الباحث القرآني

(ومن عمل صالحاً) هذا شروع في ترغيب كل مؤمن في كل عمل صالح وتعميم للوعد، والمعنى من عمل صالحاً أي عمل كان (من ذكر أو أنثى) زيادة التمييز بذكر وأنثى مع كون لفظ من شاملاً لهما لقصد التأكيد والمبالغة في تقرير الوعد. وقيل أن لفظ من ظاهر في الذكور فكان في التنصيص على الذكر والأنثى بيان لشموله للنوعين. (وهو مؤمن) جعل سبحانه الإيمان قيداً في الجزاء المذكور لأن عمل الكافر لا اعتداد به لقوله سبحانه (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً) ثم ذكر سبحانه الجزاء لمن عمل ذلك العمل الصالح فقال (فلنحيينه حياة طيبة) وقد وقع الخلاف في الحياة الطيبة بماذا تكون، فقيل بالرزق الحلال في هذه الحياة الدنيا وإذا صار إلى ربه جازاه بأحسن ما كان يعمل. روي ذلك عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء والضحاك، وقيل بالقناعة قاله الحسن البصري وزيد بن وهب، ووهب بن منبه، وروي أيضاً عن عليّ وابن عباس قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو " اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف عليً كل غائبة لي بخير ". وأخرج أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجة عن ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه " [[مسلم 1054.]] وأخرج الترمذي والنسائي من حديث فضالة بن عبيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " قد أفلح من هدى إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنع به " [[الترمذي كتاب الزهر باب 35 - الإمام أحمد 5/ 255.]]. وقيل بالكسب الطيب والعمل الصالح، قاله ابن عباس، وقيل بالتوفيق إلى الطاعة قاله الضحاك، وقيل هي حياة الجنة، روي هذا عن مجاهد وقتادة وغيرهما وحكي عن الحسن أنه قال: لا تطيب الحياة لأحد إلا في الجنة، وقيل الحياة الطيبة هي السعادة، روي ذلك عن ابن عباس، وقيل هي المعرفة بالله، حكي ذلك عن جعفر الصادق رضي الله عنه. وقال أبو بكر الوراق: هي حلاوة الطاعة، وقال مقاتل: هي العيش في الطاعة وقيل رزق يوم بيوم. وقال السدي: إنما هي تحصل في القبر لأن المؤمن يستريح بالموت من نكد الدنيا وتعبها، وقال سهل بن عبد الله التستري: هي أن ينزع عن العبد تدبير نفسه ويرد تدبيره إلى الحق، وقيل هي الاستغناء عن الخلق والافتقار إلى الحق. وأكثر المفسرين على أن الحياة الطيبة هي في الدنيا لا في الآخرة، لأن حياة الآخرة قد ذكرت بقوله (ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) وقد قدمنا قريباً تفسير الجزاء بالأحسن ووحد الضمير في (لنحيينه) وجمعه في لنجزينهم حملاً على لفظ (من) وعلى معناه. ثم لما ذكر سبحانه العمل الصالح والجزاء عليه أتبعه بذكر الاستعاذة التي تخلص بها الأعمال الصالحة عن الوساوس الشيطانية فقال
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب