الباحث القرآني
﴿فَدَلّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمّا ذاقا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِن ورَقِ الجَنَّةِ﴾
(p-٦١)تَفْرِيعٌ عَلى جُمْلَةِ: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُما الشَّيْطانُ﴾ [الأعراف: ٢٠] وما عُطِفَ عَلَيْهِما.
ومَعْنى فَدَلّاهُما أقْدَمَهُما فَفَعَلا فِعْلًا يَطْمَعانِ بِهِ في نَفْعٍ فَخابا فِيهِ، وأصْلُ دَلّى تَمْثِيلُ حالِ مَن يَطْلُبُ شَيْئًا مِن مَظِنَّتِهِ فَلا يَجِدُهُ بِحالِ مَن يُدَلِّي دَلْوَهُ أوْ رِجْلَيْهِ في البِئْرِ لِيَسْتَقِيَ مِن مائِها فَلا يَجِدُ فِيها ماءً فَيُقالُ دَلّى فُلانٌ، يُقالُ دَلّى كَما يُقالُ أدْلى.
والباءُ لِلْمُلابَسَةِ أيْ دَلّاهُما مُلابِسًا لِلْغُرُورِ أيْ لِاسْتِيلاءِ الغُرُورِ عَلَيْهِ، إذِ الغُرُورُ هو اعْتِقادُ الشَّيْءِ نافِعًا بِحَسَبِ ظاهِرِ حالِهِ ولا نَفْعَ فِيهِ عِنْدَ تَجْرِبَتِهِ، وعَلى هَذا القِياسِ يُقالُ دَلّاهُ بِغُرُورٍ إذا أوْقَعَهُ في الطَّمَعِ فِيما لا نَفْعَ فِيهِ، كَما في هَذِهِ الآيَةِ وقَوْلِ أبِي جُنْدُبٍ الهُذَلِيِّ هو ابْنُ مُرَّةَ ولَمْ أقِفْ عَلى تَعْرِيفِهِ فَإنْ كانَ إسْلامِيًّا كانَ قَدْ أخَذَ قَوْلَهُ كَمَن يُدَلّى بِالغُرُورِ مِنَ القُرْآنِ، وإلّا كانَ مُسْتَعْمَلًا مِن قَبْلُ:
؎أحُصُّ فَلا أُجِيرُ ومَن أجِرْهُ فَلَيْسَ كَمَن يُدَلّى بِالغُرُورِ
وعَلى هَذا الِاسْتِعْمالِ فَفِعْلُ دَلّى يُسْتَعْمَلُ قاصِرًا، ويُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا إذا جُعِلَ غَيْرُهُ مُدَلَّيًا، هَذا ما يُؤْخَذُ مِن كَلامِ أهْلِ اللُّغَةِ في هَذا اللَّفْظِ، وفِيهِ تَفْسِيراتٌ أُخْرى لا جَدْوى في ذِكْرِها.
ودَلَّ قَوْلُهُ: ﴿فَدَلّاهُما بِغُرُورٍ﴾ عَلى أنَّهُما فَعَلا ما وسْوَسَ لَهُما الشَّيْطانُ، فَأكَلا مِنَ الشَّجَرَةِ، فَقَوْلُهُ: فَلَمّا ذاقا الشَّجَرَةَ تَرْتِيبٌ عَلى دَلّاهُما بِغُرُورٍ فَحُذِفَتِ الجُمْلَةُ واسْتُغْنِيَ عَنْها بِإيرادِ الِاسْمِ الظّاهِرِ في جُمْلَةِ شَرْطِ لَمّا، والتَّقْدِيرُ: فَأكَلا مِنها، كَما ورَدَ مُصَرَّحًا بِهِ في سُورَةِ البَقَرَةِ، فَلَمّا ذاقاها بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما.
والذَّوْقُ إدْراكُ طَعْمِ المَأْكُولِ أوِ المَشْرُوبِ بِاللِّسانِ، وهو يَحْصُلُ عِنْدَ (p-٦٢)ابْتِداءِ الأكْلِ أوِ الشُّرْبِ، ودَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى أنَّ بُدُوَّ سَوْآتِهِما حَصَلَ عِنْدَ أوَّلِ إدْراكِ طَعْمِ الشَّجَرَةِ، دَلالَةٌ عَلى سُرْعَةِ تَرَتُّبِ الأمْرِ المَحْذُورِ عِنْدَ أوَّلِ المُخالَفَةِ، فَزادَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى آيَةِ البَقَرَةِ.
وهَذِهِ أوَّلُ وسْوَسَةٍ صَدَرَتْ عَنِ الشَّيْطانِ. وأوَّلُ تَضْلِيلٍ مِنهُ لِلْإنْسانِ.
وقَدْ أفادَتْ لَمّا تَوْقِيتَ بُدُوِّ سَوْآتِهِما بِوَقْتِ ذَوْقِهِما الشَّجَرَةَ، لِأنَّ لَمّا حَرْفٌ يَدُلُّ عَلى وُجُودِ شَيْءٍ عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهِ، فَهي لِمُجَرَّدِ تَوْقِيتِ مَضْمُونِ جَوابِها بِزَمانِ وُجُودِ شَرْطِها، وهَذا مَعْنى قَوْلِهِمْ: حَرْفُ وُجُودٍ لِوُجُودٍ فاللّامُ في قَوْلِهِمْ لِوُجُودٍ بِمَعْنى عِنْدَ ولِذَلِكَ قالَ بَعْضُهم هي ظَرْفٌ بِمَعْنى حِينَ، يُرِيدُ بِاعْتِبارِ أصْلِها، وإذْ قَدِ التَزَمُوا فِيها تَقْدِيمَ ما يَدُلُّ عَلى الوَقْتِ لا عَلى المُؤَقَّتِ، شابَهَتْ أدَواتَ الشَّرْطِ فَقالُوا: حَرْفُ وُجُودٍ لِوُجُودٍ كَما قالُوا في لَوْ: حَرْفُ امْتِناعٍ لِامْتِناعٍ، وفي لَوْلا: حَرْفُ امْتِناعٍ لِوُجُودٍ، ولَكِنَّ اللّامَ في عِبارَةِ النُّحاةِ في تَفْسِيرِ مَعْنى لَوْ ولَوْلا، هي لامُ التَّعْلِيلِ، بِخِلافِها في عِبارَتِهِمْ في ”لَمّا“ لِأنَّ ”لَمّا“ لا دَلالَةَ لَها عَلى سَبَبٍ ألا تَرى قَوْلَهُ تَعالى: ﴿فَلَمّا نَجّاكم إلى البَرِّ أعْرَضْتُمْ﴾ [الإسراء: ٦٧] إذْ لَيْسَ الإنْجاءُ بِسَبَبٍ لِلْإعْراضِ، ولَكِنْ لَمّا كانَ بَيْنَ السَّبَبِ والمُسَبَّبِ تَقارُنٌ كَثُرَ في شَرْطِ ”لَمّا“ وجَوابِها مَعْنى السَّبَبِيَّةِ دُونَ اطِّرادٍ، فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَمّا ذاقا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما﴾ لا يَدُلُّ عَلى أكْثَرِ مِن حُصُولِ ظُهُورِ السَّوْآتِ عِنْدَ ذَوْقِ الشَّجَرَةِ، أيْ أنَّ اللَّهَ جَعَلَ الأمْرَيْنِ مُقْتَرِنَيْنِ في الوَقْتِ، ولَكِنَّ هَذا التَّقارُنَ هو لِكَوْنِ الأمْرَيْنِ مُسَبَّبَيْنِ عَنْ سَبَبٍ واحِدٍ، وهو خاطِرُ السُّوءِ الَّذِي نَفَثَهُ الشَّيْطانُ فِيهِما، فَسَبَّبَ الإقْدامَ عَلى المُخالَفَةِ لِلتَّعالِيمِ الصّالِحَةِ، والشُّعُورَ بِالنَّقِيصَةِ، فَقَدْ كانَ آدَمُ وزَوْجُهُ في طَوْرِ سَذاجَةِ العِلْمِ، وسَلامَةِ الفِطْرَةِ، شَبِيهَيْنِ بِالمَلائِكَةِ لا يُقْدِمانِ عَلى مَفْسَدَةٍ (p-٦٣)ولا مَضَرَّةٍ، ولا يُعْرِضانِ عَنْ نُصْحِ ناصِحٍ عَلِما صِدْقَهُ، إلى خَبَرِ مُخْبِرٍ يَشُكّانِ في صِدْقِهِ، ويَتَوَقَّعانِ غُرُورَهُ، ولا يَشْعُرانِ بِالسُّوءِ في الأفْعالِ، ولا في ذَرائِعِها ومُقارَناتِها. لِأنَّ اللَّهَ خَلَقَهُما في عالَمٍ مَلَكِيٍّ، ثُمَّ تَطَوَّرَتْ عَقْلِيَّتُهُما إلى طَوْرِ التَّصَرُّفِ في تَغْيِيرِ الوِجْدانِ، فَتَكَوَّنَ فِيهِما فِعْلُ ما نُهِيا عَنْهُ، ونَشَأ مِن ذَلِكَ التَّطَوُّرِ الشُّعُورُ بِالسُّوءِ لِلْغَيْرِ، وبِالسُّوءِ لِلنَّفْسِ، والشُّعُورُ بِالأشْياءِ الَّتِي تُؤَدِّي إلى السُّوءِ، وتُقارِنُ السُّوءَ وتُلازِمُهُ.
ثُمَّ إنْ كانَ ”السَّوْآتُ“ بِمَعْنى ما يَسُوءُ مِنَ النَّقائِصِ، أوْ كانَ بِمَعْنى العَوْراتِ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِن سَوْآتِهِما﴾ [الأعراف: ٢٠] فَبُدُوُّ ذَلِكَ لَهُما مُقارِنٌ ذَوْقَ الشَّجَرَةِ الَّذِي هو أثَرُ الإقْدامِ عَلى المَعْصِيَةِ ونَبْذُ النَّصِيحَةِ إلى الِاقْتِداءِ بِالغُرُورِ والِاغْتِرارِ بِقِسْمِهِ، فَإنَّهُما لَمّا نَشَأتْ فِيهِما فِكْرَةُ السُّوءِ في العَمَلِ، وإرادَةُ الإقْدامِ عَلَيْهِ، قارَنَتْ تِلْكَ الكَيْفِيَّةُ الباعِثَةُ عَلى الفِعْلِ نَشْأةَ الِانْفِعالِ بِالأشْياءِ السَّيِّئَةِ، وهي الأشْياءُ الَّتِي تَظْهَرُ بِها الأفْعالُ السَّيِّئَةُ، أوْ تَكُونُ ذَرِيعَةً إلَيْها، كَما تَنْشَأُ مَعْرِفَةُ آلَةِ القَطْعِ عِنْدَ العَزْمِ عَلى القَتْلِ، ومِن فِكْرَةِ السَّرِقَةِ مَعْرِفَةُ المَكانِ الَّذِي يَخْتَفِي فِيهِ، وكَذَلِكَ تَنْشَأُ مَعْرِفَةُ الأشْياءِ الَّتِي تُلازِمُ السُّوءَ وتُقارِنُهُ، وإنْ لَمْ تَكُنْ سَيِّئَةً، في ذاتِها، كَما تَنْشَأُ مَعْرِفَةُ اللَّيْلِ مِن فِكْرَةِ السَّرِقَةِ أوِ الفِرارِ، فَتَنْشَأُ في نُفُوسِ النّاسِ كَراهِيَتُهُ ونِسْبَتُهُ إلى إصْدارِ الشُّرُورِ، فالسَّوْآتُ إنْ كانَ مَعْناهُ مُطْلَقُ ما يَسُوءُ مِنهُما ونَقائِصُهُما فَهي مِن قَبِيلِ القِسْمَيْنِ، وإنْ كانَ مَعْناهُ العَوْرَةُ فَهي مِن قَبِيلِ القِسْمِ الثّانِي، أعْنِي الشَّيْءَ المُقارِنَ لِما يَسُوءُ، لِأنَّ العَوْرَةَ تُقارِنُ فِعْلًا سَيِّئًا مِنَ النَّقائِصِ المَحْسُوسَةِ، واللَّهُ أوْجَدَها سَبَبَ مَصالِحٍ، فَلَمْ يَشْعُرْ آدَمُ وزَوْجُهُ بِشَيْءٍ مِمّا خُلِقَتْ لِأجْلِهِ، وإنَّما شَعَرا بِمُقارَنَةِ شَيْءٍ مَكْرُوهٍ لِذَلِكَ وكُلُّ ذَلِكَ نَشَأ بِإلْهامٍ مِنَ اللَّهِ تَعالى، وهَذا التَّطَوُّرُ الَّذِي أشارَتْ إلَيْهِ الآيَةُ، قَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَطَوُّرًا فِطْرِيًّا في ذُرِّيَّةِ آدَمَ، فالطِّفْلُ في أوَّلِ عُمْرِهِ يَكُونُ بَرِيئًا مِن خَواطِرِ السُّوءِ فَلا يَسْتاءُ مِن تِلْقاءِ نَفْسِهِ إلّا إذا لَحِقَ بِهِ مُؤْلِمٌ خارِجِيٌّ، (p-٦٤)ثُمَّ إذا تَرَعْرَعَ أخَذَتْ خَواطِرُ السُّوءِ تَنْتابُهُ في باطِنِ نَفْسِهِ فَيَفْرِضُها ويُوَلِّدُها، ويَنْفَعِلُ بِها أوْ يَفْعَلُ بِما تُشِيرُ بِهِ عَلَيْهِ.
وقَوْلُهُ: ﴿وطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِن ورَقِ الجَنَّةِ﴾ حِكايَةٌ لِابْتِداءِ عَمَلِ الإنْسانِ لِسَتْرِ نَقائِصِهِ، وتُحِيلُهُ عَلى تَجَنُّبِ ما يَكْرَهُهُ، وعَلى تَحْسِينِ حالِهِ بِحَسْبِ ما يُخَيِّلُ إلَيْهِ خَيالُهُ، وهَذا أوَّلُ مَظْهَرٍ مِن مَظاهِرِ الحَضارَةِ أنْشَأهُ اللَّهُ في عَقْلَيْ أصْلَيِ البَشَرِ، فَإنَّهُما لَمّا شَعَرا بِسَوْآتِهِما بِكِلا المَعْنَيَيْنِ، عَرَفا بَعْضَ جُزْئِيّاتِها، وهي العَوْرَةُ وحَدَثَ في نُفُوسِهِما الشُّعُورُ بِقُبْحِ بُرُوزِها، فَشَرَعا يُخْفِيانِها عَنْ أنْظارِهِما اسْتِبْشاعًا وكَراهِيَةً، وإذْ قَدْ شَعَرا بِذَلِكَ بِالإلْهامِ الفِطْرِيِّ، حَيْثُ لا مُلَقِّنَ يُلَقِّنُهُما ذَلِكَ، ولا تَعْلِيمَ يُعَلِّمُهُما، تَقَرَّرَ في نُفُوسِ النّاسِ أنَّ كَشْفَ العَوْرَةِ قَبِيحٌ في الفِطْرَةِ، وأنَّ سَتْرَها مُتَعَيَّنٌ، وهَذا مِن حُكْمِ القُوَّةِ الواهِمَةِ الَّذِي قارَنَ البَشَرَ في نَشْأتِهِ، فَدَلَّ عَلى أنَّهُ وهْمٌ فِطْرِيٌّ مُتَأصِّلٌ، فَلِذَلِكَ جاءَ دِينُ الفِطْرَةِ بِتَقْرِيرِ سَتْرِ العَوْرَةِ، مُشايَعَةً لِما اسْتَقَرَّ في نُفُوسِ البَشَرِ، وقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِلْقُوَّةِ الواهِمَةِ سُلْطانًا عَلى نُفُوسِ البَشَرِ في عُصُورٍ طَوِيلَةٍ، لِأنَّ في اتِّباعِها عَوْنًا عَلى تَهْذِيبِ طِباعِهِ، ونَزْعِ الجَلافَةِ الحَيَوانِيَّةِ مِنَ النَّوْعِ، لِأنَّ الواهِمَةَ لا تُوجَدُ في الحَيَوانِ، ثُمَّ أخَذَتِ الشَّرائِعُ، ووَصايا الحُكَماءِ، وآدابُ المُرَبِّينَ، تُزِيلُ مِن عُقُولِ البَشَرِ مُتابَعَةَ الأوْهامِ تَدْرِيجًا مَعَ الزَّمانِ، ولا يُبْقُونَ مِنها إلّا ما لا بُدَّ مِنهُ لِاسْتِبْقاءِ الفَضِيلَةِ في العادَةِ بَيْنَ البَشَرِ، حَتّى جاءَ الإسْلامُ وهو الشَّرِيعَةُ الخاتِمَةُ فَكانَ نَوْطُ الأحْكامِ في دِينِ الإسْلامِ بِالأُمُورِ الوَهْمِيَّةِ مُلْغًى في غالِبِ الأحْكامِ، كَما فَصَّلْتُهُ في كِتابِ مَقاصِدِ الشَّرِيعَةِ وكِتابِ ”أُصُولِ نِظامِ الِاجْتِماعِ في الإسْلامِ“ .
والخَصْفُ حَقِيقَتُهُ تَقْوِيَةُ الطَّبَقَةِ مِنَ النَّعْلِ بِطَبَقَةٍ أُخْرى لِتَشْتَدَّ، ويُسْتَعْمَلُ مَجازًا مُرْسَلًا في مُطْلَقِ التَّقْوِيَةِ لِلْخِرْقَةِ والثَّوْبِ، ومِنهُ ثَوْبٌ خَصِيفٌ أيْ مَخْصُوفٌ أيْ غَلِيظُ النَّسْجِ لا يَشِفُّ عَمّا تَحْتَهُ، فَمَعْنى يَخْصِفانِ يَضَعانِ عَلى عَوْراتِهِما الوَرَقَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ كَفِعْلِ الخاصِفِ وضْعًا مُلْزَقًا مُتَمَكَّنًا، وهَذا هو الظّاهِرُ هُنا إذْ لَمْ يَقُلْ يَخْصِفانِ ورَقَ الجَنَّةِ.
(p-٦٥)ومِن في قَوْلِهِ: ﴿مِن ورَقِ الجَنَّةِ﴾ يَجُوزُ كَوْنُها اسْمًا بِمَعْنى بَعْضٍ في مَوْضِعِ مَفْعُولِ يَخْصِفانِ أيْ يَخْصِفانِ بَعْضَ ورَقِ الجَنَّةِ، كَما في قَوْلِهِ: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ، ويَجُوزُ كَوْنُها بَيانِيَّةً لِمَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ يَقْتَضِيهِ: يَخْصِفانِ والتَّقْدِيرُ: يَخْصِفانِ خَصْفًا مِن ورَقِ الجَنَّةِ.
* * *
﴿وناداهُما رَبُّهُما ألَمْ أنْهَكُما عَنْ تِلْكُما الشَّجَرَةِ وأقُلْ لَكُما إنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ ﴿قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أنْفُسَنا وإنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ﴾
عَطْفٌ عَلى جَوابِ لَمّا، فَهو مِمّا حَصَلَ عِنْدَ ذَوْقِ الشَّجَرَةِ، وقَدْ رُتِّبَ الإخْبارُ عَنِ الأُمُورِ الحاصِلَةِ عِنْدَ ذَوْقِ الشَّجَرَةِ عَلى حَسَبِ تَرْتِيبِ حُصُولِها في الوُجُودِ، فَإنَّهُما بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما فَطَفِقا يَخْصِفانِ، وأعْقَبَ ذَلِكَ نِداءُ اللَّهِ إيّاهُما.
وهَذا أصْلٌ في تَرْتِيبِ الجُمَلِ في صِناعَةِ الإنْشاءِ، إلّا إذا اقْتَضى المَقامُ العُدُولَ عَنْ ذَلِكَ، ونَظِيرُ هَذا التَّرْتِيبِ ما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَمّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وضاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وقالَ هَذا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ [هود: ٧٧] وقَدْ بَيَّنْتُهُ في كِتابِ ”أُصُولِ الإنْشاءِ والخَطابَةِ“ ولَمْ أعْلَمْ أنِّي سُبِقْتُ إلى الِاهْتِداءِ إلَيْهِ.
وقَدْ تَأخَّرَ نِداءُ الرَّبِّ إيّاهُما إلى أنْ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما. وتَحَيَّلا لِسَتْرِ عَوْراتِهِما لِيَكُونَ لِلتَّوْبِيخِ وقْعٌ مَكِينٌ مِن نُفُوسِهِما، حِينَ يَقَعُ بَعْدَ أنْ تَظْهَرَ لَهُما مَفاسِدُ عِصْيانِهِما، فَيَعْلَما أنَّ الخَيْرَ في طاعَةِ اللَّهِ، وأنَّ في عِصْيانِهِ ضُرًّا.
والنِّداءُ حَقِيقَتُهُ ارْتِفاعُ الصَّوْتِ وهو مُشْتَقٌّ مِنَ النَّدى بِفَتْحِ النُّونِ والقَصْرِ وهو بُعْدُ الصَّوْتِ قالَ مِدْثارُ بْنُ شَيْبانَ النَّمِرِيُّ:
؎فَقُلْتُ ادْعِي وأدْعُو إنَّ أنْدى لِصَوْتٍ أنْ يُنادِيَ داعِيانِ
(p-٦٦)وهُوَ مَجازٌ مَشْهُورٌ في الكَلامِ الَّذِي يُرادُ بِهِ طَلَبُ إقْبالِ أحَدٍ إلَيْكَ، ولَهُ حُرُوفٌ مَعْرُوفَةٌ في العَرَبِيَّةِ: تَدُلُّ عَلى طَلَبِ الإقْبالِ، وقَدْ شاعَ إطْلاقُ النِّداءِ عَلى هَذا حَتّى صارَ مِنَ الحَقِيقَةِ، وتَفَرَّعَ عَنْهُ طَلَبُ الإصْغاءِ وإقْبالُ الذِّهْنِ مِنَ القَرِيبِ مِنكَ، وهو إقْبالٌ مَجازِيٌّ.
﴿وناداهُما رَبُّهُما﴾ مُسْتَعْمَلٌ في المَعْنى المَشْهُورِ: وهو طَلَبُ الإقْبالِ، عَلى أنَّ الإقْبالَ مَجازِيٌّ لا مَحالَةَ فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وزَكَرِيّا إذْ نادى رَبَّهُ﴾ [الأنبياء: ٨٩] وهو كَثِيرٌ في الكَلامِ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا في الكَلامِ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إلّا دُعاءً ونِداءً﴾ [البقرة: ١٧١] وقَوْلِهِ: ﴿ونُودُوا أنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها﴾ [الأعراف: ٤٣] وقَوْلُ بَشّارٍ:
؎نادَيْتُ إنَّ الحُبَّ أشْعَرَنِي ∗∗∗ قَتْلًا وما أحْدَثْتُ مِن ذَنْبِ
ورَفْعُ الصَّوْتِ يَكُونُ لِأغْراضٍ، ومَحْمَلُهُ هُنا عَلى أنَّهُ صَوْتُ غَضَبٍ وتَوْبِيخٍ.
وظاهِرُ إسْنادِ النِّداءِ إلى اللَّهِ أنَّ اللَّهَ ناداهُما بِكَلامٍ بِدُونِ واسِطَةِ مَلَكٍ مُرْسَلٍ، مِثْلَ الكَلامِ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ بِهِ مُوسى، وهَذا واقِعٌ قَبْلَ الهُبُوطِ إلى الأرْضِ، فَلا يُنافِي ما ورَدَ مِن أنَّ مُوسى هو أوَّلُ نَبِيءٍ كَلَّمَهُ اللَّهُ تَعالى بِلا واسِطَةٍ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ نِداءُ آدَمَ بِواسِطَةِ أحَدِ المَلائِكَةِ.
وجُمْلَةُ: ﴿ألَمْ أنْهَكُما﴾ في مَوْضِعِ البَيانِ لِجُمْلَةِ ناداهُما، ولِهَذا فُصِلَتِ الجُمْلَةُ عَنِ الَّتِي قَبْلَها.
والِاسْتِفْهامُ في ﴿ألَمْ أنْهَكُما﴾ لِلتَّقْرِيرِ والتَّوْبِيخِ، وأُولِيَ حَرْفُ النَّفْيِ زِيادَةً في التَّقْرِيرِ، لِأنَّ نَهْيَ اللَّهِ إيّاهُما واقِعٌ فانْتِفاؤُهُ مُنْتَفِيًا، فَإذا أُدْخِلَتْ أداةُ التَّقْرِيرِ وأقَرَّ المُقَرِّرُ بِضِدِّ النَّفْيِ كانَ إقْرارُهُ أقْوى في المُؤاخَذَةِ بِمُوجَبِهِ، لِأنَّهُ قَدْ هُيِّئَ لَهُ سَبِيلُ الإنْكارِ. لَوْ كانَ يَسْتَطِيعُ إنْكارًا، كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يا مَعْشَرَ الجِنِّ والإنْسِ ألَمْ يَأْتِكم رُسُلٌ مِنكُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٠] الآيَةَ في سُورَةِ الأنْعامِ، ولِذَلِكَ اعْتَرَفا بِأنَّهُما ظَلَما أنْفَسَهُما.
(p-٦٧)وعَطْفُ جُمْلَةِ: ﴿وأقُلْ لَكُما﴾ عَلى جُمْلَةِ: أنْهَكُما لِلْمُبالَغَةِ في التَّوْبِيخِ، لِأنَّ النَّهْيَ كانَ مَشْفُوعًا بِالتَّحْذِيرِ مِنَ الشَّيْطانِ الَّذِي هو المُغْرِي لَهُما بِالأكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ، فَهُما قَدْ أضاعا وصِيَّتَيْنِ. والمَقْصُودُ مِن حِكايَةِ هَذا القَوْلِ هُنا تَذْكِيرُ الأُمَّةِ بِعَداوَةِ الشَّيْطانِ لِأصْلِ نَوْعِ البَشَرِ، فَيَعْلَمُوا أنَّها عَداوَةٌ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ، فَيَحْذَرُوا مِن كُلِّ ما هو مَنسُوبٌ إلى الشَّيْطانِ ومَعْدُودٌ مِن وسْوَسَتِهِ، فَإنَّهُ لَمّا جُبِلَ عَلى الخُبْثِ والخِزْيِ كانَ يَدْعُو إلى ذَلِكَ بِطَبْعِهِ وكَذَلِكَ لا يَهْنَأُ لَهُ بالٌ ما دامَ عَدُوُّهُ ومَحْسُودُهُ في حالَةٍ حَسَنَةٍ.
والمُبِينُ أصْلُهُ المُظْهِرُ، أيْ لِلْعَداوَةِ بِحَيْثُ لا تَخْفى عَلى مَن يَتَتَبَّعُ آثارَ وسْوَسَتِهِ وتَغْرِيرِهِ، وما عامَلَ بِهِ آدَمَ مِن حِينِ خَلْقِهِ إلى حِينِ غُرُورِهِ بِهِ، فَفي ذَلِكَ كُلِّهِ إبانَةٌ عَنْ عَداوَتِهِ، ووَجْهُ تِلْكَ العَداوَةِ أنَّ طَبْعَهُ يُنافِي ما في الإنْسانِ مِنَ الكَمالِ الفِطْرِيِّ المُؤَيَّدِ بِالتَّوْفِيقِ والإرْشادِ الإلَهِيِّ، فَلا يُحِبُّ أنْ يَكُونَ الإنْسانُ إلّا في حالَةِ الضَّلالِ والفَسادِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُبِينُ مُسْتَعْمَلًا مَجازًا في القَوِيِّ الشَّدِيدِ لِأنَّ شَأْنَ الوَصْفِ الشَّدِيدِ أنْ يَظْهَرَ لِلْعِيانِ.
وقَدْ قالا: ﴿رَبَّنا ظَلَمْنا أنْفُسَنا﴾ اعْتِرافًا بِالعِصْيانِ، وبِأنَّهُما عَلِما أنَّ ضُرَّ المَعْصِيَةِ عادَ عَلَيْهِما، فَكانا ظالِمَيْنِ لِأنْفُسِهِما إذْ جَرّا عَلى أنْفُسِهِما الدُّخُولَ في طَوْرِ ظُهُورِ السَّوْآتِ، ومَشَقَّةِ اتِّخاذِ ما يَسْتُرُ عَوْراتِهِما، وبِأنَّهُما جَرّا عَلى أنْفُسِهِما غَضَبَ اللَّهِ تَعالى، فَهُما في تَوَقُّعِ حُقُوقِ العَذابِ، وقَدْ جَزَما بِأنَّهُما يَكُونانِ مِنَ الخاسِرِينَ إنْ لَمْ يَغْفِرِ اللَّهُ لَهُما، إمّا بِطَرِيقِ الإلْهامِ أوْ نَوْعٍ مِنَ الوَحْيِ، وإمّا بِالِاسْتِدْلالِ عَلى العَواقِبِ بِالمَبادِئِ، فَإنَّهُما رَأيا مِنَ العِصْيانِ بِوادِئَ الضُّرِّ والشَّرِّ، فَعَلِما أنَّهُ مِن غَضَبِ اللَّهِ ومِن مُخالَفَةِ وِصايَتِهِ، وقَدْ أكَّدا جُمْلَةَ جَوابِ الشَّرْطِ بِلامِ القَسَمِ ونُونِ التَّوْكِيدِ إظْهارًا لِتَحْقِيقِ الخُسْرانِ اسْتِرْحامًا واسْتِغْفارًا مِنَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayahs_start":22,"ayahs":["فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورࣲۚ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَ ٰ تُهُمَا وَطَفِقَا یَخۡصِفَانِ عَلَیۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۖ وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَاۤ أَلَمۡ أَنۡهَكُمَا عَن تِلۡكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَاۤ إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ لَكُمَا عَدُوࣱّ مُّبِینࣱ","قَالَا رَبَّنَا ظَلَمۡنَاۤ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمۡ تَغۡفِرۡ لَنَا وَتَرۡحَمۡنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ"],"ayah":"فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورࣲۚ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَ ٰ تُهُمَا وَطَفِقَا یَخۡصِفَانِ عَلَیۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۖ وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَاۤ أَلَمۡ أَنۡهَكُمَا عَن تِلۡكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَاۤ إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ لَكُمَا عَدُوࣱّ مُّبِینࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق