الباحث القرآني

أي ما يطير لَهُ من الخَيْر والشَّر فَهو لازم لَهُ في عُنُقه، والعرب تَقول جرى لَهُ الطّائِر بِكَذا من الخَيْر والشَّر قالَ أبُو عُبَيْدَة الطّائِر عِنْدهم الحَظ وهو الذي تسميه العامَّة البخت يَقُولُونَ هَذا يطير لفُلان أي يحصل لَهُ قلت ومِنه الحَدِيث فطار لنا عُثْمان بن مَظْعُون أي أصابَنا بِالقُرْعَةِ لما اقترع الأنْصار على نزُول المُهاجِرين عَلَيْهِم وفي حَدِيث رويفع ابْن ثابت حَتّى أن أحَدنا ليطير لَهُ النصل والريش والآخر القدح أي يحصل لَهُ بِالشّركَةِ في الغَنِيمَة. وَقيل في قوله تَعالى: ﴿وكل إنْسان ألزمناه طائِره في عُنُقه﴾ أن الطّائِر هاهُنا هو العَمَل. قالَه الفراء. وَهُوَ يتَضَمَّن الرَّد على نَفاهُ القدر وخص العُنُق بذلك من بَين سائِر أجزاء البدن لِأنَّها مَحل الطوق الَّذِي يطوقه الإنْسان في عُنُقه فَلا يَسْتَطِيع فكاكه ومن هَذا يُقال إثْم هَذا في عُنُقك وافْعل كَذا وإثمه في عنقِي والعرب تَقول طوقها طوق الحَمامَة وهَذا ربقة في رقبته وعَن الحسن بن آدم لتنظر لَك صحيفَة إذا بعثت قلدتها في عُنُقك فخصوا العُنُق بذلك لِأنَّهُ مَوضِع القلادة والتميمة، واستعمالهم التَّعالِيق فِيها كثير كَما خصت الأيدى بِالذكر في نَحْو ﴿بِما كسبت أيديكم﴾ ﴿بِما قدمت يداك﴾ ونَحْوه. * (فصل) قال ابن جرير: "وكل إنسان ألزمناه ما قضي له أنه عامله وما هو صائر إليه من شقاء أو سعادة بعمله في عنقه لا يفارقه" وهذا ما قاله الناس في الآية وهو ما طار له من الشقاء والسعادة وما طار عنه من العمل ثم ذكر عن ابن عباس قال: "طائره عمله وما قدر عليه فهو ملازمه أينما كان وزائل معه أينما زال" وكذلك قال ابن جريج وقتادة ومجاهد: "هو عمله" زاد مجاهد: "وما كتب له" وقال قتادة أيضا: "سعادته وشقاوته بعمله" قال ابن جرير: "فإن قال قائل فكيف قال ألزمناه طائره في عنقه إن كان الأمر على ما وصفت ولم يقل في يديه أو رجليه أو غير ذلك من أعضاء الجسد قيل إن العنق هي موضع السمات وموضع القلائد والأطوقة وغير ذلك مما يزين أو يشين" فجرى كلام العرب بنسبة الأشياء اللازمة سائر الأبدان إلى الأعناق كما أضافوا جنايات أعضاء الأبدان إلى اليد فقالوا ذلك بما كسبت يداه وإن كان الذي جره عليه لسانه أو فرجه فكذلك قوله: ﴿ألْزَمْناهُ طائِرَهُ في عُنُقِه﴾ وقال الفراء: "الطائر معناه عندهم العمل" قال الأزهري: "والأصل في هذا أن الله سبحانه لما خلق آدم علم المطيع من ذريته والعاصي فكتب ما علمه منهم أجمعين وقضى بسعادة من علمه مطيعا وشقاوة من علمه عاصيا فطار لكل ما هو صائر إليه عند خلقه وإنشائه" وأما قوله: ﴿فِي عُنُقِهِ﴾ فقال أبو إسحاق: "إنما يقال للشيء اللازم هذا في عنق فلان أي لزومه له كلزوم القلادة من بين ما يلبس في العنق" قال أبو علي: "مثل هذا قولهم طوقتك كذا وقلدتك كذا. أي صرفته نحوك وألزمتك إياه ومنه قلده السلطان كذا أي صارت الولاية في لزومها له في موضع القلادة ومكان الطوق" وقيل: "إنما خص العنق لأن عمله لا يخلو إما أن يكون خيرا أو شرا وذلك مما يزين أو يشين كالحلي والغل فأضيف إلى الأعناق" قالت القدرية: "إلزامه ذلك وسمه به وتعليمه بعلامة يعرف الملائكة أنه سعيد أو شقي والخبر عنه لا أنه ألزمه العمل فجعله لازما له" قال أهل السنة: هذه طريقة لكم معروفة في تحريف الكلم عن مواضعه سلكتموها في الجسم والطبع والعقل وهذا لا يعرفه أهل اللغة وهو خلاف حقيقة اللفظ وما فسره به أعلم الأمة بالقرآن ولا يعرف ما قلتموه عن أحد من سلف الأمة ألبتة ولا فسر الآية غيركم به، ولا يصح حمل الآية عليه فإن الخبر عنه بذلك والعلامة أعلم بها إنما حصل بعد طائره اللازم له من عمله فلما لزمه ذلك الطائر ولم ينفك عنه أخبر عنه بذلك وصارت عليه علامة وسمة، ونحن قد أريناكم أقوال أئمة الهدى وسلف الأمة في الطائر فأرونا قولكم عن واحد منهم قاله قبلكم وكل طائفة من أهل البدع تجر القرآن إلى بدعها وضلالها وتفسره بمذاهبها وآرائها والقرآن بريء من ذلك. وبالله التوفيق.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب