الباحث القرآني
﴿أُولَئِكَ﴾ ... إلَخْ، فَإنَّهُ إشارَةٌ إلى المَذْكُورِينَ بِاعْتِبارِ إرادَتِهِمُ الحَياةَ الدُّنْيا، أوْ بِاعْتِبارِ تَوْفِيَتِهِمْ أُجُورَهم مِن غَيْرِ بَخْسٍ، أوْ بِاعْتِبارِهِما مَعًا وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ لِلْإيذانِ بِبُعْدِ مَنزِلَتِهِمْ في سُوءِ الحالِ، أيْ: أُولَئِكَ المُرِيدُونَ لِلْحَياةِ الدُّنْيا وزِينَتَها المُوَفَّوْنَ فِيها ثَمَراتِ أعْمالِهِمْ مِن غَيْرِ بَخْسٍ ﴿الَّذِينَ لَيْسَ لَهم في الآخِرَةِ إلا النّارُ﴾ لِأنَّ هِمَمَهم كانَتْ مَصْرُوفَةً إلى الدُّنْيا، وأعْمالَهم مَقْصُورَةً عَلى تَحْصِيلِها، وقَدِ (p-194)اجْتَنَبُوا ثَمَرَتَها، ولَمْ يَكُونُوا يُرِيدُونَ بِها شَيْئًا آخَرَ، فَلا جَرَمَ لَمْ يَكُنْ لَهم في الآخِرَةِ إلّا النّارُ وعَذابُها المُخَلِّدُ.
﴿وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها﴾ أيْ: ظَهَرَ في الآخِرَةِ حُبُوطُ ما صَنَعُوهُ مِنَ الأعْمالِ الَّتِي كانَتْ تُؤَدِّي إلى الثَّوابِ لَوْ كانَتْ مَعْمُولَةً لِلْآخِرَةِ، أوْ حَبِطَ ما صَنَعُوهُ في الدُّنْيا مِن أعْمالِ البِرِّ إذْ شَرْطُ الِاعْتِدادِ بِها الإخْلاصُ ﴿وَباطِلٌ﴾ أيْ: في نَفْسِهِ ﴿ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ في أثْناءِ تَحْصِيلِ المَطالِبِ الدُّنْيَوِيَّةِ، ولِأجْلِ أنَّ الأوَّلَ مِن شَأْنِهِ اسْتِتْباعُ الثَّوابِ والأجْرِ، وأنَّ عَدَمَهُ لِعَدَمِ مُقارَنَتِهِ لِلْإيمانِ والنِّيَّةِ الصَّحِيحَةِ، وأنَّ الثّانِيَ لَيْسَ لَهُ جِهَةٌ صالِحَةٌ قَطُّ - عُلِّقَ بِالأوَّلِ الحُبُوطُ المُؤْذِنُ بِسُقُوطِ أجْرِهِ بِصِيغَةِ الفِعْلِ المُنْبِئِ عَنِ الحُدُوثِ، وبِالثّانِي البُطْلانُ المُفْصِحُ عَنْ كَوْنِهِ بِحَيْثُ لا طائِلَ تَحْتَهُ أصْلًا بِالِاسْمِيَّةِ الدّالَّةِ عَلى كَوْنِ ذَلِكَ وصْفًا لازِمًا لَهُ ثابِتًا فِيهِ، وفي زِيادَةِ كانَ في الثّانِي دُونَ الأوَّلِ إيماءٌ إلى أنَّ صُدُورَ أعْمالِ البِرِّ مِنهم -وَإنْ كانَ لِغَرَضٍ فاسِدٍ - لَيْسَ في الِاسْتِمْرارِ والدَّوامِ كَصُدُورِ الأعْمالِ الَّتِي هي مِن مُقَدِّماتِ مَطالِبِهِمُ الدَّنِيَّةِ، وقُرِئَ (وَبَطَلَ) عَلى الفِعْلِ، أيْ: ظَهَرَ بُطْلانُهُ حَيْثُ عُلِمَ هُناكَ أنَّ ذَلِكَ وما يَسْتَتْبِعُهُ مِنَ الحُظُوظِ الدُّنْيَوِيَّةِ مِمّا لا طائِلَ تَحْتَهُ، أوِ انْقَطَعَ أثَرُهُ الدُّنْيَوِيُّ فَبَطَلَ مُطْلَقًا، وقُرِئَ (وَباطِلًا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) عَلى أنَّ "ما" إبْهامِيَّةٌ، أوْ في مَعْنى المَصْدَرِ، كَقَوْلِهِ:
؎ ولا خارِجًا مِن في زُورُ كَلامِ
وَعَنْ أنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ تَعالى: "مَن كانَ يُرِيدُ" ... إلَخْ، اليَهُودُ والنَّصارى، إنْ أعْطَوْا سائِلًا، أوْ وصَلُوا رَحِمًا عُجِّلَ لَهم جَزاءُ ذَلِكَ بِتَوْسِعَةٍ في الرِّزْقِ وصِحَّةٍ في البَدَنِ، وقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنَ المُنافِقِينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأسْهَمَ لَهم في الغَنائِمِ، وأنْتُ خَبِيرٌ بِأنَّ ذَلِكَ إنَّما كانَ بَعْدَ الهِجْرَةِ والسُّورَةُ مَكِّيَّةٌ.
وَقِيلَ: هم أهْلُ الرِّياءِ، يُقالُ لِلْقُرّاءِ مِنهُمْ: أرَدْتَ أنْ يُقالَ: فُلانٌ قارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ، وهَكَذا لِغَيْرِهِ مِمَّنْ يَعْمَلُ أعْمالَ البِرِّ لا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعالى، فَعَلى هَذا لا بُدَّ مِن تَقْيِيدِ قَوْلِهِ تَعالى:" لَيْسَ لَهم إلّا النّارُ " بِأنَّ لَيْسَ لَهم بِسَبَبِ أعْمالِهِمُ الرِّيائِيَّةِ إلّا ذَلِكَ، والَّذِي تَقْتَضِيهِ جَزالَةُ النَّظْمِ الكَرِيمِ أنَّ المُرادَ بِهِ مُطْلَقُ الكَفَرَةِ، بِحَيْثُ يَنْدَرِجُ فِيهِمُ القادِحُونَ في القرآن العَظِيمِ انْدِراجًا أوَّلِيًّا، فَإنَّهُ - عَزَّ وعَلا - لَمّا أمَرَ نَبِيَّهُ ﷺ والمُؤْمِنِينَ بِأنْ يَزْدادُوا عِلْمًا ويَقِينًا بِأنَّ القرآن مُنَزَّلٌ بِعِلْمِ اللَّهِ - وبِأنْ لا قُدْرَةَ لِغَيْرِهِ عَلى شَيْءٍ أصْلًا، وهَيَّجَهم عَلى الثَّباتِ عَلى الإسْلامِ والرُّسُوخِ فِيهِ عِنْدَ ظُهُورِ عَجْزِ الكَفَرَةِ، وما يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عَنِ المُعارَضَةِ، وتَبَيَّنَ أنَّهم لَيْسُوا عَلى شَيْءٍ أصْلًا - اقْتَضى الحالُ أنْ يُتَعَرَّضَ لِبَعْضِ شُئُونِهِمُ المُوهِمَةِ لِكَوْنِهِمْ عَلى شَيْءٍ في الجُمْلَةِ مِن نَيْلِهِمُ الحُظُوظَ العاجِلَةَ، واسْتِيلائِهِمْ عَلى المَطالِبِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وبَيانِ أنَّ ذَلِكَ بِمَعْزِلٍ عَنِ الدَّلالَةِ عَلَيْهِ، ولَقَدْ بُيِّنَ ذَلِكَ أيَّ بَيانٍ، ثُمَّ أُعِيدَ التَّرْغِيبُ فِيما ذُكِرَ مِنَ الإيمان بالقرآن والتَّوْحِيدِ والإسْلامِ، فَقِيلَ:
{"ayah":"أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ لَیۡسَ لَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ إِلَّا ٱلنَّارُۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا۟ فِیهَا وَبَـٰطِلࣱ مَّا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











