الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿لَقَدْ كانَ في يُوسُفَ وإخْوَتِهِ آياتٌ لِلسّائِلِينَ﴾ في هَذِهِ الآياتِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّها عِبَرٌ لِلْمُعْتَبِرِينَ. الثّانِي: زَواجِرُ لِلْمُتَّقِينَ. وَفِيها مِن يُوسُفَ وإخْوَتِهِ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: ما أظْهَرَهُ اللَّهُ تَعالى فِيهِ مِن عَواقِبِ البَغْيِ عَلَيْهِ. الثّانِي: صِدْقُ رُؤْياهُ وصِحَّةُ تَأْوِيلِهِ. الثّالِثُ: ضَبْطُ نَفْسِهِ وقَهْرُ شَهْوَتِهِ حَتّى سَلِمَ مِنَ المَعْصِيَةِ وقامَ بِحَقِّ الأمانَةِ. الرّابِعُ: الفَرَجُ بَعْدَ شِدَّةِ الإياسِ. قالَ ابْنُ عَطاءٍ: ما سَمِعَ سُورَةَ يُوسُفَ مَحْزُونٌ إلّا اسْتَرْوَحَ إلَيْها. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿إذْ قالُوا لَيُوسُفُ وأخُوهُ أحَبُّ إلى أبِينا مِنّا﴾ وأخُوهُ بِنْيامِينَ وهُما أخَوانِ لِأبٍ وأُمٍّ، وكانَ يَعْقُوبُ قَدْ كَلِفَ بِهِما لِمَوْتِ أُمِّهِما وزادَ في المُراعاةِ لَهُما، فَذَلِكَ سَبَبُ حَسَدِهِمْ لَهُما، وكانَ شَدِيدَ الحُبِّ لِيُوسُفَ، فَكانَ الحَسَدُ لَهُ أكْثَرَ، ثُمَّ رَأى الرُّؤْيا فَصارَ الحَسَدُ لَهُ أشَدَّ. (p-١٠)﴿وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ وفي العُصْبَةِ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّها سِتَّةٌ أوْ سَبْعَةٌ، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. الثّانِي: أنَّها مِن عَشَرَةٍ إلى خَمْسَةَ عَشَرَ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّالِثُ: مِن عَشَرَةٍ إلى أرْبَعِينَ، قالَهُ قَتادَةُ. الرّابِعُ: الجَماعَةُ، قالَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ. ﴿إنَّ أبانا لَفي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: لَفي خَطَأٍ مِن رَأْيِهِ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. الثّانِي: لَفي جَوْرٍ مِن فِعْلِهِ، قالَهُ ابْنُ كامِلٍ. الثّالِثُ: لَفي مَحَبَّةٍ ظاهِرَةٍ، حَكاهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَإنَّما جَعَلُوهُ في ضَلالٍ مُبِينٍ لِثَلاثَةِ أوْجُهٍ: أحَدُها: لِأنَّهُ فَضَّلَ الصَّغِيرَ عَلى الكَبِيرِ. الثّانِي: القَلِيلَ عَلى الكَثِيرِ. الثّالِثُ: مَن لا يُراعِي ما لَهُ عَلى مَن يُراعِيهِ. واخْتُلِفَ فِيهِمْ: هَلْ كانُوا حِينَئِذٍ بالِغِينَ؟ فَذَهَبَ قَوْمٌ إلى أنَّهم كانُوا بالِغِينَ مُؤْمِنِينَ ولَمْ يَكُونُوا أنْبِياءَ بَعْدُ لِأنَّهم قالُوا ﴿يا أبانا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إنّا كُنّا خاطِئِينَ﴾ وهَذِهِ (p-١١)حالَةٌ لا تَكُونُ إلّا مِن بالِغٍ، وقالَ آخَرُونَ: بَلْ كانُوا غَيْرَ بالِغِينَ لِأنَّهم قالُوا ﴿أرْسِلْهُ مَعَنا غَدًا يَرْتَعْ ويَلْعَبْ﴾ وإنَّما اسْتَغْفَرُوهُ بَعْدَ البُلُوغِ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أوِ اطْرَحُوهُ أرْضًا﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: اطْرَحُوهُ أرْضًا لِتَأْكُلَهُ السِّباعُ. الثّانِي: لِيَبْعُدَ عَنْ أبِيهِ. ﴿يَخْلُ لَكم وجْهُ أبِيكم وتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صالِحِينَ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهم أرادُوا صَلاحَ الدُّنْيا لا صَلاحَ الدِّينِ، قالَهُ الحَسَنُ. الثّانِي: أنَّهم أرادُوا صَلاحَ الدِّينِ بِالتَّوْبَةِ، قالَهُ السُّدِّيُّ. وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: أنَّهم أرادُوا صَلاحَ الأحْوالِ بِتَسْوِيَةِ أبِيهِمْ بَيْنَهم مِن غَيْرِ أثَرَةٍ ولا تَفْضِيلٍ. وَفي هَذا دَلِيلٌ عَلى أنَّ تَوْبَةَ القاتِلِ مَقْبُولَةٌ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى لَمْ يُنْكِرْ هَذا القَوْلَ مِنهم. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿قالَ قائِلٌ مِنهم لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ﴾ اخْتُلِفَ في قائِلِ هَذا مِنهم عَلى ثَلاثَةِ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ رُوبِيلُ وهو أكْبَرُ إخْوَةِ يُوسُفَ وابْنُ خالَتِهِ، قالَهُ قَتادَةُ. الثّانِي: أنَّهُ شَمْعُونُ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّالِثُ: أنَّهُ يَهُوذا، قالَهُ السُّدِّيُّ. ﴿وَألْقُوهُ في غَيابَتِ الجُبِّ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: يَعْنِي قَعْرَ الجُبِّ وأسْفَلُهُ. الثّانِي: ظُلْمَةُ الجُبِّ الَّتِي تُغَيَّبُ عَنِ الأبْصارِ ما فِيها، قالَهُ الكَلْبِيُّ. فَكانَ رَأْسُ الجُبِّ ضَيِّقًا وأسْفَلُهُ واسِعًا. وَفي تَسْمِيَتِهِ ﴿غَيابَتِ الجُبِّ﴾ وجْهانِ: أحَدُهُما: لِأنَّهُ يَغِيبُ فِيهِ خَبَرُهُ. الثّانِي: لِأنَّهُ يَغِيبُ فِيهِ أثَرُهُ، قالَ ابْنُ أحْمَرَ:(p-١٢) ؎ ألا فالبِثا شَهْرَيْنِ أوْ نِصْفَ ثالِثٍ إلى ذاكَ ما قَدْ غَيَّبَتْنِي غَيابِيا وَفِي ﴿الجُبِّ﴾ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ اسْمُ بِئْرٍ في بَيْتِ المَقْدِسِ، قالَهُ قَتادَةُ. الثّانِي: أنَّهُ بِئْرٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ، وإنَّما يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنَ الآبارِ. قالَ الأعْشى: ؎ لَئِنْ كُنْتُ في جُبٍّ ثَمانِينَ قامَةً ∗∗∗ ورُقِّيتُ أسْبابَ السَّماءِ بِسُلَّمِ وَفِيما يُسَمّى مِنَ الآبارِ جُبًّا قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ ما عَظُمَ مِنَ الآبارِ سَواءٌ كانَ فِيهِ ماءٌ أوْ لَمْ يَكُنْ. الثّانِي: أنَّهُ ما لا طَيَّ لَهُ مِنَ الآبارِ، قالَهُ الزَّجّاجُ، وقالَ: سُمِّيَتْ جُبًّا لِأنَّها قُطِعَتْ مِنَ الأرْضِ قَطْعًا ولَمْ يَحْدُثْ فِيها غَيْرُ القَطْعِ. ﴿يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيّارَةِ إنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ﴾ مَعْنى يَلْتَقِطُهُ يَأْخُذُهُ، ومِنهُ اللُّقَطَةُ لِأنَّها الضّالَّةُ المَأْخُوذَةُ. وَفي ﴿السَّيّارَةِ﴾ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُمُ المُسافِرُونَ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِأنَّهم يَسِيرُونَ. الثّانِي: أنَّهم مارَّةُ الطَّرِيقِ، قالَهُ الضَّحّاكُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب