الباحث القرآني
﴿قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ﴾ لَمّا قالَ لَهم مُوسى: ﴿أعُوذُ بِاللَّهِ أنْ أكُونَ مِنَ الجاهِلِينَ﴾ [البقرة: ٦٧] وعَلِمُوا أنَّ ما أخْبَرَهم بِهِ مُوسى مِن أمْرِ اللَّهِ إيّاهم بِذَبْحِ البَقَرَةِ كانَ عَزِيمَةً وطَلَبًا، جازَ ما قالُوا لَهُ ذَلِكَ، وهَذا القَوْلُ أيْضًا فِيهِ تَعْنِيتٌ مِنهم وقِلَّةُ طَواعِيَةٍ، إذْ لَوِ امْتَثَلُوا فَذَبَحُوا بَقَرَةً، لَكانُوا قَدْ أتَوْا بِالمَأْمُورِ، ولَكِنْ شَدَّدُوا، فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وأبُو العالِيَةِ وغَيْرُهُما. وكَسْرُ العَيْنِ مِنِ ادْعُ لُغَةُ بَنِي عامِرٍ، وقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ ذَلِكَ في ﴿فادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا﴾ [البقرة: ٦١]، وجَزْمُ ”يُبَيِّنْ“ عَلى جَوابِ الأمْرِ. و”ما هي“: مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ: سَلْ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ ما هي، ومَفْعُولُ ”يُبَيِّنْ“: هي الجُمْلَةُ مِنَ المُبْتَدَأِ والخَبَرِ، والفِعْلُ مُعَلَّقٌ؛ لِأنَّ مَعْنى ”يُبَيِّنْ لَنا“ يُعْلِمُنا ما هي؛ لِأنَّ التَّبْيِينَ يَلْزَمُهُ الإعْلامُ، والضَّمِيرُ في ”هي“ عائِدٌ عَلى البَقَرَةِ السّابِقِ ذِكْرُها، وكَأنَّهم قالُوا: ”يُبَيِّنْ لَنا ما“ البَقَرَةُ الَّتِي أمَرَنا بِذَبْحِها، ولَمْ يُرِيدُوا تَبْيِينَ ماهِيَّةِ البَقَرَةِ، وإنَّما هو سُؤالٌ عَنِ الوَصْفِ، فَيَكُونُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ، التَّقْدِيرُ: ما صِفَتُها ؟ ولِذَلِكَ أُجِيبُوا بِالوَصْفِ، وهو قَوْلُهُ: ﴿لا فارِضٌ ولا بِكْرٌ﴾ . وإنَّما سَألُوا عَلى طَرِيقِ التَّعَنُّتِ، كَما قَدَّمْناهُ، أوْ عَلى طَرِيقِ التَّعَجُّبِ مِن بَقَرَةٍ مَيِّتَةٍ يُضْرَبُ بِها مَيِّتٌ فَيَحْيا، إذْ ذاكَ في غايَةِ الِاسْتِغْرابِ والخُرُوجِ عَنِ المَأْلُوفِ، أوْ عَلى طَرِيقِ أنَّهم ظَنُّوا قَوْلَهُ: ﴿أنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ [البقرة: ٦٧] مِن بابِ المُجْمَلِ، فَسَألُوا تَبْيِينَ ذَلِكَ، إذْ تَبْيِينُ المُجْمَلِ واجِبٌ، أوْ عَلى رَجاءِ أنْ يَنْسَخَ عَنْهم تَكْلِيفَ الذَّبْحِ، لِثِقَلِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَعْلَمُوا المَعْنى الَّذِي لِأجْلِهِ أُمِرُوا بِذَلِكَ. وتَقَدَّمَ مَعْنى قَوْلِهِمْ: ﴿ادْعُ لَنا رَبَّكَ﴾ [البقرة: ٦٩] كَيْفَ خَصُّوا لَفْظَ الرَّبِّ مُضافًا إلى مُوسى، وذَلِكَ لِما عَلِمُوا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الخُصُوصِيَّةِ والمَنزِلَةِ الرَّفِيعَةِ. وقِيلَ: إنَّما سَألُوا مُوسى اسْتِرْشادًا لا عِنادًا، إذْ لَوْ كانَ عِنادًا لَكَفَرُوا بِهِ وعُجِّلَتْ عُقُوبَتُهم، كَما عُجِّلَتْ في قَوْلِهِمْ: ﴿أرِنا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [النساء: ١٥٣]، وفي عِبادَتِهِمُ العِجْلَ، وفي امْتِناعِهِمْ مِن قَبُولِ التَّوْراةِ، وقَوْلِهِمْ: ﴿فاذْهَبْ أنْتَ ورَبُّكَ فَقاتِلا﴾ [المائدة: ٢٤] . وفي الكَلامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: فَدَعا مُوسى رَبَّهُ فَأجابَهُ.
﴿قالَ إنَّهُ يَقُولُ إنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ ولا بِكْرٌ﴾: صِفَةٌ لِـ ”بَقَرَةٌ“، والصِّفَةُ إذا كانَتْ مَنفِيَّةً بِلا وجَبَ تَكْرارُها، كَما قالَ:
؎وفِتْيانُ صِدْقٍ لا ضِعافٌ ولا عُزْلُ
فَإنْ جاءَتْ غَيْرَ مُكَرَّرَةٍ، فَبابُها الشِّعْرُ، ومَن جَعَلَ ذَلِكَ مِنَ الوَصْفِ بِالمُجْمَلِ، فَقَدَّرَ مُبْتَدَأً مَحْذُوفًا، أيْ: لا هي فارِضٌ ولا بِكْرٌ، فَقَدْ أبْعَدَ؛ لِأنَّ الأصْلَ الوَصْفُ بِالمُفْرَدِ، والأصْلُ أنْ لا حَذْفَ.
(عَوانٌ): تَفْسِيرٌ لِما تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: ﴿لا فارِضٌ ولا بِكْرٌ﴾ .
(بَيْنَ ذَلِكَ): يَقْتَضِي ”بَيْنَ“ أنْ تَكُونَ تَدْخُلُ عَلى ما يُمْكِنُ التَّثْنِيَةُ فِيهِ، ولَمْ يَأْتِ بَعْدَها إلّا اسْمُ إشارَةٍ مُفْرَدٌ، فَقِيلَ: أُشِيرَ بِذَلِكَ إلى مُفْرَدٍ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: عَوانٌ بَيْنَ ما ذُكِرَ، فَصُورَتُهُ صُورَةُ المُفْرَدِ، وهو في المَعْنى مُثَنًّى؛ لِأنَّ تَثْنِيَةَ اسْمِ الإشارَةِ وجَمْعَهُ لَيْسَ تَثْنِيَةً ولا جَمْعًا حَقِيقَةً، بَلْ كانَ القِياسُ يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ اسْمُ الإشارَةِ لا يُثَنّى ولا يُجْمَعُ ولا يُؤَنَّثُ، قالُوا: وقَدْ أُجْرِىَ الضَّمِيرُ مُجْرى اسْمِ الإشارَةِ، قالَ رُؤْبَةُ:
؎فِيها خُطُوطٌ مِن سَوادٍ وبَلَقْ ∗∗∗ كَأنَّهُ في الجِلْدِ تَوْلِيعُ البَهَقْ
قِيلَ لَهُ: كَيْفَ تَقُولُ كَأنَّهُ ؟ وهَلّا قُلْتَ: كَأنَّها، فَيَعُودَ عَلى الخُطُوطِ، أوْ كَأنَّهُما، فَيَعُودَ عَلى السَّوادِ والبَلَقِ ؟ فَقالَ: أرَدْتُ كانَ ذاكَ
وقالَ لَبِيدٌ:
؎إنَّ لِلْخَيْرِ ولِلشَّرِّ مَدًى ∗∗∗ وكِلا ذَلِكَ وجْهٌ وقَبَلْ
قِيلَ: أرادَ وكِلا ذَيْنِكَ، فَأطْلَقَ المُفْرَدَ وأرادَ بِهِ المُثَنّى، فَيُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ الآيَةُ مِن ذَلِكَ، فَيَكُونُ أطْلَقَ (p-٢٥٢)ذَلِكَ ويُرِيدُ بِهِ ذَيْنِكَ، وهَذا مُجْمَلٌ غَيْرُ الأوَّلِ. والَّذِي أذْهَبُ إلَيْهِ غَيْرُ ما ذَكَرُوا، وهو أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِمّا حُذِفَ مِنهُ المَعْطُوفُ، لِدَلالَةِ المَعْنى عَلَيْهِ، التَّقْدِيرُ: عَوانٌ بَيْنَ ذَلِكَ وهَذا، أيْ بَيْنَ الفارِضِ والبِكْرِ، فَيَكُونُ نَظِيرَ قَوْلِ الشّاعِرِ:
؎فَما كانَ بَيْنَ الخَيْرِ لَوْ جاءَ سالِمًا ∗∗∗ أبُو حَجَرٍ إلّا لَيالٍ قَلائِلُ
أيْ: فَما كانَ بَيْنَ الخَيْرِ وباغِيهِ، فَحُذِفَ لِفَهْمِ المَعْنى. ومِنهُ ﴿سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ﴾ [النحل: ٨١] أيْ والبَرْدَ. وإنَّما جُعِلَتْ عَوانًا لِأنَّهُ أكْمَلُ أحْوالِها، فالصَّغِيرَةُ ناقِصَةٌ لِتَجاوُزِها حالَتَهُ.
﴿فافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ﴾: أيْ مِن ذَبْحِ البَقَرَةِ، ولا تُكَرِّرُوا السُّؤالَ، ولا تَعَنَّتُوا في أمْرِ ما أُمِرْتُمْ بِذَبْحِهِ. ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ هَذِهِ الجُمْلَةُ مِن قَوْلِ اللَّهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مِن قَوْلِ مُوسى، وهو الأظْهَرُ. حَرَّضَهم عَلى امْتِثالِ ما أُمِرُوا بِهِ، شَفَقَةً مِنهُ. وما مَوْصُولَةٌ، والعائِدُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: ما تُؤْمَرُونَهُ، وحُذِفَ الفاعِلُ لِلْعِلْمِ بِهِ، إذْ تَقَدَّمَ أنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكم، ولِتَناسُبِ أواخِرِ الآيِ، كَما قُصِدَ تَناسُبُ الإعْرابِ في أواخِرِ الأبْياتِ في قَوْلِهِ:
؎ولا بُدَّ يَوْمًا أنَّ تُرَدَّ الوَدائِعُ
إذْ آخِرُ البَيْتِ الَّذِي قَبْلَ هَذا قَوْلُهُ:
؎وما يَدْرُونَ أيْنَ المَصارِعُ
وأجازَ بَعْضُهم أنْ تَكُونَ ما مَصْدَرِيَّةً، أيْ: فافْعَلُوا أمْرَكم، ويَكُونَ المَصْدَرُ بِمَعْنى المَفْعُولِ، أيْ مَأْمُورَكم، وفِيهِ بُعْدٌ.
{"ayah":"قَالُوا۟ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ یُبَیِّن لَّنَا مَا هِیَۚ قَالَ إِنَّهُۥ یَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةࣱ لَّا فَارِضࣱ وَلَا بِكۡرٌ عَوَانُۢ بَیۡنَ ذَ ٰلِكَۖ فَٱفۡعَلُوا۟ مَا تُؤۡمَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق