ولَمّا بَيَّنَ ما أوْجَبَ بُعْدَهم مِنهم ومُعاداتَهم لَهُمْ، بَيَّنَ ما يَصِيرُونَ بِهِ أهْلًا فَقالَ: ﴿فَإنْ تابُوا﴾ أيْ: بِالإيمانِ بِسَبَبِ ما أبْدَيْتُمْ لَهم مِنَ الغِلْظَةِ ﴿وأقامُوا﴾ أيْ: أيَّدُوا ذَلِكَ بِأنْ أقامُوا ﴿الصَّلاةَ﴾ أيْ: بِجَمِيعِ حُدُودِها ﴿وآتَوُا الزَّكاةَ﴾ أيْ: كَما حَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ﴿فَإخْوانُكُمْ﴾ أيْ: هُمْ، وبَيَّنَ أنَّها لَيْسَتْ أُخُوَّةَ النَّسَبِ فَقالَ: ﴿فِي الدِّينِ﴾ لَهم ما لَكم وعَلَيْهِمْ ما عَلَيْكُمْ، فَلا تَعْرِضُوا لَهم بِما يَكْرَهُونَهُ.
ولَمّا كانَ كَأنَّهُ قِيلَ بَعْثًا وتَحْرِيضًا عَلى تَأمُّلِ ما فَصَّلَ: قَدْ فَصَّلْنا لَكم (p-٣٩١)أمْرَهم في هَذِهِ الآياتِ تَفْصِيلًا، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿ونُفَصِّلُ﴾ أيْ: في كُلِّ أمْرٍ يَحْتاجُونَ جَمِيعَ ﴿الآياتِ﴾ وعَظَّمَ هَذِهِ الآياتِ وحَثَّهم عَلى تَدَبُّرِها بِقَوْلِهِ: ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ أيْ: صارَ العِلْمُ لَهم صِفَةً فَلَهم مَلَكَةٌ يَتَصَرَّفُونَ بِها في أُصُولِهِ وفُرُوعِهِ، لا يَغْتَرُّونَ بِمُجَرَّدِ كَلامٍ مِن شَأْنِهِ الرَّداءَةُ والمُخالَفَةُ بَيْنَ القَوْلِ والعَمَلِ، والِاعْتِراضُ بِهَذا بَيْنَ هَذِهِ الجُمَلِ المُتَلاحِمَةِ إشارَةٌ إلى عِظَمِ الأمْرِ الَّذِي نَبَّهَ عَلَيْهِ، وتَحْرِيضٌ عَلى إنْعامِ النَّظَرِ فِيهِ لِيُعْلَمَ أنَّ مَدُخُولَهُ جَلِيلُ الأمْرِ عَظِيمُ القَدْرِ؛ لِئَلّا يُظَنَّ أنَّهُ تَكْرارٌ.
{"ayah":"فَإِن تَابُوا۟ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخۡوَ ٰنُكُمۡ فِی ٱلدِّینِۗ وَنُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ"}