الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ﴾ الآية إنما سألوا ما هي، لأنهم لم [[في (ب): (ما علموا).]] يعلموا أنّ بقرةً يحيا بضرب بعضها ميّتٌ، قاله [[في (ب)، (ج): (قال).]] الزجاج [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 122. والحقيقة أن هذا السؤال تعنت منهم لسوء أخلاقهم مع نبي الله وجفائهم. انظر: "تفسير الطبري" 1/ 240، "تفسير الثعلبي" 1/ 82 أ، "تفسير ابن كثير" 1/ 117.]]. ويقال: بيّن الشيءَ وأبانه إذا [[في (ب): (وإذا).]] أزال الإشكال عنه، والأصل فيه معنى التفريق، والبيان سمي بياناً لأنه التمييز عما يلتبس، والتبيين هو التمييز الذي يقع به التعريف [[انظر: "مقاييس اللغة" (بين) 1/ 327، "الصحاح" (بين) 5/ 2082.]]. وترى هذا مستقصًى [[في (ب): (مستقص).]] عند قوله: ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [البقرة: 68]. وموضع (ما) رفع بالابتداء، لأنه بمعنى الاستفهام، معناه: أي شيء هي؟ والاستفهام لا يعمل فيه ما قبله [[انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 185، و"إعراب المشكل" 1/ 52، و"الإملاء" ص 42، "البحر المحيط" 1/ 251.]]، وبيان هذه المسألة يذكر [[(يذكر): ساقط من: (ب).]] عند قوله: ﴿مَا لَوْنُهَا﴾ [البقرة: 69]. وقوله تعالى: ﴿لَا فَارِضٌ﴾ قال الفراء: الفارض: الهرمة، يقال من الفارض: فرَضَت وفرُضَت، ولم يسمع بِفَرَضَ [[في (ج): (تفرض)، وفي (أ) غير معجمة، والكلام بهذا النص في "تهذيب اللغة" (فرض) 3/ 2772، وفي "معاني القرآن" للفراء: (والفارض: قد فرضت، وبعضهم: قد فرضت، وأما البكر فلم نسمع فيها بفعل) 1/ 45.]]، ونحو ذلك قال قتادة [[وكذلك قال ابن عباس وأبو العالية والسدي، انظر: "تفسير الطبري" 1/ 341، و"تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 412.]]. وقال الكسائي: الفارض: الكبيرة العظيمة، قد فرَضت تفرُض فُروضًا. ثعلب عن ابن الأعرابي: الفارض: الكبيرة. وقال أبو الهيثم: الفارض: المسنة [[قول الكسائي وابن الأعرابي وأبي الهيثم في "تهذيب اللغة" (فرض) 3/ 2772، وانظر: "اللسان" (فرض) 6/ 3387.]]. أبو زيد: بقرة فارض: عظيمة سمينة، والجميع فوارض [[ذكره في "اللسان" (فرض) 6/ 3387.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَا بِكْرٌ﴾ قال الليث: البكر من النساء: التي لم تمس، والبكر من الرجال: الذي لم يقرب النساء بعد، والبكر: أول ولد الرجل غلاما كان أو جارية، وبقرة بكر: فتية لم تحمل، والبكر من كل أمر: أوله [["تهذيب اللغة" (بكر) 1/ 375 - 377.]]، وأصل هذا الباب أول الأمر، فالبكارة أول حال النساء، وهي بكر في أول حالها، والباكورة أول ما يدرك من الثمار، والبُكرة أول النهار [[انظر: "مقاييس اللغة" (بكر) 1/ 287، "تهذيب اللغة" (بكر) 1/ 375 - 377، "اللسان" (بكر) 1/ 333.]]. قال الزجاج في قوله: ﴿لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ﴾: أي: ليست بكبيرة ولا صغيرة، قال: وارتفع (فارض) بإضمار هي [["معاني القرآن" 1/ 122.]]. وقال الأخفش: ارتفع على الصفة للبقرة، والوصف بالنفي صحيح، لأنه يرجع في التحقيق إلى أنه يختص بما ينافي ذلك الوصف، تقول: مررت برجل لا قائم ولا قاعد، أي: برجل [[في (ب): (رجل).]] مختص بصفة تنافي القيام والقعود [["معاني القرآن" للأخفش 1/ 279. ذكر قوله بمعناه.]]. وقوله تعالى: ﴿عَوَانٌ﴾ قال الفراء: انقطع الكلام عند قوله: ﴿وَلَا بِكْرٌ﴾، ثم استأنف فقال: ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾. قال: والعوان يقال منها: عوَّنت تُعوّن تعْوينًا [["معاني القرآن" 1/ 44، 45، "تهذيب اللغة" (عان) 3/ 2292، ولم يرد فيهما (تعون تعوينا).]]. وقال أبو الهيثم: العوان: النَّصَف التي بين الفارض -وهي المسنة- وبين البكر وهى: الصغيرة [["تهذيب اللغة" (عان) 3/ 2292، وانظر: "اللسان" (عون) 5/ 3179.]]. أبو زيد: بقرة عوان: بين المسنة والشابة [[في (ب): (الشاب).]]، وقد عانت تعون عُووناً إذا صارت عواناً [[المرجع السابق.]]. وقال الأخفش: العوان التي نتجت مرارا، وجمعها عُون [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 83 ب، والبغوي في "تفسيره" 1/ 83، ولم أجده في "معاني القرآن" للأخفش.]]. قال ابن [[(ابن) ساقط من: (ج).]] مقبل: ومَأتَمٍ كالدُّمَى حُورٍ مَدَامِعُها ... لَمْ تشقَ بالعَيْشِ أَبْكَارًا وَلَا عُونًا [[(المأتم): جماعة النساء، و (الدمى): الصورة أو التمثال، شبه النساء بجمالهن بالدمى، لم يشقين بالعيش وهن أبكار، أو عون عند أزواجهن، ويروى البيت (لم تيأس) بدل (لم تشق)، ورد البيت في "تفسير الطبري"، "الزاهر" 1/ 263، و"جمهرة أشعار العرب" ص 859، "تهذيب اللغة" (أتم) 1/ 114، "اللسان" (أتم) 1/ 20.]] وقال ابن الأعرابي: العَوَان [[في (أ)، (ج): (العون)، وما في (ب) يوافق "تهذيب اللغة".]] من الحيوان السن بين السنين لا صغير ولا كبير [[كلام ابن الأعرابي أورده الأزهري عن ثعلب عن ابن الأعرابي، "تهذيب اللغة" (عان) 3/ 2292، وانظر: "اللسان" (عون) 5/ 3179.]]. قال [[نسب الواحدي الكلام لابن الأعرابي، وهو في "تهذيب اللغة" منسوب لأبي الهيثم حيث قال: (وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم قال: العوان النصف .. ثم قال: قال: ويقال: فرس عوان .. إلخ)، "تهذيب اللغة" (عان) 3/ 2292.]]: ويقال في الجمع: عُون، فرس عَوان، وخيل عُون، على فُعْل، والأصل عُوُن فكرهوا إلقاء ضمة على الواو فسكنوها، وكذلك يقال: رجل جواد وقوم جُود، قال زهير: نَحُلُّ [[في (أ) (ج): (يحل)، وفي (ب) غير منقوط، وبالنون ورد في جميع المصادر.]] سُهُولَها فإذا فَزِعْنا ... جَرَى مِنْهُنّ بالآصال عُونُ [[قوله: (جرى منهن): أي من خيلهم، وقد روي شطره الأخير: جَرتْ بهم إلى المِضمارِ عُون ورد البيت في "تهذيب اللغة" (عان) 3/ 2292، "المخصص" 8/ 51، "اللسان" (عون) 5/ 3179، و"ديوان زهير" ص 102.]] فزعنا: أغثنا مستغيثًا. قال [[أي ابن الأعرابي. انظر: "تهذيب اللغة" (عان) 3/ 2292.]]: وامرأة عوان: ثيب. وحرب عوان: كان قبلها حرب، كأنه قوتل فيها مرتين. قال ابن عباس: عوان: بين [[في (ج): (من).]] الصغيرة والكبيرة، وهي أقوى ما يكون من البقر [[في (أ): (البقرة) وما في (ب)، (ج) يوافق رواية ابن عباس في الطبري.]] وأحسن ما يكون [[أخرجه الطبري في "تفسيره" عن الضحاك عن ابن عباس 2/ 195، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 413، وانظر: "تفسير ابن كثير" 1/ 118، "الدر المنثور" 1/ 151.]]. وقال مجاهد: عوان: وسط قد ولدت بطنا أو بطنين [[أخرجه الطبري 2/ 195، وابن أبي حاتم 1/ 414.]]. وفائدة قوله: (عوان)، بعد ما نفي أن تكون [[في (أ): (يكون) في المواضع الثلاثة وأثبت ما في (ب)، (ج) لمناسبته للسياق.]] بكراً وأن تكون [[في (ج): (أو تكون).]] فارضاً، هو أنه احتمل أن تكون عجلاً أو جنيناً، فقال: عوان، لإزالة اللبس ونفي الاحتمال. وقوله تعالى: ﴿بَيْنَ ذَلِكَ﴾ و (بين) لا تصلح [[في (أ)، (ج): (يصلح) وما في (ب) موافق لـ"معاني القرآن" للفراء 1/ 45، والكلام منقول منه.]] إلا لشيئين [[في "معاني القرآن"، (لا تصلح إلا مع اسمين فما زاد).]] أو لأكثر، وإنما صلحت من ذلك وحده؛ لأنه في مذهب الاثنين [[في (ب): (الاثنتين).]]، والاثنان [[في "معاني القرآن" (والفعلان).]] قد يجتمعان بـ ذلك وذاك ألا ترى أنك تقول: أظن زيدا أخاك، وكان زيد أخاك، ولا بد لـ (كان وأظن) [[في (ب): (ولأظن).]] من شيئين، ثم تقول: قد كان ذاك وذلك، وأظن ذلك وذاك [[(ذاك): ساقط من: (ب).]]، فيكون جائزا. والاسمان اللذان ضمهما ذلك: الهرم والشباب [[في (أ، ج): (الشاب) في المواضع الثلاثة، وما في (ب) موافق لـ"معاني القرآن" 1/ 45.]]، كأنه قيل: بين الهرم والشباب [[انظر الحاشية السابقة.]]، وجاز أن يتضمن ذلك اسمين، لأنه أتى به على مذهب الفعل وأنت تقول في الأفعال: إقبالك وإدبارك يشق علي، فتوحد فعلهما بعدهما، ولا تقول: أخوك وأبوك يزورني لأن الأفعال وإن اختلفت حركاتها جنس واحد، وليست كالأسماء التي يخالف بعضها بعضا، كذلك هاهنا أريد بين الهرم والشباب [[انظر الحاشية السابقة.]]. ومما يجوز أن يقع عليه (بين) وهو واحد في اللفظ ويؤدي عن الاثنين [[في (ب): (اثنتين).]] فما زاد قوله: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ﴾ [البقرة: 136]، ولا يجوز: لا نفرق بين رجل منهم، لأن أحدا لا يُثنى كما يثنى الرجل ويجمع، فإن شئت جعلت أحدا [[في (ب): (واحد).]] في تأويل اثنين، وإن شئت في تأويل أكثر من ذلك، قال الله تعالى: ﴿فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ [الحاقة: 47]، وتقول: بين أيهم المال، وبين من قسم المال، فتجرى [[في (ج): (في فتجري).]] (من وأي) على [[(على): ساقط من: (ب).]] مجرى أحد لأنهما قد يكونان لواحد. وجميع [[في (ب): (لواحد ولجمع).]] هذا قول الفراء [[انظر: "معاني القرآن" 1/ 45، وقد نقل كلام الفراء بتصرف، وانظر "تفسير الطبري" 1/ 344.]]، ونحو هذا قال الزجاج فقال: معنى: ﴿بَيْنَ ذَلِكَ﴾ بين البكر والفارض، وانما جاز بين ذلك وبين لا يكون [[في (ب): (لا تكون).]] إلا مع اثنين لأن [[(لأن): ساقط من: (ج).]] ذلك ينوب عن الجمل تقول: ظننت زيدا قائما، فيقول القائل: قد ظننت ذاك، وظننت ذلك [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 123، وانظر ما سبق ص 1037، 1038.]]. قال أبو علي [[ورد كلام أبي علي في كتاب "الإغفال فيما أغفله الزجاج في كتاب معاني القرآن" نقل عنه الواحدي طويلا بتصرف، وقد أثبت الفروق الهامة في أماكنها، "الإغفال" ص 214.]]: اعلم [[(اعلم): ساقط من: (ب).]] أن بين اسم يستعمل على ضربين: مصدر وظرف، وهما عندي وجميع بابهما يرجع إلى أصل واحد، وهو الافتراق والانكشاف. فأما الذي هو مصدر [[في (ب): (المصدر).]] فقالوا: بان الخليطُ بيناً أي فارق، وقد بِنْتُه أي: فارقته، أنشد أبو زيد: كَأَنَّ عَيْنَيَّ وَقَدْ بَانُونِي ... غَرْبَانِ في جَدْوَلٍ مَنْجَنُونِ [[قوله: (بانوني): فارقوني، (غربان): مثنى غرب، وهي: دلو عظيمة، (جدول): نهر صغير، (منجنون): الدولاب، وهو ما يستقى به الماء، فارسي معرب. ورد البيت في "نوادر أبي زيد" ص 262، "الإغفال" ص214، "الخصائص" 2/ 149، "المنصف" 3/ 24، "المخصص" 12/ 38، "اللسان" (بين) 1/ 404، و (منجنون) 1/ 4273.]] والمعروف: بان عني، فأما هذا فيتجه على أنه أراد الحرف فحذفه فلما حذف الحرف أوصل الفعل [[بمعناه في "الإغفال" ص 215.]]. وقولهم: بان الأمر وأبان، إنما معناه: انكشف، وفارقه ما كان غشيه من الإشكال بغيره والالتباس بسواه. وقال أبو زيد: البَيُون: البئر الواسعة الرأس الضيقة الأسفل، إذا قام الساقي على شفتها لم ير الماء، وأنشد: إِنَّكَ إِنْ دَعَوْتَنِي ودُوني ... زَوْرَاءُ ذاتُ مَنْزَعٍ بَيُونِ لَقُلْتُ لَبَّيْهِ لِمَنْ يَدْعُونِي [[الرجز لم يعرف قائله، ومعنى: (زوراء): الأرض البعيدة الأطراف. (المنزع): الموضع الذي يصعد فيه الدلو إذا نزع من البئر، فذلك الهواء هو المنزع. يقول: لو ناديتني وبيني وبينك أرض بعيدة، ذات ماء بعيد المتناول، أجبت. فلا تردني عن إجابتك الصعاب، وردت الأبيات في "تهذيب اللغة" (بان) 1/ 266، "المخصص" 10/ 36، 16/ 147، "الإغفال" ص215، "الهمع" 3/ 113، "شرح ابن عقيل" 3/ 52، "أوضح المسالك" 144، "مغني اللبيب" 2/ 578، "الخزانة" 2/ 93، "اللسان" (لبب) 7/ 3980، و (بين) 13/ 64، ووقع اختلاف يسير في رواية بعض ألفاظها.]] وهذا أيضًا مما ذكرنا [[في "الإغفال": (ذكرناه).]]؛ لأن أعلى البئر فارق أسفلها لانهياره بورود السابلة عليها [[(عليها): ساقط من (ب).]] والمستقين [[في (ج): (المستبين).]] منها. ولهذا المعنى الذي ذكرنا في أصل هذه الكلمة أضيف (بين) إلى ما دل على أكثر من الواحد في الأسماء، ولم يضف إلى الاسم المفرد الدال على الواحد، لأن ذلك ممتنع في معناه. ألا ترى أنك لو قلت: اجتماع زيد [[في (ب): (زيدا).]]، وجمعت زيداً، لم يسغ [[(يسغ): مكانها بياض في (ب).]] حتى تضيف إليه ما تريد [[في "الإغفال": (ما يؤيد به ..) ص 217.]] به على الأفراد. هذا أصل (بين) في اللغة، ثم لا يمتنع أن يتسع فيه كما اتسع في غيره، فيستعمل لغير هذا المعنى. مما اتسع فيه أنه استعمل بمعنى الوصل [["الإغفال" ص 217 - 219، نقل كلامه بتصرف.]]، وهو ضد الافتراق، وقد بينا أن أصله راجع إلى الافتراق، وإنما جاز استعماله بمعنى الوصل في قوله: ﴿لَقَد تَقَطَّع بَيْنُكُم﴾ [الأنعام: 94] على قراءة من رفع [[قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعامر وحمزة وعاصم في رواية أبي بكر بالرفع، وقرأ نافع والكسائي وعاصم في رواية حفص بالنصب. انظر: "السبعة" ص 263، و"التيسير" ص 105.]]، لأنه قد كثر استعمالها ظرفًا بين الشيئين ومع الشيئين اللذين بينهما ملابسة ومخالطة، فصار لذلك بمنزلة الوصلة والاقتراب بين الشيئين. وهذا الاتساع إنما هو في المستعمل ظرفا دون التي هي مصدر، لأنه في الاستعمال أكثر. وهذا التوسع في الظروف كثير، والذي استعمل ظرفا أصله الذي هو مصدر؛ لأن المصادر قد استعملت ظروفاً في مواضع كثيرة، والأسماء التي تستعمل تارة ظروفاً وتارة أسماءً لا تمتنع أن تكون مشتقة مثل: خلف وأمام وقدام وأعلى وأسفل ووسط كلها مشتقة، وهي مع ذلك ظروف وقد استعملت أسماءً كما [[في (ب): (كلما).]] استعملت ظروفاً، وكذلك بين في نحو قوله: {وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} [فصلت: 5]، قد استعملت اسما. كما استعملت ظرفا [[في (ب): (قد استعملت ظروفًا).]] نحو: بينهما مال، وفي قوله: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام: 94] في قراءة من نصب [[قراءة نافع والكسائي وحفص عن عاصم كما سبق.]]، لأن المعنى: لقد تقطع الاشتراك [[في (أ)، (ج): (لقد تقطع بينكم الاشتراك بينكم) زيادة بينكم وليست في "الإغفال" ص 218.]] بينكم. وأما ما لزم [[في (أ)، (ج): (وأما لزم)، وفي (ب): (وأما ما لزوم).]] الظرفية وبعد عن التمكن كإذ ونحوه فيمتنع اشتقاقه [[قال أبو علي: (فالقول: أن ما كان منها يستعمل تارة اسما، وتارة ظرفا، فلم يلزم الظرفية، فيبعد بذلك عن المتمكنة، كإذ ونحوه، ولا يمتنع أن تكون مشتقة كسائر الأسماء التي لا تكون ظروفا) "الإغفال" ص 218.]]. هذا هو الكلام في بين. فأما ما يقع بعده فهو على ضربين [["الإغفال" ص 219.]]: اسم وجملة. والاسم المفرد الذي بعده لا يخلو من أن يكون دالا على واحد أو أكثر من الواحد. فإن كان دالا على الواحد غير دال [[في (ب): (وغير ذاك).]] على أكثر منه عطف عليه اسم آخر، وكان العطف بالواو دون غيرها من الحروف العاطفة، [وذلك قولنا: المال بين زيد وعمرو. وإنما كان العطف بالواو لما فيما من معنى الاجتماع، ولأن ذلك حقيقتها وأصلها وليس ذلك موجودا في شيء غيرها من الحروف العاطفة [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]]]، وفي العطف على الاسم المفرد بعد (بين) يحتاج إلى ما يدل على معنى الاجتماع. لما قدمنا ذكره في معنى (بين) فلو عطف فيه على الاسم المفرد بحرف غير الواو لبقيت إضافتها كأنها إلى المفرد. ألا ترى أنك لو جعلت موضع الواو الفاء لكان -لما فيها من معنى إتباعه الثاني الأول- لا يكون مجتمعا مع المعطوف عليه، وإذا لم يجتمع معه حصلت الإضافة إلى مفرد دال على واحد، وإضافتها إلى الواحد ممتنع. والذي يدل على أنه حيث تريد [[في (ب): (يريد).]] الاجتماع لا يجوز العطف بغير الواو [["الإغفال" ص 220، نقل كلامه بتصرف.]] أنك لو قلت: مررت بزيد أخيك وصاحبك، وأنت تريد نعته بالأخوة والصحبة جميعًا [[في (ب): (حصل).]] كان العطف بالواو دون سائر أخواتها، إذ [[في (ب): (اذا).]] كان الغرض أنه مستحق لهما [[في (ب): (لها جميعا).]] معًا. وكذلك الأفعال التي لا تقع إلا من فاعلين لا يكون العطف فيه لأحد الفاعلين على الآخر إلا بالواو دون غيرها، لأنك لو عطفت فيها بغير الواو، لصارت كأنها مسندة إلى فاعل واحد، وذلك فيها فاسد، وذلك نحو الاشتراك والاختصام [[في "الإغفال": (الاختصاص) ص 220.]] والاقتتال وما أشبه هذا. وما امتنع من العطف بالفاء، فهو من (ثم) أشد امتناعًا إذ [[في (ب): (اذا).]] كان معناها من معنى الاجتماع أبعد، وإلى الافتراق أقرب لما يدل عليه من التراخي والمهلة [["الإغفال" ص 221.]]. فإن قيل [["الإغفال" ص 226.]]: أليس قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَه﴾ [النور: 43] فأضاف (بين) [[(بين): ساقط من (ب).]] إلى اسم مفرد؟ قيل: الهاء فيه ضمير يعود إلى اسم يراد به الجمع، فجاز إضافة (بين) إليه من حيث جاز إضافته إلى الاسم الذي هذه [[في (ج): (هو هذه).]] الهاء عائدة إليه، وذلك قوله: ﴿سَحَابًا﴾ [[سياق الآية: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ﴾ [النور: 43].]] ألا ترى أن سحاباً جمع سحابة. فأما قوله [[في (ب): (قولهم).]]: بيني وبينه مال، فمذهب سيبويه فيه أن (بين) الثاني متكرر للتأكيد، ومعناه عنده [[في "الإغفال": فمذهب سيبويه فيه أن (بين) الثاني متكرر للتأكيد، كما يكرر الشيء له، ومعناه عندنا: بيننا .. ص 227.]]: بيننا. قال: وهو مثل قولهم: أخزى الله الكاذب منِّي ومنك وإنما هو: منا [[انظر: "الكتاب" 1/ 204.]]، وكقول القائل [[هو العباس بن مرداس.]]: فأيِّي ما وأَيُّك كان شرًّا ... فَقِيدَ إلى الْمقَامَةِ لاَ يَرَاهَا [[معنى البيت: يقول من كان منا شرًّا أعماه الله في الدنيا فلا يبصر مجلسه، وقيل: مات على عماه فيقاد إلى موضع إقامة الناس في العرصات، و (المُقامة): بفتح الميم وضمها: المجلس ومكان اجتماع الناس. انظر: "الكتاب" 2/ 402، "شرح أبيات سيبويه" للسيرافي 2/ 93، و"شرحها" للنحاس ص 155، "الإغفال" ص 227، "تهذيب اللغة" (أى) 1/ 242، "اللسان" (قوم) 6/ 3787، و (أيا) 1/ 242، "أمالي القالي" 3/ 60، "شرح المفصل" 2/ 131، "الخزانة" 4/ 367، "البحر المحيط" 4/ 226.]] إنما هو فأينا، كذلك هاهنا المعنى بيننا، وكرر للتأكيد. وأما قوله تعالى: ﴿عَوَان بَينَ ذَلِكَ﴾ فأضاف [[في (ب)، (ج): (فأضيف)، وفي "الإغفال": (فإنما أضيف ..) ص 228.]] (بين) إلى ذلك من حيث جاز إضافته إلى القوم وما أشبه ذلك من الأسماء التي تدل على الكثرة وإن كانت مفردة، وإنما جاز أن يكون قولنا: (ذلك) يراد به مرة الانفراد ومرة الجمع والكثرة لمشابهته الموصولة كـ (الذي وما). ألا ترى أن القبيلين يشتبهان في دلالة كل واحد منها على شيء بعينه. ألا ترى أن (الذي) لا يدل على زيد دون عمرو، و (ما) لا يدل على الفرس دون الحمار، وكذلك (من)، فكان [[في (ب): (وكان).]] قولنا (ذلك) وسائر المبهمة كذلك، فلما كان (الذي وما ومن) على ما وصفنا من الدلالة على الجموع والإفراد، وكانت تفرد والمراد في إفرادها الجمع في نحو قوله: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)﴾ [الزمر: 33] و ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ [البقرة: 17] و ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: 18] ونحو ذلك مما يكثر تعداده، وكانت المبهمة مثلها في أنها لا تخص [[في (ب)، (ج): (لا تختص)، وما في (أ) موافق و"الإغفال" ص 229.]] بالدلالة نوعاً ولا شخصاً بعينه، أجري مجراها في أن المراد فيما استعمل منه مفرداً قد يكون الجماعة [[في "الإغفال": (لجماعة) ص 229، وعبارته أوضح.]]. وهذا واسع مستحسن في جميع المبهمة، فمن المبهمة (كم) في قوله: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ﴾ [النجم: 26]، وقال: {وَكَم مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} [الأعراف: 4]، ثم قال: ﴿أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾ وقال: ﴿فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ [الحاقة: 47]، وقال: ﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾ [النمل: 87] [[والآية لم ترد في "الإغفال"، وترك الواحدي آيات أخرى استشهد بها أبو علي، انظر: ص 230.]] وقال: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم: 93]. فهذه الأسماء [[في (ج): (اسماء).]] حسن فيها هذا، لما لم يكن [[في (ب): (يكون)، وفي "الإغفال" (تكن) ص 230 وهو أولى.]] لواحد بعينه ولا لنوع وحده [[في "الإغفال" (واحد) ص 230.]]، فكذلك [[في (ج): (وكذلك).]] (ذلك) لما كان مبهماً جاز أن يراد به الواحد مرة، وأكثر من الواحد مرة، وعلى هذا الحد صار فاعلاً لحبَّ في قولهم: [حبذا. ألا ترى أنه موضع يقع فيه الاسم [[في "الإغفال": (الاسم العام).]]، كما أن فاعل نعم وبئس عام. وقيل:] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج)، وثابت في (ب)، و"الإغفال" ص 230.]] حبذا هند، كما قيل: حبذا زيد [[أي: أنه لم تُغير (حبذا) للتأنيث. انظر "الإغفال" ص 230، 231.]]، ويدلك على ما ذكرنا من قصدهم بـ (ذلك) الجمع وما زاد على الواحد، أن رؤبة لما قيل له في قوله: فيه خُطُوطٌ من سَوَادٍ وبَلَقْ ... كأَنَّه في الجِلْدِ تَوْلِيعُ البَهَقْ [[يروى (فيها) بدل فيه، وقوله (بلق): سواد وبياض، و (التوليع) استطالة البلق ولمعانه، (البهق): بياض رقيق في البشرة. ورد الرجز في "ديوان رؤبة" ص 104 "مجالس العلماء" للزجاجي ص 277، "المخصص" 5/ 89، "تهذيب اللغة" (بهق) 1/ 405، "مجمل اللغة" 1/ 138، "مقاييس اللغة" 1/ 310، "اللسان" 1/ 374،== و"أساس البلاغة" (ولع) 2/ 527، "مغني اللبيب" 2/ 678، "البحر المحيط" 1/ 251، 4/ 285، 5/ 64، "الكشاف" 1/ 278، "الدر المصون" 1/ 423.]] وجب أن تقول [[في (أ): (يقول)، وما في (ب)، (ج) موافق "للإغفال" ص 231.]]: كأنها، وإن أردت السواد والبلق وجب أن تقول [[انظر الحاشية السابقة.]]: كأنهما. قال: أردت كأن ذاك [[في "مجاز القرآن": قال أبو عبيدة فقلت لرؤبة: إن كانت خطوط فقل كأنها، وان كان سواد وبلق فقل: كأنهما، فقال: كان ذاك ويلك توليع البهق. "المجاز" 1/ 44.]]. فعلم بهذا أنهم يقصدون بـ (ذلك) غير المفرد وأنه قصد هذا المعنى، وعليه حمل كلامه. ويدل أيضًا على أنهم يقصدون بـ (ذلك) إلى [[(إلى): ساقط من (ج)، وفي (ب): (الأكثر).]] أكثر من الواحد إضافتهم (كلا) إليه، وذلك في قول القائل: وَكِلاَ ذَلِكَ وَجْهٌ وَقَبَلْ [[من قصيدة لعبد الله بن الزِّبَعْرَى، قالها يوم أحد، يتشفى من المسلمين، فرد عليه حسان، والشطر الأول: إنَّ للخَيْرِ وللِشِّرِ مَدًى. أورد ابن هشام القصيدة في "السيرة" 3/ 96، وهي في "شعره" ص 41، وورد البيت في "الإغفال" ص 232، "شرح المفصل" 3/ 2، و"الهمع" 4/ 283، "البحر المحيط" 1/ 251، "شرح ابن عقيل" 3/ 62، "مغني اللبيب" 1/ 203، "أوضح المسالك" 146، "الدر المصون" 1/ 348، 422.]] ألا ترى أن (كلا) لا يضاف إلى المفرد، فبان أن المراد بـ (ذلك) الزيادة على الواحد. وكذلك [[في (ب): (فكذلك)، ومثله في "الإغفال" ص 232.]] قوله: ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ إنما أضيف (بين) إلى (ذلك) لأن المراد به الزيادة على الواحد. ألا ترى أنه إشارة إلى ما تقدم من قوله مما دل على الفروض والبكارة. فأما قول أبي إسحاق: (لأن ذلك ينوب عن الجمل [[في "الإغفال": (فأما قول أبي إسحاق: إنما جاز (بين ذلك)، و (بين) لا تكون إلا مع اثنين فعبارة أطلقها على جهة التسامح .. ثم قال (فاما قوله (لأن ذلك) ينوب عن الجمل، كقول القائل: ظننت ذاك ... إلخ) نقله بتصرف "الإغفال" ص 232، 233.]]، يقول القائل: ظننت ذاك، والظن يقتضي مفعولين فقام ذلك أو ذاك مقامهما)، فهذا خطأ [[قوله: (فهذا خطأ) لم يرد في كلام أبي علي، ونص كلامه: (فلا يخلو (ذلك) في ما ذكره من قولهم: ظننت ذاك أن يكون إشارة إلى المصدر، كما ذهب إليه سيبويه، أو يكون نائبا عن الجمل كما قاله أبو إسحاق، أو يكون إشارة إلى أحد المفعولين اللذين يقتضيهما (ظننت)، لا تحتمل القسمة غير ذلك ..) ثم أخذ يفصل هذه الوجوه. انظر: "الإغفال" ص 233.]]، ولا يجوز أن يقع ذاك وذلك [[في (ج): (ذلك وذاك).]] موقع الجملة، ولا يجوز أن تكون [[في (أ)، (ج): (يكون)، وفي "الإغفال" (يكون نائبًا) ص 233، وأثبت ما في (ب) لأنه أنسب للسياق.]] نائبة عن الجملة، لأنه لوكان نائبا عنها للزم أن ينوب عنها في صلة (الذي) وأخواتها، وفي وصف النكرات [["الإغفال" ص 233.]]. ولو [["الإغفال" ص 241.]] كان (ذلك) نائبًا عن الجمل لما جاز وقوعه في هذه الآية؛ لأن هذا الموضع ليس من مواضع الجمل، ولا من الأماكن التي يتجه فيها دخول الجمل. ألا ترى أن (ذلك) إشارة إلى البكارة والفروض. فلو كان واقعاً [[في (ب): (واقع).]] موقعَ جملةٍ ما دلّ عليهما [[في (ب): (عليها).]]؛ لأن الجملة يُسنَد فيها الحديثُ إلى المحدَّث عنه [[في (ب): (عنها).]]، وليس [[قوله: (وليس) ساقط من (ب).]] واحد من الفروض والبكارة بمسند إلى الآخر. وهذا واضح لمن تأمله. فأما قولهم: ظننت ذاك، فهو عند سيبويه إشارة إلى المصدر [[انظر: "الكتاب" 1/ 40.]] كأنك قلت: ظننت ذاك [[في (ب): (ذلك).]] الظنَّ، وإذا كان إشارة إلى المصدر لم يحتج إلى مفعول ثان، كما أنّ (ضربت) وغيره من الأفعال المتعدية إذا عديته [[قوله: (إذا عديته) ساقط من (ب).]] إلى المصدر لم يلزم أن تُعدِّيه إلى مفعول به، فبان أن (ذاك) من قولهم: (ظننت ذاك) لم يقع موقع الجملة [[انتهى ما نقله المؤلف عن كتاب "الإغفال" لأبي علي الفارسي بعضه بنصه، وبعضه بتصرف. انظر: "الإغفال" ص 214 - 241، وقد أطال في النقل عن (بين). ومحل ذلك المطولات من كتب النحو، لا كتب التفسير والله أعلم.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب