الباحث القرآني
﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أوِ اطْرَحُوهُ أرْضًا يَخْلُ لَكم وجْهُ أبِيكم وتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صالِحِينَ﴾
جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا لِأنَّ الكَلامَ المُتَقَدِّمَ يُثِيرُ سُؤالًا في نُفُوسِ السّامِعِينَ عَنْ غَرَضِ القائِلِينَ مِمّا قالُوهُ فَهَذا المَقْصُودُ لِلْقائِلِينَ. وإنَّما جَعَلُوا لَهُ الكَلامَ السّابِقَ كالمُقَدِّمَةِ لِتَتَأثَّرَ نُفُوسُ السّامِعِينَ فَإذا أُلْقِيَ إلَيْها المَطْلُوبُ كانَتْ سَرِيعَةَ الِامْتِثالِ إلَيْهِ.
وهَذا فَنٌّ مِن صِناعَةِ الخَطابَةِ أنْ يَفْتَتِحَ الخَطِيبُ كَلامَهُ بِتَهْيِئَةِ نُفُوسِ السّامِعِينَ لِتَتَأثَّرَ بِالغَرَضِ المَطْلُوبِ، فَإنَّ حالَةَ تَأثُّرِ النُّفُوسِ تُغْنِي عَنِ الخَطِيبِ (p-٢٢٣)غِناءَ جُمَلٍ كَثِيرَةٍ مِن بَيانِ العِلَلِ والفَوائِدِ، كَما قالَ الحَرِيرِيُّ في المَقامَةِ الحادِيَةِ عَشْرَةَ: ”فَلَمّا دَفَنُوا المَيْتَ، وفاتَ قَوْلُ لَيْتَ، أشْرَفَ شَيْخٌ مِن رِباوَةٍ، مُتَأبِّطًا لِهِراوَةٍ، فَقالَ لِمِثْلِ هَذا فَلْيَعْمَلِ العامِلُونَ“ . وانْهَلَّ في الخُطَبِ.
والأمْرُ مُسْتَعْمَلٌ في الإرْشادِ. وأرادُوا ارْتِكابَ شَيْءٍ يُفَرِّقُ بَيْنَ يُوسُفَ وأبِيهِ - عَلَيْهِما السَّلامُ - تَفْرِقَةً لا يُحاوِلُ مِن جَرّائِها اقْتِرابًا بِأنْ يَعْدِمُوهُ أوْ يَنْقُلُوهُ إلى أرْضٍ أُخْرى فَيَهْلَكُ أوْ يُفْتَرَسُ.
وهَذِهِ آيَةٌ مِن عِبَرِ الأخْلاقِ السَّيِّئَةِ وهي التَّخَلُّصُ مِن مُزاحَمَةِ الفاضِلِ بِفَضْلِهِ لِمَن هو دُونَهُ فِيهِ أوْ مُساوِيَهُ بِإعْدامِ صاحِبِ الفَضْلِ وهي أكْبَرُ جَرِيمَةٍ لِاشْتِمالِها عَلى الحَسَدِ، والإضْرارِ بِالغَيْرِ، وانْتِهاكِ ما أمَرَ اللَّهُ بِحِفْظِهِ، وهم قَدْ كانُوا أهْلَ دِينٍ ومِن بَيْتِ نُبُوَّةٍ وقَدْ أصْلَحَ اللَّهُ حالَهم مِن بَعْدُ وأثْنى عَلَيْهِمْ وسَمّاهُمُ الأسْباطَ.
وانْتَصَبَ (أرْضًا) عَلى تَضْمِينِ اطْرَحُوهُ مَعْنى أوْدِعُوهُ، أوْ عَلى نَزْعِ الخافِضِ، أوْ عَلى تَشْبِيهِهِ بِالمَفْعُولِ فِيهِ لِأنَّ أرْضًا اسْمُ مَكانٍ فَلَمّا كانَ غَيْرَ مَحْدُودٍ وزادَ إبْهامًا بِالتَّنْكِيرِ عُومِلَ مُعامَلَةَ أسْماءِ الجِهاتِ، وهَذا أضْعَفُ الوُجُوهِ. وقَدْ عُلِمَ أنَّ المُرادَ أرْضٌ مَجْهُولَةٌ لِأبِيهِ.
وجَزْمُ (يَخْلُ) في جَوابِ الأمْرِ، أيْ إنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ يَخْلُ لَكم وجْهُ أبِيكم.
والخُلُوُّ: حَقِيقَتُهُ الفَراغُ. وهو مُسْتَعْمَلٌ هُنا مَجازًا في عَدَمِ التَّوَجُّهِ لِمَن لا يَرْغَبُونَ تَوَجُّهَهُ لَهُ، فَكَأنَّ الوَجْهَ خَلا مِن أشْياءٍ كانَتْ حالَّةً فِيهِ.
واللّامُ في قَوْلِهُ: (لَكم) لامُ العِلَّةِ، أيْ يَخْلُ وجْهُ أبِيكم لِأجْلِكم، بِمَعْنى أنَّهُ يَخْلُو مِمَّنْ عَداكم فَيَنْفَرِدُ لَكم.
(p-٢٢٤)وهَذا المَعْنى كِنايَةُ تَلْوِيحٍ عَنْ خُلُوصِ مَحَبَّتِهِ لَهم دُونَ مُشارِكٍ.
وعَطَفَ ﴿وتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ﴾ أيْ مِن بَعْدِ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - عَلى (يَخْلُ) لِيَكُونَ مِن جُمْلَةِ الجَوابِ لِلْأمْرِ. فالمُرادُ كَوْنٌ ناشِئٌ عَنْ فِعْلِ المَأْمُورِ بِهِ فَتَعَيَّنَ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ الصَّلاحِ فِيهِ الصَّلاحَ الدُّنْيَوِيَّ، أيْ صَلاحَ الأحْوالِ في عَيْشِهِمْ مَعَ أبِيهِمْ، ولَيْسَ المُرادُ الصَّلاحَ الدِّينِيَّ.
وإنَّما لَمْ يُدَبِّرُوا شَيْئًا في إعْدامِ أخِي يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - شَفَقَةً عَلَيْهِ لِصِغَرِهِ.
وإقْحامُ لَفْظِ (قَوْمًا) بَيْنَ كانَ وخَبَرِها لِلْإشارَةِ إلى أنَّ صَلاحَ الحالِ صِفَةٌ مُتَمَكِّنَةٌ فِيهِمْ كَأنَّهُ مِن مُقَوِّماتِ قَوْمِيَّتِهِمْ. وقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ١٦٤] في سُورَةِ البَقَرَةِ، وعِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿وما تُغْنِي الآياتُ والنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس: ١٠١] في سُورَةِ يُونُسَ.
وهَذا الأمْرُ صَدَرَ مِن قائِلِهِ وسامِعِيهِ مِنهم قَبْلَ اتِّصافِهِمْ بِالنُّبُوَّةِ أوْ بِالوِلايَةِ لِأنَّ فِيهِ ارْتِكابَ كَبِيرَةِ القَتْلِ أوِ التَّعْذِيبِ والِاعْتِداءِ، وكَبِيرَةِ العُقُوقِ.
{"ayah":"ٱقۡتُلُوا۟ یُوسُفَ أَوِ ٱطۡرَحُوهُ أَرۡضࣰا یَخۡلُ لَكُمۡ وَجۡهُ أَبِیكُمۡ وَتَكُونُوا۟ مِنۢ بَعۡدِهِۦ قَوۡمࣰا صَـٰلِحِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق