الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمّا ذاقا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِن ورَقِ الجَنَّةِ وناداهُما رَبُّهُما ألَمْ أنْهَكُما عَنْ تِلْكُما الشَّجَرَةِ وأَقُلْ لَكُما إنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [الأعراف: ٢٢].
في هذه الآيةِ: سَتْرُ العَوْراتِ والسَّوْءاتِ عندَ الخروجِ، ولو لم يكنْ هناك مَن يَرى العورةَ، وهذا مِن الفِطْرةِ التي فُطِرَ عليها الإنسانُ، وما عدا ذلك مُخالِفٌ للفِطْرةِ، منهيٌّ عنه جِبِلَّةً وشِرْعَةً، ولمّا ظهَرَتْ عَوْراتُ حَوّاءَ وآدمَ، خَصَفا وقطَعا مِن ورقِ شجرِ الجنةِ ما يستُرُ عَوْراتِهما، فلم يَنتظِرا حتى تُؤْوِيَهما دارُهُما، ولا أنْ يلُوذا بحائطٍ أو شجرةٍ أو دارٍ، وذلك أنّ الحائطَ والشجرَ يستُرُ مِن جهةٍ دونَ بقيَّةِ الجهاتِ، وورقُ الشجرِ أقرَبُ مِن الدُّورِ، لأنّه عندَهما، وتنالُهُ أيدِيهما.
حكمُ سَتْرِ العوراتِ:
والمبادَرةُ بسَتْرِ العَوْراتِ مِن آدمَ وحوّاءَ ومِن ورَقِ الشجرِ مُشعِرٌ بالوجوبِ، وذِكْرُ السَّوْءاتِ مؤكِّدٌ لذلك، لأنّ إخراجَها يسُوءُ الإنسانَ في نَفْسِه، ويسُوءُ غيرَهُ أنْ يراهُ مِن أحدٍ، وهذه مِن فوارقِ الإنسانِ عن الحيوانِ.
وليس في الجنةِ مِن الناسِ سوى آدمَ وحوّاءَ، لأنّهما أبَوا البَشَرِ، وكلُّ البشرِ بعدَهما، وإنّما فيها مِن الملائكةِ والحيوانِ وما شاء اللهُ، ولا يثبُتُ أنّه كان قبلَ آدمَ بشريَّةٌ مشابِهةٌ لبشريَّةِ آدمَ وذُرِّيَّتِه.
وقد تكلَّفَ بعضُ المعاصِرِينَ ليُوافِقَ المَلاحِدةَ الذين يقولونَ بنظريَّةِ النُّشُوءِ والتطوُّرِ، وبعضَ علماءِ الطبيعةِ الذين يَذْكُرُونَ عُمْرَ الأرضِ بملايينَ طويلةٍ، وتكلُّفَهم بأنّ الأرضَ معمورةٌ قبلَ بشريَّةِ آدمَ مِن بشرٍ آخَرِينَ، وتعسَّفُوا أدلةً لذلك مِن القرآنِ.
العورةُ بين الزوجَيْن:
وأنزَلَ اللهُ اللِّباسَ وشرَعَ الاستِتارَ بكلِّ حالٍ، وجعَلَ الاستِتارَ هو الأصلَ، والكشفَ والنَّزْعَ عارِضًا.
ولمّا رخَّصَ اللهُ للرَّجُلِ مِن زوجتِهِ وللمولى من أمَتِهِ، فالرُّخصةُ بما قامَتِ الحاجةُ إليه، فليس للزَّوجَيْنِ أنْ يَبْقَيا عُراةً ـ ولو لم يَرَهُما أحدٌ ـ بلا حاجةٍ، ولا أنْ تبقى الأَمَةُ متعرِّيةً عندَ سيِّدِها بلا حاجةٍ، وقد كَرِهَ مالكٌ أن يَكشِفَ الرجُلُ فَخِذَهُ عندَ زوجتِه، يعني: بلا حاجةٍ، وذلك مِن مالكٍ أحفَظُ لغريزةِ الحياءِ، وأدوَمُ لغريزةِ الشهوةِ.
ولمّا رُفِعَ أبوابُ العَوْراتِ بينَ الزوجَيْنِ، لم يكنْ ذلك مُسقِطًا لبابِ الحياءِ بينَهما، فتُكشَفُ العَوْراتُ عندَ الحاجاتِ، ولو لم يَأْثَما بكَشْفِها في غيرِ حاجةٍ، ومِن الفِطْرةِ: الاستِتارُ والتزيُّنُ باللِّباسِ ولو بينَ الزوجَيْنِ، وإبداءُ السَّوْءَتَيْنِ والعوراتِ بينَ الزوجَيْنِ بلا حاجةٍ ولا مَقصَدٍ مأذونٍ به: مكروهٌ، لأنّه يُسقِطُ هَيْبَةَ الحياءِ في النفسِ، وتزهدُ نفوسُ بعضِهما في بعضٍ، وتتشوَّفُ إلى غيرِهما مِن الحرامِ، وقد فطَرَ اللهُ آدمَ وحوّاءَ على ذلك، فسَتَرا عَوْراتِهما بوَرَقِ الشجرِ مع أنّه لا يَراهُما أحدٌ مِن البشرِ غيرُهما، فليس لهما ذريَّةٌ عندَ ذلك، ولذلك قال تعالى: ﴿يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما﴾ [الأعراف: ٢٧]، فجعَل رؤيةَ بعضِهما لبعضٍ بلا حاجةٍ مِن مقاصدِ الشيطانِ ولو كانتْ مباحةً في الأصلِ، ولكنَّ الأصلَ السَّتْرُ واللِّباسُ، وأمّا الكشفُ فعارضٌ.
وقد جعَلَ اللهُ الأصلَ في بني آدمَ السَّتْرَ باللِّباسِ، فتَستتِرُ المرأةُ وتَتزيَّنُ ولو كانتْ لا يَراها أحدٌ، والرجُلُ يكونُ وحدَهُ ولو في فَلاةٍ لا يراهُ أحدٌ يُحِبُّ أنْ يَستُرَ بدَنَهُ، فذلك استِتارٌ تُحِبُّهُ النفسُ، وهي مفطورةٌ عليه، حتى لو كان الإنسانُ في بيتِه مُغلِّقَ الأبوابِ، لم يُحِبَّ أنْ يَبقى عُرْيانًا، لأنّه مُخالِفٌ للفِطْرةِ، ولو كان الإنسانُ أعمى البصرِ لا يَرى عورةَ نفسِهِ ولا يراهُ أحدٌ، لَأَحَبَّ أنْ يَستتِرَ، لحرارةِ الفِطْرةِ في نفسِهِ التي يجدُها.
أسبابُ مشروعيَّةِ السترِ:
وقد شرَع اللهُ الاستِتارَ باللِّباسِ، لجملةٍ مِن الأسبابِ:
الأوَّلُ: حياءً مِن اللهِ، فاللهُ يُحِبُّ أن يُستحْيا منه، وذلك مِن تعظيمِهِ وإجلالِه، واللهُ لا تُستَرُ عنه عينٌ، ولا تُستَرُ عنه عَوْرةٌ فلا يَراها، وإنّما مجرَّدُ فعلِ اللِّباسِ والاستِتارِ به مِن الحياءِ مِن اللهِ ولو كان في عِلْمِ العبدِ أنّ اللهَ يَراه، فالإنسانُ يستتِرُ في نفسِهِ وهو يَعلمُ نفسَهُ، حِفْظًا لحياءِ نفسِه، وقد جاءَ في سترِ العورةِ حياءً مِن اللهِ حديثُ بَهْزٍ، كما في «المسنَدِ»، و«السُّننِ»، عن معاويةَ بنِ حَيْدَةَ، قال: يا رَسُولَ اللهِ، عَوْراتُنا ما نَأْتِي مِنها وما نَذَرُ؟ قال: (احْفَظْ عَوْرَتَكَ إلاَّ مِن زَوْجَتِكَ أوْ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ)، قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، إذا كانَ القَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ قالَ: (إنِ اسْتَطَعْتَ أنْ لا يَرَيَنَّها أحَدٌ فَلا يَرَيَنَّها)، قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، إذا كانَ أحَدُنا خالِيًا؟ قالَ: (اللهُ أحَقُّ أنْ يُسْتَحْيا مِنهُ مِنَ النّاسِ) [[أخرجه أحمد (٥ /٣)، وأبو داود (٤٠١٧)، والترمذي (٢٧٩٤)، وابن ماجه (١٩٢٠).]].
ورُوِيَ في بعضِ الأخبارِ: أنّ آدمَ وحوّاءَ استتَرا حياءً مِن اللهِ لمّا بَدَتْ سَوْءاتُهما، فعن أُبَيِّ بنِ كعبٍ مرفوعًا، أنّ اللهَ قال لآدمَ: يا آدمُ، منِّي تَفِرُّ؟ فَلَمّا سَمِعَ كَلامَ الرَّحْمَنِ، قالَ: يا رَبِّ، لا، ولَكِنِ اسْتِحْياءً[[أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (١ /٨٧ ـ ٨٨).]].
وجاءَ ذلك في بعضِ الإسرائيليّاتِ، كما قال وهبُ بنُ مُنَبِّهٍ: «دخَلَ آدمُ فِي جَوْفِ الشَّجَرَةِ، فَناداهُ رَبُّهُ عزّ وجل: يا آدمُ، أيْنَ أنْتَ؟ قالَ: أنا هَذا يا رَبِّ، قالَ: ألا تَخْرُجُ، قالَ: أسْتَحْيِي مِنكَ يا رَبِّ»[[أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (٥ /١٤٥٣).]].
وكان بعضُ خِيارِ السلفِ يَستتِرُونَ فيُغطُّونَ رؤوسَهُمْ وهم في الخلاءِ حياءً مِن اللهِ، كما صحَّ عن أبي بكرٍ وطاوسٍ، فقد روى عروةُ بنُ الزبيرِ، عن أبيهِ، أنّ أبا بكرٍ الصِّدِّيقَ قال وهو يخطُبُ الناسَ: يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ، فَوالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنِّي لَأَظَلُّ حِينَ أذْهَبُ إلى الغائِطِ فِي الفَضاءِ مُغَطِّيًا رَأْسِي، اسْتِحْياءً مِن رَبِّي[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (١١٢٧).]].
وكان طاوسٌ يأمُرُ ابنَهُ بذلك[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (١١٣٥).]].
وجاءَ في ذلك خبرٌ مرسَلٌ عندَ البيهقيِّ، ومِن حديثِ عائشةَ مرفوعًا، ولا يصحُّ، ونَصَّ على استحبابِهِ غيرُ واحدٍ مِن الفُقَهاءِ كإمامِ الحرَمَيْنِ والغزاليِّ والبغويِّ وغيرِهم.
الثاني: حياءً مِن الملائكةِ، فإنّ الملائكةَ تتأذّى ممّا يتأذّى منه بنو آدمَ، كما جاءَ في الحديثِ، وممّا يتأذّى منه بنو آدمَ: بُدُوُّ السَّوْءَةِ، وذلك مِن مقاصدِ قيامِ الفِطْرةِ في آدمَ وحوّاءَ وذريَّتِهما، وحبِّهما للاستِتارِ في الجنةِ وليس فيها مِن البَشَرِ غيرُهما.
وقد دلَّ الدليلُ: أنّ الملائكةَ مجبولةٌ على الحياءِ كبَنِي آدمَ، كما قال ﷺ: (ألا أسْتَحِي مِن رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنهُ المَلائِكَةُ) [[أخرجه مسلم (٢٤٠١).]]، يعني: عثمانَ بنَ عفّانَ.
الثالثُ: الاستِتارُ عن الناسِ، والحياءُ منهم، فإنّ هذا مِن أعظَمِ مقاصدِ اللِّباسِ واتِّخاذِ الزِّينةِ، ولهذا لمّا سأَلَ معاويةُ بنُ حَيْدَةَ عن العَوْراتِ، كان أوَّلَ ما بدَأَ به النبيُّ ﷺ حفظُ العوراتِ عن أعْيُنِ الناسِ.
ومَن جازَ له أن يُبدِيَ عورتَهُ له، فيكونُ ذلك بقَدْرِ الحاجةِ، حفظًا لفِطْرةِ أصلِ الاستِتارِ، ولذا شُرِعَ سترُ عورةِ الطفلِ وليس له عورةٌ لكلِّ الناظِرِينَ، ولو كان مولودًا، لتُحفَظَ هَيْبةُ العورةِ في نفسِه، ومِن هذا ما جاءَ في التفريقِ بينَ الأطفالِ في المَضاجِعِ، كما في قولِهِ ﷺ: (واضْرِبُوهُمْ عَلَيْها لِعَشْرِ سِنِينَ، وفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المَضاجِعِ) [[أخرجه أحمد (٢ /١٨٧)، وأبو داود (٤٩٥).]]، فإنّ مِن مقاصدِ التفريقِ: ألاَّ تبدوَ العوراتُ، فإنّ الصغيرَ لا يَحترِزُ في عورتِهِ في مَنامِهِ كما يَحترِزُ الكبيرُ، فأمَرَ بالتفريقِ بينَهُمْ في المَضاجِعِ، حتى لا تَظهَرَ سَوْءاتُ بعضِهم لبعضٍ، فيَنشؤوا على ذلك، أو يكونَ ذلك مُثِيرًا لغرائزِهم في حَرامٍ.
وكذلك: فإنّه يُستحَبُّ لباسُ الزوجَيْنِ عندَ بعضِهما البعض مِن غيرِ دواعِي الحاجةِ إلى ذلك، وذلك حِفْظًا للفِطْرةِ بينَهما، ولِوازِعِ الحياءِ أنْ يُكسَرَ.
الـرابـعُ: الاستِتارُ عن الجنِّ، وذلك أنّ الجِنَّ يُبصِرُونَ بني آدمَ، وبنو آدمَ لا يُبصِرُونَهم، وذلك أنّ اللهَ لمّا ذكَرَ قصةَ آدمَ وحوّاءَ مع إبليسَ وما جَرى عليهما مِن كشفِ سَوْءَتَيْهِما، ذكَرَ اللهُ حالَ رؤيةِ الجنِّ للإنسانِ مِن غيرِ أنْ يَراهُ: ﴿إنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وقَبِيلُهُ مِن حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ﴾ [الأعراف: ٢٧]، وفي ذِكْرِ هذا المعنى في سياقِ قصةِ كشفِ عورةِ آدمَ وحوّاءَ: إشارةٌ إلى مشروعيَّةِ الاستِتارِ عن الجانِّ، وإنْ كانتِ المشروعيَّةُ عن أعيُنِ بني آدَمَ آكَدَ وأشَدَّ، ولذا رُوِيَ في الحديثِ مشروعيَّةُ التسميةِ عندَ كشفِ الإنسانِ لعَوْرَتِه، حتى يَمنَعَ اللهُ بها الجِنَّ عن رُؤْيَتِهِ، كما في الترمذيِّ، مِن حديثِ عليٍّ مرفوعًا: (سَتْرُ ما بَيْنَ أعْيُنِ الجِنِّ وعَوْراتِ بَنِي آدَمَ إذا دَخَلَ أحَدُهُمُ الخَلاءَ أنْ يَقُولَ: بِاسْمِ اللهِ) [[أخرجه الترمذي (٦٠٦).]].
الخامسُ: الاستِتارُ للنَّفْسِ والحِفاظُ على فِطْرتِها، فإنّ كشفَ السَّوْءَةِ في حالِ الخَلْوةِ، والدوامَ على ذلك: يَكسِرُ فِطْرةَ الحياءِ والاستِتارِ، ولو كان الواحدُ أعمى لا يَرى نفسَهُ وليس عندَهُ مَن يَراه، فالهَيْبةُ لحياءِ النفسِ وهي تُحِسُّ بالتعرِّي وهيبتِهِ ولو كانتْ في ظلامٍ أو لا تُبصِرُ.
عورةُ الرجلِ:
وعَوْرةُ الرجُلِ تختلِفُ عن عورةِ المرأةِ، وأمّا عورةُ المرأةِ، فيأتي الكلامُ عليها في سورةِ النورِ والأحزابِ، وأمّا عورةُ الرَّجُلِ، فاتَّفَقَ العلماءُ على أنّ السَّوْءَتَيْنِ وما أحاطَ بهما عورةٌ، واختُلِفَ في فَخِذِ الرجُلِ على قولَيْنِ:
الأوَّلُ ـ وهو قولُ جمهورِ العلماءِ، وقولُ الأئمَّةِ الأربعةِ في المشهورِ ـ: أنّ الفَخِذَ عورةٌ، وأنّ عورةَ الرجُلِ مِن سُرَّتِهِ إلى رُكْبَتِه، واختلَفُوا في عينِ الرُّكْبةِ والسُّرَّةِ: هل هما عورةٌ أو لا؟ على قولَيْنِ كما يأتي.
الـثـانـي: أنّ الفخذَ ليستْ بعورةٍ، وهو روايةٌ عن أحمدَ، وذهَبَ إلى هذا بعضُ الفُقَهاءِ مِن بعضِ المذاهبِ، واستدَلُّوا بأنّ النبيَّ ﷺ كشَفَ فخذَهُ، كما ثبَتَ عن أنسٍ رضي الله عنه، أنّ النبيَّ ﷺ يومَ خَيْبَرَ «حَسَرَ الإزارَ عَنْ فَخِذِهِ، حَتّى إنِّي أنْظُرُ إلى بَياضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللهِ ﷺ»، رواهُ البخاريُّ[[أخرجه البخاري (٣٧١).]].
وعن أبي موسى رضي الله عنه: «أنّ النبيَّ ﷺ كانَ قاعِدًا فِي مَكانٍ فِيهِ ماءٌ، قَدِ انْكَشَفَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ أوْ رُكْبَتِهِ، فَلَمّا دَخَلَ عُثْمانُ غَطّاها»[[أخرجه البخاري (٣٦٩٥).]].
أنواعُ عَوْرةِ الرجلِ:
وحديثا أنسٍ وأبي موسى لا يَلزَمُ منهما أنّ الفَخِذَ ليستْ بعورةٍ، وإنّما فيهما التخفيفُ في الفخذَيْنِ، وأنّ العورةَ بالنسبةِ للرَّجُلِ على نوعَيْنِ: عورةٌ مغلَّظةٌ، وعورةٌ مخفَّفةٌ:
فأمّا العورةُ المغلَّظةُ: فهما السَّوْءَتانِ وما أحاطَ بهما مِن مَواضعَ، وهذه العورةُ لا يجوزُ إظهارُها إلاَّ لزوجةٍ وما ملَكَتِ اليمينُ، ولا تَظهَرُ إلاَّ للضَّرُورةِ، ولا يجوزُ إبداؤُها في الحاجاتِ، كرفعِ الثوبِ عن طِينِ الأرضِ ووَحَلِهِ، أو عندَ الاغتِسالِ في البِرَكِ والمَسابِحِ، وكلُّ حاجةٍ: لا تَحِلُّ فيها المحرَّماتُ، وإنّما تَحِلُّ المحرَّماتُ في الضروراتِ، كالتطبُّبِ ونحوِه.
وأمّا المخفَّفةُ: فالفَخِذُ وما علاها، ويجوزُ إظهارُها للحاجاتِ، والحاجاتُ عارِضةٌ لا دائمةٌ، ويخرُجُ مِن هذا مَن اتَّخَذَ لِباسًا قصيرًا يُظهِرُ فخذَهُ، فهذا لباسٌ دائمٌ لا يجوزُ، ويدُلُّ على كونِها عورةً مخفَّفةً أنّ النبيَّ ﷺ أبْداها في حاجةٍ، كما في حديثِ أنسٍ لمّا مَرَّ بحائطٍ بخيبرَ، أو على حالٍ لا يَظهَرُ فيه الاستدامةُ ككشفِ بعضِ الفخذِ حالَ الجلوسِ، كما في حديثِ أبي موسى، ففعَلَهُ النبيُّ ﷺ جالسًا لا قائمًا، ولهذا لمّا رأى النبيُّ ﷺ أبا بكرٍ كشَفَ عن رُكْبَتِهِ وهو قائمٌ مِن غيرِ مرورٍ بحائطٍ ولا وحَلٍ، قال: (أمّا صاحِبُكُمْ، فَقَدْ غامَرَ)، كما في البخاريِّ، عن أبي الدَّرْداءِ رضي الله عنه، قال: «كنتُ جالسًا عندَ النبيِّ ﷺ إذْ أقْبَلَ أبو بكرٍ رضي الله عنه آخِذًا بطَرَفِ ثَوْبِهِ حتى أبْدى عن رُكْبَتِهِ، فقال النبيُّ ﷺ: (أمّا صاحِبُكُمْ، فَقَدْ غامَرَ)، فسلَّمَ، فذكَرَ الحديثَ»[[أخرجه البخاري (٣٦٦١).]]، وذلك أنّ هذا الفعلَ لا يفعلُهُ إلاَّ مَن نزَلَتْ به نازلةٌ مِن خصومةٍ أو شدَّةٍ، والمُغامِرُ مَن يَرمي بنفسِهِ في الشدائدِ، وذلك أنّ أبا بكرٍ كان بينَهُ وبينَ عمرَ شيءٌ، فجاءَ إلى النبيِّ ﷺ بذلك.
ثمَّ إنّ أنسَ بنَ مالكٍ وأبا موسى لم يَذْكُرا كَشْفَ النبيِّ ﷺ للفخذِ مِن غيرِ بيانِ السببِ والحالِ، ممّا يُشعِرُ بأنّها مخفَّفةٌ للحاجةِ لا على الدوامِ، بحيثُ تُفصَّلُ عليها الألبسةُ والأُزُرُ والبناطيلُ، ولمّا ذكَرَ أنسٌ أنّه رأى فَخِذَ النبيِّ ﷺ، ظهَرَ أنّه فعَلَ ذلك اعتراضًا، ولو لم يكنِ اعتراضًا، لَما ذكَرَهُ في موضعٍ معيَّنٍ.
والقولُ بأنّ الفخذَ عورةٌ هو الاحتياطُ، ومَن قال بأنّ الفخذَ ليستْ بعورةٍ يَشُقُّ عليه وضعُ حدٍّ للعورةِ، وذلك أنّ الفخذَ كالسّاقِ عضوٌ مُتَّصِلٌ، القولُ في أدْناهُ كالقولِ في أعْلاه، ومَن لم يجعَلْ أدْنى الفخذِ عورةً، لم يَقدِرْ على حدِّ العورةِ بحدٍّ منضبطٍ في أعْلاها، ومَن قال بأنّ أدْنى الفخذِ ليس بعورةٍ، وجَبَ أن يقولَهُ في أعْلاها ممّا ليس بفَرْجٍ، وهذا مجازَفةٌ.
وعن مالكٍ وأبي حنيفةَ وأحمدَ في روايةٍ عنه: أنّ الفخذَ عورةٌ مخفَّفةٌ، وقد جاء في غيرِ ما حديثٍ أنّ (الفَخِذَ عَوْرَةٌ)، مِن حديثِ ابنِ عبّاسٍ[[أخرجه أحمد (١ /٢٧٥)، والترمذي (٢٧٩٦).]] وجَرْهَدٍ[[أخرجه أحمد (٣ /٤٧٨)، وأبو داود (٤٠١٤)، والترمذي (٢٧٩٥).]].
واختُلِفَ في الرُّكْبةِ والسُّرَّةِ: هل هما مِن العورةِ أو لا؟ على قولَيْنِ مشهورَيْنِ:
فلم يجعَلْهما مالكٌ والشافعيُّ وأحمدُ في قولٍ عورةً.
وجعَلَهما أبو حنيفةَ عورةً.
ويأتي الكلامُ على عورةِ المرأةِ في سورتَيِ النورِ والأحزابِ.
{"ayah":"فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورࣲۚ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَ ٰ تُهُمَا وَطَفِقَا یَخۡصِفَانِ عَلَیۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۖ وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَاۤ أَلَمۡ أَنۡهَكُمَا عَن تِلۡكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَاۤ إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ لَكُمَا عَدُوࣱّ مُّبِینࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق