الباحث القرآني
﴿وَلَقَدۡ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥۤ إِذۡ تَحُسُّونَهُم بِإِذۡنِهِۦۖ حَتَّىٰۤ إِذَا فَشِلۡتُمۡ وَتَنَـٰزَعۡتُمۡ فِی ٱلۡأَمۡرِ وَعَصَیۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَاۤ أَرَىٰكُم مَّا تُحِبُّونَۚ مِنكُم مَّن یُرِیدُ ٱلدُّنۡیَا وَمِنكُم مَّن یُرِیدُ ٱلۡـَٔاخِرَةَۚ ثُمَّ صَرَفَكُمۡ عَنۡهُمۡ لِیَبۡتَلِیَكُمۡۖ وَلَقَدۡ عَفَا عَنكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ١٥٢﴾ - نزول الآية
١٤٩٨٦- عن عروة بن الزبير -من طريق أبي الأسود- قال: كان اللهُ وعدهم على الصبر والتقوى أن يُمِدَّهم بخمسة آلاف من الملائكة مُسومين، وكان قد فعل، فلمّا عَصَوْا أمرَ الرسول ﷺ، وتركوا مصافَّهم، وتركت الرماةُ عهدَ الرسول إليهم أن لا يبرحوا منازلهم، وأرادوا الدنيا؛ رُفِع عنهم مددُ الملائكة، وأنزل الله: ﴿ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه﴾. فصدق الله وعدَه، وأراهم الفتح، فلمّا عَصَوْا أعقبهم البلاء[[أخرج البيهقي في الدلائل ٣/٢٥٦.]]. (٤/٦٠)
١٤٩٨٧- عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبْزى -من طريق جعفر- في قوله: ﴿حتى إذا فشلتم﴾، قال: كان وضع خمسين رجلًا مِن أصحابه، عليهم عبد الله أخو خَوّات، فجعلهم بإزاء خالد بن الوليد على خيل المشركين، فلمّا هزم رسولُ الله ﷺ الناسَ قال نصفُ أولئك: نذهب حتى نلحق بالناس، ولا تفوتنا الغنائم. وقال بعضُهم: قد عهِد إلينا رسولُ الله ﷺ أن لا نَرِيمَ[[لا نَرِيمَ: لا نبرح. النهاية (ريم).]] حتى يُحْدِث إلينا، فلما رأى خالدُ بن الوليد رِقَّتَهم حمل عليهم، فقاتلوا خالدًا حتى ماتوا رِبْضَةً[[رِبْضَةً: جماعة قتلوا في بقعة واحدة. النهاية (ربض).]]؛ فأنزل الله فيهم: ﴿ولقد صدقكم الله وعده﴾ إلى قوله: ﴿وعصيتم﴾. فجعل أولئك الذين انصرفوا عصاةً[[أخرجه ابن المنذر (١٠٥٦). وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (٤/٦٨)
١٤٩٨٨- عن الحسن البصري -من طريق مبارك- في قوله: ﴿ثم صرفكم عنهم﴾، قال: صرف القوم عنهم، فقُتِل من المسلمين بعِدَّةِ مَن أُسِرُوا يوم بدر، وقُتِل عمُّ رسول الله ﷺ، وكُسِرَتْ رَباعِيَته، وشُجَّ في وجهه، فقالوا: أليس كان رسولُ الله ﷺ وعدنا النصر. فأنزل الله: ﴿ولقد صدقكم الله وعده﴾ إلى قوله: ﴿ولقد عفا عنكم﴾[[أخرجه ابن جرير ٦/١٤٣.]]. (٤/٧٠)
١٤٩٨٩- قال محمد بن كعب القُرَظِيِّ: لَمّا رجع رسول الله ﷺ إلى المدينة، وقد أُصِيبُوا بما أُصِيبُوا يوم أحد؛ قال ناسٌ من أصحابه: مِن أين أصابنا هذا، وقد وعدنا الله النصر؟ فأنزل الله تعالى: ﴿ولَقَد صَدَقَكُمُ اللهُ وعدَهُ﴾ الآية إلى قوله: ﴿مِنكُم مَّن يُريدُ الدُنيا﴾. يعني: الرُّماةَ الذين فعلوا ما فعلوا يوم أحد[[علَّقه الواحديُّ في أسباب النزول (ت: الفحل) ص٢٥٥.]]. (ز)
﴿وَلَقَدۡ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥۤ﴾ - تفسير
١٤٩٩٠- عن الربيع بن أنس -من طريق أبي جعفر- قوله: ﴿ولقد صدقكم الله وعده﴾، قال: وذلك يوم أحد، قال لهم: «إنّكم ستظهرون، فلا أعرِفَنَّ ما أصبتم مِن غنائمهم شيئًا حتى تفرغوا». فتركوا أمر نبي الله ﷺ، وعصوا، ووقعوا في الغنائم، ونسوا عهدَه الذي عهِدَه إليهم، وخالفوا إلى غير ما أمرهم به[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٣.]]. (ز)
١٤٩٩١- عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- في قوله: ﴿ولقد صدقكم الله وعده﴾، أي: لقد وفَيْتُ لكم بما وعدتُكم من النصر على عدوِّكم[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٣.]]. (ز)
﴿إِذۡ تَحُسُّونَهُم بِإِذۡنِهِۦۖ﴾ - تفسير
١٤٩٩٢- عن عبد الرحمن بن عوف -من طريق المِسْوَر بن مَخْرَمَة- في قوله: ﴿إذ تحسونهم بإذنه﴾، قال: الحَسُّ: القتلُ[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٤، وابن المنذر (١٠٤٥).]]. (٤/٦٧)
١٤٩٩٣- عن عبد الله بن عباس، مثله[[عزاه السيوطي إلى عَبد بن حُمَيد. وعند ابن أبي حاتم ٣/٧٨٦ حديث عبيد الله بن عبد الله الطويل مثله، وسيأتي.]]. (٤/٦٧)
١٤٩٩٤- عن عبد الله بن عباس -من طريق علي بن أبي طلحة- ﴿إذ تحسونهم﴾، قال: تقتلونهم[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٥.]]. (٤/٦٧)
١٤٩٩٥- عن عبد الله بن عباس، أنّ نافع بن الأزرق سأله عن قوله: ﴿إذ تحسونهم﴾. قال: تقتلونهم. قال: وهل تعرفُ العربُ ذلك؟ قال: نعم، أما سمعتَ قول الشاعر: ومِنّا الذي لاقى بسيف محمد فحَسَّ به الأعداء عرض العساكر[[عزاه السيوطي إلى الطستي في مسائله -كما في الإتقان ٢/٧٩-.]]. (٤/٦٧)
١٤٩٩٦- عن عبد الله بن عباس، أنّ نافع بن الأزرق قال له: أخبِرني عن قول الله: ﴿إذ تحسونهم بإذنه﴾. قال: إذ تقتلونهم. قال: وهل كانت العرب تعرفُ ذلك قبل أن ينزل الكتابُ على محمد ﷺ؟ قال: نعم، أما سمعتَ قولَ عتبة الليثي: نَحُسُّهم بالبيض حتى كأنّنا نُفَلِّقُ منهم بالجماجم حَنظَلا[[أخرجه الطبراني (١٠٥٩٧).]]. (٤/٦٧)
١٤٩٩٧- عن عبيد الله بن عبد الله -من طريق ابن وهْب- يقول في قول الله ﷿: ﴿إذ تحسونهم﴾، قال: القتل[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٣.]]. (ز)
١٤٩٩٨- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نَجِيح- ﴿إذ تحسونهم بإذنه﴾، قال: تقتلونهم[[أخرجه عبد بن حميد ص٥٩، وابن جرير ٦/١٣٤، وابن المنذر ٢/٤٣٨، والبيهقي في دلائل النبوة ٣/٢٢٨.]]. (ز)
١٤٩٩٩- عن سعيد بن عبدالرحمن بن أبْزى، مثله[[علَّقه ابن المنذر ٢/٤٣٨.]]. (ز)
١٥٠٠٠- عن الحسن البصري -من طريق مبارك- ﴿إذ تحسونهم بإذنه﴾، يعني: القتل[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٥. وذكره يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين ١/٣٢٥-، وعبد بن حميد ص٥٩.]]. (ز)
١٥٠٠١- عن قتادة بن دِعامة -من طريق مَعْمَر- في قوله تعالى: ﴿إذ تحسونهم﴾، يقول: إذ تقتلونهم[[أخرجه عبد الرزاق ١/١٣٥، وابن جرير ٦/١٣٤، كذلك من طريق سعيد. وعلَّقه ابن المنذر ٢/٤٣٨.]]. (ز)
١٥٠٠٢- عن إسماعيل السدي -من طريق أسباط- ﴿ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه﴾، يقول: تقتلونهم[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٥.]]. (ز)
١٥٠٠٣- عن أبي رَوْق -من طريق بِشْر بن عمارة- في قوله: ﴿إذ تحسونهم بإذنه﴾، قال: السيف[[أخرجه ابن أبي حاتم ٣/٧٨٥.]]. (ز)
١٥٠٠٤- عن الربيع بن أنس -من طريق أبي جعفر- ﴿إذ تحسونهم بإذنه﴾، قال: والحَسُّ: القتلُ[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٥.]]. (ز)
١٥٠٠٥- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه﴾، يعني: تقتلونهم بإذنه يوم أحد، ولكم النصر عليهم[[تفسير مقاتل ١/٣٠٦.]]. (ز)
١٥٠٠٦- عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- في قوله: ﴿إذ تحسونهم بإذنه﴾، قال: بالسيوف. أي: القتل بإذني، وتسليطي أيديَكم عليهم، وكَفِّي أيديَهم عنكم[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٥، وابن أبي حاتم ٣/٧٨٦.]]. (ز)
﴿حَتَّىٰۤ إِذَا فَشِلۡتُمۡ﴾ - تفسير
١٥٠٠٧- عن عبد الله بن عباس -من طريق ابن جُرَيْج- ﴿حتى إذا فشلتم﴾، قال: الفَشَلُ: الجُبْنُ[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٨، وابن المنذر (١٠٥٢).]]. (٤/٦٨)
١٥٠٠٨- عن عبد الله بن عباس -من طريق عطية العوفي-: فكان فشلًا حين تنازعوا بينهم[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٧.]]. (٤/٦٠)
١٥٠٠٩- عن الربيع بن أنس -من طريق أبي جعفر- ﴿حتى إذا فشلتم﴾، يقول: جَبُنتم عن عدوِّكم[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٧، وابن أبي حاتم ٣/٧٨٦.]]. (٤/٦٨)
١٥٠١٠- وعن قتادة بن دِعامة، نحو ذلك[[علَّقه ابن المنذر ٢/٤٤٢، وابن أبي حاتم ٣/٧٨٦.]]. (ز)
١٥٠١١- قال مقاتل بن سليمان: ﴿حتى إذا فشلتم﴾، يعني: ضعُفْتُم عن ترك المركز[[تفسير مقاتل ١/٣٠٦.]]. (ز)
١٥٠١٢- عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- ﴿حتى إذا فشلتم﴾، أي: تخاذلتم[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٨، وابن أبي حاتم ٣/٧٨٦، وابن المنذر ٢/٤٤٢ من طريق زياد.]]. (ز)
﴿وَتَنَـٰزَعۡتُمۡ فِی ٱلۡأَمۡرِ﴾ - تفسير
١٥٠١٣- عن قتادة بن دِعامة -من طريق سعيد- ﴿حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر﴾، أي: اختلفتم في الأمر[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٦.]]. (ز)
١٥٠١٤- عن الربيع بن أنس -من طريق أبي جعفر- ﴿وتنازعتم في الأمر﴾، يقول: اختلفتم[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٧، وابن أبي حاتم ٣/٧٨٦.]]. (٤/٦٨)
١٥٠١٥- قال مقاتل بن سليمان: ﴿وتنازعتم في الأمر وعصيتم﴾، كان تنازعُهم أنّه قال بعضُهم: ننطلق فنصيب الغنائم. وقال بعضُهم: لا نبرحُ المركزَ، كما أمرنا رسولُ الله ﷺ[[تفسير مقاتل ١/٣٠٧.]]. (ز)
١٥٠١٦- عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- ﴿وتنازعتم في الأمر﴾، أي: اختلفتُم في أمري[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٨، وابن أبي حاتم ٣/٧٨٦، ٧٨٨ ما عدا آخره، وابن المنذر ٢/٤٤٢ من طريق زياد.]]. (ز)
﴿وَعَصَیۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَاۤ أَرَىٰكُم مَّا تُحِبُّونَۚ﴾ - تفسير
١٥٠١٧- عن عبد الله بن عباس -من طريق عطية العوفي- ﴿وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون﴾، قال: كانوا قد رَأَوُا الفتحَ، والغنيمةَ[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٧، وابن أبي حاتم ٣/٧٨٨.]]. (٤/٦٠)
١٥٠١٨- عن البراء بن عازب -من طريق أبي إسحاق- ﴿من بعد ما أراكم ما تحبون﴾، قال: الغنائم، وهزيمة القوم[[أخرجه ابن المنذر (١٠٥٩).]]. (٤/٦٩)
١٥٠١٩- عن مجاهد بن جَبْر -من طريق ابن أبي نَجِيح- ﴿وعصيتم﴾ قال: يعني بالمعصية: إقبال مَن أقبل منهم على المغنم ﴿من بعد ما أراكم ما تحبون﴾ قال: نصر الله المؤمنين على المشركين؛ حتّى ركِب نساءُ المشركين على كُلِّ صَعْبٍ وذَلُولٍ، ثُمَّ أُديل عليهم المشركون بمعصيتهم للنبي ﷺ[[أخرجه البيهقي في دلائل النبوة ٣/٢٢٨ وزاد في آخره: حتى حصبهم النبي ﷺ، وابن أبي حاتم ٣/٧٨٨ دون أوله. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (٤/٦٩)
١٥٠٢٠- عن الحسن البصري -من طريق المبارك- ﴿من بعد ما أراكم ما تحبون﴾، يعني: مِن الفتح[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٨.]]. (ز)
١٥٠٢١- عن قتادة بن دِعامة -من طريق سعيد- ﴿وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون﴾، قال: وذاكم يوم أحد، عهِد إليهم نبيُّ اللهِ ﷺ، وأمَرَهم بأَمْرٍ، فنسَوُا العهدَ، وجاوزوا، وخالفوا ما أمرهم نبيُّ الله ﷺ، فصرف عليهم عدوَّهم بعد ما أراهم مِن عدوِّهم ما يُحِبُّون[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٦.]]. (ز)
١٥٠٢٢- عن إسماعيل السدي -من طريق أسباط- ﴿من بعد ما أراكم ما تحبون﴾، قال: مِن الفتح[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٨، وابن أبي حاتم ٣/٧٨٨.]]. (ز)
١٥٠٢٣- عن الربيع بن أنس -من طريق أبي جعفر- ﴿وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون﴾، قال: وذلك يوم أحد، قال لهم: «إنّكم ستظهرون؛ فلا أعرِفَنَّ ما أصبتُم من غنائمهم شيئًا حتى تفرغوا». فتركوا أمرَ النبيِّ ﷺ، وعَصَوْا، ووقعوا في الغنائم، ونسوا عهده الذي عهده إليهم، وخالفوا إلى غير ما أمرهم به؛ فانصرف عليهم عدوُّهم من بعد ما أراهم فيهم ما يُحِبُّون[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٧، وابن أبي حاتم ٣/٧٨٦.]]. (٤/٦٨)
١٥٠٢٤- قال مقاتل بن سليمان: ﴿من بعد ما أراكم ما تحبون﴾ مِن النصر على عدوِّكم، فقُتِل أصحابُ الألْوِيَةِ مِن المشركين[[تفسير مقاتل ١/٣٠٧.]]. (ز)
١٥٠٢٥- عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- ﴿وعصيتم﴾ أي: تركتم أمرَ نبيِّكم ﷺ وما عَهِد إليكم. يعني: الرماة ﴿من بعد ما أراكم ما تحبون﴾ أي: الفتح لا شكَّ فيه، وهزيمة القوم عن نسائهم وأموالهم[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٨، وابن أبي حاتم ٣/٧٨٦، ٧٨٨ ما عدا آخره، وابن المنذر ٢/٤٤٢ من طريق زياد.]]. (ز)
﴿مِنكُم مَّن یُرِیدُ ٱلدُّنۡیَا وَمِنكُم مَّن یُرِیدُ ٱلۡـَٔاخِرَةَۚ﴾ - نزول الآية
١٥٠٢٦- عن عبد الله بن مسعود -من طريق السدي، عن عبد خير- قال: ما كنت أرى أنّ أحدًا مِن أصحاب رسول الله ﷺ يريد الدنيا، حتّى نزلت فينا يومَ أحد: ﴿منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة﴾[[أخرجه أحمد ٧/٤١٨-٤١٩، وابن أبي شيبة ١٤/٤٠٢، وابن جرير ٦/١٤١-١٤٢، وابن أبي حاتم ٣/٧٨٨، والطبراني في الأوسط (١٣٩٩)، والبيهقي في الدلائل ٣/٢٢٨. قال محققو المسند: «حسن لغيره».]]. (٤/٧٠)
١٥٠٢٧- عن عبد الله بن عباس -من طريق ابن جُرَيْج- قال: لَمّا هزم اللهُ المشركين يوم أُحُدٍ قال الرُّماةُ: أدرِكوا الناسَ ونبيَّ الله ﷺ؛ لا يسبِقُوكم إلى الغنائم، فتكون لهم دونَكم. وقال بعضُهم: لا نَرِيمُ حتى يأذن لنا النبيُّ ﷺ. فنزلت: ﴿منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة﴾. قال ابن جُرَيْج: قال ابنُ مسعود: ما علمنا أنّ أحدًا مِن أصحاب النبي ﷺ كان يريدُ الدنيا وعرضَها حتى كان يومئذ[[أخرجه ابن جرير ٦/١٤٠-١٤١، وابن أبي حاتم ٣/٧٨٨ من طريق العوفي مختصرًا دون ذكر النزول.]]. (٤/٦٩)
١٥٠٢٨- عن الضَّحّاك بن مُزاحِم -من طريق عبيد- قال: إنّ نبي الله ﷺ أمَرَ يوم أحد طائفةً من المسلمين، فقال: «كونوا مَسْلَحَةً[[مَسْلَحَةً للناس: حُرّاسا للناس من هجمات العدو، وكانوا على جبل الرماة. النهاية (سلح).]] للناس». بمنزلة أمرِهم أن يثبتوا بها، وأمرَهم أن لا يبرَحوا مكانهم حتى يأذن لهم. فلَمّا لقِيَ نبيُّ الله ﷺ يوم أحد أبا سفيان ومَن معه من المشركين هزمهم نبيُّ الله ﷺ، فلَمّا رأى المَسْلَحَةُ أنّ الله هزم المشركين انطلق بعضُهم وهُم يتنادَوْن: الغنيمةَ، الغنيمةَ، لا تَفُتْكم. وثبَت بعضُهم مكانَهم، وقالوا: لا نَرِيمُ موضعَنا حتى يأذن لنا نبيُّ الله ﷺ. ففي ذلك نزل: ﴿منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة﴾. فكان ابنُ مسعود يقول: ما شعرتُ أنّ أحدًا مِن أصحاب النبيِّ ﷺ كان يريدُ الدنيا وعرضَها حتى كان يومُ أحد[[أخرجه ابن جرير ٦/١٤٠.]]. (٤/٦٩)
﴿مِنكُم مَّن یُرِیدُ ٱلدُّنۡیَا وَمِنكُم مَّن یُرِیدُ ٱلۡـَٔاخِرَةَۚ﴾ - تفسير الآية
١٥٠٢٩- عن عبد الله بن عباس -من طريق عطية العوفي- قوله: ﴿منكم من يريد الدنيا﴾ للذين أرادوا الغنيمة، ﴿ومنكم من يريد الآخرة﴾ للذين قالوا: نطيع رسولَ الله ﷺ، ونثبتُ مكاننا. فقُتِلوا، فكان فشلًا حين تنازعوا بينهم[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٧، ١٤٠، وابن أبي حاتم ٣/٧٨٨، ٧٨٩.]]. (٤/٦٠)
١٥٠٣٠- عن الحسن البصري -من طريق المبارك- ﴿منكم من يريد الدنيا﴾ هؤلاء الذين يَحِيزُون الغنائم، ﴿ومنكم من يريد الآخرة﴾ الذين يتبعونهم يقتلونهم[[أخرجه ابن جرير ٦/١٤١.]]. (ز)
١٥٠٣١- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- ﴿منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة﴾، قال: فالذين انطلقوا يريدون الغنيمة هم أصحاب الدنيا، والذين بقوا وقالوا: لا نُخالِف قولَ رسول الله ﷺ. أرادوا الآخرة[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٩.]]. (ز)
١٥٠٣٢- قال مقاتل بن سليمان: ﴿منكم من يريد الدنيا﴾ الذين طلبوا الغنيمة، ﴿ومنكم من يريد الآخرة﴾ الذين ثبتوا في المركز حتى قتلوا[[تفسير مقاتل ١/٣٠٧.]]. (ز)
١٥٠٣٣- عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- ﴿منكم من يريد الدنيا﴾ أي: الذين أرادوا النَّهْبَ رغبة في الدنيا، وتَرْكَ ما أمروا به من الطاعة التي عليها ثواب الآخرة، ﴿ومنكم من يريد الآخرة﴾ أي: الذين جاهدوا في الله، لم يخالفوا إلى ما نُهُوا عنه لعَرَضٍ من الدنيا؛ رغبةً في رجاءِ ما عند الله مِن حسن ثوابه في الآخرة[[أخرجه ابن جرير ٦/١٤٢، وابن أبي حاتم ٣/٧٨٩، وابن المنذر ٢/٤٤٥ من طريق زياد.]]. (ز)
﴿ثُمَّ صَرَفَكُمۡ عَنۡهُمۡ لِیَبۡتَلِیَكُمۡۖ﴾ - تفسير
١٥٠٣٤- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط-، قال: ثُمَّ ذكر حين مال عليهم خالدُ بن الوليد: ﴿ثم صرفكم عنهم ليبتليكم﴾[[أخرجه ابن جرير ٦/١٤٢، وابن أبي حاتم ٣/٧٨٩.]]. (ز)
١٥٠٣٥- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ثم صرفكم عنهم﴾ من بعد أن أظفركم عليهم؛ ليبتليكم بالقتل والهزيمة[[تفسير مقاتل ١/٣٠٧.]]. (ز)
١٥٠٣٦- عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- ﴿ثم صرفكم عنهم ليبتليكم﴾، أي: صرفكم عنهم ليختبركم، وذلك ببعض ذنوبكم[[أخرجه ابن جرير ٦/١٤٣، وابن أبي حاتم ٣/٧٨٩، وابن المنذر ٢/٤٤٦ من طريق زياد.]]. (ز)
﴿وَلَقَدۡ عَفَا عَنكُمۡۗ﴾ - تفسير
١٥٠٣٧- عن الحسن البصري -من طريق مبارك- في قوله: ﴿ولقد عفا عنكم﴾، قال: يقول الله: قد عفوتُ عنكم إذ عصيتموني أن لا أكون استأصلتُكم. ثم يقول الحسن: هؤلاء مع رسول الله ﷺ، وفي سبيل الله، غِضابٌ لله، يُقاتِلُون أعداءَ الله، نُهُوا عن شيء فضيَّعُوه، فواللهِ، ما تُرِكُوا حتى غُمُّوا بهذا الغمِّ؛ قُتِل منهم سبعون، وقُتِل عمُّ رسول الله ﷺ، وكُسِرَتْ رَباعِيَتُه، وشُجَّ في وجهه! فأفسقُ الفاسقين اليومَ يتجرَّأُ على كل كبيرة، ويَرْكَبُ كُلَّ داهية، ويسحب عليها ثيابَه، ويزعم أن لا بأس عليه، فسوف يعلم![[أخرجه ابن جرير ٦/١٤٤، وابن أبي حاتم ٣/٧٨٩ مختصرًا.]]. (٤/٧١)
١٥٠٣٨- قال محمد بن السائب الكلبي، في قوله: ﴿ولقد عفا عنكم﴾، يعني: تجاوز عنكم؛ فلم يؤاخذكم بذنبكم[[تفسير الثعلبي ٣/١٨٥.]]. (ز)
١٥٠٣٩- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ولقد عفا عنكم﴾ حيث لم تُقْتَلُوا جميعًا عقوبةً بمعصيتكم[[تفسير مقاتل ١/٣٠٧.]]. (ز)
١٥٠٤٠- عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- ﴿ولقد عفا عنكم﴾، قال: ولقد عفا الله عن عظيم ذلك، لم يهلككم بما أتَيْتُم من معصية نبيِّكم ﷺ، ولكن عُدتُ بفضلي عليكم[[أخرجه ابن جرير ٦/١٤٤، وابن أبي حاتم ٣/٧٩٠، وابن المنذر ٢/٤٤٧-٤٤٨ من طريق زياد.]]. (ز)
١٥٠٤١- عن عبد الملك ابن جُرَيْج -من طريق ابن ثور- في قوله: ﴿ولقد عفا عنكم﴾، قال: إذ لم يستأصلكم[[أخرجه ابن جرير ٦/١٤٤، وابن المنذر ٢/٤٤٨.]]. (٤/٧١)
﴿وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ١٥٢﴾ - تفسير
١٥٠٤٢- قال مقاتل بن سليمان: ﴿والله ذو فضل﴾ في عقوبته ﴿على المؤمنين﴾حيث لم يُقْتَلُوا جميعًا[[تفسير مقاتل ١/٣٠٧.]]. (ز)
١٥٠٤٣- عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- ﴿والله ذو فضل على المؤمنين﴾، أي: لقد وفَّيْتُ لكم بما وعدتُكم مِن النصر على عدوِّكم[[أخرجه ابن أبي حاتم ٣/٧٩٠.]]. (ز)
١٥٠٤٤- عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- ﴿والله ذو فضل على المؤمنين﴾، يقول: وكذلك مَنَّ الله على المؤمنين أن عاقبهم ببعض الذنوب في عاجل الدنيا، أدبًا وموعظةً، فإنّه غيرُ مُسْتَأْصِلٍ لكلِّ ما فيهم مِن الحقِّ له عليهم، لِما أصابوا مِن معصيته؛ رحمةً لهم، وعائِدةً عليهم، لِما فيهم من الإيمان[[أخرجه ابن جرير ٦/١٤٥، وابن المنذر ٢/٤٤٧-٤٤٨ من طريق زياد.]]. (ز)
﴿وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ١٥٢﴾ - بسط قصة الآية
١٥٠٤٥- عن عبد الله بن مسعود -من طريق الشعبي- قال: إنّ النساء كُنَّ يوم أحد خَلْفَ المسلمين، يُجْهِزْنَ على جرحى المشركين، فلو حلفتُ يومئذٍ رجوتُ أن أبَرَّ: إنّه ليس أحدٌ مِنّا يُرِيد الدنيا، حتى أنزل الله: ﴿منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة﴾. فلَمّا خالف أصحابُ النبي ﷺ، وعَصَوْا ما أُمِرُوا به؛ أُفْرِدَ رسولُ الله ﷺ في تسعةٍ؛ سبعة من الأنصار، ورجلين من قريش، وهو عاشر، فلمّا رَهَقُوهُ[[رَهَقُوهُ: دَنَوا منه. النهاية (رهق).]] قال: «رحم اللهُ رجلًا ردَّهم عنّا». فقام رجلٌ مِن الأنصار فقاتل ساعةً حتى قُتِل، فلمّا رَهَقُوهُ أيضًا قال: «رحم الله رجلًا ردَّهم عنّا». فلم يَزَلْ يقول ذا حتى قُتِل السبعة، فقال رسول الله ﷺ لصاحبيه: «ما أنصَفْنا أصحابَنا». فجاء أبو سفيان، فقال: اعلُ، هُبَل. فقال رسول الله ﷺ: «قولوا: اللهُ أعلى وأجلُّ» فقالوا: الله أعلى وأجلُّ. فقال أبو سفيان: لنا العُزّى، ولا عُزّى لكم. فقال رسول الله ﷺ: «قولوا: اللهُ مولانا، والكافرون لا مولى لهم». ثُمَّ قال أبو سفيان: يومٌ بيوم بدر، يومٌ لنا ويومٌ علينا، ويومٌ نُساءُ ويومٌ نُسَرُّ، حنظلة بحنظلة، وفلان بفلان. فقال رسول الله ﷺ: «لا سواء؛ أمّا قتلانا فأحياءٌ يُرْزَقُون، وقتلاكم في النار يُعَذَّبون». قال أبو سفيان: قد كان في القوم مُثْلَةٌ، وإن كانت لَعَنْ غيرِ مَلَأٍ مِنّا؛ ما أمرتُ ولا نَهَيْتُ، ولا أحببتُ ولا كرِهْتُ، ولا ساءني ولا سرَّني. قال: فنظروا، فإذا حمزةُ قد بُقِرَ بطنُه، وأَخَذَتْ هندُ كَبِدَه فلاكَتْها، فلم تستطع أن تأكلها، فقال رسول الله ﷺ: «أكَلَتْ شيئًا؟». قالوا: لا. قال: «ما كان اللهُ لِيُدْخِلَ شيئًا مِن حمزةَ النارَ». فوضع رسول الله ﷺ حمزةَ، فصلّى عليه، وجيء برجل من الأنصار، فوُضِع إلى جنبه، فصلّى عليه، فرُفع الأنصاري وتُرك حمزة، ثُمَّ جيء بآخر فوضعه إلى جنب حمزة، فصلى عليه، ثم رُفع وتُرك حمزة، حتى صلّى عليه يومئذ سبعين صلاةً[[أخرجه ابن أبي شيبة ١٤/٤٠٢، وأحمد ٧/٤١٨، وابن المنذر (١٠٦٠) مختصرًا. وقال محققو المسند: «حسن لغيره». وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه؛ الشعبي لم يسمع من ابن مسعود.]]. (٤/٦٣-٦٤)
١٥٠٤٦- عن عبد الله بن عباس -من طريق عطيَّة العوفي- في قوله: ﴿ولقد صدقكم الله وعده﴾ الآية، قال: إنّ أبا سفيان أقبل في ثلاث ليال خَلَوْنَ مِن شوال حتى نزل أُحُدًا، وخرج رسول الله ﷺ فأذَّنَ في الناس فاجتمعوا، وأمَّر على الخيل الزبيرَ بن العوام، ومعه يومئذٍ المقدادُ بن الأسود الكِندِيُّ، وأعطى رسولُ الله ﷺ اللواءَ رجلًا من قريش يُقال له: مصعب بن عمير. وخرج حمزة بن عبد المطلب بالحُسَّرِ[[الحُسَّر: جمع حاسر، وهو الذي لا درع عليه ولا مغفر. النهاية (حسر).]]، وبعث حمزة بين يديه، وأقبل خالد بن الوليد على خيل المشركين ومعه عكرمة بن أبي جهل، فبعث رسول الله ﷺ الزبير، وقال: «استقبل خالد بن الوليد، فكُن بإزائه حتى أُوذِنَك». وأمر بخيلٍ أخرى فكانوا من جانب آخر، فقال: «لا تبرحوا حتى أُوذِنكم». وأقبل أبو سفيان يحملُ اللاتَ والعُزّى، فأرسل النبيُّ ﷺ إلى الزبير أن يحمِل، فحمل على خالد بن الوليد فهزمَه ومن معه، فقال: ﴿ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه﴾. وإنّ الله وعد المؤمنين أن ينصرهم، وأنّه معهم. وإنّ رسول الله ﷺ بعث ناسًا من الناس فكانوا مِن ورائهم، فقال رسول الله ﷺ: «كونوا ههنا، فرُدُّوا وجهَ مَن نَدَّ مِنّا، وكونوا حرسًا لنا مِن قِبَل ظهورنا». وإنّ رسول الله ﷺ لَمّا هزم القوم هو وأصحابه الذين كانوا جُعِلوا من ورائهم، فقال بعضُهم لبعض لَمّا رَأَوُا النساءَ مُصْعِداتٍ في الجبل، ورَأَوُا الغنائمَ: انطلقوا إلى رسول الله ﷺ، فأدرِكُوا الغنيمة قبل أن تُسْبَقُوا إليها. وقالت طائفة أخرى: بل نُطِيع رسول الله ﷺ، فنثبت مكاننا. فذلك قوله: ﴿منكم من يريد الدنيا﴾ للذين أرادوا الغنيمة، ﴿ومنكم من يريد الآخرة﴾ للذين قالوا: نطيعُ رسولَ الله ﷺ، ونثبت مكاننا. فأتَوْا محمدًا ﷺ، فكان فشلًا حين تنازعوا بينهم، يقول: ﴿وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون﴾ كانوا قد رأوا الفتح والغنيمة[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٠، ١٣١، ١٣٧، وفي تاريخه ٢/٥٠٨، ٥٠٩، وابن أبي حاتم ٣/٧٨٦، ٧٨٨، ٧٨٩.]]. (٤/٦٠)
١٥٠٤٧- عن عبد الله بن عباس -من طريق عبيد الله بن عبد الله- أنّه قال: ما نَصَرَ اللهُ نبيَّه في مَوْطِنٍ كما نصر يومَ أحد. فأنكروا ذلك! فقال ابنُ عباس: بيني وبين مَن أنكر ذلك كتابُ الله؛ إنّ الله يقول في يوم أحد: ﴿ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه﴾ يقول ابن عباس: والحَسُّ: القتلُ. ﴿حتى إذا فشلتم﴾ إلى قوله: ﴿ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين﴾ وإنّما عنى بهذا الرماة، وذلك أنّ النبيَّ ﷺ أقامهم في موضع، ثم قال: «احْمُوا ظهورَنا، فإن رأيتمونا نُقْتَلُ فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنِمنا فلا تشاركونا». فلَمّا غنِم النبيُّ ﷺ، وأباحوا عسكر المشركين؛ انكَفَأَتِ الرُّماةُ جميعًا، فدخلوا في العسكر يَنتَهِبُون، والتَفَّتْ صفوف المسلمين فهم هكذا -وشَبَّك بين يديه- والتبسوا، فلَمّا أخَلَّ الرُّماةُ تلك الخَلَّة[[أي: لما تركوا ذلك الثغر. النهاية (خلل).]] التي كانوا فيها؛ دخل الخيلُ من ذلك الموضع على الصحابة، فضرب بعضُهم بعضًا، والتبسوا، وقُتِل من المسلمين ناس كثير، وقد كان لرسول الله ﷺ وأصحابه أوَّل النهار، حتى قُتِل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة، وجال المسلمون جَوْلَةً نحو الجبل، ولم يبلغوا حيث يقول الناس: الغار. إنما كانوا تحت المِهْراس، وصاح الشيطان: قُتِل محمد. فلم يُشَكَّ فيه أنّه حقٌّ، فما زِلْنا كذلك ما نَشُكُّ أنّه قُتِل حتى طلع بين السَّعْدَيْن، نعرِفُه بتَكَفُّئِهِ إذا مشى، ففرحنا، حتى كأنّه لم يُصِبْنا ما أصابنا، فرَقِي نحونا وهو يقول: «اشْتَدَّ غضبُ اللهِ على قومٍ دَمَّوْا وجهَ نبيِّهم». ويقول مرة أخرى: «اللَّهُمَّ، إنّه ليس لهم أن يعلونا». حتى انتهى إلينا، فمكث ساعة، فإذا أبو سفيان يصيح في أسفل الجبل: اعلُ، هُبَل. اعْلُ، هُبَل. أين ابنُ أبي كَبْشَة؟ أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ فقال عمر: ألا أُجِيبُه، يا رسول الله؟ قال: «بلى». فلمّا قال: اعلُ، هُبَل. قال عمر: اللهُ أعلى وأجلُّ. فعاد، فقال: أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ فقال عمر: هذا رسولُ الله، وهذا أبو بكر، وها أنا عمر. فقال: يومٌ بيوم بدر، الأيّامُ دُوَلٌ، والحربُ سِجالٌ. فقال عمرُ: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار. قال: إنّكم لَتَزْعُمُون ذلك؛ لقد خِبْنا إذن وخسِرنا. ثُمَّ قال أبو سفيان: إنّكم ستجدون في قتلاكم مُثْلَةً، ولم يكن ذلك عن رأي سُراتِنا. ثُمَّ أدْرَكَتْهُ حَمِيَّةُ الجاهلية، فقال: أما إنّه كان ذلك ولم نكرهه[[أخرجه أحمد ٤/٣٦٨-٣٧٠، وابن المنذر (١٠٥١)، وابن أبي حاتم ٣/٧٨٦-٧٨٧، والطبراني (١٠٧٣١)، والحاكم ٢/٢٩٦-٢٩٧، والبيهقي في الدلائل ٣/٢٦٩، ٢٧١. صححه الحاكم، وقال ابن كثير في تفسيره ٢/١١٤: «هذا حديث غريب، وسياق عجيب، وهو من مرسلات ابن عباس، فإنه لم يشهد أُحُدًا ولا أبوه». وقال محققو المسند: «إسناده حسن».]]. (٤/٦١-٦٢)
١٥٠٤٨- عن البراء بن عازب -من طريق أبي إسحاق- قال: جعل رسول الله ﷺ على الرُّماةِ يوم أحد -وكانوا خمسين رجلًا- عبدَ الله بنَ جبير، ووضعهم موضِعًا، وقال: «إن رأيتمونا تَخَطَّفُنا الطيرُ فلا تبرحوا حتى أُرْسِل إليكم». فهزموهم، قال: فأنا واللهِ رأيتُ النساءَ يَشْدُدْنَ على الجبل، وقد بدت أسْوُقُهُنَّ وخلاخِلُهُنَّ، رافعات ثيابهن، فقال أصحاب عبد الله: الغنيمةَ، أيْ قومُ، الغنيمةَ، ظهر أصحابُكم فما تنتظرون؟ قال عبد الله بن جبير: أفَنَسِيتُم ما قال لكم رسول الله ﷺ؟! فقالوا: إنّا واللهِ لَنَأْتِيَنَّ الناسَ، فلَنُصِيبَنَّ من الغنيمة. فلما أتوهم صُرِفت وجوهُهم، فأقبلوا منهزمين، فذلك الذي يدعوهم الرسولُ في أخراهم، فلم يبق مع رسول الله ﷺ غير اثني عشر رجلًا، فأصابوا منا سبعين، وكان رسول الله ﷺ وأصحابه أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة؛ سبعين أسيرًا، وسبعين قتيلًا، قال أبو سفيان: أفي القوم محمد؟ ثلاثًا، فنهاهم رسول الله ﷺ أن يجيبوه. ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ مرتين. أفي القوم ابن الخطاب؟ مرتين. ثم أقبل على أصحابه، فقال: أما هؤلاء فقد قُتِلوا، وقد كُفِيتُموهم. فما ملك عمرُ نفسَه أن قال: كذبتَ، واللهِ، يا عدوَّ الله، إنّ الذين عَدَدْتَ أحياءٌ كلُّهم، وقد بقي لك ما يسوءُك. قال: يوم بيوم بدر، والحربُ سِجالٌ، إنّكم ستجدون في القوم مُثْلَةً لم آمر بها ولم تَسُؤْني. ثم أخذ يرتجز: اعلُ، هُبَل. اعْلُ، هُبَلْ. فقال رسول الله ﷺ: «ألا تُجِيبونه؟». قالوا: يا رسول الله، ما نقول؟ قال: «قولوا: اللهُ أعلى وأجلُّ». قال: إنّ لنا العُزّى، ولا عُزّى لكم. قال رسول الله ﷺ: «ألا تجيبونه؟». قالوا: يا رسول الله، وما نقول؟ قال:«قولوا: اللهُ مولانا، ولا مولى لكم»[[أخرجه أحمد ٣٠/٥٥٤-٥٥٦، ٥٦٢، والبخاري (٣٠٣٩)، والنسائي (٨٦٣٥، ١١٠٧٩)، وابن جرير ٦/١٣٠، وابن المنذر (١٠٥٠) مختصرًا، والبيهقي في الدلائل ٣/٢٦٧-٢٦٩.]]. (٤/٦٥-٦٦)
١٥٠٤٩- عن جابر بن عبد الله -من طريق أبي الزُّبَيْر مولى حكيم بن حرام- قال: انهزم الناسُ عن رسول الله ﷺ يوم أحد، وبقي معه أحد عشر رجلًا مِن الأنصار وطلحةُ بنُ عبيد الله، وهو يُصْعِد في الجبل، فلحقهم المشركون، فقال: «ألا أحدَ لهؤلاء؟». فقال طلحةُ: أنا، يا رسول الله. فقال: «كما أنتَ، يا طلحة». فقال رجل من الأنصار: فأنا، يا رسول الله. فقاتَلَ عنه، وصعِد رسول الله ﷺ ومَن بقي معه، ثُمَّ قُتِل الأنصاريُّ، فلَحِقُوه، فقال: «ألا رجلَ لهؤلاء؟». فقال طلحةُ مثلَ قوله، فقال رسول الله ﷺ مثل قوله، فقال رجلٌ من الأنصار: فأنا، يا رسول الله. [فأذن له، فقاتل مثل قتاله وقتال صاحبه، ورسول الله ﷺ] وأصحابه يصعَدون، ثم قُتل، فلحقوه، فلم يزل يقول مثل قوله الأول، ويقول طلحة: أنا، يا رسول الله. فيحبسه، فيستأذنه رجلٌ من الأنصار للقتال، فيأذن له، فيقاتل مثل مَن كان قبله، حتى لم يبق معه إلا طلحة، فَغَشُوهما، فقال رسول الله ﷺ: «مَن لهؤلاء؟». فقال طلحة: أنا. فقاتل مثلَ قتال جميع من كان قبله، وأصيبت أناملُه، فقال: حَسِّ[[حَسِّ: كلمة يقولُها الإنسان إذا أصابه ما مَضَّه وأحْرَقَه غَفْلة، كالجَمْرة والضَّرْبة ونحوهما. النهاية (حسس).]]. فقال: «لو قلتَ: بسم الله. أو ذكرتَ اسم الله؛ لرَفَعَتْك الملائكةُ -والناسُ ينظرون إليك- في جوِّ السماء». ثم صعِد رسول الله ﷺ إلى أصحابه، وهم مجتمعون[[أخرجه البيهقي في الدلائل ٣/٢٣٦.]]. (٤/٦٦-٦٧)
١٥٠٥٠- عن عبد الله بن عمر -من طريق عثمان بن مَوْهِبٍ- أنّ رجلًا جاءه، فقال: إنِّي سائلُك عن شيءٍ فحدثني، أنشُدُكَ بحرمة هذا البيت: أتعلمُ أنّ عثمان بن عفان فرَّ يوم أحد؟ قال: نعم. قال: فتعلمه تغيَّب عن بدر، فلم يشهدها؟ قال: نعم. قال: فتعلم أنّه تخلَّف عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم. فكبَّر، فقال ابنُ عمر: تعال لِأُخبرك ولِأُبيِّن لك عمّا سألتني عنه؛ أمّا فراره يوم أحد فأشهد أنّ الله عفا عنه. وأمّا تغيُّبُه عن بدرٍ فإنّه كان تحته بنت النبي ﷺ، وكانت مريضةً، فقال له رسول الله ﷺ: «إنّ لك أجرَ رجل مِمَّن شهد بدرًا وسهمَه». وأَمّا تغيُّبُه عن بيعة الرضوان، فلو كان أحدٌ أعزَّ ببطن مكة مِن عثمان لبعثه مكانه، فبعث عثمان، فكانت بيعةُ الرضوان بعدما ذهب عثمانُ إلى مكة، فقال النبيُّ ﷺ بيده اليمنى فضرب بها على يده، فقال: «هذه يدُ عثمان». اذهب بها الآنَ معك[[أخرجه البخاري (٣١٣٠، ٣٦٩٨، ٤٠٩٦).]]. (٤/٧٢)
١٥٠٥١- عن الزُّبَيْر بن العوام -من طريق ابن إسحاق- قال: واللهِ، لقد رأيتني أنظر إلى خَدَم[[الخَدَم: جمع خَدَمة، وهي الخُلخال. لسان العرب (خدم).]] هند بنت عتبة وصواحبها مُشَمِّراتٍ هوارب، ما دُون أخْذِهِنَّ قليلٌ ولا كثيرٌ، إذ مالتِ الرُّماةُ إلى العسكر حين كشفنا القومَ عنه، يُريدُون النَّهْبَ، وخَلَّوْا ظهورنا للخيل، فأُتينا مِن أدبارنا، وصرخ صارخٌ: ألا إنّ محمدًا قد قُتِل. فانكَفَأْنا، وانكَفَأَ علينا القومُ بعد أن أصبنا أصحابَ اللواء، حتى ما يدنو منه أحدٌ مِن القوم[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣٢.]]. (ز)
١٥٠٥٢- عن عبيد بن عمير -من طريق ابن جُرَيْج- قال: جاء أبو سفيان بن حرب ومن معه، حتى وقف بالشِّعب، ثم نادى: أفي القوم ابنُ أبي كبشة؟ فسكتوا، فقال أبو سفيان: قُتِل، وربِّ الكعبة. ثم قال: أفي القوم ابنُ أبي قُحافَة؟ فسكتوا، فقال: قُتِل، وربِّ الكعبة. ثم قال: أفي القوم عمر بن الخطاب؟ فسكتوا، فقال: قُتِل، ورب الكعبة. ثم قال أبو سفيان: اعْلُ، هُبَلُ، يومٌ بيوم بدر، والحربُ سِجالٌ، وحنظلة بحنظلة، وأنتم واجدون في القوم مَثْلًا[[يقال: مَثَلْتُ بالقَتيل أمْثُل به مَثْلًا، إذا جَدَعْت أنفه أو أذُنَه أو مَذاكِيرَه أو شيئًا من أطرافِه. النهاية (مثل).]] لم تكن عن رأي سُراتِنا وخِيارِنا، ولم نكرهْه حين رأيناه. فقال النبي ﷺ لعمر بن الخطاب: «قُمْ، فنادِ، فقُلْ: اللهُ أعلى وأجلُّ. نعم، هذا رسول الله ﷺ، وهذا أبو بكر، وها أنَذا. لا يستوي أصحابُ النار وأصحابُ الجنة، أصحابُ الجنة هم الفائزون، قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار»[[أخرجه ابن جرير ٦/١٥٦.]]. (ز)
١٥٠٥٣- عن الحسن البصري، قال رسول الله ﷺ: «رأيتني البارحة كأنّ عليَّ دِرْعًا حصينةً؛ فأوَّلْتُها المدينةَ، فاكمُنوا للمشركين في أزِقَّتها، حتى يدخلوا عليكم في أزِقَّتِها، فتقتلوهم». فأَبَتِ الأنصارُ مِن ذلك، فقالوا: يا رسول الله، مَنَعْنا مدينتَنا مِن تُبَّعٍ والجنودِ، فنُخَلِّي بين هؤلاء المشركين وبينها يدخلونها؟! فلبس رسولُ الله سلاحَه، فلمّا خرجوا مِن عنده أقبل بعضُهم على بعض، فقالوا: ما صنعنا؟! أشار علينا رسول الله فرددنا رأيه؟! فأتَوْه، فقالوا: يا رسول الله، نكمُن لهم في أزِقَّتها حتى يدخلوا، فنقتلهم فيها. فقال: «إنّه ليس لنبي لَبِس لَأْمَتَهُ -أي: سلاحه- أن يضعها حتى يُقاتِل». قال: فبات رسول الله دونهم بليلة، فرأى رؤيا، فأصبح، فقال: «إنِّي رأيتُ البارحةَ كأن بقرًا يُنحَر، فقلتُ: بقرٌ! واللهِ، خيرٌ، وإنّه كائنةٌ فيكم مصيبةٌ، وإنّكم ستلقونهم وتهزمونهم غدًا، فإذا هزمتموهم فلا تَتْبَعوا المُدْبِرين». ففعلوا، فلقوهم، فهزموهم، كما قال رسول الله، فأَتْبَعُوا المُدْبِرِين على وجهين: أمّا بعضهم فقالوا: مشركون، وقد أمكننا الله مِن أدبارهم، فنقتلهم. فقتلوهم على وجه الحِسْبَة، وأمّا بعضهم فقتلوهم لطلب الغنيمة، فرجع المشركون عليهم، فهزموهم حتى صعِدوا أحدًا. وهو قوله: ﴿ولقد صدقكم الله وعده﴾ الآية[[ذكره يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين ١/٣٢٥-٣٢٦-.]]. (ز)
١٥٠٥٤- عن محمد ابن شهاب الزهري= (ز)
١٥٠٥٥- ومحمد بن يحيى بن حبان= (ز)
١٥٠٥٦- وعاصم بن عمر بن قتادة= (ز)
١٥٠٥٧- والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، وغيرهم من علمائنا -من طريق محمد بن إسحاق، عن الزهري- في قصة ذكرها عن أحد، ذكر أنّ كلهم قد حدَّث ببعضها، وأنّ حديثهم اجتمع فيما ساق من الحديث، فكان فيما ذكر في ذلك: أنّ رسول الله ﷺ نزل الشِّعْبِ مِن أُحُدٍ في عدوة الوادي إلى الجبل، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد، وقال: «لا يقاتلن حتى نأمره بالقتال». وقد سرَّحت قريش الظَّهْرَ[[الظَّهْر: الإبل التي تحمل ويركب عليها. النهاية (ظهر).]] والكُراعَ[[الكُراعَ: جماعة الخيل. النهاية (كرع).]] في زروع كانت بالصَّمْغَة[[الصَّمْغة: مزرعة قرب جبل أُحد تسمى اليوم بالعيون. معجم البلدان (صمغ).]] من قناةٍ للمسلمين، فقال رجلٌ مِن الأنصار حين نهى رسول الله ﷺ عن القتال: أتُرْعى زُرُوعُ بَنِيَ قَيْلَةَ ولَمّا نُضارِبْ؟! وتعبَّأ رسولُ الله ﷺ للقتال، وهو في سبعمائة رجل، وتعبَّأَتْ قُرَيْشٌ وهم ثلاثة آلاف، ومعهم مائتا فرس قد جَنَّبُوها، فجعلوا على مَيْمَنَةِ الخيلِ خالدَ بن الوليد، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل، وأمَّر رسولُ الله ﷺ على الرُّماةِ عبدَ الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف، وهو يومئذ مُعَلَّمٌ بثياب بِيض، والرُّماةُ خمسون رجلًا، وقال: «انضَحْ[[انضح: ارم وارشق. اللسان (نضح).]] عنا الخيلَ بالنَّبْلِ؛ لا يأتونا مِن خلفنا، إن كانت لنا أو علينا فاثْبُتْ مكانَك، لا نُؤْتَيَنَّ مِن قِبَلِك». فلمّا التقى الناسُ، ودنا بعضُهم من بعض، واقتتلوا حتى حَمِيَتِ الحربُ، وقاتل أبو دجانة حتى أمْعَنَ في الناس، وحمزةُ بن عبد المطلب وعليُّ بن أبى طالب في رجال من المسلمين، فأنزل الله ﷿ نصرَه، وصدقهم وعده، فحسُّوهم بالسيوف، حتى كشفوهم، وكانت الهزيمةُ لا شكَّ فيها[[أخرجه ابن جرير ٦/١٣١.]]. (ز)
١٥٠٥٨- عن إسماعيل السدي -من طريق أسباط- قال: لَمّا برز رسول الله ﷺ إلى المشركين بأحد؛ أمر الرُّماةَ، فقاموا بأصل الجبل في وجوه خيل المشركين، وقال: «لا تبرحوا مكانَكم إن رأيتمونا قد هزمناهم، فإنّا لن نزالَ غالبين ما ثَبَتُّم مكانَكم». وأمَّر عليهم عبد الله بن جُبَيْر أخا خوّات بن جبير. ثُمَّ إنّ طلحة بن عثمان صاحبَ لواء المشركين قام، فقال: يا معشر أصحاب محمد، إنّكم تزعمون أنّ الله يُعَجِّلُنا بسيوفكم إلى النار، ويُعَجِّلكم بسيوفنا إلى الجنة، فهل منكم أحدٌ يُعَجِّلُه الله بسيفي إلى الجنة، أو يُعَجِّلُني بسيفه إلى النار؟ فقام إليه عليُّ بن أبي طالب، فقال: والذي نفسي بيده، لا أفارقك حتى يعجلك الله بسيفي إلى النار، أو يعجلني بسيفك إلى الجنة. فضربه عليٌّ، فقطع رجله، فسقط، فانكشفت عورتُه، فقال: أنشُدُكَ اللهَ والرَّحِمَ، يا ابن عمِّ. فتركه، فكبَّر رسولُ الله ﷺ، وقال لعليٍّ أصحابُه: ما منعك أن تُجْهِزَ عليه؟ قال: إنّ ابن عمِّي ناشدني اللهَ حين انكشفت عورتُه، فاسْتَحْيَيْتُ منه. ثُمَّ شدَّ الزبيرُ بن العوام والمقدادُ بن الأسود على المشركين، فهزماهم، وحمل النبيُّ ﷺ وأصحابُه، فهزموا أبا سفيان، فلمّا رأى ذلك خالدُ بن الوليد وهو على خيل المشركين حَمَلَ، فَرَمَتْهُ الرُّماةُ، فانقَمَعَ. فلمّا نظر الرُّماةُ إلى رسول الله ﷺ وأصحابِه في جَوْفِ عسكرِ المشركين ينهبونه، بادروا الغنيمةَ، فقال بعضُهم: لا نتركُ أمرَ رسول الله ﷺ. فانطلق عامَّتُهم، فلحقوا بالعَسْكَر؛ فلمّا رأى خالدٌ قِلَّة الرُّماةِ صاح في خيله، ثُمَّ حَمَلَ، فقتل الرُّماةَ، ثُمَّ حَمَل على أصحاب النبي ﷺ، فلمّا رأى المشركون أنّ خيلهم تُقاتِل تَنادَوْا، فشَدُّوا على المسلمين، فهزموهم، وقتلوهم، فدخل [بعضُ المسلمين] المدينةَ، وانطلق بعضُهم فوق الجبل إلى الصخرة، فقاموا عليها، وجعل رسول الله ﷺ يدعو الناس: «إلَيَّ، عبادَ الله. إلَيَّ، عباد الله». ... حتى انتهى إلى أصحاب الصَّخرة، فلما رأوه وضع رجلٌ سهمًا في قوسه، فأراد أن يرميه، فقال: «أنا رسول الله». ففرحوا بذلك حين وجدوا رسول الله ﷺ حيًّا، وفرح رسول الله ﷺ حين رأى أنّ في أصحابه مَن يمتنع، فلمّا اجتمعوا وفيهم رسول الله ﷺ حين ذهب عنهم الحزن، فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه، ويذكرون أصحابهم الذين قُتِلوا، فأقبل أبو سفيان حتى أشرف عليهم، فلمّا نظروا إليه نسوا ذلك الذي كانوا عليه، وهمَّهم أبو سفيان، فقال رسول الله ﷺ: «ليس لهم أن يعلونا، اللَّهُمَّ، إن تُقْتَل هذه العصابةُ لا تُعْبَدُ». ثُمَّ ندب أصحابَه، فرموهم بالحجارة، حتى أنزلوهم، فذلك قوله: ﴿فأثابكم غما بغم﴾ الغمُّ الأولُ ما فاتهم من الغنيمة والفتح، والغمُّ الثاني إشرافُ العدوِّ عليهم[[أخرجه ابن جرير ٦/١٢٩، ١٤٧، ١٥٣.]]. (ز)
١٥٠٥٩- عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- قال: فكان أوَّل مَن عرف رسولَ الله ﷺ بعد الهزيمة وقولِ الناس: قُتِل رسولُ الله صلى وسلم -كما حدَّثني ابنُ شهاب الزهري- كعبُ بن مالك أخو بني سلمة. قال: عرفتُ عينيه تَزْهَران[[تزهران: تلمعان من البياض. النهاية (زهر).]] تحت المِغْفَر، فناديتُ بأعلى صوتي: يا معشر المسلمين، أبشِروا، هذا رسول الله ﷺ. فأشار إلَيَّ رسولُ الله أنْ أنصِتْ، فلمّا عرف المسلمون رسولَ الله ﷺ نهضوا به، ونهض نحو الشِّعْبِ، معه عليُّ بن أبي طالب، وأبو بكر بنُ أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، والحارث بن الصِّمة، في رهطٍ من المسلمين، قال: فبينا رسول الله ﷺ في الشِّعْبِ ومعه أولئك النفرُ من أصحابه، إذ عَلَتْ عالِيَةٌ من قريشٍ الجبلَ، فقال رسول الله ﷺ: «اللَّهُمَّ، إنّه لا ينبغي لهم أن يعلونا». فقاتل عمرُ بن الخطاب ورهطٌ معه من المهاجرين حتى أهبطوهم عن الجبل، ونهض رسول الله ﷺ إلى صخرةٍ من الجبل ليعلوها، وكان رسول الله ﷺ قد بَدَّن[[قد بدَّن: صار كبيرا كثير اللحم. النهاية، مادة (بدن).]]، وظاهر بين دِرْعَيْن، فلمّا ذهب لينهض، فلم يستطع؛ جلس تحته طلحةُ بن عبيد الله، فنهض حتى استوى عليها. ثُمَّ إن أبا سفيان حين أراد الانصراف أشْرَف على الجبل، ثُمَّ صرخ بأعلى صوته: أنْعَمَتْ فَعالِ[[كان الرجل من قريش إذا أرادَ ابْتِداء أمْرٍ عَمَد إلى سَهْمَين فكتَب على أحَدِهما: نَعَم، وعلى الآخَر: لا، ثُمَّ يتقَدّم إلى الصنَّمَ ويُجِيل سِهامَه، فإنْ خرَج سَهْم نَعَم أقْدَم، وإن خرَج سهْم لا امْتَنَع. وكان أبو سفيان لمّا أرادَ الخُروج إلى أُحُد اسْتَفْتى هُبَل فخرَج له سهم الإنْعام فذلك قولُه: «أنْعَمَتْ فعالِ»: أي تَجافَ عنها ولا تَذْكرْها بسُوء، يعني: آلِهَتهم. النهاية (علا).]]، إنّ الحرب سجالٌ، يومٌ بيوم بدر، اعلُ، هُبَلُ. أي: ظهر دينُك، فقال رسول الله ﷺ لعمر: «قُمْ، فأجِبْه، فقُلْ: اللهُ أعلى وأجلُّ، لا سواء، قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار». فلمّا أجاب عمرُ ﵁ أبا سفيان، قال له أبو سفيان: هلُمَّ إلَيَّ، يا عمرُ. فقال له رسولُ الله ﷺ: «ائْتِه، فانظرْ ما شأنه؟». فجاءه، فقال له أبو سفيان: أنشُدُكَ اللهَ، يا عمر، أقتلنا محمدًا؟ فقال عمر: اللَّهُمَّ، لا، وإنّه لَيَسمعُ كلامَك الآن. فقال: أنت أصدقُ عندي مِن ابن قميئة وأبرُّ. لِقول ابن قميئة لهم: إنِّي قتلتُ محمدًا. ثُمَّ نادى أبو سفيان، فقال: إنّه قد كان في قتلاكم مُثْل، واللهِ، ما رضيتُ ولا سخطتُ، وما نهيتُ ولا أمرتُ[[أخرجه ابن جرير ٦/١٥٤.]]١٤٣١. (ز)
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.