الباحث القرآني

﴿أُولَئِكَ﴾ إشارَةٌ إلى المَذْكُورِينَ بِاعْتِبارِ اسْتِمْرارِهِمْ عَلى إرادَةِ الحَياةِ الدُّنْيا، أوْ بِاعْتِبارِ تَوُفِيَتِهِمْ أُجُورَهم فِيها مِن غَيْرِ بَخْسٍ، أوْ بِاعْتِبارِهِما مَعًا، وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ لِلْإيذانِ بِبُعْدِ مَنزِلَتِهِمْ في سُوءِ الحالِ ﴿الَّذِينَ لَيْسَ لَهم في الآخِرَةِ إلا النّارُ﴾ لِأنَّ هِمَمَهم كانَتْ مَصْرُوفَةً إلى اقْتِناصِ الدُّنْيا وأعْمالُهم كانَتْ مَمْدُودَةً ومَقْصُورَةً عَلى تَحْصِيلِها؛ وقَدْ ظَفِرُوا بِما يَتَرَتَّبُ عَلى ذَلِكَ ولَمْ يُرِيدُوا بِهِ شَيْئًا آخَرَ فَلا جَرَمَ لَمْ يَكُنْ لَهم في الآخِرَةِ إلّا النّارُ وعَذابُها المُخَلَّدُ. ﴿وحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها﴾ أيْ في الآخِرَةِ كَما هو الظّاهِرُ، فالجارُّ مُتَعَلِّقٌ –بِحَبِطَ- و(ما) تَحْتَمِلُ المَصْدَرِيَّةَ والمَوْصُولِيَّةَ أيْ ظَهَرَ في الآخِرَةِ حُبُوطُ صُنْعِهِمْ، أوِ الَّذِي صَنَعُوهُ مِنَ الأعْمالِ الَّتِي كانَتْ تُؤَدِّي إلى الثَّوابِ الأُخْرَوِيِّ لَوْ كانَتْ مَعْمُولَةً لِلْآخِرَةِ، ويَجُوزُ أنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إلى الدُّنْيا فَيَكُونُ الجارُّ مُتَعَلِّقًا –بِصَنَعُوا- و(ما) عَلى حالِها، والمُرادُ بِحُبُوطِ الأعْمالِ عَدَمُ مُجازاتِهِمْ عَلَيْها لِفَقْدِ الِاعْتِدادِ بِها لِعَدَمِ الإخْلاصِ الَّذِي هو شَرْطْ ذَلِكَ، وقِيلَ: لِجَزائِهِمْ عَلَيْها في الدُّنْيا. ﴿وباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ قالَ أبُو حَيّانَ: هو تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: (حَبِطَ) إلَخْ، والظّاهِرُ أنَّهُ حَمَلَ ( ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) عَلى مَعْنى ( ما صَنَعُوا ) والبُطْلانُ عَلى عَدَمِ النَّفْعِ وهو راجِعٌ إلى مَعْنى الحُبُوطِ. ولَمّا رَأى بَعْضُهم أنَّ التَّأْسِيسَ أوْلى مِنَ التَّأْكِيدِ أبْقى ما ( يَعْمَلُونَ ) عَلى ذَلِكَ المَعْنى، وحَمَلَ بُطْلانَ ذَلِكَ عَلى فَسادِهِ في نَفْسِهِ لِعَدَمِ شَرْطِ الصِّحَّةِ، وقالَ: كَأنَّ كُلًّا مِنَ الجُمْلَتَيْنِ عِلَّةٌ لِما قَبْلَها عَلى مَعْنى لَيْسَ لَهم في الآخِرَةِ إلّا النّارَ لِحُبُوطِ أعْمالِهِمْ وعَدَمِ تَرَتُّبِ الثَّوابِ عَلَيْها لِبُطْلانِها وكَوْنِها لَيْسَتْ عَلى ما يَنْبَغِي، والأوْلى ما صَنَعَهُ المَوْلى (p-25)أبُو السُّعُودِ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ حَيْثُ حَمَلَ البَطَلانَ عَلى الفَسادِ في نَفْسِهِ، و﴿ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ عَلى أعْمالِهِمْ في أثْناءِ تَحْصِيلِ المَطالِبِ الدُّنْيَوِيَّةِ ثُمَّ قالَ: ولِأجْلِ أنَّ الأوَّلَ مِن شَأْنِهِ اسْتِتْباعُ الثَّوابِ والأجْرِ وأنَّ عَدَمَهُ لِعَدَمِ مُقارَنَتِهِ لِلْإيمانِ والنِّيَّةِ الصَّحِيحَةِ، وأنَّ الثّانِيَ لَيْسَ لَهُ جِهَةٌ صالِحَةٌ قَطُّ عَلَّقَ بِالأوَّلِ الحُبُوطَ المُؤْذِنَ بِسُقُوطِ أجْرِهِ بِصِيغَةِ الفِعْلِ المُنْبِئِ عَنِ الحُدُوثِ، وبِالثّانِي البُطْلانَ المُفْصِحَ عَنْ كَوْنِهِ بِحَيْثُ لا طائِلَ تَحْتَهُ أصْلًا بِالِاسْمِيَّةِ الدّالَّةِ عَلى كَوْنِ ذَلِكَ وصْفًا لازِمًا لَهُ ثابِتًا فِيهِ، وفي زِيادَةِ –كانَ- في الثّانِي دُونَ الأوَّلِ إيماءٌ إلى أنَّ صُدُورَ أعْمالِ البِرِّ مِنهم وإنْ كانَ لِغَرَضٍ فاسِدٍ لَيْسَ في الِاسْتِمْرارِ والدَّوامِ كَصُدُورِ الأعْمالِ الَّتِي هي مُقَدِّماتُ مَطالِبِهِمُ الدَّنِيئَةِ، انْتَهى. ويَحْتَمِلُ عِنْدِي عَلى بُعْدِ أنْ يُرادَ -بِما كانُوا يَعْمَلُونَ- هو ما اسْتَمَرُّوا عَلَيْهِ مِن إرادَةِ الحَياةِ الدُّنْيا وهو غَيْرُ ما صَنَعُوهُ مِنَ الأعْمالِ الَّتِي نُسِبَ إلَيْها الحُبُوطُ وإطْلاقُ مِثْلِ ذَلِكَ عَلى الإرادَةِ مِمّا لا بَأْسَ بِهِ؛ لِأنَّها مِن أعْمالِ القَلْبِ، ووَجْهُ الإتْيانِ –بِكانَ- فِيهِ مُوافَقَتُهُ لِما أشارَ هو إلَيْهِ، وفي الجُمْلَةِ تَصْرِيحٌ بِاسْتِمْرارِ بُطْلانِ تِلْكَ الإرادَةِ وشَرْحُ حالِها بَعْدَ شَرْحِ حالِ المُرِيدِ وشَرْحِ أعْمالِهِ أرادَ بِها الحَياةَ الدُّنْيا وزِينَتَها، وأيّامّا كانَ فالظّاهِرُ أنَّ (باطِلَ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ و( ما كانُوا ) هو المُبْتَدَأُ، وجَوَّزَ في البَحْرِ كَوْنَ (باطِلٌ) خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، و(ما) مُرْتَفِعَةٌ بِهِ عَلى الفاعِلِيَّةِ، وقُرِئَ ٍوَبَطَلَ- بِصِيغَةِ الفِعْلِ أيْ ظَهَرَ بُطْلانُهُ حَيْثُ عَلِمَ هُناكَ أنَّ ذاكَ وما يَسْتَتْبِعُهُ مِنَ الحُظُوظِ الدُّنْيَوِيَّةِ مِمّا لا طائِلَ تَحْتَهُ أوِ انْقَطَعَ أثَرُهُ الدُّنْيَوِيُّ فَبَطَلَ مُطْلَقًا، وقَرَأ أُبَيٌّ وابْنُ مَسْعُودٍ –وباطِلًا- بِالنَّصْبِ ونُسِبَ ذَلِكَ إلى عاصِمٍ وخَرَّجَهُ صاحِبُ اللَّوامِحِ عَلى أنَّ (ما) سَيْفُ خَطِيبٍ –وباطِلٌ- مَفْعُولٌ –لِيَعْمَلُونَ- وفِيهِ تَقْدِيمُ مَعْمُولِ (كانَ) وفِيهِ -كَتَقْدِيمِ الخَبَرِ- خِلافٌ، والأصَحُّ الجَوازُ لِظاهِرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أهَؤُلاءِ إيّاكم كانُوا يَعْبُدُونَ﴾ ومَن مَنَعَ تَأوَّلَ، وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا –بِيَعْمَلُونَ- و(ما) إبْهامِيَّةٌ صِفَةٌ لَهُ أيْ باطِلًا أيُ باطِلٍ، ونَظِيرُ ذَلِكَ حَدِيثُ ما عَلى قَصْرِهِ ولِأمْرِ ما جَدَعَ قَصِيرٌ أنْفُهُ، وأنْ يَكُونَ مَصْدَرًا بِوَزْنِ فاعِلٍ، وهو مَنصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، و(ما) اسْمٌ مَوْصُولٌ فاعِلُهُ أيْ بَطَلَ بُطْلانًا الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَهُ، ونَظِيرُهُ خارِجًا في قَوْلِ الفَرَزْدَقِ: ؎ألَمْ تَرَنِي عاهَدْتُ رَبِّي وأنَّنِي لَبَيْنَ رِتاجٍ قائِمًا ومَقامِ ؎عَلَيَّ حَلْفَةٌ لا أشْتُمُ الدَّهْرَ مُسْلِمًا ∗∗∗ ولا (خارِجًا) مَن في زُورُ كَلامٍ فَإنَّهُ أرادَ ولا يَخْرُجُ مِن في زُورُ كَلامٍ خُرُوجًا، وفي ذَلِكَ عَلى ما في البَحْرِ إعْمالُ المَصْدَرِ الَّذِي هو بَدَلٌ مِنَ الفِعْلِ في غَيْرِ الِاسْتِفْهامِ والأمْرُ هَذا، والظّاهِرُ أنَّ الآيَةَ في مُطْلَقِ الكَفَرَةِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ البِرَّ لا عَلى الوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي، وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وغَيْرُهُما عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّها نَزَلَتْ في اليَهُودِ والنَّصارى، ولَعَلَّ المُرادَ -كَما قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ- أنَّهم سَبَبُ النُّزُولِ فَيَدْخُلُونَ فِيها لا أنَّها خاصَّةٌ بِهِمْ، ولا يَدْخُلُ فِيها غَيْرُهُمْ، وقالَ الجُبّائِيُّ: هي في الَّذِينَ جاهَدُوا مِنَ المُنافِقِينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ جَعَلَ اللَّهُ تَعالى حَظَّهم مِن ذَلِكَ سَهْمَهم في الغَنائِمِ، وفِيهِ أنَّ ذَلِكَ إنَّما كانَ بَعْدَ الهِجْرَةِ والآيَةُ مَكِّيَّةٌ، وقِيلَ: في أهْلِ الرِّياءِ يُقالُ لِقارِئِ القُرْآنِ مِنهُمْ: أرَدْتَ أنْ يُقالَ: فُلانٌ قارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ: اذْهَبْ فَلَيْسَ لَكَ عِنْدَنا شَيْءٌ، وهَكَذا لِغَيْرِهِ مِنَ المُتَصَدِّقِ. والمَقْتُولِ في الجِهادِ وغَيْرِهِما مِمَّنْ عَمِلَ مِن أعْمالِ البِرِّ لا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعالى، ورُبَّما يُؤَيِّدُ ذَلِكَ ما رُوِيَ عَنْ مُعاوِيَةَ حِينَ حَدَّثَهُ أبُو هُرَيْرَةَ بِما تَضَمَّنَ ذَلِكَ فَبَكى وقالَ: صَدَقَ اللَّهُ ورَسُولُهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ﴿مَن كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدُّنْيا وزِينَتَها﴾ إلى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وعَلَيْهِ فَلا بُدَّ مِن (p-26)تَقْيِيدِ قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿لَيْسَ لَهم في الآخِرَةِ إلا النّارُ﴾ بِأنْ لَيْسَ لَهم بِسَبَبِ أعْمالِهِمُ الرِّيائِيَّةِ إلّا ذَلِكَ، وهو خِلافُ الظّاهِرِ، والسِّياقُ يَقْتَضِي أنَّها في الكَفَرَةِ مُطْلَقًا وبِرِّهِمْ كَما قُلْنا، ومِن هُنا اشْتُهِرَ أنَّ الكافِرَ يُعَجَّلُ لَهُ ثَوابُ أعْمالِهِ في الدُّنْيا بِتَوْسِعَةِ الرِّزْقِ وصِحَّةِ البَدَنِ وكَثْرَةِ الوَلَدِ ونَحْوِ ذَلِكَ ولَيْسَ لَهم في الآخِرَةِ مِن نَصِيبٍ، لَكِنْ ذَهَبَ جَماعَةٌ إلى أنَّهُ يُخَفَّفُ بِها عَنْهُ عَذابُ الآخِرَةِ، ويَشْهَدُ لَهُ قِصَّةُ أبِي طالِبٍ، وذَهَبَ آخَرُونَ إلى أنَّ ما يَتَوَقَّفُ عَلى النِّيَّةِ مِنَ الأعْمالِ لا يَنْتَفِعُ الكافِرُ بِهِ في الآخِرَةِ أصْلًا لِفِقْدانِ شَرْطِهِ، إذْ لَمْ يَكُنْ مِن أهْلِ النِّيَّةِ لِكُفْرِهِ، وما لا يَنْتَفِعُ بِهِ ويُخَفَّفُ بِهِ عَذابُهُ، وبِذَلِكَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظَّواهِرِ المُقْتَضِي بَعْضُها لِلِانْتِفاعِ في الجُمْلَةِ وبَعْضُها لِعَدَمِهِ أصْلًا فَتَدَبَّرْ. ووَجْهُ ارْتِباطِ هَذِهِ الآيَةِ بِما قَبْلَها عَلى ما في مَجْمَعِ البَيانِ أنَّهُ سُبْحانَهُ لَمّا قالَ: ﴿فَهَلْ أنْتُمْ مُسْلِمُونَ)؟﴾ فَكَأنَّ قائِلًا قالَ: إنْ أظْهَرْنا الإسْلامَ لِسَلامَةِ النَّفْسِ والمالِ يَكُونُ ماذا؟ فَقِيلَ: ﴿مَن كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدُّنْيا﴾ إلَخْ أوْ يُقالُ: إنَّ فِيما قَبْلَ ما يَتَضَمَّنُ إقْناطَ الكَفَرَةِ مِن أنْ يُجِيرَهم آلِهَتُهم مِن بَأْسِ اللَّهِ عَزَّ سُلْطانُهُ كَما تَقَدَّمَ، وذَكَرَهُ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ فَلا يَبْعُدُ أنْ يَكُونَ سَماعُهم ذَلِكَ سَبَبًا لِعَزْمِهِمْ عَلى إظْهارِ الإسْلامِ، أوْ فِعْلِ بَعْضِ الأعْمالِ الصّالِحَةِ ظَنًّا مِنهم أنَّ ذَلِكَ مِمّا يُجِيرُهم ويَنْفَعُهُمْ، فَشَرَحَ لَهم حُكْمَ مِثْلِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ( مَن كانَ يُرِيدُ ) إلَخْ لَكِنَّ أنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذا يَحْتاجُ إلى ادِّعاءِ أنَّ ذَلِكَ العَزْمَ مِن بابِ الِاحْتِياطِ، وفي البَحْرِ في بَيانِ المُناسَبَةِ أنَّهُ سُبْحانَهُ لَمّا ذَكَرَ شَيْئًا مِن أحْوالِ الكُفّارِ في القُرْآنِ ذَكَرَ شَيْئًا مِن أحْوالِهِمُ الدُّنْيَوِيَّةِ وما يُؤَوِّلُونَ إلَيْهِ في الآخِرَةِ، وأبُو السُّعُودِ بَيْنَ ذَلِكَ عَلى وجْهٍ يُقَوِّي بِهِ ما ادَّعاهُ مِن أنْسَبِيَّةِ كَوْنِ الخِطابِ فِيما سَلَفَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ والمُؤْمِنِينَ، فَقالَ: والَّذِي يَقْتَضِيهِ جَزالَةُ النَّظْمِ الكَرِيمِ أنَّ المُرادَ مُطْلَقُ الكَفَرَةِ بِحَيْثُ يَنْدَرِجُ فِيهِمُ القادِحُونَ في القُرْآنِ العَظِيمِ انْدِراجًا أوَّلِيًّا، فَإنَّهُ عَزَّ وجَلَّ لَمّا أمَرَ نَبِيَّهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ والمُؤْمِنِينَ بِأنْ يَزْدادُوا عِلْمًا ويَقِينًا بِأنَّ القُرْآنَ مُنَزَّلٌ بِعِلْمِ اللَّهِ سُبْحانَهُ، وبِأنْ لا قُدْرَةَ لِغَيْرِهِ سُبْحانَهُ عَلى شَيْءٍ أصْلًا وهَيَّجَهم عَلى الثَّباتِ عَلى الإسْلامِ والرُّسُوخِ فِيهِ عِنْدَ ظُهُورِ عَجْزِ الكَفَرَةِ وما يَدَّعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ تَعالى عَنِ المُعارَضَةِ، وتَبَيَّنَ أنَّهم لَيْسُوا عَلى شَيْءٍ أصْلًا اقْتَضى الحالُ أنْ يَتَعَرَّضَ لِبَعْضِ شُؤُونِهِمُ المُوهِمَةِ لِكَوْنِهِمْ عَلى شَيْءٍ في الجُمْلَةِ مِن نَيْلِهِمُ الحُظُوظَ العاجِلَةَ واسْتِوائِهِمْ عَلى المَطالِبِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وبَيانِ أنَّ ذَلِكَ بِمَعْزِلٍ عَنِ الدَّلالَةِ عَلَيْهِ، ولَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ أيَّ بَيانٍ انْتَهى. ولا يَخْفى أنَّهُ يُمْكِنُ أنْ يُقَرَّرَ هَذا عَلى وجْهٍ لا يَحْتاجُ فِيهِ إلى تَوْسِيطِ حَدِيثٍ جَعَلَ الخِطابَ السّابِقَ لَهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ والمُؤْمِنِينَ فَلْيَفْهَمْ. واسْتَدَلَّ في الأحْكامِ بِالآيَةِ عَلى أنَّ ما سَبِيلُهُ أنْ لا يَفْعَلَ إلّا عَلى وجْهِ القُرْبَةِ لا يَجُوزُ أخْذُ الأُجْرَةِ عَلَيْهِ لِأنَّ الأُجْرَةَ مِن حُظُوظِ الدُّنْيا، فَمَن أخَذَ عَلَيْهِ الأُجْرَةَ خَرَجَ مِن أنْ يَكُونَ قُرْبَةً بِمُقْتَضى الكِتابِ والسُّنَّةِ، وادَّعى الكَيا أنَّها مِثْلُ قَوْلِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «”إنَّما الأعْمالُ بِالنِّيّاتِ“،» وتَدُلُّ عَلى أنَّ مَن صامَ في رَمَضانَ لا عَنْ رَمَضانَ لا يَقَعُ عَنْ رَمَضانَ، وعَلى أنَّ مَن تَوَضَّأ لِلتَّبَرُّدِ أوِ التَّنَظُّفِ لا يَصِحُّ وُضُوؤُهُ، وفي ذَلِكَ خِلافٌ مَبْسُوطٌ بِما لَهُ وعَلَيْهِ في مَحَلِّهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب