الباحث القرآني
﴿ولَقَدْ أخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ ونَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهم يَذَّكَّرُونَ﴾ ﴿فَإذا جاءَتْهُمُ الحَسَنَةُ قالُوا لَنا هَذِهِ وإنْ تُصِبْهم سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى ومَن مَعَهُ ألا إنَّما طائِرُهم عِنْدَ اللَّهِ ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَعْلَمُونَ﴾
هَذا انْتِقالٌ إلى ذِكْرِ المَصائِبِ الَّتِي أصابَ اللَّهُ بِها فِرْعَوْنَ وقَوْمَهُ، وجَعَلَها آياتٍ لِمُوسى، لِيُلْجِئَ فِرْعَوْنَ إلى الإذْنِ لِبَنِي إسْرائِيلَ بِالخُرُوجِ، وقَدْ وقَعَتْ تِلْكَ الآياتُ بَعْدَ المُعْجِزَةِ الكُبْرى الَّتِي أظْهَرَها اللَّهُ لِمُوسى في مَجْمَعِ السَّحَرَةِ، ويَظْهَرُ أنَّ فِرْعَوْنَ أغْضى عَنْ تَحْقِيقِ وعِيدِهِ إبْقاءً عَلى بَنِي إسْرائِيلَ، لِأنَّهم كانُوا يَقُومُونَ بِالأشْغالِ العَظِيمَةِ لِفِرْعَوْنَ.
ويُؤْخَذُ مِنَ التَّوْراةِ أنَّ مُوسى بَقِيَ في قَوْمِهِ مُدَّةً يُعِيدُ مُحاوَلَةَ فِرْعَوْنَ أنْ يُطْلِقَ بَنِي إسْرائِيلَ، وفِرْعَوْنُ يَعِدُ ويُخْلِفُ، ولَمْ تَضْبِطِ التَّوْراةُ مُدَّةَ مُقامِ مُوسى كَذَلِكَ، وظاهِرُها أنَّ المُدَّةَ لَمْ تَطُلْ، ولَيْسَ قَوْلُهُ - تَعالى - بِالسِّنِينَ دَلِيلًا عَلى أنَّها طالَتْ أعْوامًا لِأنَّ السِّنِينَ هُنا جُمَعُ سَنَةٍ بِمَعْنى الجَدْبِ لا بِمَعْنى الزَّمَنِ المُقَدَّرِ مِنَ الدَّهْرِ، فالسَّنَةُ في كَلامِ العَرَبِ إذا عُرِّفَتْ بِاللّامِ يُرادُ بِها سَنَةُ الجَدْبِ، والقَحْطِ، وهي حِينَئِذٍ عَلَمُ جِنْسٍ بِالغَلَبَةِ، ومِن ثَمَّ اشْتَقُّوا مِنها: أسْنَتَ القَوْمُ، إذا أصابَهُمُ الجَدْبُ والقَحْطُ، فالسِّنِينُ في الآيَةِ مُرادٌ بِها القُحُوطُ وجَمْعُها بِاعْتِبارِ كَثْرَةِ مَواقِعِها أيْ: أصابَهُمُ القَحْطُ في جَمِيعِ الأرَضِينَ والبُلْدانِ، فالمَعْنى: ولَقَدْ أخَذْناهم بِالقُحُوطِ العامَّةِ في كُلِّ أرْضٍ.
والأخْذُ: هُنا مَجازٌ في القَهْرِ والغَلَبَةِ، كَقَوْلِهِ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْمٌ. ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ هُنا مَجازًا في الإصابَةِ بِالشَّدائِدِ؛ لِأنَّ حَقِيقَةَ الأخْذِ: تَناوُلُ الشَّيْءِ بِاليَدِ، وتَعَدَّدَتْ إطْلاقاتُهُ، فَأُطْلِقَ كِنايَةً عَنِ المُلْكِ.
وأُطْلِقَ اسْتِعارَةً لِلْقَهْرِ والغَلَبَةِ، ولِلْإهْلاكِ، وقَدْ تَقَدَّمَتْ مَعانِيهِ مُتَفَرِّقَةً في السُّوَرِ الماضِيَةِ.
وجُمْلَةُ لَعَلَّهم يَذَّكَّرُونَ في مَوْضِعِ التَّعْلِيلِ لِجُمْلَةِ ولَقَدْ أخَذْنا فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ.
(p-٦٤)ونَقْصٍ الثَّمَراتِ قِلَّةُ إنْتاجِها قِلَّةً غَيْرَ مُعْتادَةٍ لَهم، فَتَنْوِينُ (نَقْصٍ) لِلتَّكْثِيرِ ولِذَلِكَ نُكِّرَ (نَقْصٍ) ولَمْ يُضَفْ إلى (الثَّمَراتِ) لِئَلّا تَفُوتَ الدَّلالَةُ عَلى الكَثْرَةِ.
فالسِّنُونَ تَنْتابُ المَزارِعَ والحُقُولَ، ونَقْصُ الثَّمَراتِ يَنْتابُ الجَنّاتِ.
و(لَعَلَّ) لِلرَّجاءِ، أيْ مَرْجُوًّا تَذَكُّرُهم؛ لِأنَّ المَصائِبَ والأضْرارَ المُقارِنَةَ لِتَذْكِيرِ مُوسى إيّاهم بِرَبِّهِمْ، وتَسْرِيحِ عَبِيدِهِ، مِن شَأْنِها أنْ يَكُونَ أصْحابُها مَرْجُوًّا مِنهم أنْ يَتَذَكَّرُوا بِأنَّ ذَلِكَ عِقابٌ عَلى إعْراضِهِمْ وعَلى عَدَمِ تَذَكُّرِهم؛ لِأنَّ اللَّهَ نَصَبَ العَلاماتِ لِلِاهْتِداءِ إلى الخَفِيِّاتِ كَما قَدَّمْناهُ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى - (﴿ما أرْسَلْنا في قَرْيَةٍ مِن نَبِيءٍ﴾ [الأعراف: ٩٤]) في هَذِهِ السُّورَةِ، فَشَأْنُ أهْلِ الألْبابِ أنْ يَتَذَكَّرُوا، فَإذا لَمْ يَتَذَكَّرُوا فَقَدْ خَيَّبُوا ظَنَّ مَن يَظُنُّ بِهِمْ ذَلِكَ مِثْلِ مُوسى وهارُونَ، أمّا اللَّهُ - تَعالى - فَهو يَعْلَمُ أنَّهم لا يَتَذَكَّرُونَ ولَكِنَّهُ أرادَ الإمْلاءَ لَهم، وقَطْعَ عُذْرِهِمْ، وذَلِكَ لا يُنافِي ما يَدُلُّ عَلَيْهِ لَعَلَّ مِنَ الرَّجاءِ لِأنَّ دَلالَتَها عَلى الرّاجِي والمَرْجُوِّ مِنهُ دَلالَةٌ عُرْفِيَّةٌ، وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى وُقُوعِ لَعَلَّ في كَلامِ اللَّهِ - تَعالى - عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿يا أيُّها النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكم والَّذِينَ مِن قَبْلِكم لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ٢١] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وفِي هَذِهِ الآيَةِ تَنْبِيهٌ لِلْأُمَّةِ لِلنَّظَرِ فِيما يُحِيطُ بِها مِن دَلائِلِ غَضَبِ اللَّهِ فَإنَّ سَلْبَ النِّعْمَةِ لِلْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ تَنْبِيهٌ لَهم عَلى اسْتِحْقاقِهِمْ إعْراضَ اللَّهِ - تَعالى - عَنْهم.
والفاءُ في قَوْلِهِ فَإذا جاءَتْهُمُ الحَسَنَةُ لِتَفْرِيعِ هَذا الخَبَرِ عَلى جُمْلَةِ أخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ أيْ: فَكانَ حالُهم إذا جاءَتْهُمُ الحَسَنَةُ إلَخْ. . . والمَعْنى: فَلَمْ يَتَذَكَّرُوا ولَكِنَّهم زادُوا كُفْرًا وغُرُورًا.
والمَجِيءُ: الحُصُولُ والإصابَةُ. وإنَّما عُبِّرَ في جانِبِ الحَسَنَةِ بِالمَجِيءِ لِأنَّ حُصُولَها مَرْغُوبٌ، فَهي بِحَيْثُ تُتَرَقَّبُ كَما يُتَرَقَّبُ الجائِي، وعُبِّرَ في جانِبِ السَّيِّئَةِ بِالإصابَةِ لِأنَّها تَحْصُلُ فَجْأةً عَنْ غَيْرِ رَغْبَةٍ ولا تَرَقُّبٍ.
وجِيءَ في جانِبِ الحَسَنَةِ بِإذا الشَّرْطِيَّةِ لِأنَّ الغالِبَ في (إذا) الدَّلالَةُ عَلى اليَقِينِ بِوُقُوعِ الشَّرْطِ أوْ ما يَقْرُبُ مِنَ اليَقِينِ كَقَوْلِكَ: إذا طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَعَلْتُ كَذا، ولِذَلِكَ غَلَبَ أنْ يَكُونَ فِعْلُ الشَّرْطِ مَعَ (إذا) فِعْلًا ماضِيًا لِكَوْنِ الماضِي أقْرَبَ إلى اليَقِينِ في الحُصُولِ مِنَ المُسْتَقْبَلِ، كَما في الآيَةِ، فالحَسَناتُ أيِ: النِّعَمُ كَثِيرَةُ الحُصُولِ (p-٦٥)تَنْتابُهم مُتَوالِيَةً مِن صِحَّةٍ وخِصْبٍ ورَخاءٍ ورَفاهِيَةٍ. وجِيءَ في جانِبِ السَّيِّئَةِ بِحَرْفِ (إنْ) لِأنَّ الغالِبَ أنْ تَدُلَّ (إنْ) عَلى التَّرَدُّدِ في وُقُوعِ الشَّرْطِ، أوْ عَلى الشَّكِّ، ولِكَوْنِ الشَّيْءِ النّادِرِ الحُصُولِ غَيْرَ مَجْزُومٍ بِوُقُوعِهِ، ومَشْكُوكًا فِيهِ، جِيءَ في شَرْطِ إصابَةِ السَّيِّئَةِ بِحَرْفِ (إنْ) لِنُدْرَةِ وُقُوعِ السَّيِّئاتِ أيِ: المَكْرُوهاتِ عَلَيْهِمْ، بِالنِّسْبَةِ إلى الحَسَناتِ، أيِ: النِّعَمِ، وفي ذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِأنَّ نِعَمَ اللَّهِ كانَتْ مُتَكاثِرَةً لَدَيْهِمْ وأنَّهم كانُوا مُعْرِضِينَ عَنِ الشُّكْرِ، وتَعْرِيضٌ بِأنَّ إصابَتَهم بِالسَّيِّئاتِ نادِرَةٌ وهم يَعُدُّونَ السَّيِّئاتِ مِن جَرّاءِ مُوسى ومَن آمَنَ مَعَهُ، فَهم في كِلْتا الحالَتَيْنِ بَيْنَ كافِرِينَ بِالنِّعْمَةِ وظالِمِينَ لِمُوسى ومَن مَعَهُ، ولِهَذَيْنِ الِاعْتِبارَيْنِ عُرِّفَتِ (الحَسَنَةُ) تَعْرِيفَ الجِنْسِ المَعْرُوفَ في عِلْمِ المَعانِي بِالعَهْدِ الذِّهْنِيِّ، أيْ: جاءَتْهُمُ الحَسَناتُ؛ لِأنَّ هَذا الجِنْسَ مَحْبُوبٌ مَأْلُوفٌ كَثِيرُ الحُصُولِ لَدَيْهِمْ، ونُكِّرَتْ (سَيِّئَةٌ) لِنُدْرَةِ وُقُوعِها عَلَيْهِمْ، ولِأنَّها شَيْءٌ غَيْرُ مَأْلُوفٍ حُلُولُهُ بِهِمْ، أيْ: وإنْ تُصِبْهم آيَةٌ سَيِّئَةٌ، كَذا في الكَشّافِ والمِفْتاحِ.
واعْلَمْ أنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ تَعْرِيفِ الجِنْسِ والتَّنْكِيرِ مِن لَطائِفِ الِاسْتِعْمالِ البَلاغِيِّ، كَما أشَرْنا إلَيْهِ في قَوْلِهِ - تَعالى - الحَمْدُ لِلَّهِ في سُورَةِ الفاتِحَةِ، وأمّا مِن جِهَةِ مُفادِ اللَّفْظِ، فالمُعَرَّفُ بِلامِ الجِنْسِ والنَّكِرَةُ سَواءٌ، فَلا تَظُنَّ أنَّ اللّامَ لِلْعَهْدِ لِحَسَنَةٍ مَعْهُودَةٍ، ووُقُوعُ المُعَرَّفِ بِلامِ الجِنْسِ والمُنَكَّرِ في سِياقِ الشَّرْطِ في هَذِهِ الآيَةِ يَعُمُّ كُلَّ حَسَنَةٍ وكُلَّ سَيِّئَةٍ.
والحَسَنَةُ والسَّيِّئَةُ هَنا مُرادٌ بِهِما الحالَةُ الحَسَنَةُ والحالَةُ السَّيِّئَةُ.
واللّامُ في قَوْلِهِ لَنا هَذِهِ لامُ الِاسْتِحْقاقِ أيْ: هَذِهِ الحَسَنَةُ حَقٌّ لَنا، لِأنَّهم بِغُرُورِهِمْ يَحْسَبُونَ أنَّهم أحْرِياءُ بِالنِّعَمِ، أيْ: فَلا يَرَوْنَ تِلْكَ الحَسَنَةَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ ونِعْمَةً.
و(يَطَّيَّرُوا) أصْلُهُ يَتَطَيَّرُوا، وهو تَفَعُّلٌ، مُشْتَقٌّ مِنَ اسْمِ الطَّيْرِ، كَأنَّهم صاغُوهُ عَلى وزْنِ التَّفَعُّلِ لِما فِيهِ مِن تَكَلُّفِ مَعْرِفَةِ حَظِّ المَرْءِ بِدَلالَةِ حَرَكاتِ الطَّيْرِ، أوْ هو مُطاوَعَةٌ سُمِّيَ بِها ما يَحْصُلُ مِنَ الِانْفِعالِ مِن إثْرِ طَيَرانِ الطَّيْرِ. وكانَ العَرَبُ إذا خَرَجُوا في سَفَرٍ لِحاجَةٍ، نَظَرُوا إلى ما يُلاقِيهِمْ أوَّلَ سِيَرِهِمْ مِن طائِرٍ، فَكانُوا يَزْعُمُونَ أنَّ في مُرُورِهِ عَلاماتِ يُمْنٍ وعَلاماتِ شُؤْمٍ، فالَّذِي في طَيَرانِهِ عَلّامَةُ يُمْنٍ - في اصْطِلاحِهِمْ - يُسَمُّونَهُ السّانِحَ، وهو الَّذِي يَنْهَضُ فَيَطِيرُ مِن جِهَةِ اليَمِينِ لِلسّائِرِ والَّذِي عَلامَتُهُ الشُّؤْمُ هو البارِحُ وهو الَّذِي يَمُرُّ عَلى اليَسارِ، وإذا وجَدَ السّائِرُ طَيْرًا جاثِمًا أثارَهُ لِيَنْظُرَ أيَّ جِهَةٍ يَطِيرُ، وتُسَمّى تِلْكَ الإثارَةُ زَجْرًا، فَمِنَ الطَّيْرِ مَيْمُونٌ ومِنهُ مَشْئُومٌ (p-٦٦)والعَرَبُ يَدْعُونَ لِلْمُسافِرِ بِقَوْلِهِمْ ”عَلى الطّائِرِ المَيْمُونِ“، ثُمَّ غَلَبَ اسْتِعْمالُ لَفْظِ التَّطَيُّرِ في مَعْنى التَّشاؤُمِ خاصَّةً، يُقالُ الطِّيَرَةُ أيْضًا، كَما في الحَدِيثِ «لا طِيَرَةَ وإنَّما الطِّيَرَةُ عَلى مَن تَطَيَّرَ» أيْ: الشُّؤْمُ يَقَعُ عَلى مَن يَتَشاءَمُ، جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ عُقُوبَةً لَهُ في الدُّنْيا لِسُوءِ ظَنِّهِ بِاللَّهِ، وإنَّما غَلَبَ لَفْظُ الطِّيَرَةِ عَلى التَّشاؤُمِ لِأنَّ لِلْأثَرِ الحاصِلِ مِن دَلالَةِ الطَّيَرانِ عَلى الشُّؤْمِ دَلالَةً أشُدَّ عَلى النَّفْسِ؛ لِأنَّ تَوَقُّعَ الضُّرِّ أدْخَلُ في النُّفُوسِ مِن رَجاءِ النَّفْعِ. والمُرادُ بِهِ في الآيَةِ لِأنَّهم يَتَشاءَمُونَ بِمُوسى ومَن مَعَهُ فاسْتُعْمِلَ التَّطَيُّرَ في التَّشاؤُمِ بِدُونِ دَلالَةٍ مِنَ الطَّيْرِ؛ لِأنَّ قَوْمَ فِرْعَوْنَ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَزْجُرُ الطَّيْرَ فِيما عَلِمْنا مِن أحْوالِ تارِيخِهِمْ، ولَكِنَّهم زَعَمُوا أنَّ دَعْوَةَ مُوسى فِيهِمْ كانَتْ سَبَبَ مَصائِبَ حَلَّتْ بِهِمْ، فَعُبِّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالتَّطَيُّرِ عَلى طَرِيقَةِ التَّعْبِيرِ العَرَبِيِّ.
والتَّشاؤُمُ: هو عَدُّ الشَّيْءِ مَشْئُومًا، أيْ: يَكُونُ وُجُودُهُ سَبَبًا في وُجُودِ ما يُحْزِنُ ويَضُرُّ، فَمَعْنى يَطَّيَّرُوا بِمُوسى يَحْسَبُونَ حُلُولَ ذَلِكَ بِهِمْ مُسَبَّبًا عَنْ وُجُودِ مُوسى ومَن آمَنَ بِهِ وذَلِكَ أنَّ آلَ فِرْعَوْنَ كانُوا مُتَعَلِّقِينَ بِضَلالِ دِينِهِمْ، وكانُوا يَحْسَبُونَ أنَّهم إذا حافَظُوا عَلى اتِّباعِهِ كانُوا في سَعادَةِ عَيْشٍ، فَحَسِبُوا وُجُودَ مَن يُخالِفُ دِينَهم بَيْنَهم سَبَبًا في حُلُولِ المَصائِبِ والإضْرارِ بِهِمْ فَتَشاءَمُوا بِهِمْ، ولَمْ يَعْلَمُوا أنَّ سَبَبَ المَصائِبِ هو كُفْرُهم وإعْراضُهم؛ لِأنَّ حُلُولَ المَصائِبِ بِهِمْ يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ مُسَبَّبًا عَنْ أسْبابٍ فِيهِمْ لا في غَيْرِهِمْ. وهَذا مِنَ العَمايَةِ في الضَّلالَةِ فَيَبْقَوْنَ مُنْصَرِفِينَ عَنْ مَعْرِفَةِ الأسْبابِ الحَقِيقَيَّةِ، ولِذَلِكَ كانَ التَّطَيُّرُ مِن شِعارِ أهْلِ الشِّرْكِ لِأنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلى نِسْبَةِ المُسَبَّباتِ لِغَيْرِ أسْبابِها، وذَلِكَ مِن مُخْتَرَعاتِ الَّذِينَ وضَعُوا لَهم دِيانَةَ الشِّرْكِ وأوْهامَها.
فِي الحَدِيثِ «الطِّيَرَةُ شِرْكٌ» وتَأْوِيلُهُ أنَّها: مِن بَقايا دِينِ الشِّرْكِ، ويَقَعُ بَعْدَ فِعْلِ التَّطَيُّرِ باءٌ، وهي باءُ السَّبَبِيَّةِ تَدْخُلُ عَلى مُوجِبِ التَّطَيُّرِ، وقَدْ يُقالُ أيْضًا: تَطَيَّرَ مِن كَذا.
وعَطْفُ (ومَن مَعَهُ)، أيْ: مَن آمَنُوا بِهِ؛ لِأنَّ قَوْمَ فِرْعَوْنَ يَعُدُّونَ مُوجِبَ شُؤْمِ مُوسى هو ما جاءَ بِهِ مِنَ الدِّينِ لِأنَّهُ لا يُرْضِي آلِهَتَهم ودِينَهم، ولَوْلا دِينُهُ لَمْ يَكُنْ مَشْئُومًا كَما قالَ ثَمُودُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذا.
(p-٦٧)و(ألا) حَرْفُ اسْتِفْتاحٍ يُفِيدُ الِاهْتِمامَ بِالخَبَرِ الوارِدِ بَعْدَهُ. تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ، وتَعْرِيضًا بِمُشْرِكِي العَرَبِ.
والطّائِرُ: اسْمٌ لِلطَّيْرِ الَّذِي يُثارُ لِيُتَيَمَّنَ بِهِ أوْ يُتَشاءَمَ، واسْتُعِيرَ هُنا لِلسَّبَبِ الحَقِّ لِحُلُولِ المَصائِبِ بِهِمْ بِعَلاقَةِ المُشاكَلَةِ لِقَوْلِهِ يَطَّيَّرُوا فَشُبِّهَ السَّبَبُ الحَقُّ، وهو ما اسْتَحَقُّوا بِهِ العَذابَ مِن غَضَبِ اللَّهِ بِالطّائِرِ.
و(عِنْدَ) مُسْتَعْمَلَةٌ في التَّصَرُّفِ مَجازًا لِأنَّ الشَّيْءَ المُتَصَرَّفَ فِيهِ كالمُسْتَقِرِّ في مَكانٍ، أيْ: سَبَبُ شُؤْمِهِمْ مُقَدَّرٌ مِنَ اللَّهِ، وهَذا كَما وقَعَ في الحَدِيثِ «ولا طَيْرَ إلّا طَيْرُكَ»، فَعُبِّرَ عَمّا قَدَّرَهُ اللَّهُ لِلنّاسِ ”بِطَيْرٍ“ مُشاكَلَةً لِقَوْلِهِ «ولا طَيْرَ» ومَن فَسَّرَ الطّائِرَ بِالحَظِّ فَقَدْ أبْعَدَ عَنِ السِّياقِ.
والقَصْرُ المُسْتَفادُ مِن إنَّما إضافِيٌّ أيْ: سُوءُ حالِهِمْ عِقابٌ مِنَ اللَّهِ، لا مِن عِنْدِ مُوسى ومَن مَعَهُ، فَلا يُنافِي أنَّ المُؤْمِنِينَ يَعْلَمُونَ أنَّ سَبَبَ حُلُولِ المَصائِبِ بِأهْلِ الشِّرْكِ المُعانِدِينَ لِلرُّسُلِ، هو شِرْكُهم وتَكْذِيبُهُمُ الرُّسُلَ: يَعْلَمُونَ ذَلِكَ بِأخْبارِ الرُّسُلِ، أوْ بِصِدْقِ الفِراسَةِ وحُسْنِ الِاسْتِدْلالِ، كَما قالَ أبُو سُفْيانَ لَيْلَةَ الفَتْحِ لَمّا هَداهُ اللَّهُ ”لَقَدْ عَلِمْتُ أنْ لَوْ كانَ مَعَهُ إلَهٌ آخَرُ لَقَدْ أغْنى عَنِّي شَيْئًا“ . فَأمّا المُشْرِكُونَ وأضْرابُهم مِن أهْلِ العَقائِدِ الضّالَّةِ، فَيُسْنِدُونَ صُدُورَ الضَّرَرِ والنَّفْعِ إلى أشْياءَ تُقارِنُ حُصُولَ ضُرٍّ ونَفْعٍ، فَيَتَوَهَّمُونَ تِلْكَ المُقارَنَةَ تَسَبُّبًا، ولِذَلِكَ تَراهم يَتَطَلَّبُونَ مَعْرِفَةَ حُصُولِ الخَيْرِ والشَّرِّ مِن غَيْرِ أسْبابِها، ومِن ذَلِكَ الِاسْتِقْسامُ بِالأزْلامِ كَما تَقَدَّمَ في سُورَةِ العُقُودِ.
وجُمْلَةُ ألا إنَّما طائِرُهم عِنْدَ اللَّهِ ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَعْلَمُونَ مُعْتَرِضَةٌ ولِذَلِكَ فُصِلَتْ، والِاسْتِدْراكُ المُسْتَفادُ مِن (لَكِنَّ) ناشِئٌ عَمّا يُوهِمُهُ الِاهْتِمامُ بِالخَبَرِ الَّذِي قَبْلَهُ لِقَرْنِهِ بِأداةِ الِاسْتِفْتاحِ، واشْتِمالِهِ عَلى صِيغَةِ القَصْرِ: مِن كَوْنِ شَأْنِهِ أنْ لا يَجْهَلَهُ العُقَلاءُ، فاسْتُدْرِكَ بِأنَّ أكْثَرَ أُولَئِكَ لا يَعْلَمُونَ.
فالضَّمِيرُ في قَوْلِهِ (أكْثَرَهم) عائِدٌ إلى الَّذِينَ قالُوا لَنا هَذِهِ وإنَّما نُفِيَ العِلْمُ عَنْ أكْثَرِهِمْ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ قَلِيلًا مِنهم يَعْلَمُونَ خِلافَ ذَلِكَ ولَكِنَّهم يُشايِعُونَ مَقالَةَ الأكْثَرِينَ.
{"ayahs_start":130,"ayahs":["وَلَقَدۡ أَخَذۡنَاۤ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ بِٱلسِّنِینَ وَنَقۡصࣲ مِّنَ ٱلثَّمَرَ ٰتِ لَعَلَّهُمۡ یَذَّكَّرُونَ","فَإِذَا جَاۤءَتۡهُمُ ٱلۡحَسَنَةُ قَالُوا۟ لَنَا هَـٰذِهِۦۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَیِّئَةࣱ یَطَّیَّرُوا۟ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥۤۗ أَلَاۤ إِنَّمَا طَـٰۤىِٕرُهُمۡ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ"],"ayah":"فَإِذَا جَاۤءَتۡهُمُ ٱلۡحَسَنَةُ قَالُوا۟ لَنَا هَـٰذِهِۦۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَیِّئَةࣱ یَطَّیَّرُوا۟ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥۤۗ أَلَاۤ إِنَّمَا طَـٰۤىِٕرُهُمۡ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق