الباحث القرآني
وَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: «ما نُصِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في مَوْطِنٍ نَصْرَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقالَ بَيْنِي وبَيْنَ مَن يُنْكِرُ كِتابُ اللَّهِ، إنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وعْدَهُ إذْ تَحُسُّونَهم بِإذْنِهِ﴾
قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: والحَسُّ: القَتْلُ، ولَقَدْ كانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ ولِأصْحابِهِ أوَّلُ النَّهارِ حَتّى قُتِلَ مِن أصْحابِ المُشْرِكِينَ سَبْعَةٌ أوْ تِسْعَةٌ». وذَكَرَ الحَدِيثَ.
وَأنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النُّعاسَ أمَنَةً مِنهُ في غَزاةِ بَدْرٍ وأُحُدٍ، والنُّعاسُ في الحَرْبِ وعِنْدَ الخَوْفِ دَلِيلٌ عَلى الأمْنِ، وهو مِنَ اللَّهِ، وفي الصَّلاةِ ومَجالِسِ الذِّكْرِ والعِلْمِ مِنَ الشَّيْطانِ.
وَقاتَلَتِ المَلائِكَةُ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَفي " الصَّحِيحَيْنِ ": عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ، قالَ: «رَأيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ ومَعَهُ رَجُلانِ يُقاتِلانِ عَنْهُ، عَلَيْهِما ثِيابٌ بِيضٌ كَأشَدِّ القِتالِ، ما رَأيْتُهُما قَبْلُ ولا بَعْدُ».
وَفِي " صَحِيحِ مسلم ": «أنَّهُ ﷺ أُفْرِدَ يَوْمَ أُحُدٍ في سَبْعَةٍ مِنَ الأنْصارِ، ورَجُلَيْنِ مِن قُرَيْشٍ، فَلَمّا رَهِقُوهُ، قالَ: " مَن يَرُدُّهم عَنّا ولَهُ الجَنَّةُ، أوْ هو رَفِيقِي في الجَنَّةِ " فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ، فَقاتَلَ حَتى قُتِلَ، ثُمَّ رَهِقُوهُ، فَقالَ: مَن يَرُدُّهم عَنّا ولَهُ الجَنَّةُ، أوْ هو رَفِيقِي في الجَنَّةِ " فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ، فَقاتَلَ حَتى قُتِلَ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتّى قُتِلَ السَّبْعَةُ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " ما أنْصَفْنا أصْحابَنا» وهَذا يُرْوى عَلى وجْهَيْنِ: بِسُكُونِ الفاءِ ونَصْبِ " أصْحابَنا " عَلى المَفْعُولِيَّةِ، وفَتْحِ الفاءِ ورَفْعِ " أصْحابُنا " عَلى الفاعِلِيَّةِ.
وَوَجْهُ النَّصْبِ: أنَّ الأنْصارَ لَمّا خَرَجُوا لِلْقِتالِ واحِدًا بَعْدَ واحِدٍ حَتّى قُتِلُوا، ولَمْ يَخْرُجِ القُرَشِيّانِ، قالَ ذَلِكَ، أيْ: ما أنْصَفَتْ قُرَيْشٌ الأنْصارَ.
وَوَجْهُ الرَّفْعِ: أنْ يَكُونَ المُرادُ بِالأصْحابِ الَّذِينَ فَرُّوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتّى أُفْرِدَ في النَّفَرِ القَلِيلِ، فَقُتِلُوا واحِدًا بَعْدَ واحِدٍ، فَلَمْ يُنْصِفُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ومَن ثَبَتَ مَعَهُ.
وَفِي " صَحِيحِ ابْنِ حِبّانَ " عَنْ عائشة، قالَتْ: قالَ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: «لَمّا كانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْصَرَفَ النّاسُ كُلُّهم عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فَكُنْتُ أوَّلَ مَن فاءَ إلى النَّبِيِّ ﷺ، فَرَأيْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلًا يُقاتِلُ عَنْهُ ويَحْمِيهِ، قُلْتُ: كُنْ طلحة فِداكَ أبِي وأُمِّي، كُنْ طلحة فِداكَ أبِي وأُمِّي. فَلَمْ أنْشَبْ، أنْ أدْرَكَنِي أبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرّاحِ، وإذا هو يَشْتَدُّ كَأنَّهُ طَيْرٌ حَتّى لَحِقَنِي، فَدَفَعْنا إلى النَّبِيِّ ﷺ، فَإذا طلحة بَيْنَ يَدَيْهِ صَرِيعًا، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: " دُونَكم أخاكم فَقَدْ أوْجَبَ "، وقَدْ رُمِيَ النَّبِيُّ ﷺ في جَبِينِهِ، ورُوِيَ في وجْنَتِهِ، حَتى غابَتْ حَلْقَةٌ مِن حَلَقِ المِغْفَرِ في وجْنَتِهِ، فَذَهَبْتُ لِأنْزِعَها عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقالَ أبو عبيدة: نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ يا أبا بكر إلّا تَرَكْتَنِي؟ قالَ: فَأخَذَ أبو عبيدة السَّهْمَ بِفِيهِ، فَجَعَلَ يُنَضْنِضُهُ كَراهَةَ أنْ يُؤْذِيَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ اسْتَلَّ السَّهْمَ بِفِيهِ، فَنَدَرَتْ ثَنِيَّةُ أبي عبيدة، قالَ أبو بكر: ثُمَّ ذَهَبْتُ لِآخُذَ الآخَرَ، فَقالَ أبو عبيدة: نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ يا أبا بكر إلّا تَرَكْتَنِي؟ قالَ فَأخَذَهُ، فَجَعَلَ يُنَضْنِضُهُ حَتى اسْتَلَّهُ، فَنَدَرَتْ ثَنِيَّةُ أبي عبيدة الأُخْرى، ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " دُونَكم أخاكم فَقَدْ أوْجَبَ "، قالَ: فَأقْبَلْنا عَلى طلحة نُعالِجُهُ، وقَدْ أصابَتْهُ بِضْعَةَ عَشَرَ ضَرْبَةً».
وَفِي " مَغازِي الأُمَوِيِّ ": أنَّ المُشْرِكِينَ صَعِدُوا عَلى الجَبَلِ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لسعد " اجْنُبْهم " يَقُولُ: ارْدُدْهم. فَقالَ: كَيْفَ أجْنُبُهم وحْدِي؟ فَقالَ: ذَلِكَ ثَلاثًا، فَأخَذَ سعد سَهْمًا مِن كِنانَتِهِ، فَرَمى بِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ، قالَ: ثُمَّ أخَذْتُ سَهْمِي أعْرِفُهُ، فَرَمَيْتُ بِهِ آخَرَ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ أخَذْتُهُ أعْرِفُهُ، فَرَمَيْتُ بِهِ آخَرَ فَقَتَلْتُهُ، فَهَبَطُوا مِن مَكانِهِمْ، فَقُلْتُ: هَذا سَهْمٌ مُبارَكٌ، فَجَعَلْتُهُ في كِنانَتِي، فَكانَ عِنْدَ سعد حَتّى ماتَ، ثُمَّ كانَ عِنْدَ بَنِيهِ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أبي حازم، أنَّهُ سُئِلَ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقالَ: «واللَّهِ إنِّي لَأعْرِفُ مَن كانَ يَغْسِلُ جُرْحَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ومَن كانَ يَسْكُبُ الماءَ، وبِما دُووِيَ، كانَتْ فاطمة ابْنَتُهُ تَغْسِلُهُ، وعَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ يَسْكُبُ الماءَ بِالمِجَنِّ، فَلَمّا رَأتْ فاطمة أنَّ الماءَ لا يَزِيدُ الدَّمَ إلّا كَثْرَةً، أخَذَتْ قِطْعَةً مِن حَصِيرٍ، فَأحْرَقَتْها، فَألْصَقَتْها فاسْتَمْسَكَ الدَّمُ».
وَفِي " الصَّحِيحِ ": «أنَّهُ كُسِرَتْ رَباعِيَتُهُ، وشُجَّ في رَأْسِهِ، فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدَّمَ عَنْهُ، ويَقُولُ: " كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا وجْهَ نَبِيِّهِمْ، وكَسَرُوا رَباعِيَتَهُ، وهو يَدْعُوهم "، فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أوْ يُعَذِّبَهم فَإنَّهم ظالِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٨]» [آل عمران: ١٢٨].
وَلَمّا انْهَزَمَ النّاسُ لَمْ يَنْهَزِمْ أنس بن النضر، وقالَ: (اللَّهُمَّ إنِّي أعْتَذِرُ إلَيْكَ مِمّا صَنَعَ هَؤُلاءِ - يَعْنِي المُسْلِمِينَ - وأبْرَأُ إلَيْكَ مِمّا صَنَعَ هَؤُلاءِ - يَعْنِي المُشْرِكِينَ - ثُمَّ تَقَدَّمَ، فَلَقِيَهُ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ، فَقالَ: أيْنَ يا أبا عمر؟ فَقالَ أنس: واهًا لِرِيحِ الجَنَّةِ يا سعد، إنِّي أجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ، ثُمَّ مَضى، فَقاتَلَ القَوْمَ حَتّى قُتِلَ، فَما عُرِفَ حَتّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِبَنانِهِ وبِهِ بِضْعٌ وثَمانُونَ ما بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ، وضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ، ورَمْيَةٍ بِسَهْمٍ).
وانْهَزَمَ المُشْرِكُونَ أوَّلَ النَّهارِ كَما تَقَدَّمَ، فَصَرَخَ فِيهِمْ إبْلِيسُ! أيْ عِبادَ اللَّهِ، أخْزاكُمُ اللَّهُ، فارْجِعُوا مِنَ الهَزِيمَةِ، فاجْتَلِدُوا.
«وَنَظَرَ حذيفة إلى أبِيهِ، والمُسْلِمُونَ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ، وهم يَظُنُّونَهُ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَقالَ: أيْ عِبادَ اللَّهِ! أبِي، فَلَمْ يَفْهَمُوا قَوْلَهُ حَتّى قَتَلُوهُ، فَقالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، فَأرادَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أنْ يَدِيَهُ، فَقالَ قَدْ تَصَدَّقْتُ بِدِيَتِهِ عَلى المُسْلِمِينَ، فَزادَ ذَلِكَ حذيفة خَيْرًا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ».
«وَقالَ زَيْدُ بْنُ ثابِتٍ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ أطْلُبُ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ، فَقالَ لِي: إنْ رَأيْتَهُ فَأقْرِئْهُ مِنِّي السَّلامَ، وقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قالَ: فَجَعَلْتُ أطُوفُ بَيْنَ القَتْلى فَأتَيْتُهُ، وهو بِآخِرِ رَمَقٍ، وفِيهِ سَبْعُونَ ضَرْبَةً، ما بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ، وضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ، ورَمْيَةٍ بِسَهْمٍ، فَقُلْتُ: يا سعد، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ، ويَقُولُ لَكَ: أخْبِرْنِي كَيْفَ تَجِدُكَ؟ فَقالَ: وعَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ السَّلامُ، قُلْ لَهُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أجِدُ رِيحَ الجَنَّةِ، وقُلْ لِقَوْمِيَ الأنْصارِ: لا عُذْرَ لَكم عِنْدَ اللَّهِ إنْ خُلِصَ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وفِيكم عَيْنٌ تَطْرِفُ، وفاضَتْ نَفْسُهُ مِن وقْتِهِ».
«وَمَرَّ رَجُلٌ مِنَ المُهاجِرِينَ بِرَجُلٍ مِنَ الأنْصارِ، وهو يَتَشَحَّطُ في دَمِهِ، فَقالَ: يا فُلانُ أشَعَرْتَ أنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ؟ فَقالَ الأنْصارِيُّ: إنْ كانَ مُحَمَّدٌ قَدْ قُتِلَ، فَقَدْ بَلَّغَ، فَقاتِلُوا عَنْ دِينِكُمْ، فَنَزَلَ: ﴿وَما مُحَمَّدٌ إلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [آل عمران: ١٤٤]» الآيَةَ [آل عمران: ١٤٢].
وَقالَ «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو بْنِ حَرامٍ: رَأيْتُ في النَّوْمِ قَبْلَ أُحُدٍ، مبشر بن عبد المنذر، يَقُولُ لِي: أنْتَ قادِمٌ عَلَيْنا في أيّامٍ، فَقُلْتُ: وأيْنَ أنْتَ؟ فَقالَ: في الجَنَّةِ نَسْرَحُ فِيها كَيْفَ نَشاءُ. قُلْتُ لَهُ: ألَمْ تُقْتَلْ يَوْمَ بَدْرٍ؟ قالَ: بَلى ثُمَّ أُحْيِيتُ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: هَذِهِ الشَّهادَةُ يا أبا جابر».
«وَقالَ خيثمة أبو سعد، وكانَ ابْنُهُ اسْتُشْهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في يَوْمِ بَدْرٍ: (لَقَدْ أخْطَأتْنِي وقْعَةُ بَدْرٍ، وكُنْتُ واللَّهِ عَلَيْها حَرِيصًا، حَتّى ساهَمْتُ ابْنِي في الخُرُوجِ، فَخَرَجَ سَهْمُهُ، فَرُزِقَ الشَّهادَةَ، وقَدْ رَأيْتُ البارِحَةَ ابْنِي في النَّوْمِ في أحْسَنِ صُورَةٍ يَسْرَحُ في ثِمارِ الجَنَّةِ وأنْهارِها، ويَقُولُ: الحَقْ بِنا تُرافِقْنا في الجَنَّةِ، فَقَدْ وجَدْتُ ما وعَدَنِي رَبِّي حَقّا، وقَدْ واللَّهِ يا رَسُولَ اللَّهِ أصْبَحْتُ مُشْتاقًا إلى مُرافَقَتِهِ في الجَنَّةِ، وقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي، ورَقَّ عَظْمِي، وأحْبَبْتُ لِقاءَ رَبِّي، فادْعُ اللَّهَ يا رَسُولَ اللَّهِ أنْ يَرْزُقَنِي الشَّهادَةَ، ومُرافَقَةَ سعد في الجَنَّةِ، فَدَعا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِذَلِكَ، فَقُتِلَ بِأُحُدٍ شَهِيدًا».
وَقالَ عبد الله بن جحش في ذَلِكَ اليَوْمِ: (اللَّهُمَّ إنِّي أُقْسِمُ عَلَيْكَ أنْ ألْقى العَدُوَّ غَدًا فَيَقْتُلُونِي، ثُمَّ يَبْقُرُوا بَطْنِي، ويَجْدَعُوا أنْفِي، وأُذُنِي، ثُمَّ تَسْألُنِي: فِيمَ ذَلِكَ فَأقُولُ فِيكَ).
«وَكانَ عَمْرُو بْنُ الجَمُوحِ أعْرَجَ شَدِيدَ العَرَجِ، وكانَ لَهُ أرْبَعَةُ بَنِينَ شَبابٌ، يَغْزُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إذا غَزا، فَلَمّا تَوَجَّهَ إلى أُحُدٍ، أرادَ أنْ يَتَوَجَّهَ مَعَهُ، فَقالَ لَهُ بَنُوهُ: إنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ لَكَ رُخْصَةً، فَلَوْ قَعَدْتَ ونَحْنُ نَكْفِيكَ، وقَدْ وضَعَ اللَّهُ عَنْكَ الجِهادَ. فَأتى عَمْرُو بْنُ الجَمُوحِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقالَ يا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ بَنِيَّ هَؤُلاءِ يَمْنَعُونِي أنْ أخْرُجَ مَعَكَ، وواللَّهِ إنِّي لَأرْجُو أنْ أُسْتَشْهَدَ فَأطَأ بِعَرْجَتِي هَذِهِ في الجَنَّةِ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أمّا أنْتَ فَقَدْ وضَعَ اللَّهُ عَنْكَ الجِهادَ وقالَ لِبَنِيهِ: " وما عَلَيْكم أنْ تَدَعُوهُ، لَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ أنْ يَرْزُقَهُ الشَّهادَةَ)، فَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا».
(وانْتَهى أنس بن النضر إلى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ، وطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ في رِجالٍ مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ، وقَدْ ألْقَوْا بِأيْدِيهِمْ، فَقالَ: ما يُجْلِسُكُمْ؟، فَقالُوا: قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقالَ: فَما تَصْنَعُونَ بِالحَياةِ بَعْدَهُ؟ فَقُومُوا فَمُوتُوا عَلى ما ماتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ القَوْمَ، فَقاتَلَ حَتّى قُتِلَ).
«وَأقْبَلَ أبي بن خلف عَدُوُّ اللَّهِ، وهو مُقَنَّعٌ في الحَدِيدِ، يَقُولُ: لا نَجَوْتُ إنْ نَجا مُحَمَّدٌ، وكانَ حَلَفَ بِمَكَّةَ أنْ يَقْتُلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فاسْتَقْبَلَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَقُتِلَ مصعب، وأبْصَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تَرْقُوَةَ أبي بن خلف مِن فُرْجَةٍ بَيْنَ سابِغَةِ الدِّرْعِ والبَيْضَةِ، فَطَعَنَهُ بِحَرْبَتِهِ، فَوَقَعَ عَنْ فَرَسِهِ، فاحْتَمَلَهُ أصْحابُهُ، وهو يَخُورُ خُوارَ الثَّوْرِ، فَقالُوا: ما أجْزَعَكَ؟ إنَّما هو خَدْشٌ، فَذَكَرَ لَهم قَوْلَ النَّبِيِّ ﷺ: (بَلْ أنا أقْتُلُهُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى)، فَماتَ بِرابِغٍ».
قالَ ابْنُ عُمَرَ: (إنِّي لَأسِيرُ بِبَطْنِ رابِغٍ بَعْدَ هَوِيٍّ مِنَ اللَّيْلِ، إذا نارٌ تَأجَّجُ لِي فَيَمَّمْتُها، وإذا رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنها في سِلْسِلَةٍ يَجْتَذِبُها يَصِيحُ العَطَشَ، وإذا رَجُلٌ يَقُولُ: لا تَسْقِهِ هَذا قَتِيلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، هَذا أبي بن خلف).
وَقالَ نافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنَ المُهاجِرِينَ يَقُولُ: شَهِدْتُ أُحُدًا، فَنَظَرْتُ إلى النَّبْلِ يَأْتِي مِن كُلِّ ناحِيَةٍ، ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ وسَطَها، كُلُّ ذَلِكَ يُصْرَفُ عَنْهُ، ولَقَدْ رَأيْتُ عبد الله بن شهاب الزهري، يَقُولُ يَوْمَئِذٍ: دُلُّونِي عَلى مُحَمَّدٍ، لا نَجَوْتُ إنْ نَجا، ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى جَنْبِهِ ما مَعَهُ أحَدٌ، ثُمَّ جاوَزَهُ، فَعاتَبَهُ في ذَلِكَ صفوان، فَقالَ: واللَّهِ ما رَأيْتُهُ، أحْلِفُ بِاللَّهِ، إنَّهُ مِنّا مَمْنُوعٌ، فَخَرَجْنا أرْبَعَةً، فَتَعاهَدْنا، وتَعاقَدْنا عَلى قَتْلِهِ، فَلَمْ نَخْلُصْ إلى ذَلِكَ.
«وَلَمّا مَصَّ مالك أبو أبي سعيد الخدري جُرْحَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتّى أنْقاهُ قالَ لَهُ: " مُجَّهُ "، قالَ: واللَّهِ لا أمُجُّهُ أبَدًا ثُمَّ أدْبَرَ. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: " مَن أرادَ أنْ يَنْظُرَ إلى رَجُلٍ مِن أهْلِ الجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إلى هَذا».
* (موعظة)
إذا تكلم من يريد الدنيا بكلامه فإنه كلما حفر في قليب قلبه وأمعن في الاستنباط انهار عليه تراب الطمع فطمه.
إذا رأيت سربال الدنيا قد تقلص عنك فاعلم أنه لطف بك، لأن المنعم لم يقبضه بخلا أن يتمزق ولكن رفقا بالساعي أن يتعثر.
{"ayah":"وَلَقَدۡ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥۤ إِذۡ تَحُسُّونَهُم بِإِذۡنِهِۦۖ حَتَّىٰۤ إِذَا فَشِلۡتُمۡ وَتَنَـٰزَعۡتُمۡ فِی ٱلۡأَمۡرِ وَعَصَیۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَاۤ أَرَىٰكُم مَّا تُحِبُّونَۚ مِنكُم مَّن یُرِیدُ ٱلدُّنۡیَا وَمِنكُم مَّن یُرِیدُ ٱلۡـَٔاخِرَةَۚ ثُمَّ صَرَفَكُمۡ عَنۡهُمۡ لِیَبۡتَلِیَكُمۡۖ وَلَقَدۡ عَفَا عَنكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق