الباحث القرآني

* (فصل) المال إن لم ينفع صاحبه ضره ولا بد وكذلك العلم والملك والقدرة كل ذلك إن لم ينفعه ضره فإن هذه الأمور وسائل لمقاصد يتوسل بها إليها في الخير والشر فإن عطلت عن التوسل بها إلى المقاصد والغايات المحمودة توسل بها إلى أضدادها. فأربح الناس من جعلها وسائل إلى الله والدار الآخرة وذلك الذي ينفعه في معاشه ومعاده، وأخسر الناس من توسل بها إلى هواه ونيل شهواته وأغراضه العاجلة فخسر الدنيا والآخرة، فهذا لم يجعل الوسائل مقاصد ولو جعلها كذلك لكان خاسرا لكنه جعلها وسائل إلى ضد ما جعلت له فهو بمثابة من توسل بأسباب اللذة إلى أعظم الآلام أدوائها. فالأقسام أربعة لا خامس لها أحدها معطل الأسباب معرض عنها الثاني مكب عليها واقف مع جمعها وتحصيلها الثالث متوصل بها إلى ما يضره ولا ينفعه في معاشه ومعاده فهؤلاء الثلاثة في الخسران الرابع متوصل بها إلى ما ينفعه في معاشه ومعاده وهو الرابح قال تعالى ﴿مَن كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدُّنْيا وزِينَتَها نُوَفِّ إلَيْهِمْ أعْمالَهم فِيها وهم فِيها لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهم في الآخِرَةِ إلّا النّارُ وحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وقد أشكل فهم هذه الآية على كثير من الناس حيث فهموا منها أن من كان له إرادة في الدنيا وزينتها فله هذا الوعيد ثم اختلفوا في معناها فقالت طائفة منهم ابن عباس من كان يريد تعجيل الدنيا فلا يؤمن بالبعث ولا بالثواب ولا بالعقاب قالوا والآية في الكفار خاصة على قول ابن عباس. وقال قتادة من كانت الدنيا همه وسدمه ونيته وطلبه جازاه الله في الدنيا بحسناته، ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يجازى بها. وأما المؤمن فيجزى في الدنيا بحسناته ويثاب عليها في الآخرة قال هؤلاء فالآية في الكفار بدليل قوله ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهم في الآخِرَةِ إلّا النّارُ وحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ قالوا المؤمن من يريد الدنيا والآخرة فأما من كانت إرادته مقصورة على الدنيا فليس بمؤمن. وقال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية أبي صالح عنه نزلت في أهل القبلة. قال مجاهد هم أهل الرياء. وقال الضحاك من عمل صالحا من أهل الإيمان من غير تقوى عجل له ثواب عمله في الدنيا. واختار الفراء هذا القول وقال من أراد بعمله من أهل القبلة ثواب الدنيا عجل له ثوابه ولم يبخس. وهذا القول أرجح، ومعنى الآية على هذا من كان يريد بعمله الحياة الدنيا وزينتها وهذا لا يكون مؤمنا ألبتة فإن العاصي والفاسق ولو بالغا في المعصية والفسق فإنما يحملهما على أن يعملا أعمال البر لله فيريدان بأعمال البر وجه الله وإن عملا بمعصيته. فأما من لم يرد بعمله وجه الله وإنما أراد به الدنيا وزينتها فهذا لا يدخل في دائرة أهل الإيمان، وهذا هو الذي فهمه معاوية من الآية واستشهد بها على حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم في صحيحه في الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة القارئ الذي قرأ القرآن ليقال فلان قارئ، والمتصدق الذي أنفق أمواله ليقال فلان جواد، والغازي الذي قتل في الجهاد ليقال هو جريء. وكما أن خيار خلق الله هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون فشرار الخلق من تشبه بهم وليس منهم فمن تشبه بأهل الصدق والإخلاص وهو مراءٍ كمن تشبه بالأنبياء وهو كاذب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب