﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أوِ اطْرَحُوهُ أرْضًا﴾ مِن جُمْلَةِ ما حُكِيَ بَعْدَ قَوْلِهِ: "إذا قالُوا" وقَدْ قالَهُ بَعْضٌ مِنهم مُخاطِبًا لِلْباقِينَ بِقَضِيَّةِ الصِّيغَةِ، فَكَأنَّهم رَضُوا بِذَلِكَ، كَما يُرْوى أنَّ القائِلَ شَمْعُونُ أوْ دانُ، والباقُونَ كانُوا راضِينَ، إلّا مَن قالَ: ﴿ (لا تَقْتُلُوا﴾ ...) إلَخْ، فَجُعِلُوا كَأنَّهُمُ القائِلُونَ، وأُدْرِجُوا تَحْتَ القَوْلِ المُسْنَدِ إلى الجَمِيعِ، أوْ قالَهُ كُلُّ واحِدٍ مِنهم مُخاطِبًا لِلْبَقِيَّةِ، وهو أدَلُّ عَلى مُسارَعَتِهِمْ إلى ذَلِكَ القَوْلِ، وتَنْكِيرُ أرْضًا وإخْلاؤُها مِنَ الوَصْفِ لِلْإبْهامِ، أيْ: أرْضًا مَنكُورَةً مَجْهُولَةً بَعِيدَةً مِنَ العُمْرانِ، ولِذَلِكَ نُصِبَتْ نَصْبَ الظُّرُوفِ المُبْهَمَةِ.
﴿يَخْلُ﴾ بِالجَزْمِ، جَوابٌ لِلْأمْرِ، أيْ: يَخْلُصْ ﴿لَكم وجْهُ أبِيكُمْ﴾ فَيُقْبِلْ عَلَيْكم بِكُلِّيَّتِهِ، ولا يَلْتَفِتْ عَنْكم إلى غَيْرِكُمْ، ولا يُساهِمْكم في مَحَبَّتِهِ أحَدٌ، فَذِكْرُ الوَجْهِ لِتَصْوِيرِ مَعْنى إقْبالِهِ عَلَيْهِمْ ﴿وَتَكُونُوا﴾ بِالجَزْمِ عَطْفًا عَلى (يَخْلُ) أوْ بِالنَّصْبِ عَلى إضْمارِ (أنْ) أوِ (الواوِ) بِمَعْنى مَعَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿وَتَكْتُمُوا الحَقَّ﴾ وإيثارُ الخِطابِ في (لَكُمْ) وما بَعْدَهُ لِلْمُبالَغَةِ في حَمْلِهِمْ عَلى القَبُولِ، فَإنَّ اعْتِناءَ المَرْءِ بِشَأْنِ نَفْسِهِ واهْتِمامَهُ بِتَحْصِيلِ مَنافِعِهِ أتَمُّ وأكْمَلُ ﴿مِن بَعْدِهِ﴾ مِن بَعْدِ يُوسُفَ، أيْ: مِن بَعْدِ الفَراغِ مِن أمْرِهِ، أوْ قَتْلِهِ، أوْ طَرْحِهِ ﴿قَوْمًا صالِحِينَ﴾ تائِبِينَ إلى اللَّهِ تَعالى عَمّا جَنَيْتُمْ، أوْ صالِحِينَ مَعَ أبِيكم بِإصْلاحِ ما بَيْنَكم وبَيْنَهُ بِعُذْرٍ تُمَهِّدُونَهُ، أوْ صالِحِينَ في أُمُورِ دُنْياكم بِانْتِظامِها بَعْدَهُ بِخُلُوِّ وجْهِ أبِيكم.
{"ayah":"ٱقۡتُلُوا۟ یُوسُفَ أَوِ ٱطۡرَحُوهُ أَرۡضࣰا یَخۡلُ لَكُمۡ وَجۡهُ أَبِیكُمۡ وَتَكُونُوا۟ مِنۢ بَعۡدِهِۦ قَوۡمࣰا صَـٰلِحِینَ"}