الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرابًا يَبْحَثُ في الأرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأةَ أخِيهِ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قِيلَ: لَمّا قَتَلَهُ تَرَكَهُ لا يَدْرِي ما يَصْنَعُ بِهِ، ثُمَّ خافَ عَلَيْهِ السِّباعَ فَحَمَلَهُ في جِرابٍ عَلى ظَهْرِهِ سَنَةً حَتّى تَغَيَّرَ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرابًا، وفِيهِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: بَعَثَ اللَّهُ غُرابَيْنِ فاقْتَتَلا، فَقَتَلَ أحَدُهُما الآخَرَ، فَحَفَرَ لَهُ بِمِنقارِهِ ورِجْلَيْهِ ثُمَّ ألْقاهُ في الحُفْرَةِ، فَتَعَلَّمَ قابِيلُ ذَلِكَ مِنَ الغُرابِ.
الثّانِي: قالَ الأصَمُّ: لَمّا قَتَلَهُ وتَرَكَهُ بَعَثَ اللَّهُ غُرابًا يَحْثُو التُّرابَ عَلى المَقْتُولِ، فَلَمّا رَأى القاتِلُ أنَّ اللَّهَ كَيْفَ يُكْرِمُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ نَدِمَ وقالَ: يا ويْلَتى.
الثّالِثُ: قالَ أبُو مُسْلِمٍ: عادَةُ الغُرابِ دَفْنُ الأشْياءِ فَجاءَ غُرابٌ فَدَفَنَ شَيْئًا فَتَعَلَّمَ ذَلِكَ مِنهُ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: ﴿لِيُرِيَهُ﴾ فِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: لِيُرِيَهُ اللَّهُ أوْ لِيُرِيَهُ الغُرابُ، أيْ لِيُعَلِّمَهُ؛ لِأنَّهُ لَمّا كانَ سَبَبُ تَعَلُّمِهِ فَكَأنَّهُ قَصَدَ تَعْلِيمَهُ عَلى سَبِيلِ المَجازِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: ﴿سَوْأةَ أخِيهِ﴾ عَوْرَةَ أخِيهِ، وهو ما لا يَجُوزُ أنْ يَنْكَشِفَ مِن جَسَدِهِ، والسَّوْأةُ الفَضِيحَةُ لِقُبْحِها. وقِيلَ ”سَوْأةَ أخِيهِ“ أيْ جِيفَةَ أخِيهِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿قالَ ياوَيْلَتا أعَجَزْتُ أنْ أكُونَ مِثْلَ هَذا الغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأةَ أخِي فَأصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: لا شَكَّ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿ياوَيْلَتا﴾ كَلِمَةُ تَحَسُّرٍ وتَلَهُّفٍ، وفي الآيَةِ احْتِمالانِ:
الأوَّلُ: أنَّهُ ما كانَ يَعْلَمُ كَيْفَ يُدْفَنُ المَقْتُولُ، فَلَمّا تَعَلَّمَ ذَلِكَ مِنَ الغُرابِ عَلِمَ أنَّ الغُرابَ أكْثَرُ عِلْمًا مِنهُ، وعَلِمَ أنَّهُ إنَّما أقْدَمَ عَلى قَتْلِ أخِيهِ بِسَبَبِ جَهْلِهِ وقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ، فَنَدِمَ وتَلَهَّفَ وتَحَسَّرَ عَلى فِعْلِهِ.
الثّانِي: أنَّهُ كانَ عالِمًا بِكَيْفِيَّةِ دَفْنِهِ، فَإنَّهُ يَبْعُدُ في الإنْسانِ أنْ لا يَهْتَدِيَ إلى هَذا القَدْرِ مِنَ العِلْمِ، إلّا أنَّهُ لَمّا قَتَلَهُ تَرَكَهُ بِالعَراءِ اسْتِخْفافًا بِهِ، ولَمّا رَأى الغُرابَ يَدْفِنُ الغُرابَ الآخَرَ رَقَّ قَلْبُهُ وقالَ: إنَّ الغُرابَ جاءَ، وكانَ يَحْثِي التُّرابَ عَلى المَقْتُولِ، فَلَمّا رَأى أنَّ اللَّهَ أكْرَمَهُ حالَ حَياتِهِ بِقَبُولِ قُرْبانِهِ. وأكْرَمَهُ بَعْدَ مَماتِهِ بِأنْ بَعَثَ هَذا الغُرابَ لِيَدْفِنَهُ تَحْتَ الأرْضِ عَلِمَ أنَّهُ عَظِيمُ الدَّرَجَةِ عِنْدَ اللَّهِ فَتَلَهَّفَ عَلى فِعْلِهِ، وعَلِمَ أنَّهُ لا قُدْرَةَ لَهُ عَلى التَّقَرُّبِ إلى أخِيهِ إلّا بِأنْ يَدْفِنَهُ في الأرْضِ، فَلا جَرَمَ قالَ: يا ويْلَتى أعَجَزْتُ أنْ أكُونَ مِثْلَ هَذا الغُرابِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ: ﴿ياوَيْلَتا﴾ اعْتِرافٌ عَلى نَفْسِهِ بِاسْتِحْقاقِ العَذابِ، وهي كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ وُقُوعِ الدّاهِيَةِ العَظِيمَةِ، ولَفْظُها لَفْظُ النِّداءِ، وكَأنَّ الوَيْلَ غَيْرُ حاضِرٍ لَهُ فَناداهُ لِيَحْضُرَهُ، أيْ أيُّها الوَيْلُ احْضُرْ، فَهَذا أوانُ حُضُورِكَ، وذِكْرُ ”يا“ زِيادَةُ بَيانٍ كَما في قَوْلِهِ ﴿ياوَيْلَتى أألِدُ﴾ (هُودٍ: ٧٢) واللَّهُ أعْلَمُ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: لَفْظُ النَّدَمِ وُضِعَ لِلُّزُومِ، ومِنهُ سُمِّيَ النَّدِيمُ نَدِيمًا؛ لِأنَّهُ يُلازِمُ المَجْلِسَ. وفِيهِ سُؤالٌ: (p-١٦٦)وهُوَ أنَّهُ ﷺ قالَ: ”«النَّدَمُ تَوْبَةٌ» “ فَلَمّا كانَ مِنَ النّادِمِينَ كانَ مِنَ التّائِبِينَ فَلِمَ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ ؟
أجابُوا عَنْهُ مِن وُجُوهٍ:
أحَدُها: أنَّهُ لَمّا لَمْ يَعْلَمِ الدَّفْنَ إلّا مِنَ الغُرابِ صارَ مِنَ النّادِمِينَ عَلى حَمْلِهِ عَلى ظَهْرِهِ سَنَةً.
والثّانِي: أنَّهُ صارَ مِنَ النّادِمِينَ عَلى قَتْلِ أخِيهِ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِقَتْلِهِ، وسَخِطَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ أبُوهُ وإخْوَتُهُ، فَكانَ نَدَمُهُ لِأجْلِ هَذِهِ الأسْبابِ لا لِكَوْنِهِ مَعْصِيَةً.
والثّالِثُ: أنَّ نَدَمَهُ كانَ لِأجْلِ أنَّهُ تَرَكَهُ بِالعَراءِ اسْتِخْفافًا بِهِ بَعْدَ قَتْلِهِ، فَلَمّا رَأى أنَّ الغُرابَ لَمّا قَتَلَ الغُرابَ دَفَنَهُ نَدِمَ عَلى قَساوَةِ قَلْبِهِ، وقالَ: هَذا أخِي وشَقِيقِي ولَحْمُهُ مُخْتَلِطٌ بِلَحْمِي ودَمُهُ مُخْتَلِطٌ بِدَمِي، فَإذا ظَهَرَتِ الشَّفَقَةُ مِنَ الغُرابِ عَلى الغُرابِ ولَمْ تَظْهَرْ مِنِّي عَلى أخِي كَنْتُ دُونَ الغُرابِ في الرَّحْمَةِ والأخْلاقِ الحَمِيدَةِ فَكانَ نَدَمُهُ لِهَذِهِ الأسْبابِ، لا لِأجْلِ الخَوْفِ مِنَ اللَّهِ تَعالى فَلا جَرَمَ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ النَّدَمُ.
{"ayah":"فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَابࣰا یَبۡحَثُ فِی ٱلۡأَرۡضِ لِیُرِیَهُۥ كَیۡفَ یُوَ ٰرِی سَوۡءَةَ أَخِیهِۚ قَالَ یَـٰوَیۡلَتَىٰۤ أَعَجَزۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِثۡلَ هَـٰذَا ٱلۡغُرَابِ فَأُوَ ٰرِیَ سَوۡءَةَ أَخِیۖ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق