِن ذَلِكَ فَيَتْبَعُ نِيَّتَهُ.
المَذْهَبُ السّابِعُ: مِثْلُ هَذا، إلّا أنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهو يَمِينٌ يُكَفِّرُها، وهو قَوْلُ الأوْزاعِيِّ، وحُجَّةُ هَذا القَوْلِ ظاهِرٌ قَوْله تَعالى: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكم تَحِلَّةَ أيْمانِكُمْ﴾
فَإذا نَوى بِهِ الطَّلاقَ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا، فَإذا طَلَّقَ ولَمْ يَنْوِ الطَّلاقَ كانَ يَمِينًا.
المَذْهَبُ الثّامِنُ: مِثْلُ هَذا أيْضًا، إلّا أنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَواحِدَةٌ بائِنَةٌ إعْمالًا لِلَفْظِ التَّحْرِيمِ.
المَذْهَبُ التّاسِعُ: أنَّ فِيهِ كَفّارَةَ الظِّهارِ، وصَحَّ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا وأبِي قِلابَةَ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ووَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ وعُثْمانَ التَّيْمِيِّ، وهو إحْدى الرِّواياتِ عَنْ الإمامِ أحْمَدَ، وحُجَّةُ هَذا القَوْلِ أنَّ اللَّهَ تَعالى جَعَلَ تَشْبِيهَ المَرْأةِ بِأُمِّهِ المُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ ظِهارًا، وجَعَلَهُ مُنْكَرًا مِن القَوْلِ وزُورًا، فَإذا كانَ التَّشْبِيهُ بِالمُحَرَّمَةِ يَجْعَلُهُ مُظاهِرًا فَإذا صَرَّحَ بِتَحْرِيمِها كانَ أوْلى بِالظِّهارِ.
وَهَذا أقْيَسُ الأقْوالِ وأفْقَهُها، ويُؤَيِّدُهُ أنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِلْمُكَلَّفِ التَّحْرِيمَ والتَّحْلِيلَ، وإنَّما ذَلِكَ إلَيْهِ تَعالى، وإنَّما جَعَلَ لَهُ مُباشَرَةَ الأفْعالِ والأقْوالِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْها التَّحْرِيمُ والتَّحْلِيلُ، فالسَّبَبُ إلى العَبْدِ، وحُكْمُهُ إلى اللَّهِ تَعالى؛ فَإذا قالَ " أنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي " أوْ قالَ " أنْتِ عَلَيَّ حَرامٌ " فَقَدْ قالَ المُنْكَرَ مِن القَوْلِ والزُّورَ، وكَذَبَ فَإنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْها كَظَهْرِ أُمِّهِ، ولا جَعَلَها عَلَيْهِ حَرامًا، فَأوْجَبَ عَلَيْهِ بِهَذا القَوْلِ مِن المُنْكَرِ والزُّورِ أغْلَظَ الكَفّارَتَيْنِ، وهي كَفّارَةُ الظِّهارِ.
المَذْهَبُ العاشِرُ: أنَّها تَطْلِيقَةٌ واحِدَةٌ، وهي إحْدى الرِّوايَتَيْنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ، وقَوْلِ حَمّادِ بْنِ أبِي سُلَيْمانَ شَيْخِ أبِي حَنِيفَةَ، وحُجَّةُ هَذا القَوْلِ أنَّ تَطْلِيقَ التَّحْرِيمِ لا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ بِالثَّلاثِ، بَلْ يَصْدُقُ بِأقَلِّهِ، والواحِدَةُ مُتَيَقَّنَةٌ؛ فَحُمِلَ اللَّفْظُ عَلَيْها لِأنَّها اليَقِينُ؛ فَهو نَظِيرُ التَّحْرِيمِ بِانْقِضاءِ العِدَّةِ.
المَذْهَبُ الحادِيَ عَشَرَ: أنَّهُ يَنْوِي ما أرادَهُ مِن ذَلِكَ في إرادَةِ أصْلِ الطَّلاقِ وعَدَدِهِ، وإنْ نَوى تَحْرِيمًا بِغَيْرِ طَلاقٍ فَيَمِينٌ مُكَفِّرَةٌ، وهو قَوْلُ الشّافِعِيِّ، وحُجَّةُ هَذا القَوْلِ أنَّ اللَّفْظَ صالِحٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ؛ فَلا يَتَعَيَّنُ واحِدٌ مِنها إلّا بِالنِّيَّةِ، فَإنْ نَوى تَحْرِيمًا مُجَرَّدًا كانَ امْتِناعًا مِنها بِالتَّحْرِيمِ كامْتِناعِهِ بِاليَمِينِ، ولا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ في المَوْضِعَيْنِ.
المَذْهَبُ الثّانِي عَشَرَ: أنَّهُ يَنْوِي أيْضًا في أصْلِ الطَّلاقِ وعَدَدِهِ، إلّا أنَّهُ إنْ نَوى واحِدَةً كانَتْ بائِنَةً، وإنْ لَمْ يَنْوِ طَلاقًا فَهو مُولٍ، وإنْ نَوى الكَذِبَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وهو قَوْلُ أبِي حَنِيفَةَ وأصْحابِهِ، وحُجَّةُ هَذا القَوْلِ احْتِمالُ اللَّفْظِ لِما ذَكَرَهُ، إلّا أنَّهُ إنْ نَوى واحِدَةً كانَتْ بائِنَةً؛ لِاقْتِضاءِ التَّحْرِيمِ لِلْبَيْنُونَةِ وهي صُغْرى وكُبْرى، والصُّغْرى هي المُتَحَقِّقَةُ فاعْتُبِرَتْ دُونَ الكُبْرى، وعَنْهُ رِوايَةٌ أُخْرى إنْ نَوى الكَذِبَ دُيِّنَ ولَمْ يُقْبَلْ في الحُكْمِ، بَلْ يَكُونُ مُولِيًا، ولا يَكُونُ مُظاهِرًا عِنْدَهُ نَواهُ أوْ لَمْ يَنْوِهِ، ولَوْ صَرَّحَ بِهِ فَقالَ " أعْنِي بِهِ الظِّهارَ " لَمْ يَكُنْ مُظاهِرًا.
المَذْهَبُ الثّالِثَ عَشَرَ: أنَّهُ يَمِينٌ يُكَفِّرُهُ ما يُكَفِّرُ اليَمِينَ عَلى كُلِّ حالٍ، صَحَّ ذَلِكَ أيْضًا عَنْ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وعُمَرَ بْنِ الخَطّابِ وابْنِ عَبّاسٍ وعائِشَةَ وزَيْدِ بْنِ ثابِتٍ وابْنِ مَسْعُودٍ وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وعِكْرِمَةَ وعَطاءٍ ومَكْحُولٍ وقَتادَةَ والحَسَنِ والشَّعْبِيِّ وسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ وسُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ وجابِرِ بْنِ زَيْدٍ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ونافِعٍ والأوْزاعِيِّ وأبِي ثَوْرٍ وخَلْقٍ سِواهُمْ، وحُجَّةُ هَذا القَوْلِ ظاهِرُ القُرْآنِ؛ فَإنَّ اللَّهَ تَعالى ذَكَرَ فَرْضَ تَحِلَّةِ الأيْمانِ عَقِبَ تَحْرِيمِ الحَلالِ، فَلا بُدَّ أنْ يَتَناوَلَهُ يَقِينًا؛ فَلا يَجُوزُ جَعْلُ تَحِلَّةِ الأيْمانِ لِغَيْرِ المَذْكُورِ قَبْلَها ويَخْرُجُ المَذْكُورُ عَنْ حُكْمِ التَّحِلَّةِ الَّتِي قُصِدَ ذِكْرُها لِأجْلِهِ.
المَذْهَبُ الرّابِعَ عَشَرَ: أنَّهُ يَمِينٌ مُغَلَّظَةٌ يَتَعَيَّنُ فِيها عِتْقُ رَقَبَةٍ، صَحَّ ذَلِكَ أيْضًا عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ وأبِي بَكْرٍ وعُمَرَ وابْنِ مَسْعُودٍ وجَماعَةٍ مِن التّابِعِينَ، وحُجَّةُ هَذا القَوْلِ أنَّهُ لَمّا كانَ يَمِينًا مُغَلَّظَةً غَلُظَتْ كَفّارَتُها بِتَحَتُّمِ العِتْقِ، ووَجْهُ تَغْلِيظِها تَضَمُّنُها تَحْرِيمَ ما أحَلَّ اللَّهُ ولَيْسَ إلى العَبْدِ، وقَوْلُ المُنْكَرِ والزُّورِ إنْ أرادَ الخَبَرَ فَهو كاذِبٌ في إخْبارِهِ مُعْتَدٍ في إقْسامِهِ؛ فَغَلُظَتْ كَفّارَتُهُ بِتَحَتُّمِ العِتْقِ كَما غَلُظَتْ كَفّارَةُ الظِّهارِ بِهِ أوْ بِصِيامِ شَهْرَيْنِ أوْ بِإطْعامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا.
المَذْهَبُ الخامِسَ عَشَرَ: أنَّهُ طَلاقٌ، ثُمَّ إنّها إنْ كانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِها فَهو ما نَواهُ مِن الواحِدَةِ وما فَوْقَها، وإنْ كانَتْ مَدْخُولًا بِها فَهو ثَلاثٌ، وإنْ نَوى أقَلَّ مِنها، وهو إحْدى الرِّوايَتَيْنِ عَنْ مالِكٍ، وحُجَّةُ هَذا القَوْلِ أنَّ اللَّفْظَ لَمّا اقْتَضى التَّحْرِيمَ وجَبَ أنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ، وغَيْرُ المَدْخُولِ بِها تُحَرَّمُ بِواحِدَةٍ، والمَدْخُولُ بِها لا تُحَرَّمُ إلّا بِالثَّلاثِ.
[أقْوالُ المالِكِيَّةِ في المَسْألَةِ]
وَبَعْدُ فَفي مَذْهَبِ مالِكٍ خَمْسَةُ أقْوالٍ، هَذا أحَدُها، وهو مَشْهُورُها، والثّانِي أنَّهُ ثَلاثٌ بِكُلِّ حالٍ نَوى الثَّلاثَ أوْ لَمْ يَنْوِها، اخْتارَها عَبْدُ المَلِكِ في مَبْسُوطِهِ، والثّالِثُ أنَّهُ واحِدَةٌ بائِنَةٌ مُطْلَقًا، حَكاهُ ابْنُ خُوَيْزِ مَندادٍ رِوايَةً عَنْ مالِكٍ، الرّابِعُ أنَّهُ واحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وهو قَوْلُ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ أبِي سَلَمَةَ، الخامِسُ أنَّهُ ما نَواهُ مِن ذَلِكَ مُطْلَقًا، سَواءٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وبَعْدَهُ، وقَدْ عَرَفْت تَوْجِيهَ هَذِهِ الأقْوالِ.
[تَحْرِيرُ مَذْهَبِ الشّافِعِيِّ في المَسْألَةِ]:
وَأمّا تَحْرِيرُ مَذْهَبِ الشّافِعِيِّ فَإنَّهُ إنْ نَوى بِهِ الظِّهارَ كانَ ظِهارًا، وإنْ نَوى بِهِ التَّحْرِيمَ كانَ تَحْرِيمًا لا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إلّا تَقَدُّمُ الكَفّارَةِ، وإنْ نَوى الطَّلاقَ كانَ طَلاقًا وكانَ ما نَواهُ، وإنْ أطْلَقَ فَلِأصْحابِهِ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ؛ أحَدُها: أنَّهُ صَرِيحٌ في إيجابِ الكَفّارَةِ، والثّانِي: لا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ، والثّالِثُ: أنَّهُ في حَقِّ الأمَةِ صَرِيحٌ في التَّحْرِيمِ المُوجِبِ لِلْكَفّارَةِ وفي حَقِّ الحُرَّةِ كِنايَةٌ، قالُوا: لِأنَّ أصْلَ الآيَةِ إنّما ورَدَتْ في الأمَةِ، قالُوا: فَلَوْ قالَ " أنْتِ عَلَيَّ حَرامٌ " وقالَ " أرَدْت بِها الظِّهارَ والطَّلاقَ " فَقالَ ابْنُ الحَدّادِ: يُقالُ لَهُ عَيِّنْ أحَدَ الأمْرَيْنِ؛ لِأنَّ اللَّفْظَةَ الواحِدَةَ لا تَصْلُحُ لِلظِّهارِ والطَّلاقِ مَعًا، وقِيلَ: يَلْزَمُهُ ما بَدَأ بِهِ مِنهُما، قالُوا: ولَوْ ادَّعى رَجُلٌ عَلى رَجُلٍ حَقًّا فَأنْكَرَهُ فَقالَ " الحِلُّ عَلَيْك حَرامٌ، والنِّيَّةُ نِيَّتِي لا نِيَّتُك، ما لِي عَلَيْك شَيْءٌ " فَقالَ: الحِلُّ عَلَيَّ حَرامٌ والنِّيَّةُ في ذَلِكَ نِيَّتُك ما لَك عِنْدِي شَيْءٌ، كانَتْ النِّيَّةُ نِيَّةَ الحالِفِ لا المُحَلِّفِ؛ لِأنَّ النِّيَّةَ إنّما تَكُونُ مِمَّنْ إلَيْهِ الإيقاعُ.
* [فَصْلٌ: تَحْرِيرُ مَذْهَبِ الإمامِ أحْمَدَ في المَسْألَةِ]
وَأمّا تَحْرِيمُ مَذْهَبِ الإمامِ أحْمَدَ فَهو أنَّهُ ظِهارٌ بِمُطْلَقِهِ وإنْ لَمْ يَنْوِهِ، إلّا أنْ يَنْوِيَ بِهِ الطَّلاقَ أوْ اليَمِينَ فَيَلْزَمُهُ ما نَواهُ، وعَنْهُ رِوايَةٌ ثانِيَةٌ أنَّهُ يَمِينٌ بِمُطْلَقِهِ إلّا أنْ يَنْوِيَ بِهِ الطَّلاقَ أوْ الظِّهارَ فَيَلْزَمُهُ ما نَواهُ، وعَنْهُ رِوايَةٌ ثالِثَةٌ أنَّهُ ظِهارٌ بِكُلِّ حالٍ، ولَوْ نَوى بِهِ الطَّلاقَ أوْ اليَمِينَ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا ولا طَلاقًا، كَما لَوْ نَوى الطَّلاقَ أوْ اليَمِينَ بِقَوْلِهِ " أنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي " فَإنَّ اللَّفْظَيْنِ صَرِيحانِ في الظِّهارِ، فَعَلى هَذِهِ الرِّوايَةِ لَوْ وصَلَهُ بِقَوْلِهِ " أعْنِي بِهِ الطَّلاقَ " فَهَلْ يَكُونُ طَلاقًا أوْ ظِهارًا؟ عَلى رِوايَتَيْنِ: إحْداهُما: يَكُونُ ظِهارًا كَما لَوْ قالَ أنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أعْنِي بِهِ الطَّلاقَ أوْ التَّحْرِيمَ؛ إذْ التَّحْرِيمُ صَرِيحٌ في الظِّهارِ، والثّانِيَةُ أنَّهُ طَلاقٌ لِأنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِإرادَتِهِ بِلَفْظٍ يَحْتَمِلُهُ، وغايَتُهُ أنَّهُ كِنايَةٌ فِيهِ، فَعَلى هَذِهِ الرِّوايَةِ إنْ قالَ " أعْنِي بِهِ طَلاقًا " طَلُقَتْ واحِدَةً، وإنْ قالَ " أعْنِي بِهِ الطَّلاقَ " فَهَلْ تَطْلُقُ ثَلاثًا أوْ واحِدَةً؟ عَلى رِوايَتَيْنِ مَأْخَذُهُما حَمْلُ اللّازِمِ عَلى الجِنْسِ أوْ العُمُومِ، هَذا تَحْرِيرُ مَذْهَبِهِ وتَقْرِيرُهُ.
[مَذْهَبُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ في المَسْألَةِ]
وَفِي المَسْألَةِ مَذْهَبٌ آخَرُ وراءَ هَذا كُلِّهِ، وهو أنَّهُ إنْ أوْقَعَ التَّحْرِيمَ كانَ ظِهارًا ولَوْ نَوى بِهِ الطَّلاقَ، وإنْ حَلَفَ بِهِ كانَ يَمِينًا مُكَفِّرَةً، وهَذا اخْتِيارُ شَيْخِ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وعَلَيْهِ يَدُلُّ النَّصُّ والقِياسُ؛ فَإنَّهُ إذا أوْقَعَهُ كانَ قَدْ أتى مُنْكَرًا مِن القَوْلِ وزُورًا، وكانَ أوْلى بِكَفّارَةِ الظِّهارِ مِمَّنْ شَبَّهَ امْرَأتَهُ بِالمُحَرَّمَةِ، وإذا حَلَفَ بِهِ كانَ يَمِينًا مِن الأيْمانِ كَما لَوْ حَلَفَ بِالتِزامِ العِتْقِ والحَجِّ والصَّدَقَةِ، وهَذا مَحْضُ القِياسِ والفِقْهِ، ألا تَرى أنَّهُ إذا قالَ: " لِلَّهِ عَلَيَّ أنْ أُعْتِقَ، أوْ أحُجَّ، أوْ أصُومَ " لَزِمَهُ، ولَوْ قالَ: " إنْ كَلَّمْت فُلانًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ ذَلِكَ " عَلى وجْهِ اليَمِينِ فَهو يَمِينٌ، وكَذَلِكَ لَوْ قالَ: " هو يَهُودِيٌّ، أوْ نَصْرانِيٌّ " كَفَرَ بِذَلِكَ، ولَوْ قالَ: " إنْ فَعَلْت كَذا فَهو يَهُودِيٌّ أوْ نَصْرانِيٌّ " كانَ يَمِينًا، وطَرْدُ هَذا - بَلْ نَظِيرُهُ مِن كُلِّ وجْهٍ - أنَّهُ إذا قالَ: " أنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي " كانَ ظِهارًا؛ فَلَوْ قالَ: " إنْ فَعَلْت كَذا فَأنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي " كانَ يَمِينًا، وطَرْدُ هَذا أيْضًا إذا قالَ: " أنْتِ طالِقٌ " كانَ طَلاقًا، وإنْ قالَ: " إنْ فَعَلْت كَذا فَأنْتِ طالِقٌ " كانَ يَمِينَهُ، فَهَذِهِ هي الأُصُولُ الصَّحِيحَةُ المُطَّرِدَةُ المَأْخُوذَةُ مِن الكِتابِ والسُّنَّةِ والمِيزانِ، وبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَاۤ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِی مَرۡضَاتَ أَزۡوَ ٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ","قَدۡ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمۡ تَحِلَّةَ أَیۡمَـٰنِكُمۡۚ وَٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡحَكِیمُ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَاۤ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِی مَرۡضَاتَ أَزۡوَ ٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق