الباحث القرآني
﴿فَإذا جاءَتْهُمُ الحَسَنَةُ﴾ إلَخْ. بَيانٌ لِعَدَمِ تَذَكُّرِهِمْ وتَمادِيهِمْ في الغَيِّ، والمُرادُ بِالحَسَنَةِ كَما يُفْهِمُهُ ظاهِرُ كَلامِ البَعْضِ الخِصْبُ والرَّخاءُ، وفَسَّرَها مُجاهِدٌ بِالرَّخاءِ والعافِيَةِ وبَعْضُهم بِأعَمَّ مِن ذَلِكَ. أيْ: إذا جاءَهم ما يَسْتَحْسِنُونَهُ ﴿قالُوا لَنا هَذِهِ﴾ أيْ: إنّا مُسْتَحِقُّوها بِيُمْنِ الذّاتِ، ﴿وإنْ تُصِبْهم سَيِّئَةٌ﴾ أيْ: ضَيِّقَةٌ (p-32)وجَدْبٌ أوْ جَدْبٌ ومُرْضٌ أوْ عُقُوبَةٌ وبَلاءٌ ﴿يَطَّيَّرُوا بِمُوسى ومَن مَعَهُ﴾، أيْ: يَتَشاءَمُوا بِهِمْ ويَقُولُوا: ما أصابَنا ذَلِكَ إلّا بِشُؤْمِهِمْ، وأصْلُ إطْلاقِ التَّطَيُّرِ عَلى التَّشاؤُمِ عَلى ما قالَ الأزْهَرِيُّ: إنَّ العَرَبَ كانَتْ تَزْجُرُ الطَّيْرَ فَتَتَشاءَمُ بِالبارِحِ وتَتَيَمَّنُ بِالسّانِحِ. وفي المَثَلِ: مَن لِي بِالسّانِحِ بَعْدَ البارِحِ، قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: سَألَ يُونُسُ رُؤْبَةَ -وأنا شاهِدٌ- عَنِ السّانِحِ والبارِحِ فَقالَ: السّانِحُ ما ولّاكَ مَيامِنَهُ، والبارِحُ ما ولّاكَ مَياسِرَهُ، وقِيلَ: البارِحُ ما يَأْتِي مِن جِهَةِ الشِّمالِ والسّانِحُ ما يَأْتِي مِن جِهَةِ اليَمِينِ وأنْشَدُوا:
؎زَجَرْتُ لَها طَيْرَ الشِّمالِ فَإنْ يَكُنْ هَواكَ الَّذِي تَهْوى يُصِبْكَ اجْتِنابُها
ثُمَّ إنَّهم سَمَّوُا الشُّؤْمَ طَيْرًا وطائِرًا والتَّشاؤُمَ تَطَيُّرًا، وقَدْ يُطْلِقُونَ الطّائِرَ عَلى الحَظِّ والنَّصِيبِ خَيْرًا أوْ شَرًّا حَتّى قِيلَ: إنَّ أصْلَ التَّطَيُّرِ تَفْرِيقُ المالِ وتَطْيِيرُهُ بَيْنَ القَوْمِ، فَيَطِيرُ لِكُلِّ أحَدٍ نَصِيبُهُ مِن خَيْرٍ أوْ شَرٍّ ثُمَّ غَلَبَ في الشَّرِّ. وفي الآيَةِ إغْراقٌ في وصْفِهِمْ بِالغَباوَةِ والقَساوَةِ، فَإنَّ الشَّدائِدَ تُرَقِّقُ القُلُوبَ وتُذَلِّلُ العَرائِكَ وتُزِيلُ التَّماسُكَ لا سِيَّما بَعْدَ مُشاهَدَةِ الآياتِ، وقَدْ كانُوا بِحَيْثُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِمْ شَيْءٌ مِنها بَلِ ازْدادُوا عُتُوًّا وعِنادًا، وتَعْرِيفُ الحَسَنَةِ وذِكْرُها بِأداةِ التَّحْقِيقِ كَما قالَ غَيْرُ واحِدٍ لِكَثْرَةِ وُقُوعِها وتَعَلُّقِ الإرادَةِ بِأحْداثِها بِالذّاتِ؛ لِأنَّ العِنايَةَ الإلَهِيَّةَ اقْتَضَتْ سَبْقَ الرَّحْمَةِ وعُمُومِ النِّعْمَةِ قَبْلَ حُصُولِ الأعْمالِ، وتَنْكِيرُ السَّيِّئَةِ وذِكْرُها بِأداةِ الشَّكِّ لِنُدُورِها وعَدَمِ تَعَلُّقِ الإرادَةِ بِأحْداثِها إلّا بِالتَّبَعِ؛ فَإنَّ النِّقْمَةَ بِمُقْتَضى تِلْكَ العِنايَةِ إنَّما تُسْتَحَقُّ بِالأعْمالِ.
والزَّمَخْشَرِيُّ بَيَّنَ الحَسَنَةَ بِالخِصْبِ والرَّخاءِ، ثُمَّ قالَ في تَعْلِيلِ ما ذُكِرَ: لِأنَّ جِنْسَ الحَسَنَةِ وُقُوعُهُ كالواجِبِ لِكَثْرَتِهِ واتِّساعِهِ، وأمّا السَّيِّئَةُ فَلا تَقَعُ إلّا في النُّدْرَةِ، ولا يَقَعُ إلّا شَيْءٌ مِنها. وقالَ صاحِبُ الكَشّافِ: ذَلِكَ إشارَةٌ إلى أنَّ التَّعْرِيفَ لِلْعَهْدِ الخارِجِيِّ التَّقْرِيرِيِّ بِدَلِيلِ أنَّهُ ذُكِرَ في مُقابَلَةِ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ولَقَدْ أخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ﴾، وقَوْلُهُ: لِأنَّ الجِنْسَ إلَخْ أيْ: جِنْسُ الخِصْبِ والرَّخاءِ وفِيهِ مُبالَغَةٌ. أيْ أنَّهُ لِكَثْرَةِ الوُقُوعِ كَأنَّ الجِنْسَ كُلَّهُ واجِبُ الوُقُوعِ، ولِهَذا لا يَزالُ يَتَكاثَرُ حَتّى يَسْتَغْرِقَ الجِنْسَ. وقَوْلُهُ: وأمّا السَّيِّئَةُ إلَخْ في مُقابَلَةِ ذَلِكَ دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلى إرادَةِ هَذا المَعْنى فَلا تَخالُفَ بَيْنَ كَلامَيْهِ، ولَمْ يُرِدْ بِالجِنْسِ العَهْدَ الذِّهْنِيَّ وهَذا مُرادُ صاحِبِ المِفْتاحِ وبِهِ يَنْدَفِعُ ما تَوَهَّمَهُ صاحِبُ الإيضاحِ. انْتَهى.
وفِيهِ تَعْرِيضٌ بِشَيْخِهِ الطِّيبِيِّ حَيْثُ حَمَلَ الجِنْسَ عَلى العَهْدِ الذِّهْنِيِّ وقالَ ما قالَ، والبَحْثُ طَوِيلُ الذَّيْلِ فَلْيُطْلَبْ مِن شُرُوحِ المِفْتاحِ وشَرْحِ التَّلْخِيصِ لِلْعَلّامَةِ الثّانِي وحَواشِيهِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿ألا إنَّما طائِرُهم عِنْدَ اللَّهِ﴾ اسْتِئْنافٌ مَسُوقٌ مِن قِبَلِهِ تَعالى لِرَدِّ مَقالَتِهِمُ الباطِلَةِ وتَحْقِيقٌ لِلْحَقِّ في ذَلِكَ، وتَصْدِيرُهُ بِكَلِمَةِ التَّنْبِيهِ لِإبْرازِ كَمالِ العِنايَةِ بِمَضْمُونِهِ أيْ: لَيْسَ شُؤْمُهم إلّا عِنْدَ اللَّهِ أيْ: مِن قِبَلِهِ وحُكْمِهِ كَما قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وقالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى: لَيْسَ الشُّؤْمُ الَّذِي يَلْحَقُهم إلّا الَّذِي وُعِدُوا بِهِ مِنَ العِقابِ عِنْدَهُ لا ما يَنالُهم في الدُّنْيا، وقالَ الحَسَنُ: المَعْنى: ألا إنَّ ما تَشاءَمُوا مَحْفُوظٌ عَلَيْهِمْ حَتّى يُجازِيَهُمُ اللَّهُ تَعالى بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ، وفَسَّرَ بَعْضُهُمُ الطّائِرَ هُنا بِالحَظِّ أيْ: إنَّما حَظُّهم وما طارَ إلَيْهِمْ مِنَ القَضاءِ والقَدَرِ بِسَبَبِ شُؤْمِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ، وقَرَأ الحَسَنُ: (إنَّما طَيْرُهُمْ) وهو اسْمُ جَمْعِ طائِرٍ عَلى الصَّحِيحِ؛ لِأنَّهُ عَلى أوْزانِ المُفْرَداتِ، وقالَ الأخْفَشُ: هو جَمْعٌ لَهُ، ورُوِيَ عَنْ قُطْرُبٍ أنَّ الطَّيْرَ يَكُونُ واحِدًا وجَمْعًا وكَذا الطّائِرُ، وأنْشَدَ ابْنُ الأعْرابِيِّ:
؎كَأنَّهُ تَهْتانُ يَوْمٍ ماطِرٍ ∗∗∗ عَلى رُؤُوسٍ كَرُؤُوسِ الطّائِرِ
﴿ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَعْلَمُونَ﴾ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ ما يَقُولُونَ، وإسْنادُ عَدَمِ العِلْمِ إلى أكْثَرِهِمْ لِلْإشْعارِ بِأنَّ (p-33)بَعْضَهم يَعْلَمُ ولَكِنْ لا يَعْمَلُ بِمُقْتَضى عِلْمِهِ،
{"ayah":"فَإِذَا جَاۤءَتۡهُمُ ٱلۡحَسَنَةُ قَالُوا۟ لَنَا هَـٰذِهِۦۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَیِّئَةࣱ یَطَّیَّرُوا۟ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥۤۗ أَلَاۤ إِنَّمَا طَـٰۤىِٕرُهُمۡ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق