الباحث القرآني
ولَمّا ذُكِرَتِ الصّاعِقَةُ النّاشِئَةُ غالِبًا مِنَ الغَمامِ كانَ أنْسَبَ الأشْياءِ إيلاؤُها ذِكْرَ تَظْلِيلِ الغَمامِ وناسَبَ التَّحْذِيرُ مِن نِقْمَةِ الإحْراقِ بِالصّاعِقَةِ والتَّذْكِيرُ بِنِعْمَةِ الإيجادِ مِنَ المَوْتِ الإتْباعَ بِذِكْرِ التَّنْعِيمِ في الإبْقاءِ بِالصِّيانَةِ عَنْ حَرِّ الظّاهِرِ بِالشَّمْسِ والباطِنِ بِالجُوعِ.
وقالَ الحَرالِّيُّ وعَطَفَ تَعالى عَلى ذِكْرِ البَعْثِ ذِكْرَ حالٍ مِن مِثْلِ أحْوالِ أهْلِ الجَنَّةِ الَّذِي يَنالُونَهُ بَعْدَ البَعْثِ، فَكَأنَّ عامَّتَهُمُ الَّذِينَ لَمْ يَمُوتُوا إنَّما شَرِكُوا هَؤُلاءِ المَبْعُوثِينَ لِكَوْنِهِمْ كَأنَّهم ماتُوا بِمَوْتِهِمْ وبُعِثُوا بِبَعْثِهِمْ، فَذَكَرَ ظِلَّ الغَمامِ وهو مِن أمْرِ ما بَعْدَ البَعْثِ، والأرْزاقَ بِغَيْرِ كَلَفَةٍ وهو مِن حالِ ما بَعْدَ البَعْثِ وأفْهَمَ ذَلِكَ أُمُورًا أُخَرَ في أحْوالِهِمْ كَما يُقالُ: إنْ مَلابِسَهم كانَتْ تَطُولُ مَعَهم كُلَّما طالُوا فَكَأنَّهم أُخْرِجُوا مِن أحْوالِ أهْلِ الدُّنْيا بِالجُمْلَةِ إلى شِبْهِ أحْوالِ أهْلِ الجَنَّةِ في مَحَلِّ تِيهِهِمْ ومُسْتَحَقِّ مَنالِ العُقُوبَةِ لَهم، كُلُّ ذَلِكَ إنْعامًا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ لَمْ يَزِيدُوا مَعَ (p-٣٨٦)ذَلِكَ إلّا بُعْدًا عَنِ التَّبْصِرَةِ في كُلِّ ما أُبْدِيَ لَهم مِنَ العَجائِبِ - حَدِّثْ عَنْ بَنِي إسْرائِيلَ ولا حَرَجَ - فَقالَ: ﴿وظَلَّلْنا﴾ مِنَ الظُّلَّةِ وهو وِقايَةٌ مِمّا يَنْزِلُ مِن سَماءِ المُوقِي و﴿عَلَيْكُمُ الغَمامَ﴾ مِنَ الغَمِّ وهو ما يَغُمُّ النُّورَ أيْ يُغَطِّيهِ. (p-٣٨٧)انْتَهى. أيْ فَعَلْنا ذَلِكَ لِتَرْفِيهِ أجْسامِكم وتَرْوِيحِ أرْواحِكم، وعَنْ مُجاهِدٍ: إنَّ الغَمامَ أبْرَدُ مِنَ السَّحابِ وأرَقُّ وأصْفى ﴿وأنْـزَلْنا عَلَيْكُمُ المَنَّ﴾ قالَ الحَرالِّيُّ: هو ما جاءَ بِغَيْرِ كَلَفَةٍ، الكَمْأةُ مِنَ المَنِّ. انْتَهى.
﴿والسَّلْوى﴾ أيْ لِطَعامِكم عَلى أنَّ المَنَّ مِنَ الغَمامِ، وحَشَرَ السَّلْوى إلَيْهِمْ بِالرِّيحِ المُثِيرَةِ لَهُ فَنَظَمَها بِهِ عَلى غايَةِ التَّناسُبِ. قالَ الحَرالِّيُّ: والسَّلْوى اسْمُ صِنْفٍ مِنَ الطَّيْرِ يُقالُ هو السَّمّانِيُّ أوْ غَيْرُهُ. انْتَهى. وسَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى في الأعْرافِ أنَّهُ غَيْرُ السَّمّانِيِّ وأنَّهم خُصُّوا بِهِ إيذانًا بِقَساوَةِ قُلُوبِهِمْ.
وهَذِهِ الخارِقَةُ قَدْ كانَ صَحابَةُ نَبِيِّنا ﷺ غَنِيِّينَ عَنْها بِما كانَ النَّبِيُّ ﷺ كُلَّما احْتاجُوا دَعا بِما عِنْدَهم مِن فَضَلاتِ الزّادِ فَيَدْعُو، فَيُكَثِّرُهُ اللَّهُ حَتّى يَكْتَفُوا مِن عِنْدِ آخِرِهِمْ، «وأعْطى أبا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَمَراتٍ وأمَرَهُ أنْ يَجْعَلَها في مِزْوَدٍ وقالَ لَهُ: أنْفِقْ ولا تَنْثُرْها، فَأكَلَ مِنهُ سِنِينَ وأنْفَقَ مِنهُ أكْثَرَ مِن خَمْسِينَ وسْقًا» . وبارَكَ لِآخَرَ في قَلِيلِ شَعِيرٍ وأمَرَهُ أنْ لا يَكِيلُهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُنْفِقُ مِنهُ عَلى نَفْسِهِ (p-٣٨٨)وامْرَأتِهِ وضَيْفِهِ حَتّى كالَهُ فَفَنِيَ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَوْ لَمْ تَكِلْهُ؛ لَأكَلْتُمْ مِنهُ، ولَقامَ لَكم»، وكانَ نَحْوُ ذَلِكَ لِعائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ ﷺ . وكَذا لِأُمِّ مالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها في عَكَّةِ سَمْنٍ لَمْ تَزَلْ تُقِيمُ لَها أُدْمَها حَتّى عَصَرَتْها. ومِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ في دَلائِلِ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ وغَيْرِهِ. وقِيلَ لَكم ﴿كُلُوا﴾ ودَلَّ عَلى أنَّهُ أكْثَرُ مِن كِفايَتِهِمْ بِقَوْلِهِ ﴿مِن طَيِّباتِ﴾ جَمْعُ طَيِّبَةٍ. قالَ الحَرالِّيُّ: والطَّيِّبُ ما خَلَصَ مِن مُنازِعٍ يُشارِكُ فِيهِ وطَيَّبَهُ مِن سِوى الأكْلِ لَهُ أيْ لَمْ يُنازِعْهُ ولَيْسَ فِيهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ، ومِنهُ الطَّيِّبُ في المَذاقِ وهو الَّذِي لا يُنازِعُهُ تَكَرُّهٌ في طَعْمِهِ، وهَذا زادَ عَلى ذَلِكَ بِكَوْنِهِ لَمْ يَكُنْ عَنْ عَمَلِ حَرْثٍ (p-٣٨٩)ولا مُعامَلَةٍ مَعَ خَلْقٍ. انْتَهى.
﴿ما رَزَقْناكُمْ﴾ أيْ عَلى عَظَمَتِنا الَّتِي لا تُضاهى.
ولَمّا لَمْ يَرْعَوْا هَذِهِ النِّعَمَ أعْرَضَ عَنْهم لِلْإيذانِ بِاسْتِحْقاقِ الغَضَبِ. وقالَ الحَرالِّيُّ: ثُمَّ أعْرَضَ بِالخِطابِ عَنْهم وأقْبَلَ بِهِ عَلى مُحَمَّدٍ ﷺ ومَن مَعَهُ. انْتَهى. فَقالَ ”وما“ أيْ فَظَلَمُوا بِأنْ كَفَرُوا هَذِهِ النِّعَمَ كُلَّها وما ﴿ظَلَمُونا﴾ بِشَيْءٍ مِن ذَلِكَ ﴿ولَكِنْ كانُوا﴾ أيْ جِبِلَّةً وطَبْعًا ﴿أنْفُسَهُمْ﴾ أيْ خاصَّةً ﴿يَظْلِمُونَ﴾ لِأنَّ ضَرَرَ ذَلِكَ مَقْصُورٌ عَلَيْهِمْ. قالَ الحَرالِّيُّ: وفِيهِ إشْعارٌ بِتَحْذِيرِ هَؤُلاءِ أنْ يَرَوْا نَحْوًا مِمّا (p-٣٩٠)رَأوْا فَيَنالُهم نَحْوٌ مِمّا نالُوهُ، لِأنَّ قِصَصَ القُرْآنِ لَيْسَ مَقْصُودُهُ مَقْصُورًا عَلى ذِكْرِ الأوَّلِينَ فَقَطْ، بَلْ كُلُّ قِصَّةٍ مِنهُ إنَّما ذُكِرَتْ لِما يَلْحَقُ هَذِهِ الأمَةَ في أمَدِ يَوْمِها مِن شِبْهِ أحْوالِ مَن قُصَّ عَلَيْهِمْ قِصَصُهُ. انْتَهى.
{"ayah":"وَظَلَّلۡنَا عَلَیۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَیۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُوا۟ مِن طَیِّبَـٰتِ مَا رَزَقۡنَـٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











