الباحث القرآني
﴿فَإنْ تابُوا وأقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ فَإخْوانُكم في الدِّينِ﴾ تَفْرِيعُ حُكْمٍ عَلى حُكْمٍ لِتَعْقِيبِ الشِّدَّةِ بِاللِّينِ إنْ هم أقْلَعُوا عَنْ عَداوَةِ المُسْلِمِينَ بِأنْ دَخَلُوا في الإسْلامِ لِقَصْدِ مَحْوِ أثَرِ الحَنَقِ عَلَيْهِمْ إذا هم أسْلَمُوا. أعْقَبَ بِهِ جُمْلَةَ ﴿إنَّهم ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ٩] إلى قَوْلِهِ: ”المُعْتَدُونَ“ تَنْبِيهًا لَهم عَلى أنَّ تَدارُكَهم أمْرَهم هَيِّنٌ عَلَيْهِمْ. وفَرَّعَ عَلى التَّوْبَةِ أنَّهم يَصِيرُونَ إخْوانًا لِلْمُؤْمِنِينَ. ولَمّا كانَ المَقامُ هُنا لِذِكْرِ عَداوَتِهِمْ مَعَ المُؤْمِنِينَ جُعِلَتْ تَوْبَتُهم سَبَبًا لِلْأُخُوَّةِ مَعَ المُؤْمِنِينَ، بِخِلافِ مَقامِ قَوْلِهِ قَبْلَهُ ﴿فَإنْ تابُوا وأقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ [التوبة: ٥] حَيْثُ إنَّ المُعَقَّبَ بِالتَّوْبَةِ هُنالِكَ هو الأمْرُ بِقِتالِهِمْ والتَّرَصُّدِ لَهم، فَناسَبَ أنْ يُفَرَّعَ عَلى تَوْبَتِهِمْ عَدَمُ التَّعَرُّضِ لَهم بِسُوءٍ. وقَدْ حَصَلَ مِن مَجْمُوعِ الآيَتَيْنِ أنَّ تَوْبَتَهم تُوجِبُ أمْنَهم وأُخُوَّتَهم.
ومِن لَطائِفِ الآيَتَيْنِ أنْ جُعِلَتِ الأُخُوَّةُ مَذْكُورَةً ثانِيًا لِأنَّها أخَصُّ الفائِدَتَيْنِ مِن تَوْبَتِهِمْ، فَكانَتْ هَذِهِ الآيَةُ مُؤَكِّدَةً لِأُخْتِها في أصْلِ الحُكْمِ.
وقَوْلُهُ: ”فَإخْوانُكم“ خَبَرٌ لِمَحْذُوفٍ أيْ: فَهم إخْوانُكم. وصِيغَ هَذا الخَبَرُ بِالجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ: لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ إيمانَهم يَقْتَضِي ثَباتَ الأُخُوَّةِ ودَوامَها، تَنْبِيهًا عَلى أنَّهم يَعُودُونَ كالمُؤْمِنِينَ السّابِقِينَ مِن قَبْلُ في أصْلِ الأُخُوَّةِ الدِّينِيَّةِ.
(p-١٢٨)والإخْوانُ جَمْعُ أخٍ في الحَقِيقَةِ والمَجازِ، وأُطْلِقَتِ الأُخُوَّةُ هُنا عَلى المَوَدَّةِ والصَّداقَةِ.
والظَّرْفِيَّةُ في قَوْلِهِ: ﴿فِي الدِّينِ﴾ مَجازِيَّةٌ: تَشْبِيهًا لِلْمُلابَسَةِ القَوِيَّةِ بِإحاطَةِ الظَّرْفِ بِالمَظْرُوفِ زِيادَةً في الدَّلالَةِ عَلى التَّمَكُّنِ مِنَ الإسْلامِ وأنَّهُ يَجُبُّ ما قَبْلَهُ.
* * *
﴿ونُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾
اعْتِراضٌ وتَذْيِيلٌ، والواوُ اعْتِراضِيَّةٌ، ومُناسَبَةُ مَوْقِعِهِ عَقِبَ قَوْلِهِ: ﴿اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [التوبة: ٩] أنَّهُ تَضَمَّنَ أنَّهم لَمْ يَهْتَدُوا بِآياتِ اللَّهِ ونَبَذُوها عَلى عِلْمٍ بِصِحَّتِها كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ وأضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ﴾ [الجاثية: ٢٣] وبِاعْتِبارِ ما فِيهِ مِن فَرْضِ تَوْبَتِهِمْ وإيمانِهِمْ إذا أقْلَعُوا عَنْ إيثارِ الفَسادِ عَلى الصَّلاحِ، فَكانَ قَوْلُهُ: ﴿ونُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ جامِعًا لِلْحالَيْنِ، دالًّا عَلى أنَّ الآياتِ المَذْكُورَةَ آنِفًا في قَوْلِهِ: ﴿اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [التوبة: ٩] آياتٌ واضِحَةٌ مُفَصَّلَةٌ، وأنَّ عَدَمَ اهْتِداءِ هَؤُلاءِ بِها لَيْسَ لِنَقْصٍ فِيها ولَكِنَّها إنَّما يَهْتَدِي بِها قَوْمٌ يَعْلَمُونَ، فَإنْ آمَنُوا فَقَدْ كانُوا مِن قَوْمٍ يَعْلَمُونَ. ويُفْهَمُ مِنهُ أنَّهم إنِ اشْتَرَوْا بِها ثَمَنًا قَلِيلًا فَلَيْسُوا مِن قَوْمٍ يَعْلَمُونَ، فَنُزِّلَ عِلْمُهم حِينَئِذٍ مَنزِلَةَ عَدَمِهِ لِانْعِدامِ أثَرِ العِلْمِ، وهو العَمَلُ بِالعِلْمِ، وفِيهِ نِداءٌ عَلَيْهِمْ بِمُساواتِهِمْ لِغَيْرِ أهْلِ العُقُولِ كَقَوْلِهِ: ﴿وما يَعْقِلُها إلّا العالِمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٣]
وحُذِفَ مَفْعُولُ ”يَعْلَمُونَ“ لِتَنْزِيلِ الفِعْلِ مَنزِلَةَ اللّازِمِ إذْ أُرِيدَ بِهِ: لِقَوْمٍ ذَوِي عِلْمٍ وعَقْلٍ.
وعُطِفَ هَذا التَّذْيِيلُ عَلى جُمْلَةِ ﴿فَإنْ تابُوا وأقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ فَإخْوانُكم في الدِّينِ﴾ لِأنَّهُ بِهِ أعْلَقُ؛ لِأنَّهم إنْ تابُوا فَقَدْ صارُوا إخْوانًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَصارُوا مِن قَوْمٍ يَعْلَمُونَ، إذْ ساوَوُا المُسْلِمِينَ في الِاهْتِداءِ بِالآياتِ المُفَصَّلَةِ.
ومَعْنى التَّفْصِيلِ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ ولِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام: ٥٥] في سُورَةِ الأنْعامِ.
{"ayah":"فَإِن تَابُوا۟ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخۡوَ ٰنُكُمۡ فِی ٱلدِّینِۗ وَنُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق