الباحث القرآني
(p-٥٠٩)﴿وظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الغَمامَ وأنْزَلْنا عَلَيْكُمُ المَنَّ والسَّلْوى كُلُوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقْناكم وما ظَلَمُونا ولَكِنْ كانُوا أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ﴾ عَطْفُ ﴿وظَلَّلْنا﴾ عَلى ﴿بَعَثْناكُمْ﴾ [البقرة: ٥٦] وتَعْقِيبُ ذِكْرِ الوَحْشَةِ بِذِكْرِ جائِزَةٍ شَأْنُ الرَّحِيمِ في تَرْبِيَةِ عَبْدِهِ، والظّاهِرُ أنَّ تَظْلِيلَ الغَمامِ ونُزُولَ المَنِّ والسَّلْوى كانَ قَبْلَ سُؤالِهِمْ رُؤْيَةَ اللَّهِ جَهْرَةً لِأنَّ التَّوْراةَ ذَكَرَتْ نُزُولَ المَنِّ والسَّلْوى حِينَ دُخُولِهِمْ في بَرِّيَّةِ سِينَ بَيْنَ إيلِيمَ وسِينا في اليَوْمِ الثّانِيَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثّانِي مِن خُرُوجِهِمْ مِن مِصْرَ حِينَ اشْتاقُوا أكْلَ الخُبْزِ واللَّحْمِ لِأنَّهم في رِحْلَتِهِمْ ما كانُوا يَطْبُخُونَ بَلِ الظّاهِرُ أنَّهم كانُوا يَقْتاتُونَ مِن ألْبانِ مَواشِيهِمُ الَّتِي أخْرَجُوها مَعَهم ومِمّا تُنْبِتُهُ الأرْضُ. وأمّا تَظْلِيلُهم بِالغَمامِ فالظّاهِرُ أنَّهُ وقَعَ بَعْدَ أنْ سَألُوا رُؤْيَةَ اللَّهِ لِأنَّ تَظْلِيلَ الغَمامِ وقَعَ بَعْدَ أنْ نَصَبَ لَهم مُوسى خَيْمَةَ الِاجْتِماعِ مَحَلَّ القَرابِينِ ومَحَلَّ مُناجاةِ مُوسى وقِبْلَةَ الدّاعِينَ مِن بَنِي إسْرائِيلَ في بَرِّيَّةِ سِينا فَلَمّا تَمَّتِ الخَيْمَةُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مِن خُرُوجِهِمْ مِن مِصْرَ غَطَّتْ سَحابَةٌ خَيْمَةَ الشَّهادَةِ ومَتى ارْتَفَعَتِ السَّحابَةُ عَنِ الخَيْمَةِ فَذَلِكَ إذْنٌ لِبَنِي إسْرائِيلَ بِالرَّحِيلِ فَإذا حَلَّتِ السَّحابَةُ حَلُّوا إلَخْ. كَذا تَقُولُ كُتُبُهم.
فَلَمّا سَألَ بَنُو إسْرائِيلَ الخُبْزَ واللَّحْمَ كانَ المَنُّ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ في الصَّباحِ والسَّلْوى تَسْقُطُ عَلَيْهِمْ في المَساءِ بِمِقْدارِ ما يَكْفِي جَمِيعَهم لِيَوْمِهِ أوْ لَيْلَتِهِ إلّا يَوْمَ الجُمْعَةِ فَيَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنهُما ضِعْفُ الكِمِّيَّةِ لِأنَّ في السَّبْتِ انْقِطاعَ النُّزُولِ.
والمَنُّ مادَّةٌ صَمْغِيَّةٌ جَوِّيَّةٌ يَنْزِلُ عَلى شَجَرِ البادِيَةِ شِبْهُ الدَّقِيقِ المَبْلُولِ، فِيهِ حَلاوَةٌ إلى الحُمُوضَةِ ولَوْنُهُ إلى الصُّفْرَةِ ويَكْثُرُ بِوادِي تِرْكِسْتانَ، وقَدْ يَنْزِلُ بِقِلَّةٍ غَيْرِها ولَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ قَبْلُ في بَرِّيَّةِ سِينا. وقَدْ وصَفَتْهُ التَّوْراةُ بِأنَّهُ دَقِيقٌ مِثْلَ القُشُورِ يَسْقُطُ نَدًى كالجَلِيدِ عَلى الأرْضِ وهو مِثْلُ بِزْرِ الكُزْبَرَةِ أبْيَضُ وطَعْمُهُ كَرُقاقٍ بِعَسَلٍ، وسَمَّتْهُ بَنُو إسْرائِيلَ مَنًّا، وقَدْ أُمِرُوا أنْ لا يُبْقُوا مِنهُ لِلصَّباحِ لِأنَّهُ يَتَوَلَّدُ فِيهِ دُودٌ، وأنْ يَلْتَقِطُوهُ قَبْلَ أنْ تَحْمى الشَّمْسُ لِأنَّها تُذِيبُهُ فَكانُوا إذا التَقَطُوهُ طَحَنُوهُ بِالرَّحا أوْ دَقُّوهُ بِالهاوُنِ وطَبَخُوهُ في القُدُورِ وعَمِلُوهُ مِلّاتٍ وكانَ طَعْمُهُ كَطَعْمِ قَطائِفَ بِزَيْتٍ وأنَّهم أكَلُوهُ أرْبَعِينَ سَنَةً حَتّى جاءُوا إلى طَرَفِ أرْضِ كَنْعانَ؛ يُرِيدُ إلى حَبْرُونَ.
(p-٥١٠)وأمّا السَّلْوى فَهي اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٌّ واحِدَتُهُ سَلْواةٌ وقِيلَ لا واحِدَ لَهُ وقِيلَ واحِدُهُ وجَمْعُهُ سَواءٌ وهو طائِرٌ بَرِّيٌّ لَذِيذُ اللَّحْمِ سَهْلُ الصَّيْدِ كانَتْ تَسُوقُهُ لَهم رِيحُ الجَنُوبِ كُلَّ مَساءٍ فَيُمْسِكُونَهُ قَبْضًا ويُسَمّى هَذا الطّائِرُ أيْضًا السُّمانى بِضَمِّ السِّينِ وفَتْحِ المِيمِ مُخَفَّفَةً بَعْدَها ألِفٌ فَنُونٌ مَقْصُورٌ كَحُبارى. وهو أيْضًا اسْمٌ يَقَعُ لِلْواحِدِ والجَمْعِ، وقِيلَ هو الجَمْعُ وأمّا المُفْرَدُ فَهو سُماناةٌ.
وقَوْلُهُ ﴿كُلُوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ﴾ مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ لِأنَّ المُخاطَبِينَ حِينَ نُزُولِ القُرْآنِ لَمْ يُؤْمَرُوا بِذَلِكَ فَدَلَّ عَلى أنَّهُ مِن بَقِيَّةِ الخَبَرِ عَنْ أسْلافِهِمْ.
وقَوْلُهُ ﴿وما ظَلَمُونا﴾ قَدَّرَهُ صاحِبُ الكَشّافِ مَعْطُوفًا عَلى مُقَدَّرٍ أيْ ”فَظَلَمُوا“ وقَرَّرَهُ شارِحُوهُ بِأنَّ ”ما ظَلَمُونا“ نَفْيٌ لِظُلْمٍ مُتَعَلِّقٍ بِمَفْعُولٍ مُعَيَّنٍ وهو ضَمِيرُ الجَلالَةِ وهَذا النَّفْيُ يُفِيدُ في المَقامِ الخِطابِيِّ أنَّ هُنالِكَ ظُلْمًا مُتَعَلِّقًا بِغَيْرِ هَذا المَنصُوبِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنِ الظُّلْمُ واقِعًا لَنُفِيَ مُطْلَقًا بِأنْ يُقالَ (وما ظَلَمُوا) . ولَيْسَ المَعْنى عَلَيْهِ وأنَّهُ إنَّما قُدِّرَ في الكَشّافِ الفِعْلُ المَحْذُوفُ مُقْتَرِنًا بِالفاءِ لِأنَّ الفاءَ في عَطْفِ الجُمَلِ تُفِيدُ مَعَ التَّرْتِيبِ والتَّعْقِيبِ مَعْنى السَّبَبِيَّةِ غالِبًا، فَتَكُونُ الجُمْلَةُ المَعْطُوفَةُ مُتَسَبِّبَةً عَنِ الجُمْلَةِ المَعْطُوفِ عَلَيْها؛ فَشَبَّهَ وُقُوعَ ظُلْمِهِمْ حِينَ كَفَرُوا النِّعْمَةَ عَقِبَ الإحْسانِ بِتَرَتُّبِ المُسَبَّبِ عَلى السَّبَبِ في الحُصُولِ بِلا رَيْثٍ وبِدُونِ مُراقَبَةِ ذَلِكَ الإحْسانِ حَتّى كَأنَّهم يَأْتُونَ بِالظُّلْمِ جَزاءً لِلنِّعْمَةِ. ورَمَزَ إلى لَفْظِ المُشَبَّهِ بِهِ بِرَدِيفِهِ وهو فاءُ السَّبَبِيَّةِ وقَرِينَةُ ذَلِكَ ما يَعْلَمُهُ السّامِعُ مِن أنَّ الظُّلْمَ لا يَصْلُحُ لِأنْ يَكُونَ مُسَبَّبًا عَنِ الإنْعامِ عَلى حَدِّ قَوْلِكَ (أحْسَنْتُ إلى فُلانٍ فَأساءَ إلَيَّ) . وقَوْلُهُ تَعالى ﴿وتَجْعَلُونَ رِزْقَكم أنَّكم تُكَذِّبُونَ﴾ [الواقعة: ٨٢] أيْ تَجْعَلُونَ شُكْرَ رِزْقِكم أنَّكم تُكَذِّبُونَ فالفاءُ مَجازٌ لِغَيْرِ التَّرَتُّبِ عَلى أُسْلُوبِ قَوْلِكَ: أنْعَمْتُ عَلَيْهِ فَكَفَرَ. ولَكَ أنْ تَقُولَ إنَّ أصْلَ مَعْنى الفاءِ العاطِفَةِ التَّرْتِيبُ والتَّعْقِيبُ لا غَيْرَ وهو المَعْنى المُلازِمُ لَها في جَمِيعِ مَواقِعِ اسْتِعْمالِها فَإنَّ الِاطِّرادَ مِن عَلاماتِ الحَقِيقَةِ. وأمّا التَّرَتُّبُ أيِ السَّبَبِيَّةُ فَأمْرٌ عارِضٌ لَها فَهو مِنَ المَجازِ أوْ مِن مُسْتَتْبَعاتِ التَّراكِيبِ ألا تَرى أنَّهُ يُوجَدُ تارَةً ويَتَخَلَّفُ أُخْرى فَإنَّهُ مَفْقُودٌ في عَطْفِ المُفْرَداتِ نَحْوَ جاءَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو. وفي كَثِيرٍ مِن عَطْفِ الجُمَلِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿لَقَدْ كُنْتَ في غَفْلَةٍ مِن هَذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ﴾ [ق: ٢٢] فَلِذَلِكَ كانَ مَعْنى السَّبَبِيَّةِ حَيْثُما اسْتُفِيدَ مُحْتاجًا إلى القَرائِنِ فَإنْ لَمْ تَتَطَلَّبْ لَهُ عَلاقَةً قُلْتَ: هو مِن مُسْتَتْبَعاتِ تَراكِيبٍ بِقَرِينَةِ المَقامِ وإنْ تَطَلَّبْتَ لَهُ عَلاقَةً - وهي لا تَعُوزُكُ - قُلْتَ: هو مَجازٌ لِأنَّ أكْثَرَ الأُمُورِ الحاصِلَةِ عَقِبَ غَيْرِها (p-٥١١)يَكُونُ مُوجِبُ التَّعْقِيبِ فِيها هو السَّبَبِيَّةَ ولَوْ عُرْفًا ولَوِ ادِّعاءً فَلَيْسَ خُرُوجُ الفاءِ عَنِ التَّرَتُّبِ هو المَجازَ بَلِ الأمْرُ بِالعَكْسِ.
ومِمّا يَدُلُّ عَلى أنَّ حَقِيقَةَ الفاءِ العاطِفَةِ هو التَّرْتِيبُ والتَّعْقِيبُ فَقَطْ؛ أنَّ بَعْضَ البَيانِيِّينَ جَعَلُوا قَوْلَهُ تَعالى ﴿فالتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهم عَدُوًّا﴾ [القصص: ٨] اللّامُ فِيهِ مُسْتَعارَةٌ لِمَعْنى فاءِ التَّعْقِيبِ أيْ فَكانَ لَهم عَدُوًّا فَجَعَلُوا الفاءَ حَقِيقَةً في التَّعْقِيبِ ولَوْ كانَتْ لِلتَّرْتِيبِ لَساوَتِ اللّامَ فَلَمْ تَسْتَقِمِ الِاسْتِعارَةُ فَيَكُونُ الوَجْهُ الحامِلُ لِلزَّمَخْشَرِيِّ عَلى تَقْدِيرِ المَحْذُوفِ مُقْتَرِنًا بِالفاءِ هو أنَّهُ رَأى عَطْفَ الظُّلْمِ عَلى ﴿وظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الغَمامَ﴾ وما بَعْدَهُ بِالواوِ، ولا يَحْسُنُ لِعَدَمِ الجِهَةِ الجامِعَةِ بَيْنَ الِامْتِنانِ والذَّمِّ. والمُناسَبَةُ شَرْطٌ في قَبُولِ الوَصْلِ بِالواوِ بِخِلافِ العَطْفِ بِالفاءِ، فَتَعَيَّنَ إمّا تَقْدِيرُ ظَلَمُوا مُسْتَأْنَفًا بِدُونِ عَطْفٍ، وظاهَرٌ أنَّهُ لَيْسَ هُنالِكَ مَعْنًى عَلى الِاسْتِئْنافِ وإمّا رَبْطُ ظَلَمُوا بِعاطِفٍ سِوى الواوِ ولَيْسَ يَصْلُحُ هُنا غَيْرُ الفاءِ لِأنَّ المَعْطُوفَ حَصَلَ عَقِبَ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَكانَ ذَلِكَ التَّعاقُبُ في الخارِجِ مُغْنِيًا عَنِ الجِهَةِ الجامِعَةِ ولِذَلِكَ كانَتِ الفاءُ لا تَسْتَدْعِي قُوَّةَ مُناسَبَةٍ كَمُناسَبَةِ الواوِ ولَكِنْ مُناسِبَةً في الخَيالِ فَقَطْ وقَدْ وُجِدَتْ هُنا لِأنَّ كَوْنَ المَعْطُوفِ حَصَلَ في الخارِجِ عَقِبَ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ مِمّا يَجْعَلُهُ حاضِرًا في خَيالِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ عَنِ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وأمّا قُبْحُ نَحْوِ قَوْلِكَ: جاءَ زَيْدٌ فَصاحَ الدِّيكُ فَلِقِلَّةِ جَدْوى هَذا الخَبَرِ ألا تَراهُ يَصِيرُ حَسَنًا لَوْ أرَدْتَ بِقَوْلِكَ فَصاحَ الدِّيكُ مَعْنى التَّوْقِيتِ بِالفَجْرِ فَبِهَذا ظَهَرَ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ طَرِيقٌ لِرَبْطِ الظُّلْمِ المُقَدَّرِ بِالفِعْلَيْنِ قَبْلَهُ إلّا الفاءُ.
وفِي ذَلِكَ الإخْبارِ والرَّبْطِ والتَّصَدِّي لِبَيانِهِ مَعَ غَرابَةِ هَذا التَّعْقِيبِ تَعْرِيضٌ بِمَذَمَّتِهِمْ إذْ قابَلُوا الإحْسانَ بِالكُفْرانِ وفِيهِ تَعْرِيضٌ بِغَباوَتِهِمْ إذْ صَدَفُوا عَنِ الشُّكْرِ كَأنَّهم يَنْكُونَ بِالمُنْعِمِ وهم إنَّما يُوقِعُونَ النِّكايَةَ بِأنْفُسِهِمْ، هَذا تَفْصِيلُ ما يُقالُ عَلى تَقْدِيرِ صاحِبِ الكَشّافِ.
والَّذِي يَظْهَرُ لِي أنْ لا حاجَةَ إلى التَّقْدِيرِ وأنَّ جُمْلَةَ ﴿وما ظَلَمُونا﴾ عَطْفٌ عَلى ما قَبْلَها لِأنَّها مِثْلُها في أنَّها مِن أحْوالِ بَنِي إسْرائِيلَ ومَثارُ ذِكْرِ هَذِهِ الجُمْلَةِ هو ما تَضَمَّنَتْهُ بَعْضُ الجُمَلِ الَّتِي سَبَقَتْ مِن أنَّ ظُلْمًا قَدْ حَصَلَ مِنهم مِن قَوْلِهِ ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ العِجْلَ مِن بَعْدِهِ وأنْتُمْ ظالِمُونَ﴾ [البقرة: ٥١] وقَوْلِهِ ﴿إنَّكم ظَلَمْتُمْ أنْفُسَكم بِاتِّخاذِكُمُ العِجْلَ﴾ [البقرة: ٥٤] وما تَضَمَّنَهُ قَوْلُكم ﴿فَأخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وأنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ [البقرة: ٥٥] الدّالُّ عَلى أنَّ ذَلِكَ عَذابٌ جَرُّوهُ إلى أنْفُسِهِمْ فَأتى بِهَذِهِ الجُمْلَةِ كالفَذْلَكَةِ لِما تَضَمَّنَتْهُ الجُمَلُ السّابِقَةُ نَظِيرَ قَوْلِهِ (وما يُخادِعُونَ إلّا أنْفُسَهم) عَقِبَ قَوْلِهِ ﴿يُخادِعُونَ اللَّهَ والَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ٩]، ونَظِيرَ قَوْلِهِ ﴿وظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ﴾ [سبإ: ١٩] بَعْدَ الكَلامِ السّابِقِ وهو قَوْلُهُ ﴿وجَعَلْنا بَيْنَهم وبَيْنَ القُرى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرًى ظاهِرَةً﴾ [سبإ: ١٨] (p-٥١٢)الآيَةَ. وغَيَّرَ الأُسْلُوبَ في هَذِهِ الجُمْلَةِ إذِ انْتَقَلَ مِن خِطابِ بَنِي إسْرائِيلَ إلى الحَدِيثِ عَنْهم بِضَمِيرِ الغَيْبَةِ لِقَصْدِ الِاتِّعاظِ بِحالِهِمْ وتَعْرِيضًا بِأنَّهم مُتَمادُونَ عَلى غَيِّهِمْ ولَيْسُوا مُسْتَفِيقِينَ مِن ضَلالِهِمْ فَهم بِحَيْثُ لا يُقِرُّونَ بِأنَّهم ظَلَمُوا أنْفُسَهم.
وهَذا الظُّلْمُ الَّذِي قُدِّرَ في نَظْمِ الآيَةِ هو ضَجَرُهم مِن مُداوَمَةِ أكْلِ المَنِّ والسَّلْوى الَّذِي سَيَأْتِي ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿وإذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ﴾ [البقرة: ٦١] الآيَةَ. فَكانَ قَوْلُهُ ﴿وما ظَلَمُونا﴾ تَمْهِيدًا لَهُ وتَعْجِيلًا بِتَسْجِيلِ قِلَّةِ شُكْرِهِمْ عَلى نِعَمِ اللَّهِ وعِنايَتِهِ بِهِمْ إذْ كانَتْ شَكِيمَتُهم لَمْ تُلَيِّنْها الزَّواجِرُ ولا المَكارِمُ.
وقَوْلُهُ ﴿ولَكِنْ كانُوا أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ﴾ قَدَّمَ فِيهِ المَفْعُولَ لِلْقَصْرِ وقَدْ حَصَلَ القَصْرُ أوَّلًا بِمُجَرَّدِ الجَمْعِ بَيْنَ النَّفْيِ والإثْباتِ ثُمَّ أُكِّدَ بِالتَّقْدِيمِ لِأنَّ حالَهم كَحالِ مَن يَنْكِي غَيْرَهُ كَما قِيلَ: يَفْعَلُ الجاهِلُ بِنَفْسِهِ ما يَفْعَلُ العَدُوُّ بِعَدُوِّهِ.
{"ayah":"وَظَلَّلۡنَا عَلَیۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَیۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُوا۟ مِن طَیِّبَـٰتِ مَا رَزَقۡنَـٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق