الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إسْرائِيلَ﴾ أيْ: أنْزَلْناهم مَنزِلَ صِدْقٍ، أيْ مَنزِلًا كَرِيمًا. وفي المُرادِ بِبَنِي إسْرائِيلَ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أصْحابُ مُوسى. والثّانِي: قُرَيْظَةُ والنَّضِيرُ. وفي المُرادِ بِالمَنزِلِ الَّذِي أُنْزِلُوهُ خَمْسَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّهُ الأُرْدُنُ، وفِلَسْطِينُ، قالَهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: الشّامُ، وبَيْتُ المَقْدِسِ، قالَهُ الضَّحّاكُ وقَتادَةُ. والثّالِثُ: مِصْرُ، رُوِيَ عَنِ الضَّحّاكِ أيْضًا. والرّابِعُ: بَيْتُ المَقْدِسِ، قالَهُ مُقاتِلٌ. والخامِسُ: ما بَيْنَ المَدِينَةِ والشّامِ مِن أرْضِ يَثْرِبَ، ذَكَرَهُ عَلِيُّ بْنُ أحْمَدَ النَّيْسابُورِيُّ. والمُرادُ بِالطَّيِّباتِ: ما أُحِلَّ لَهم مِنَ الخَيْراتِ (p-٦٣)الطَّيِّبَةِ. ﴿فَما اخْتَلَفُوا﴾ يَعْنِي بَنِي إسْرائِيلَ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ما اخْتَلَفُوا في مُحَمَّدٍ، لَمْ يَزالُوا بِهِ مُصَدِّقِينَ، ﴿حَتّى جاءَهُمُ العِلْمُ﴾ يَعْنِي: القُرْآنَ، ورُوِيَ عَنْهُ: حَتّى جاءَهُمُ العِلْمُ، يَعْنِي مُحَمَّدًا. فَعَلى هَذا يَكُونُ العِلْمُ هاهُنا: عِبارَةً عَنِ المَعْلُومِ. وبَيانُ هَذا أنَّهُ لَمّا جاءَهُمُ، اخْتَلَفُوا في تَصْدِيقِهِ، وكَفَرَ بِهِ أكْثَرُهم بَغْيًا وحَسَدًا بَعْدَ أنْ كانُوا مُجْتَمِعِينَ عَلى تَصْدِيقِهِ قَبْلَ ظُهُورِهِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ كُنْتَ في شَكٍّ﴾ في تَأْوِيلِ هَذِهِ الآيَةِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّ الخِطابَ لِلنَّبِيِّ ﷺ والمُرادُ غَيْرُهُ مِنَ الشّاكِّينَ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ في آخِرِ السُّورَةِ: ﴿إنْ كُنْتُمْ في شَكٍّ مِن دِينِي﴾ [يُونُسَ:١٠٥]، ومِثْلُهُ قَوْلُهُ: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ولا تُطِعِ الكافِرِينَ والمُنافِقِينَ إنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الأحْزابِ:١] ثُمَّ قالَ: ﴿بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [الأحْزابِ:٢] ولَمْ يَقُلْ: بِما تَعْمَلُ، وهَذا قَوْلُ الأكْثَرِينَ. والثّانِي: أنَّ الخِطابَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، وهو المُرادُ بِهِ. ثُمَّ في المَعْنى قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ خُوطِبَ بِذَلِكَ وإنْ لَمْ يَكُنْ في شَكٍّ، لِأنَّهُ مِنَ المُسْتَفِيضِ في لُغَةِ العَرَبِ أنْ يَقُولَ الرَّجُلَ لِوَلَدِهِ: إنْ كُنْتَ ابْنِي فَبِرَّنِي، ولِعَبْدِهِ: إنْ كُنْتَ عَبْدِي فَأطِعْنِي، وهَذا اخْتِيارُ الفَرّاءُ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في شَكٍّ، ولا سَألَ. والثّانِي: أنْ تَكُونَ " إنْ " بِمَعْنى " ما " فالمَعْنى: ما كُنْتَ في شَكٍّ ﴿فاسْألِ﴾، المَعْنى: لَسْنا نُرِيدُ أنْ نَأْمُرَكَ أنْ تَسْألَ لِأنَّكَ شاكٌّ، ولَكِنْ لِتَزْدادَ بَصِيرَةً، ذَكَرَهُ الزَّجّاجُ. والثّالِثُ: أنَّ الخِطابَ لِلشّاكِّينَ، فالمَعْنى: إنْ كُنْتَ أيُّها الإنْسانُ في شَكٍّ مِمّا أُنْزِلَ إلَيْكَ عَلى لِسانِ مُحَمَّدٍ، فَسَلْ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ قُتَيْبَةَ. وَفِي الَّذِي أُنْزِلَ إلَيْهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ أُنْزِلَ إلَيْهِ أنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ. والثّانِي: أنَّهُ مَكْتُوبٌ عِنْدَهم في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ. (p-٦٤)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاسْألِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الكِتابَ مِن قَبْلِكَ﴾ وهُمُ اليَهُودُ والنَّصارى. وفي الَّذِينَ أُمِرَ بِسُؤالِهِمْ مِنهم قَوْلانِ: أحَدُهُما: مَن آمَنَ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ في آخَرِينَ. والثّانِي: أهْلُ الصِّدْقِ مِنهم، قالَهُ الضَّحّاكُ، وهو يَرْجِعُ إلى الأوَّلِ، لِأنَّهُ لا يُصَدِّقُ إلّا مَن آمَنَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَقَدْ جاءَكَ الحَقُّ مِن رَبِّكَ﴾ هَذا كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ﴾ أيْ: وجَبَتْ ﴿عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾ أيْ: قَوْلُهُ. وبِماذا حَقَّتِ الكَلِمَةُ عَلَيْهِمْ، فِيهِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: بِاللَّعْنَةِ. والثّانِي: بِنُزُولِ العَذابِ. والثّالِثُ: بِالسُّخْطِ. والرّابِعُ: بِالنِّقْمَةِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَوْ جاءَتْهم كُلُّ آيَةٍ﴾ قالَ الأخْفَشُ: إنَّما أنَّثَ فِعْلُ " كَلٍّ " لِأنَّهُ أضافَهُ إلى " آيَةٍ " وهي مُؤَنَّثَةٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب