الباحث القرآني
قِيلَ: إنَّ قِصَّةَ ذَبْحِ البَقَرَةِ المَذْكُورَةَ هُنا مُقَدَّمٌ في التِّلاوَةِ ومُؤَخَّرٌ في المَعْنى عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا﴾ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ( قَتَلْتُمْ ) مُقَدَّمًا في النُّزُولِ، ويَكُونَ الأمْرُ بِالذَّبْحِ مُؤَخَّرًا، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ تَرْتِيبُ نُزُولِها عَلى حَسَبِ تِلاوَتِها، فَكَأنَّ اللَّهَ أمَرَهم بِذَبْحِ البَقَرَةِ حَتّى ذَبَحُوها، ثُمَّ وقَعَ مِن أمْرِ القَتْلِ فَأُمِرُوا أنْ يَضْرِبُوهُ بِبَعْضِها. هَذا عَلى فَرْضِ أنَّ الواوَ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، وقَدْ تَقَرَّرَ (p-٦٦)فِي عِلْمِ العَرَبِيَّةِ أنَّها لِمُجَرَّدِ الجَمْعِ مِن دُونِ تَرْتِيبٍ ولا مَعِيَّةٍ، وسَيَأْتِي في قِصَّةِ القَتْلِ تَمامُ الكَلامِ، والبَقَرَةُ اسْمٌ لِلْأُنْثى، ويُقالُ لِلذَّكَرِ ثَوْرٌ، وقِيلَ: إنَّها تُطْلَقُ عَلَيْهِما، وأصْلُهُ مِنَ البَقْرِ وهو الشَّقُّ لِأنَّها تَشُقُّ الأرْضَ بِالحَرْثِ، قالَ الأزْهَرِيُّ: البَقَرُ اسْمُ جِنْسٍ، وجَمْعُهُ باقِرٌ. وقَدْ قَرَأ عِكْرِمَةُ ويَحْيى بْنُ يَعْمَرَ ﴿إنَّ البَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا﴾ وقَوْلُهُ: ( هُزُوًا ) الهُزُوُ هُنا اللَّعِبُ والسُّخْرِيَةُ، وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ.
وإنَّما يَفْعَلُ ذَلِكَ أهْلُ الجَهْلِ لِأنَّهُ نَوْعٌ مِنَ العَبَثِ الَّذِي لا يَفْعَلُهُ العُقَلاءُ، ولِهَذا أجابَهم مُوسى بِالِاسْتِعاذَةِ بِاللَّهِ سُبْحانَهُ مِنَ الجَهْلِ.
وقَوْلُهُ: ﴿قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ﴾ هَذا نَوْعٌ مِن أنْواعِ تَعَنُّتِهِمُ المَأْلُوفَةِ، فَقَدْ كانُوا يَسْلُكُونَ هَذِهِ المَسالِكَ في غالِبِ ما أمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ ولَوْ تَرَكُوا العَنَتَ والأسْئِلَةَ المُتَكَلَّفَةَ لَأجْزَأهم ذَبْحُ بِقَرَةٍ مِن عَرَضِ البَقَرِ، ولَكِنَّهم شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ كَما سَيَأْتِي بَيانُهُ.
والفارِضُ: المُسِنَّةُ، ومَعْناهُ في اللُّغَةِ: الواسِعُ.
قالَ في الكَشّافِ: وكَأنَّها سُمِّيَتْ فارِضًا لِأنَّها فَرَضَتْ سِنَّها: أيْ قَطَعَتْها وبَلَغَتْ آخِرَها. انْتَهى.
ويُقالُ لِلشَّيْءِ القَدِيمِ فارِضٌ، ومِنهُ قَوْلُ الرّاجِزِ:
؎يا رَبِّ ذِي ضَغَنٍ عَلَيَّ فارِضٌ لَهُ قَرْوٌ كَقَرْوِ الحائِضِ
أيْ قَدِيمٌ، وقِيلَ: الفارِضُ: الَّتِي قَدْ ولَدَتْ بُطُونًا كَثِيرَةً فَيَتَّسِعُ جَوْفُها.
والبِكْرُ: الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَمْ تَحْمَلْ، وتُطْلَقُ في إناثِ البَهائِمِ وبَنِي آدَمَ عَلى ما لَمْ يَفْتَحِلْهُ الفَحْلُ، وتُطْلَقُ أيْضًا عَلى الأوَّلِ مِنَ الأوْلادِ، ومِنهُ قَوْلُ الرّاجِزِ:
؎يا بِكْرَ بِكْرَيْنِ ويا صُلْبَ الكَبِدِ ∗∗∗ أصْبَحْتَ مِنِّي كَذِرِاعٍ مِن عَضُدِ
والعَوانُ: المُتَوَسِّطَةُ بَيْنَ سِنِيِّ الفارِضِ والبِكْرِ، وهي الَّتِي قَدْ ولَدَتْ بَطْنًا أوْ بَطْنَيْنِ، ويُقالُ: هي الَّتِي قَدْ ولَدَتْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ( بَيْنَ ذَلِكَ ) إلى الفارِضِ والبِكْرِ، وهُما وإنْ كانَتا مُؤَنَّثَتَيْنِ فَقَدْ أُشِيرَ إلَيْهِما بِما هو لِلْمُذَكَّرِ عَلى تَأْوِيلِ المَذْكُورِ، كَأنَّهُ قالَ: بَيْنَ ذَلِكَ المَذْكُورِ، وجازَ دُخُولُ " بَيْنَ " المُقْتَضِيَةِ لِشَيْئَيْنِ لِأنَّ المَذْكُورَ مُتَعَدِّدٌ.
وقَوْلُهُ: ( فافْعَلُوا ) تَجْدِيدٌ لِلْأمْرِ، وتَأْكِيدٌ لَهُ، وزَجْرٌ لَهم عَنِ التَّعَنُّتِ، فَلَمْ يَنْفَعْهم ذَلِكَ ولا نَجَعَ فِيهِمْ، بَلْ رَجَعُوا إلى طَبِيعَتِهِمْ، وعادُوا إلى مَكْرِهِمْ واسْتَمَرُّوا عَلى عادَتِهِمُ المَأْلُوفَةِ فَقالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ.
واللَّوْنُ: واحِدُ الألْوانِ، وجُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ عَلى أنَّها كانَتْ جَمِيعُها صَفْراءَ.
قالَ بَعْضُهم: حَتّى قَرْنُها وظِلْفُها.
وقالَ الحَسَنُ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إنَّها كانَتْ صَفْراءَ القَرْنِ والظِّلْفِ فَقَطْ، وهو خِلافُ الظّاهِرِ.
والمُرادُ بِالصُّفْرَةِ هُنا الصُّفْرَةُ المَعْرُوفَةُ.
ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ أنَّ ( صَفْراءَ ) مَعْناهُ سَوْداءُ، وهَذا مِن بِدَعِ التَّفاسِيرِ ومُنْكَراتِها، ولَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يَصْدُقُ عَلى اللَّوْنِ الأسْوَدِ الَّذِي هو أقْبَحُ الألْوانِ أنَّهُ يَسُرُّ النّاظِرِينَ، وكَيْفَ يَصِحُّ وصْفُهُ بِالفُقُوعِ الَّذِي يَعْلَمُ كُلُّ مَن يَعْرِفُ لُغَةَ العَرَبِ أنَّهُ لا يَجْرِي عَلى الأسْوَدِ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، فَإنَّهم يَقُولُونَ في وصْفِ الأسْوَدِ: حالِكٌ وحَلْكُوكٌ ودَجُوجِيٌّ وغِرْبِيبٌ.
قالَ الكِسائِيُّ: يُقالُ: فَقَعَ لَوْنُها يَفْقَعُ فُقُوعًا: إذا خَلَصَتْ صُفْرَتُهُ.
وقالَ في الكَشّافِ: الفُقُوعُ أشَدُّ ما يَكُونُ مِنَ الصُّفْرَةِ وأنْصَعُهُ.
ومَعْنى ( تَسُرُّ النّاظِرِينَ ) تُدْخِلُ عَلَيْهِمُ السُّرُورَ إذا نَظَرُوا إلَيْها إعْجابًا بِها واسْتِحْسانًا لِلَوْنِها.
قالَ وهْبٌ: كانَتْ كَأنَّ شُعاعَ الشَّمْسِ يَخْرُجُ مِن جِلْدِها.
ثُمَّ لَمْ يَنْزِعُوا عَنْ غِوايَتِهِمْ ولا ارْعَوَوْا مِن سَفَهِهِمْ وجَهْلِهِمْ، بَلْ عادُوا إلى تَعَنُّتِهِمْ فَقالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هي إنَّ البَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا. أيْ أنَّ جِنْسَ البَقَرِ يَتَشابَهُ عَلَيْهِمْ لِكَثْرَةِ ما يَتَّصِفُ مِنها بِالعَوانِ الصَّفْراءِ الفاقِعَةِ، ووَعَدُوا مِن أنْفُسِهِمْ بِالِاهْتِداءِ إلى ما دَلَّهم عَلَيْهِ، والِامْتِثالِ لِما أُمِرُوا بِهِ.
والذَّلُولُ: الَّتِي لَمْ يُذَلِّلْها العَمَلُ: أيْ هي غَيْرُ مُذَلَّلَةٍ بِالعَمَلِ ولا رَيِّضَةٍ بِهِ.
وقَوْلُهُ: ( تُثِيرُ ) في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى الصِّفَةِ لِبَقَرَةٍ، أيْ: هي بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ مُثِيرَةٌ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ولا تَسْقِي الحَرْثَ﴾ في مَحَلِّ رَفْعٍ لِأنَّهُ وصْفٌ لَها: أيْ لَيْسَتْ مِنَ النَّواضِحِ الَّتِي يُسْنى عَلَيْها لِسَقْيِ الزُّرُوعِ، وحَرْفُ النَّفْيِ الآخَرُ تَوْكِيدٌ لِلْأوَّلِ، أيْ هي بَقَرَةٌ غَيْرُ مُذَلَّلَةٍ بِالحَرْثِ ولا بِالنَّضْحِ، ولِهَذا قالَ الحَسَنُ: كانَتِ البَقَرَةُ وحْشِيَّةً.
وقالَ قَوْمٌ: إنَّ قَوْلَهُ: ( تُثِيرُ ) فِعْلٌ مُسْتَأْنَفٌ.
والمَعْنى: إيجابُ الحَرْثِ لَها والنَّضْحِ بِها.
والأوَّلُ أرْجَحُ، لِأنَّها لَوْ كانَتْ مُثِيرَةً ساقِيَةً لَكانَتْ مُذَلَّلَةً رَيِّضَةً، وقَدْ نَفى اللَّهُ ذَلِكَ عَنْها. وقَوْلُهُ: ( مُسَلَّمَةٌ ) مُرْتَفِعٌ عَلى أنَّهُ مِن أوْصافِ البَقَرَةِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُرْتَفِعًا عَلى أنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ: أيْ هي مُسَلَّمَةٌ.
والجُمْلَةُ في مَحَلِّ رَفْعٍ عَلى أنَّها صِفَةٌ، والمُسَلَّمَةُ: هي الَّتِي لا عَيْبَ فِيها، وقِيلَ: مُسَلَّمَةٌ مِنَ العَمَلِ، وهو ضَعِيفٌ لِأنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ قَدْ نَفى ذَلِكَ عَنْها، والتَّأْسِيسُ خَيْرٌ مِنَ التَّأْكِيدِ، والإفادَةُ أوْلى مِنَ الإعادَةِ.
والشِّيَةُ أصْلُها وشِيَةٌ حُذِفَتِ الواوُ كَما حُذِفَتْ مِن يَشِي، وأصْلُهُ يَوْشِي، ونَظِيرُهُ: الزِّنَةُ والعِدَةُ والصِّلَةُ، وهي مَأْخُوذَةٌ مِن وشِيَ الثَّوْبُ: إذا نُسِجَ عَلى لَوْنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وثَوْرٌ مُوَشًّى في وجْهِهِ وقَوائِمُهُ سُودٌ.
والمُرادُ أنَّ هَذِهِ البَقَرَةَ خالِصَةُ الصُّفْرَةِ لَيْسَ في جِسْمِها لَمْعَةٌ مِن لَوْنٍ آخَرَ.
فَلَمّا سَمِعُوا هَذِهِ الأوْصافَ الَّتِي لا يَبْقى بَعْدَها رَيْبٌ ولا يُخالِجُ سامِعَها شَكٌّ، ولا تَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، أقْصَرُوا مِن غِوايَتِهِمْ، وانْتَبَهُوا مِن رَقْدَتِهِمْ وعَرَفُوا مِقْدارَ ما أوْقَعَهم فِيهِ تَعَنُّتُهم مِنَ التَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ قالُوا: الآنَ جِئْتَ بِالحَقِّ. أيْ أوْضَحْتَ لَنا الوَصْفَ، وبَيَّنْتَ لَنا الحَقِيقَةَ الَّتِي يَجِبُ الوُقُوفُ عِنْدَها، فَحَصَّلُوا تِلْكَ البَقَرَةَ المَوْصُوفَةَ بِتِلْكَ الصِّفاتِ فَذَبَحُوها وامْتَثَلُوا الأمْرَ الَّذِي كانَ يُسْرًا فَعَسَّرُوهُ، وكانَ واسِعًا فَضَيَّقُوهُ ﴿وما كادُوا يَفْعَلُونَ﴾ ما أُمِرُوا بِهِ لِما وقَعَ مِنهم مِنَ التَّثَبُّطِ والتَّعَنُّتِ وعَدَمِ المُبادَرَةِ، فَكانَ ذَلِكَ مَظِنَّةً لِلِاسْتِبْعادِ، ومَحَلًّا لِلْمَجِيءِ بِعِبارَةٍ مُشْعِرَةٍ بِالتَّثَبُّطِ الكائِنِ مِنهم، وقِيلَ: إنَّهم ما كادُوا يَفْعَلُونَ لِعَدَمِ وِجْدانِ البَقَرَةِ المُتَّصِفَةِ بِهَذِهِ الأوْصافِ، وقِيلَ: لِارْتِفاعِ ثَمَنِها، وقِيلَ: لِخَوْفِ انْكِشافِ أمْرِ المَقْتُولِ، والأوَّلُ أرْجَحُ.
وقَدِ اسْتَدَلَّ جَماعَةٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ والأُصُولِيِّينَ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى جَوازِ النَّسْخِ قَبْلَ إمْكانِ الفِعْلِ.
ولَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ لِوَجْهَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّ هَذِهِ الأوْصافَ المَزِيدَةَ بِسَبَبِ تَكَرُّرِ السُّؤالِ هي مِن بابِ التَّقْيِيدِ (p-٦٧)لِلْمَأْمُورِ بِهِ لا مِن بابِ النَّسْخِ، وبَيْنَ البابَيْنِ بَوْنٌ بَعِيدٌ كَما هو مُقَرَّرٌ في عِلْمِ الأُصُولِ.
الثّانِي: أنّا لَوْ سَلَّمْنا أنَّ هَذا مِن بابِ النَّسْخِ لا مِن بابِ التَّقْيِيدِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلى ما قالُوهُ، فَإنَّهُ قَدْ كانَ يُمْكِنُهم بَعْدَ الأمْرِ الأوَّلِ أنْ يَعْمِدُوا إلى بَقَرَةٍ مِن عَرَضِ البَقَرِ فَيَذْبَحُوها، ثُمَّ كَذَلِكَ بَعْدَ الوَصْفِ بِكَوْنِها جامِعَةً بَيْنَ الوَصْفِ بِالعَوانِ والصَّفْراءِ، ولا دَلِيلَ عَلى أنَّ هَذِهِ المُحاوَرَةَ بَيْنَهم وبَيْنَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ واقِعَةٌ في لَحْظَةٍ واحِدَةٍ، بَلِ الظّاهِرُ أنَّ هَذِهِ الأسْئِلَةَ المُتَعَنِّتَةَ كانُوا يَتَواطَئُونَ عَلَيْها، ويُدِيرُونَ الرَّأْيَ بَيْنَهم في أمْرِها ثُمَّ يُورِدُونَها، وأقَلُّ الأحْوالِ الِاحْتِمالُ القادِحُ في الِاسْتِدْلالِ.
وقَدْ أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمانِيِّ قالَ: كانَ رَجُلٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ عَقِيمًا لا يُولَدُ لَهُ وكانَ لَهُ مالٌ كَثِيرٌ، وكانَ ابْنُ أخِيهِ وارِثَهُ، فَقَتَلَهُ ثُمَّ احْتَمَلَهُ لَيْلًا فَوَضَعَهُ عَلى بابِ رَجُلٍ مِنهم، ثُمَّ أصْبَحَ يَدَّعِيهِ عَلَيْهِمْ حَتّى تَسَلَّحُوا ورَكِبَ بَعْضُهم إلى بَعْضٍ، فَقالَ ذُو الرَّأْيِ مِنهم: عَلامَ يَقْتُلُ بَعْضُكم بَعْضًا، وهَذا رَسُولُ اللَّهِ فِيكم ؟ فَأتَوْا مُوسى فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقالَ: ﴿إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكم أنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ الآيَةَ، فَلَوْ لَمْ يَعْتَرِضُوا لَأجْزَأتْ عَنْهم أدْنى بَقَرَةٍ، ولَكِنَّهم شَدَّدُوا فَشُدِّدَ عَلَيْهِمْ حَتّى انْتَهَوْا إلى البَقَرَةِ الَّتِي أُمِرُوا بِذَبْحِها، فَوَجَدُوها عِنْدَ رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ بَقَرَةٌ غَيْرُها، فَقالَ: واللَّهِ لا أنْقُصُها مِن مَلْءِ جِلْدِها ذَهَبًا، فَأخَذُوها بِمَلْءِ جِلْدِها ذَهَبًا، فَذَبَحُوها فَضَرَبُوهُ بِبَعْضِها، فَقامَ، فَقالُوا: مَن قَتَلَكَ ؟ فَقالَ: هَذا، لِابْنِ أخِيهِ، ثُمَّ مالَ مَيِّتًا، فَلَمْ يُعْطَ مِن مالِهِ شَيْئًا، ولَمْ يُورَّثْ قاتِلٌ بَعْدَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا في كِتابِ مَن عاشَ بَعْدَ المَوْتِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ القَتِيلَ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ، وأنَّ البَقَرَةَ كانَتْ لِرَجُلٍ كانَ يَبِرُّ أباهُ فاشْتَرَوْها بِوَزْنِها ذَهَبًا.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ نَحْوًا مِن ذَلِكَ، ولَمْ يَذْكُرْ ما تَقَدَّمَ في البَقَرَةِ.
وقَدْ رُوِيَ في هَذا قَصَصٌ مُخْتَلِفَةٌ لا يَتَعَلَّقُ بِها كَثِيرُ فائِدَةٍ.
وأخْرَجَ البَزّارُ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قالَ: «إنَّ بَنِي إسْرائِيلُ لَوْ أخَذُوا أدْنى بَقَرَةٍ لَأجْزَأهم، أوْ لَأجْزَأتْ عَنْهم» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَوْلا أنَّ بَنِي إسْرائِيلَ قالُوا: ﴿وإنّا إنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ﴾ ما أُعْطَوْا أبَدًا، ولَوْ أنَّهُمُ اعْتَرَضُوا بَقَرَةً مِنَ البَقَرِ فَذَبَحُوها لَأجْزَأتْ عَنْهم، ولَكِنَّهم شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ» .
وأخْرَجَ نَحْوَهُ الفِرْيابِيُّ وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ .
وأخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ يَرْفَعُهُ.
وأخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتادَةَ يَرْفَعُهُ أيْضًا.
وهَذِهِ الثَّلاثَةُ مُرْسَلَةٌ.
وأخْرَجَ نَحْوَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: الفارِضُ الهَرِمَةُ، والبِكْرُ الصَّغِيرَةُ، والعَوانُ النِّصْفُ.
وأخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ مُجاهِدٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿عَوانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ قالَ: بَيْنَ الصَّغِيرَةِ والكَبِيرَةِ، وهي أقْوى ما يَكُونُ وأحْسَنُهُ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها﴾ قالَ: شَدِيدَةُ الصُّفْرَةِ تَكادُ مِن صُفْرَتِها تَبْيَضُّ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ في قَوْلِهِ: صَفْراءُ، قالَ: صَفْراءُ الظِّلْفِ، فاقِعٌ لَوْنُها، قالَ: صافٍ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتادَةَ قالَ: فاقِعٌ لَوْنُها، أيْ صافٍ ﴿تَسُرُّ النّاظِرِينَ﴾ أيْ تُعْجِبُ.
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الحَسَنِ في قَوْلِهِ: ﴿صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها﴾ قالَ: سَوْداءُ شَدِيدَةُ السَّوادِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أبِي العالِيَةِ في قَوْلِهِ: لا ذَلُولٌ، أيْ لَمْ يَذِلَّها العَمَلُ تُثِيرُ الأرْضَ يَعْنِي لَيْسَتْ بِذَلُولٍ فَتُثِيرُ الأرْضَ ﴿ولا تَسْقِي الحَرْثَ﴾ يَقُولُ: ولا تَعْمَلُ في الحَرْثِ، مُسَلَّمَةٌ، قالَ: مِنَ العُيُوبِ.
وأخْرَجَ نَحْوَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجاهِدٍ.
وقالَ: لا شِيَةَ فِيها، لا بَياضَ فِيها ولا سَوادَ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ مُسَلَّمَةٌ لا عَوارَ فِيها.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتادَةَ ﴿قالُوا الآنَ جِئْتَ بِالحَقِّ﴾ قالُوا: الآنَ بَيَّنْتَ لَنا ﴿فَذَبَحُوها وما كادُوا يَفْعَلُونَ﴾ .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ في قَوْلِهِ: ﴿وما كادُوا يَفْعَلُونَ﴾ لِغَلاءِ ثَمَنِها.
{"ayahs_start":67,"ayahs":["وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦۤ إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُكُمۡ أَن تَذۡبَحُوا۟ بَقَرَةࣰۖ قَالُوۤا۟ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوࣰاۖ قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡجَـٰهِلِینَ","قَالُوا۟ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ یُبَیِّن لَّنَا مَا هِیَۚ قَالَ إِنَّهُۥ یَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةࣱ لَّا فَارِضࣱ وَلَا بِكۡرٌ عَوَانُۢ بَیۡنَ ذَ ٰلِكَۖ فَٱفۡعَلُوا۟ مَا تُؤۡمَرُونَ","قَالُوا۟ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ یُبَیِّن لَّنَا مَا لَوۡنُهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ یَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةࣱ صَفۡرَاۤءُ فَاقِعࣱ لَّوۡنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّـٰظِرِینَ","قَالُوا۟ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ یُبَیِّن لَّنَا مَا هِیَ إِنَّ ٱلۡبَقَرَ تَشَـٰبَهَ عَلَیۡنَا وَإِنَّاۤ إِن شَاۤءَ ٱللَّهُ لَمُهۡتَدُونَ","قَالَ إِنَّهُۥ یَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةࣱ لَّا ذَلُولࣱ تُثِیرُ ٱلۡأَرۡضَ وَلَا تَسۡقِی ٱلۡحَرۡثَ مُسَلَّمَةࣱ لَّا شِیَةَ فِیهَاۚ قَالُوا۟ ٱلۡـَٔـٰنَ جِئۡتَ بِٱلۡحَقِّۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا۟ یَفۡعَلُونَ"],"ayah":"قَالُوا۟ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ یُبَیِّن لَّنَا مَا هِیَۚ قَالَ إِنَّهُۥ یَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةࣱ لَّا فَارِضࣱ وَلَا بِكۡرٌ عَوَانُۢ بَیۡنَ ذَ ٰلِكَۖ فَٱفۡعَلُوا۟ مَا تُؤۡمَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق