الباحث القرآني
وَقَدْ أشْكَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى كَثِيرٍ مِنَ النّاسِ وأوْرَدَ اليَهُودُ والنَّصارى عَلى المُسْلِمِينَ فِيها إيرادًا وقالُوا: كانَ في شَكٍّ فَأُمِرَ أنْ يَسْألَنا ولَيْسَ فِيها بِحَمْدِ اللَّهِ إشْكالٌ، وإنَّما أُتِيَ أشْباهُ الأنْعامِ مِن سُوءِ قَصْدِهِمْ وقِلَّةِ فَهْمِهِمْ وإلّا فالآيَةُ مِن أعْلامِ نُبُوَّتِهِ ﷺ ولَيْسَ في الآيَةِ ما يَدُلُّ عَلى وُقُوعِ الشَّكِّ ولا السُّؤالُ أصْلًا، فَإنَّ الشَّرْطَ لا يَدُلُّ عَلى وُقُوعِ المَشْرُوطِ بَلْ ولا عَلى إمْكانِهِ كَما قالَ تَعالى: ﴿لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلّا اللَّهُ لَفَسَدَتا﴾ [الأنبياء: ٢٢]، وقَوْلِهِ: ﴿قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إذًا لابْتَغَوْا إلى ذِي العَرْشِ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٤٢]، وقَوْلِهِ: ﴿قُلْ إنْ كانَ لِلرَّحْمَنِ ولَدٌ فَأنا أوَّلُ العابِدِينَ﴾ [الزخرف: ٨١]، وقَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إلَيْكَ وإلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥]، ونَظائِرِهِ، فَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَشُكَّ ولَمْ يَسْألْ.
وَفِي تَفْسِيرِ سَعِيدٍ «عَنْ قَتادَةَ قالَ: ذُكِرَ لَنا أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: " لا أشُكُّ ولا أسْألُ» ".
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: فَإنْ كُنْتَ في شَكٍّ أنَّكَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهم فاسْألْهم وهَذا اخْتِيارُ ابْنِ جَرِيرٍ.
قالَ: يَقُولُ تَعالى لِنَبِيِّهِ: فَإنْ كُنْتَ يا مُحَمَّدُ في شَكٍّ مِن حَقِيقَةِ ما أخْبَرْناكَ وأنْزَلْنا إلَيْكَ، مِن أنَّ بَنِي إسْرائِيلَ لَمْ يَخْتَلِفُوا في نُبُوَّتِكَ قَبْلَ أنْ أبْعَثَكَ رَسُولًا إلى خَلْقِي لِأنَّهم يَجِدُونَكَ مَكْتُوبًا عِنْدَهم ويَعْرِفُونَكَ بِالصِّفَةِ الَّتِي أنْتَ بِها مَوْصُوفٌ في كُتُبِهِمْ، فاسْألِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الكِتابَ مِن قَبْلِكَ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ ونَحْوِهِ مِن أهْلِ الصِّدْقِ والإيمانِ بِكَ مِنهم دُونَ أهْلِ الكَذِبِ والكُفْرِ بِكَ.
وَكَذَلِكَ قالَ ابْنُ زَيْدٍ: قالَ: هو عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ كانَ مِن أهْلِ الكِتابِ فَآمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
وَقالَ الضَّحّاكُ: سَلْ أهْلَ التَّقْوى والإيمانِ مِن مُؤْمِنِي أهْلِ الكِتابِ مِمَّنْ أدْرَكَ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ.
وَلَمْ يَقَعْ هَؤُلاءِ ولا هَؤُلاءِ عَلى مَعْنى الآيَةِ ومَقْصُودِها وأيْنَ كانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ وقْتَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ؟ فَإنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وابْنَ سَلامٍ إذْ ذاكَ عَلى دِينِ قَوْمِهِ، وكَيْفَ يُؤْمَرُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أنْ يَسْتَشْهِدَ عَلى مُنْكِرِي نُبُوَّتِهِ بِأتْباعِهِ؟
وَقالَ كَثِيرٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ: هَذا الخِطابُ لِلنَّبِيِّ ﷺ والمُرادُ غَيْرُهُ؛ لِأنَّ القُرْآنَ نَزَلَ عَلَيْهِ بِلُغَةِ العَرَبِ، وهم قَدْ يُخاطِبُونَ الرَّجُلَ بِالشَّيْءِ ويُرِيدُونَ غَيْرَهُ كَما يَقُولُ مُتَمَثِّلُهُمْ: (إيّاكِ أعْنِي واسْمَعِي يا جارَةُ).
وَكَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ياأيُّها النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ولا تُطِعِ الكافِرِينَ والمُنافِقِينَ﴾ [الأحزاب: ١]، والمُرادُ أتْباعُهُ بِهَذا الخِطابِ.
قالَ أبُو إسْحاقَ: إنَّ اللَّهَ تَعالى يُخاطِبُ النَّبِيَّ ﷺ والخِطابُ شامِلٌ لِلْخَلْقِ، والمَعْنى: وإنْ كُنْتُمْ في شَكٍّ والدَّلِيلُ عَلى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى في آخِرِ السُّورَةِ: ﴿قُلْ ياأيُّها النّاسُ إنْ كُنْتُمْ في شَكٍّ مِن دِينِي فَلا أعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [يونس: ١٠٤].
وَقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: كانَ النّاسُ في عَصْرِ النَّبِيِّ ﷺ أصْنافًا مِنهم كافِرٌ بِهِ مُكَذِّبٌ، وآخَرُ مُؤْمِنٌ بِهِ مُصَدِّقٌ، وآخَرُ شاكٌّ في الأمْرِ لا يَدْرِي كَيْفَ هُوَ، فَهو يُقَدِّمُ رِجْلًا ويُؤَخِّرُ رِجْلًا، فَخاطَبَ اللَّهُ تَعالى هَذا الصِّنْفَ مِنَ النّاسِ وقالَ: فَإنْ كُنْتَ أيُّها الإنْسانُ في شَكٍّ مِمّا أنْزَلْنا إلَيْكَ مِنَ الهُدى عَلى لِسانِ مُحَمَّدٍ فَسَلْ.
قالَ: ووَحَّدَ وهو يُرِيدُ الجَمْعَ كَما قالَ: ﴿ياأيُّها الإنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ﴾ [الانفطار: ٦]، و: ﴿ياأيُّها الإنْسانُ إنَّكَ كادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ﴾ [الانشقاق: ٦]، و: ﴿وَإذا مَسَّ الإنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيبًا إلَيْهِ﴾ [الزمر: ٨].
وَهَذا - وإنْ كانَ لَهُ وجْهٌ - فَسِياقُ الكَلامِ يَأْباهُ فَتَأمَّلْهُ.
وَتَأمَّلْ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿يَقْرَءُونَ الكِتابَ مِن قَبْلِكَ﴾ [يونس: ٩٤]، وقَوْلَهُ: ﴿إنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس: ٩٦]، وقَوْلَهُ: ﴿وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن في الأرْضِ كُلُّهم جَمِيعًا أفَأنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ٩٩]، وهَذا كُلُّهُ خِطابٌ واحِدٌ مُتَّصِلٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ.
وَلَمّا عَرَفَ أرْبابُ هَذا القَوْلِ أنَّ الخِطابَ لا يَتَوَجَّهُ إلّا عَلى النَّبِيِّ ﷺ قالُوا: الخِطابُ لَهُ والمُرادُ بِهِ هَذا الصِّنْفُ الشّاكُّ، وكُلُّ هَذا فِرارٌ مِن تَوَهُّمِ ما لَيْسَ بِمَوْهُومٍ: وهو وُقُوعُ الشَّكِّ مِنهُ والسُّؤالُ، وقَدْ بَيَّنا أنَّهُ لا يَلْزَمُ إمْكانُ ذَلِكَ فَضْلًا عَنْ وُقُوعِهِ.
فَإنْ قِيلَ: فَإذا لَمْ يَكُنْ واقِعًا ولا مُمْكِنًا فَما مَقْصُودُ الخِطابِ والمُرادُ بِهِ؟
قِيلَ: المَقْصُودُ بِهِ إقامَةُ الحُجَّةِ عَلى مُنْكِرِي النُّبُوّاتِ والتَّوْحِيدِ، وأنَّهم مُقِرُّونَ بِذَلِكَ لا يَجْحَدُونَهُ ولا يُنْكِرُونَهُ وأنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ أرْسَلَ إلَيْهِمْ رُسُلَهُ وأنْزَلَ عَلَيْهِمْ كُتُبَهُ بِذَلِكَ، وأرْسَلَ مَلائِكَتَهُ إلى أنْبِيائِهِ بِوَحْيِهِ وكَلامِهِ، فَمَن شَكَّ في ذَلِكَ فَلْيَسْألْ أهْلَ الكِتابِ، فَأُخْرِجَ هَذا المَعْنى في أوْجَزِ عِبارَةٍ وأدَلِّها عَلى المَقْصُودِ، بِأنْ جُعِلَ الخِطابُ لِرَسُولِهِ الَّذِي لَمْ يَشُكَّ قَطُّ ولَمْ يَسْألْ قَطُّ ولا عَرَضَ لَهُ ما يَقْتَضِي ذَلِكَ، وأنْتَ إذا تَأمَّلْتَ هَذا الخِطابَ بَدا لَكَ عَلى صَفَحاتِهِ: مَن شَكَّ فَلْيَسْألْ فَرَسُولِي لَمْ يَشُكَّ ولَمْ يَسْألْ.
{"ayah":"فَإِن كُنتَ فِی شَكࣲّ مِّمَّاۤ أَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ فَسۡـَٔلِ ٱلَّذِینَ یَقۡرَءُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلِكَۚ لَقَدۡ جَاۤءَكَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق