الباحث القرآني
* (فصل)
ثمَّ تَأمل حِكْمَة عَجِيبَة جعلت للبهائم والوحوش والسِّباع والدَّواب على كثرتها لا يرى مِنها شَيْء ولَيْسَ شَيْئا قَلِيلا فتخفى لقلتها بل قد قيل إنها أكثر من النّاس، واعْتبر ذَلِك بِما تراهُ في الصحاري من أسراب الظباء والبَقر والوعول والذئاب والنُّمُور وضروب الهَوام على اختلافها وسائِر دَواب الأرض وأنواع الطُّيُور الَّتِي هي أضعاف أضعاف بني آدم لا تكاد ترى مِنها شَيْئا مَيتا لا في كناسَة ولا في أوكاره ولا في مساقطه ولا في مراعيه بِطرقِهِ وموارده ومناهله ومعاقله ومعاصمه إلا ما عدا عَلَيْهِ عاد، إمّا افترسه سبع أوْ رَماه صائد أوْ عدا عَلَيْهِ عاد أشغله وأشغل بني جنسه عَن إحراز جِسْمه وإخفاء جيفته، فَدلَّ ذَلِك على أنها إذا احست بِالمَوْتِ ولم تغلب على أنفسها كمنت حَيْثُ لا يُوصل إلى أجسامها وقبرت جيفها قبل نزُول البَين بها، ولَوْلا ذَلِك لامتلأت الصحاري بجيفها وأفسدت الهَواء بروائحها، فَعاد ضَرَر ذَلِك بِالنّاسِ وكانَ سَبِيلا إلى وُقُوع الوباء، وقد دلّ على هَذا قوله تَعالى في قصَّة ابْني آدم ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرابًا يَبْحَثُ في الأرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْءَةَ أخِيهِ قالَ ياوَيْلَتا أعَجَزْتُ أنْ أكُونَ مِثْلَ هَذا الغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْءَةَ أخِي فَأصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ﴾
وَأما ما جعل عيشه بَين النّاس كالأنعام والدَّواب فلقدرة الإنسان على نَقله واحتياله في دفع أذيته منع مِمّا جعل في الوحوش كالسباع فَتَأمل هَذا الَّذِي حار بَنو آدم فِيهِ وفِيما يَفْعَلُونَ بِهِ كَيفَ جعل طبعا في البَهائِم، وكَيف تعلموه من الطير.
وَتَأمل الحِكْمَة في إرسال الله تَعالى لِابْنِ آدم الغُراب المُؤَذّن اسْمه بغربة القاتِل من أخيه وغربته هو من رَحْمَة الله تَعالى وغربته من أبيه وأهله واستيحاشه مِنهُم واستيحاشهم مِنهُ.
وَهُوَ من الطُّيُور الَّتِي تنفر مِنها الإنس ومن نعيقها وتستوحش بها، فَأرْسل إليه مثل هَذا الطّائِر حَتّى صار كالمُعلِّم لَهُ والأستاذ وصارَ بِمَنزِلَة المتعلم والمستند، ولا تنكر حكمة هَذا الباب وارتباط المسميات فِيهِ بأسمائها فقد قالَ النَّبِي ﷺ "إذا بعثتم إلي بريدا فابعثوه حسن الِاسْم حسن الوَجْه"
وَكانَ يسْأل عَن اسْم الأرض إذا نزلها واسم الرَّسُول إذا جاءَ إليه، ولما جاءَهُم سُهَيْل ابْن عَمْرو يَوْم الحُدَيْبِيَة قالَ قد سهل أمركم، ولما أراد تَغْيِير اسْم حزن بسهل قالَ لم يزل معنى اسْمه فِيهِ وفي ذريته.
وَلما سَألَ عمر بن الخطاب الرجل عَن اسْمه واسم أبيه وداره ومنزله فأخبره أنه جَمْرَة بن شهاب وأن داره بالحرقة وأن مَسْكَنه مِنها ذات لظى.
قالَ لَهُ ادَّرَكَ بَيْتك فقد احْتَرَقَ فَكانَ كَما قالَ.
وشواهد هَذا الباب أكثر من أن نذْكر هاها هُنا وهَذا باب لطيف المنزع شَدِيد المُناسبَة بَين الأسماء والمسببات وكَثِيرًا ما أولع النّاس قَدِيما وحديثا بنعيق الغُراب واستدلالهم بِهِ على البَين والاغتراب وينسبونه إلى الشؤم وينفرون مِنهُ وينفر مِنهُم فَكانَ جَدِيرًا أن يُرْسل هَذا الطّائِر إلى القاتِل من ابْني آدم دون غَيره من الطُّيُور فَكَأنَّهُ صُورَة طائِره الَّذِي ألزمهُ في عُنُقه وطار عنه من عمله، ولا تظن أن إرسال الغُراب وقع اتِّفاقًا خالِيا من الحِكْمَة فَإنّك إذا خَفِي عَلَيْك وجه الحِكْمَة فَلا تنكرها، واعْلَم أن خفاءها من لطفها وشرفها، وللَّه تَعالى فِيما يخفي وجه الحِكْمَة فِيهِ على البشر الحكم الباهرة المتضمنة للغايات المحمودة.
{"ayah":"فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَابࣰا یَبۡحَثُ فِی ٱلۡأَرۡضِ لِیُرِیَهُۥ كَیۡفَ یُوَ ٰرِی سَوۡءَةَ أَخِیهِۚ قَالَ یَـٰوَیۡلَتَىٰۤ أَعَجَزۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِثۡلَ هَـٰذَا ٱلۡغُرَابِ فَأُوَ ٰرِیَ سَوۡءَةَ أَخِیۖ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق