الباحث القرآني

﴿قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ﴾ أيْ سَلْ لِأجْلِنا رَبَّكَ الَّذِي عَوَّدَكَ ما عَوَّدَكَ يُظْهِرُ لَنا ما حالُها وصِفَتُها، فالسُّؤالُ في الحَقِيقَةِ عَنِ الصِّفَةِ، لِأنَّ الماهِيَّةَ ومُسَمّى الِاسْمِ مَعْلُومانِ، ولا ثالِثَ لَهُما، لِتُسْتَعْمَلَ ما فِيهِ، أمّا إذا أُرِيدَ بَقَرَةٌ مُعَيَّنَةٌ فَظاهِرٌ، لِأنَّهُ اسْتِفْسارٌ لِبَيانِ المُجْمَلِ، وإلّا فَلِمَكانِ التَّعَجُّبِ، وتُوِهِّمَ أنَّ مِثْلَ هَذِهِ البَقَرَةِ لا تَكُونُ إلّا مُعَيَّنَةً، والجَوابُ عَلى الأوَّلِ بَيانٌ، وعَلى الثّانِي نَسْخٌ وتَشْدِيدٌ، وهَكَذا الحالُ فِيما سَيَأْتِي مِنَ السُّؤالِ والجَوابِ، وكانَ مُقْتَضى الظّاهِرِ عَلى الأوَّلِ أيْ لِأنَّها لِلسُّؤالِ عَنِ المُمَيَّزِ وصْفًا كانَ أوْ ذاتِيًّا. وعَلى الثّانِي كَيْفَ؟ لِأنَّها مَوْضُوعَةٌ لِلسُّؤالِ عَنِ الحالِ، (وما) وإنْ سُئِلَ بِها عَنِ الوَصْفِ لَكِنَّهُ عَلى سَبِيلِ النُّدُورِ، وهو إمّا مَجازٌ أوِ اشْتِراكٌ كَما صُرِّحَ بِهِ في المِفْتاحِ، والغالِبُ السُّؤالُ بِها عَنِ الجِنْسِ، فَإنْ أُجْرِيَتْ هُنا عَلى الِاسْتِعْمالِ الغالِبِ نَزَلَ مَجْهُولُ الصِّفَةِ لِكَوْنِهِ عَلى صِفَةٍ لَمْ يُوجَدْ عَلَيْها جِنْسُهُ، وهو إحْياءُ المَيِّتِ بِضَرْبِ بَعْضِهِ مَنزِلَةَ مَجْهُولِ الحَقِيقَةِ، فَيَكُونُ سُؤالًا عَنِ الجِنْسِ تَنْزِيلًا، وعَنِ الصِّفَةِ حَقِيقَةً، وإنْ أُجْرِيَتْ عَلى النّادِرِ لَمْ يُحْتَجْ إلى التَّنْزِيلِ المَذْكُورِ، والقَوْلُ إنَّهُ يُمْكِنُ أنْ يُجْعَلَ (ما هِيَ) عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ ما حالُها، فَيَكُونُ سُؤالًا عَنْ نَوْعِ حالٍ تَفَرَّعَ عَلَيْهِ هَذِهِ الخاصِّيَّةُ عَلى بُعْدِهِ خالٍ عَنِ اللَّطافَةِ اللّائِقَةِ بِشَأْنِ الكِتابِ العَزِيزِ، (وما) اسْتِفْهامِيَّةُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ (لِهِيَ)، والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ (بِيُبَيِّنْ) لِأنَّهُ مُعَلَّقٌ عَنْها، وجازَ فِيهِ ذَلِكَ لِشَبَهِهِ بِأفْعالِ القُلُوبِ، والمَعْنى: ﴿يُبَيِّنْ لَنا﴾ جَوابَ هَذا السُّؤالِ، ﴿قالَ إنَّهُ يَقُولُ إنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ ولا بِكْرٌ﴾ الفارِضُ اسْمٌ لِلْمُسِنَّةِ الَّتِي انْقَطَعَتْ وِلادَتُها مِنَ الكِبَرِ، والفِعْلُ فَرَضَتْ بِفَتْحِ الرّاءِ وضَمِّها، ويُقالُ لِكُلِّ ما قَدُمَ (p-287)وطالَ أمْرُهُ: فارِضٌ، ومِنهُ قَوْلُهُ: ؎يا رُبَّ ذِي ضِغْنٍ عَلَيَّ فارِضٌ لَهُ قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الحائِضِ وكَأنَّ المُسِنَّةَ سُمِّيَتْ فارِضًا لِأنَّها فَرَضَتْ سِنَّها أيْ قَطَعَتْها، وبَلَغَتْ آخِرَها، والبِكْرُ اسْمٌ لِلصَّغِيرَةِ، وزادَ بَعْضُهُمُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ مِنَ الصِّغَرِ، وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: هي الَّتِي ولَدَتْ ولَدًا واحِدًا، والبِكْرُ مِنَ النِّساءِ الَّتِي لَمْ يَمَسَّها الرِّجالُ، وقِيلَ: هي الَّتِي لَمْ تَحْمِلْ، والبِكْرُ مِنَ الأوْلادِ الأوَّلُ، ومِنَ الحاجاتِ الأُولى، والبَكْرُ بِفَتْحِ الباءِ الفَتِيُّ مِنَ الإبِلِ، والأُنْثى بَكْرَةٌ، وأصْلُهُ مِنَ التَّقَدُّمِ في الزَّمانِ، ومِنهُ البَكْرَةُ والباكُورَةُ، والِاسْمانِ صِفَةُ (بَقَرَةً)، ولَمْ يُؤْتَ بِالتّاءِ لِأنَّهُما اسْمانِ لِما ذُكِرَ، واعْتَرَضَتْ (لا) بَيْنَ الصِّفَةِ والمَوْصُوفِ، وكُرِّرَتْ لِوُجُوبِ تَكْرِيرِها مَعَ الخَبَرِ، والنَّعْتِ، والحالِ، إلّا في الضَّرُورَةِ خِلافًا لِلْمُبَرِّدِ، وابْنِ كَيْسانَ كَقَوْلِهِ: ؎قَهَرْتُ العِدا لا مُسْتَعِينًا بِعُصْبَةٍ ∗∗∗ ولَكِنْ بِأنْواعِ الخَدائِعِ والمَكْرِ ومَن جَعَلَ ذَلِكَ مِنَ الوَصْفِ بِالجُمَلِ فَقَدَّرَ مُبْتَدَأً أيْ لا هي فارِضٌ ولا بِكْرٌ، فَقَدْ أبْعَدَ، إذِ الأصْلُ الوَصْفُ بِالمُفْرَدِ، والأصْلُ أيْضًا أنْ لا حَذْفَ، وذَكَرَ (يَقُولُ) لِلْإشارَةِ إلى أنَّهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى لا مِن عِنْدِ نَفْسِهِ. ﴿عَوانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ أيْ مُتَوَسِّطَةُ السِّنِّ، وقِيلَ: هي الَّتِي ولَدَتْ بَطْنًا أوْ بَطْنَيْنِ، وقِيلَ: مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، ويُجْمَعُ عَلى فُعَلٍ كَقَوْلِهِ: ؎طِوالٌ مِثْلُ أعْناقِ الهَوادِي ∗∗∗ نَواعِمُ بَيْنَ أبْكارٍ وعُوَنِ ويَجُوزُ ضَمُّ عَيْنِ الكَلِمَةِ في الشِّعْرِ، وفائِدَةُ هَذا بَعْدَ ﴿لا فارِضٌ ولا بِكْرٌ﴾ نَفْيُ أنْ تَكُونَ عِجْلًا، أوْ جَنِينًا، وأرادَ مِن ذَلِكَ ما ذُكِرَ مِنَ الوَصْفَيْنِ السّابِقَيْنِ، وبِهَذا صَحَّ الإفْرادُ، وإضافَةُ بَيْنَ إلَيْهِ، فَإنَّهُ لا يُضافُ إلّا إلى مُتَعَدِّدٍ، وكَوْنُ الكَلامِ مِمّا حُذِفَ مِنهُ المَعْطُوفُ لِدِلالَةِ المَعْنى عَلَيْهِ، والتَّقْدِيرُ: عَوانٌ بَيْنَ ذَلِكَ وهَذا، أيِ الفارِضِ والبِكْرِ، فَيَكُونُ نَظِيرَ قَوْلِهِ: ؎فَما كانَ بَيْنَ الخَيْرِ لَوْ جاءَ سالِمًا ∗∗∗ أبُو حَجَرٍ إلّا لَيالٍ قَلائِلُ حَيْثُ أرادَ بَيْنَ الخَيْرِ وباعِثِهِ، تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِما ذُكِرَ، واخْتارَ السَّجاوَنْدِيُّ أنَّ المُرادَ في وسَطِ زَمانِ الصَّلاحِ لِلْعَوانِ، واعْتِدالِهِ تَقُولُ: سافَرْتُ إلى الرُّومِ، وطُفْتُ بَيْنَ ذَلِكَ، فالمُشارُ إلَيْهِ عَوانٌ، وارْتَضاهُ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ مُدَّعِيًا أنَّهُ أوْلى، لِئَلّا يَفُوتَ مَعْنى بَيْنَ ذَلِكَ، لِأنَّ أهْلَ اللُّغَةِ قالُوا: بَقَرَةٌ عَوانٌ لا فارِضٌ ولا بِكْرٌ، وعَلى الشّائِعِ رُبَّما يَحْتاجُ الأمْرُ إلى تَجْرِيدٍ، كَما لا يَخْفى، ثُمَّ إنَّ عَوْدَ الضَّمائِرِ المَذْكُورَةِ في السُّؤالِ والجَوابِ، وإجْراءُ تِلْكَ الصِّفاتِ عَلى بَقَرَةٍ يَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ بِها مُعَيَّنَةٌ، لِأنَّ الأوَّلَ يَدُلُّ عَلى أنَّ الكَلامَ في البَقَرَةِ المَأْمُورِ بِذَبْحِها، والثّانِي يُفِيدُ أنَّ المَقْصِدَ تَعْيِينُها، وإزالَةُ إبْهامِها بِتِلْكَ الصِّفاتِ، كَما هو شَأْنُ الصِّفَةِ لا أنَّها تَكالِيفُ مُتَغايِرَةٌ، بِخِلافِ ما إذا ذَكَرَ تِلْكَ الصِّفاتِ بِدُونِ الإجْراءِ، وقِيلَ: إنَّها لا فارِضٌ ولا بِكْرٌ، فَإنَّهُ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَقْصُودُ مِنهُ تَبْدِيلَ الحُكْمِ السّابِقِ، والقَوْلَ بِأنَّهم لَمّا تَعَجَّبُوا مِن بَقَرَةٍ مَيِّتَةٍ يُضْرَبُ بِبَعْضِها مَيِّتٌ فَيَحْيا، ظَنُّوها مُعَيَّنَةً خارِجَةً عَمّا عَلَيْهِ الجِنْسُ، فَسَألُوا عَنْ حالِها وصِفَتِها، فَوَقَعَتِ الضَّمائِرُ لِمُعَيَّنَةٍ بِاعْتِقادِهِمْ، فَعُيِّنَتْ تَشْدِيدًا عَلَيْهِمْ، وإنْ لَمْ يَكُنِ المُرادُ مِنها أوَّلَ الأمْرِ مُعَيَّنَةً، لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ تَكُنِ الضَّمائِرُ عائِدَةً إلى ما أُمِرُوا بِذَبْحِها، بَلْ ما اعْتَقَدُوها، والظّاهِرُ خِلافُهُ واللّازِمُ عَلى هَذا تَأْخِيرُ البَيانِ عَنْ وقْتِ الخِطابِ، ولَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ، والمُمْتَنِعُ تَأْخِيرُهُ عَنْ وقْتِ الحاجَةِ، إلّا عِنْدَ مَن يُجَوِّزُ (p-288)التَّكْلِيفَ بِالمُحالِ، ولَيْسَ بِلازِمٍ، إذْ لا دَلِيلَ عَلى أنَّ الأمْرَ هُنا لِلْفَوْرِ، حَتّى يُتَوَهَّمَ ذَلِكَ، ومِنَ النّاسِ مَن أنْكَرُوا ذَلِكَ، وادَّعَوْا أنَّ المُرادَ بِها بَقَرَةٌ مِن نَوْعِ البَقَرِ، بِلا تَعْيِينٍ، وكانَ يَحْصُلُ الِامْتِثالُ لَوْ ذَبَحُوا أيَّ بَقَرَةٍ كانَتْ، إلّا أنَّها انْقَلَبَتْ مَخْصُوصَةً بِسُؤالِهِمْ، وإلَيْهِ ذَهَبَ جَماعَةٌ مِن أهْلِ التَّفْسِيرِ، وتَمَسَّكُوا بِظاهِرِ اللَّفْظِ، فَإنَّهُ مُطْلَقٌ، فَيُتْرَكُ عَلى إطْلاقِهِ مَعَ ما أخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما، مَوْقُوفًا، (لَوْ ذَبَحُوا أيَّ بَقَرَةٍ أرادُوا لَأجْزَأتْهُمْ، ولَكِنْ شَدَّدُوا عَلى أنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِمْ)، وأخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ في سُنَنِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ مَرْفُوعًا مُرْسَلًا، وبِأنَّهُ لَوْ كانَتْ مُعَيَّنَةً لَما عَنَّفَهم عَلى التَّمادِي، وزَجَرَهم عَنِ المُراجَعَةِ إلى السُّؤالِ، واللّازِمُ حِينَئِذٍ النَّسْخُ قَبْلَ الفِعْلِ بِناءً عَلى مَذْهَبِ مَن يَقُولُ: الزِّيادَةُ عَلى الكِتابِ نَسْخٌ كَجَماهِيرِ الحَنَفِيَّةِ القائِلِينَ بِأنَّ الأمْرَ المُطْلَقَ يَتَضَمَّنُ التَّخْيِيرَ، وهو حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، والتَّقْيِيدُ يَرْفَعُهُ، وهو جائِزٌ، بَلْ واقِعٌ كَما في حَدِيثِ فَرْضِ الصَّلاةِ لَيْلَةَ المِعْراجِ، والمُمْتَنِعُ النَّسْخُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الِاعْتِقادِ بِالِاتِّفاقِ، لِأنَّهُ بَداءٌ، وقَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الفِعْلِ عِنْدَ المُعْتَزِلَةِ، ولَيْسَ بِلازِمٍ عَلى ما قِيلَ، عَلى أنَّهُ قِيلَ: يُمْكِنُ أنْ يُقالَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِنَسْخٍ، لِأنَّ البَقَرَةَ المُطْلَقَةَ مُتَناوِلَةٌ لِلْبَقَرَةِ المَخْصُوصَةِ، وذَبْحَ البَقَرَةِ المَخْصُوصَةِ ذَبْحٌ لِلْبَقَرَةِ مُطْلَقًا، فَهو امْتِثالٌ لِلْأمْرِ الأوَّلِيِّ، فَلا يَكُونُ نَسْخًا، واعْتُرِضَ عَلى كَوْنِ التَّخْيِيرِ حُكْمًا شَرْعِيًّا إلَخْ، بِالمَنعِ مُسْتَنِدًا بِأنَّ الأمْرَ المُطْلَقَ إنَّما يَدُلُّ عَلى إيجابِ ماهِيَّةٍ مِن حَيْثُ هي بِلا شَرْطٍ، لَكِنْ لَمّا لَمْ تَتَحَقَّقْ إلّا في ضِمْنِ فَرْدٍ مُعَيَّنٍ جاءَ التَّخْيِيرُ عَقْلًا مِن غَيْرِ دِلالَةِ النَّصِّ عَلَيْهِ، وإيجابُ الشَّيْءِ لا يَقْتَضِي إيجابَ مُقَدِّمَتِهِ العَقْلِيَّةِ، إذِ المُرادُ بِالوُجُوبِ الوُجُوبُ الشَّرْعِيُّ، ومِنَ الجائِزِ أنْ يُعاقَبَ المُكَلَّفُ عَلى تَرْكِ ما يَشْمَلُهُ مُقَدِّمَةٌ عَقْلِيَّةٌ، ولا يُعاقَبُ عَلى تَرْكِ المُقَدِّمَةِ، ونُسِبَ هَذا الِاعْتِراضُ لِمَوْلانا القاضِي في مَنهِيّاتِهِ، وفِيهِ تَأمُّلٌ، وذَكَرَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ أنَّ تَحْقِيقَ هَذا المَقامِ أنَّهُ إنْ كانَ المُرادُ بِالبَقَرَةِ المَأْمُورِ بِذَبْحِها مُطْلَقَ البَقَرَةِ، أيَّ بَقَرَةٍ كانَتْ، فالنَّسْخُ جائِزٌ، لِأنَّ شَرْطَ النَّسْخِ التَّمَكُّنُ مِنَ الِاعْتِقادِ، وهو حاصِلٌ بِلا رَيْبٍ، وإنْ كانَ البَقَرَةَ المُعَيَّنَةَ، فَلا يَجُوزُ النَّسْخُ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنَ الِاعْتِقادِ حِينَئِذٍ، لِأنَّهُ إنَّما حَصَلَ بَعْدَ الِاسْتِفْسارِ، فاخْتِلافُ العُلَماءِ في جَوازِ النَّسْخِ وعَدَمِهِ في هَذا المَقامِ مِن بابِ النِّزاعِ اللَّفْظِيِّ، فَتَدَبَّرْ، ﴿فافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ﴾ أيْ مِن ذَبْحِ البَقَرَةِ، ولا تُكَرِّرُوا السُّؤالَ، ولا تَتَعَنَّتُوا، وهَذِهِ الجُمْلَةُ يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مِن قَوْلِ اللَّهِ تَعالى لَهُمْ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مِن قَوْلِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، حَرَّضَهم عَلى امْتِثالِ ما أُمِرُوا بِهِ، شَفَقَةً مِنهُ عَلَيْهِمْ، (وما) مَوْصُولَةٌ، والعائِدُ مَحْذُوفٌ، أيْ ما تُؤْمَرُونَهُ بِمَعْنى: ما تُؤْمَرُونَ بِهِ، وقَدْ شاعَ حَذْفُ الجارِّ في هَذا الفِعْلِ حَتّى لَحِقَ بِالمُتَعَدِّي إلى مَفْعُولَيْنِ، فالمَحْذُوفُ مِن أوَّلِ الأمْرِ هو المَنصُوبُ، وأجازَ بَعْضُهم أنْ تَكُونَ (ما) مَصْدَرِيَّةً، أيْ فافْعَلُوا أمْرَكُمْ، ويَكُونُ المَصْدَرُ بِمَعْنى المَفْعُولِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿واللَّهُ خَلَقَكم وما تَعْمَلُونَ﴾ عَلى أحَدِ الوَجْهَيْنِ، وفِيهِ بُعْدٌ، لِأنَّ ذَلِكَ في الحاصِلِ بِالسَّبْكِ قَلِيلٌ، وإنَّما كَثُرَ في صِيغَةِ المَصْدَرِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب