سورة النصر
وتسمى سورة التوديع، وهي ثلاث آيات وهي مدنية بالإجماع بلا خلاف قال ابن عباس أنزل بالمدينة إذا جاء نصر الله والفتح وعن ابن عمر قال هذه السورة " نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أوسط أيام التشريق بمنى وهو في حجة الوداع (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) حتى ختمها فعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنها الوداع " أخرجه البزار وأبو يعلى والبيهقي [[روى البخاري في " صحيحه " 8/ 565: عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأنَّ بعضهم وجد في نفسه، فقال: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟! فقال عمر: إنه من حيث علمتم، فدعاه ذات يوم فأدخله معهم، فما رأيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم، قال: ما تقولون في قول الله تعالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً، فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلمه له، قال: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) وذلك علامة أجلك (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول.
قال الحافظ ابن حجر في " الفتح ": وفي الحديث فضيلة ظاهرة لابن عباس، وتأثير لإجابة دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعلمه الله التأويل ويفقهه في الدين، وفيه جواز تحديث المرء عن نفسه بمثل هذا، لإظهار نعمة الله عليه، وإعلام من لا يعرف قدره لينزله منزلته، وغير ذلك من المقاصد الصالحة، لا للمفاخرة والمباهاة، وفي جواز تأويل القرآن بما يفهم من الإشارات، وإنما يتمكن من ذلك من رسخت قدمه في العلم، ولهذا قال علي - رضي الله عنه -: أو فهماً يؤتيه الله رجلاً في القرآن.]].
وعن ابن عباس قال: لما نزلت (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " نعيت إليّ نفسي " أخرجه أحمد وغيره، وزاد ابن مردويه في لفظ: وقرب إليّ أجلي، وفي لفظ لما نزلت نعيت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه حين أنزلت فأخذ في أشد ما كان قط اجتهاداً في أمر الآخرة.
وعن أم حبيبة قالت: لما أنزل (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - " إن الله لم يبعث نبياً إلا عمر من أمته شطر ما عمر النبي الماضي قبله، فإن عيسى بن مريم كان أربعين سنة في بني إسرائيل وهذه لي عشرون سنة وأنا ميت في هذه السنة فبكيت فاطمة - رضي الله تعالى عنها - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أنت أول أهلي بي لحوقاً فتبسمت " أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه.
وعن ابن عباس قال لما نزلت (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) دعا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فاطمة وقال: " إنه قد نعيت إليّ نفسي فبكت ثم ضحكت، وقالت أخبرني أنه نعيت إليه نفسي فبكيت، فقال اصبري فإنك أول أهلي لحاقاً بي فضحكت " أخرجه البيهقي " [[روى مسلم في " صحيحه " رقم (3024) عن عبيد الله بن عتبة، قال: قال لي ابن عباس: تعلم (وقال هارون: تدري) آخر سورة نزلت في القرآن، نزلت جميعاً؟
قلت: نعم (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) قال: صدقت، قال مسلم: وفي رواية ابن أبي شيبة (أحد الرواة): تعلم أي سورة، ولم يقل: آخر. قال الحافظ في " الفتح " 8/ 564: وأخرج النسائي من حديث ابن عباس أنها آخر سورة نزلت في القرآن، قال: وقد تقدم في تفسير (براءة) أنها آخر سورة نزلت، قال: والجمع بينهما أن آخرية سورة النصر، نزولها كاملة، بخلاف (براءة)، فالمراد نزول بعضها أو معظمها، وإلا ففيها آيات كثيرة نزلت قبل سنة الوفاة النبوية، وأوضح في ذلك أن أول (براءة) نزل عقب فتح مكة في سنة تسع عام حج أبي بكر، وقد نزل (اليوم أكملت لكم دينكم) وهي في (المائدة) في حجة الوداع سنة عشر، فالظاهر أن المراد معظمها، ولا شك أن غالبها نزل في غزوة تبوك، وهي آخر غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم -.
-[429]-
هذا بالنسبة للسورة، وأما بالنسبة لآخر آية نزلت، فقد روى البخاري عن ابن عباس: آخر آية نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - آية الربا وفي " الفتح ": وجاء عن ابن عباس أيضاًً من وجه آخر: " آخر آية نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم -: (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله) أخرجه الطبري من طرق. قال الحافظ: وطريق الجمع بين هذين القولين أن هذه الآية ختام الآيات المنزلة في الربا، وهي معطوفة عليهن، ثم قال: وأما ما سيأتي في آخر سورة (النساء) من حديث البراء: آخر آية نزلت (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) فيجمع بينه وبين قول ابن عباس، بأن الآيتين نزلتا جميعاً، فيصدق أن ...]].
ولقد تقدم في سورة الزلزلة أن هذه السورة تعدل ربع القرآن وهي آخر سورة نزلت جميعاً.
بسم الله الرحمن الرحيم
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)
(إذا جاء نصر الله) النصر العون مأخوذ من قولهم قد نصر الغيث الأرض إذا أعان على نباتها ومنع من قحطها، يقال نصره على عدوه ينصره نصراً إذا أعانه، والإسم النصرة واستنصره على عدوه إذا سأله أن ينصره عليه.
قال الواحدي قال المفسرون إذا جاءك يا محمد نصر الله على من عاداك وهم قريش، وقيل المراد نصره صلى الله عليه وآله وسلم على قريش من غير تعيين، وقيل نصره على من قاتله من الكفار، وقيل " إذا " بمعنى قد وقيل بمعنى إذ، ومعنى جاء حصل.
وإنما عبر عن الحصول بالمجيء تجوزاً للإشعار بأن المقدرات متوجهة من الأزل إلى أوقاتها المعينة فتقرب منها شيئاًً فشيئاًً، وقد قرب النصر من وقته فكن مترقباً لوروده مستعداً لشكره، قاله القاضي وهو استعارة تبعية لكن قول الراغب المجيء الحصول ويكون في المعاني والأعيان يقتضي خلافه.
وفي الخطيب (جاء) بمعنى استقر وثبت في المستقبل بمجيء وقته المضروب له في الأزل، وإذا منصوبة بسبح الذي هو جوابها ونصر الله مصدر مضاف لفاعله ومفعوله محذوف أي نصره إياك والمؤمنين.
(والفتح) أي فتح مكة وقيل هو فتح سائر البلاد، وقيل هو ما فتح الله عليه من العلوم والأول أظهر والثاني أنسب والثالث أبعد.
عن ابن عباس أن عمر سألهم عن قول الله (إذا جاء نصر الله والفتح) فقالوا فتح المدائن والقصور، قال فأنت يا ابن عباس ما تقول، قال قلت مثل ضرب لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نعيت له نفسه.
وأخرج البخاري غيره عن ابن عباس قال " كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، وكان بعضهم وجد في نفسه فقال لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله فقال عمر أنه من قد علمتم، فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم، فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم، فقال ما تقولون في قول الله عز وجل (إذا جاء نصر الله والفتح) فقال بعضهم أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاًً فقال لي أكذاك تقول يا ابن عباس؟ فقلت لا فقال ما تقول، فقلت هو أجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعلمه الله له قال (إذا جاء نصر الله والفتح) فذلك علامة أجلك (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً) فقال عمر لا أعلم منها إلا ما تقول.
قال الرازي الفرق بين النصر والفتح أن الفتح هو تحصيل المطلوب الذي كان منغلقاً، والنصر كالسبب للفتح، فلهذا بدأ بذكر النصر، وعطف عليه الفتح، أو يقال النصر كمال الدين، والفتح إقبال الدنيا الذي هو تمام النعمة، أو يقال النصر الظفر، والفتح الجنة هذا معنى كلامه، ويقال الأمر أوضح من هذا وأظهر فإن النصر هو التأييد الذي يكون به قهر الأعداء وغلبهم والإستعلاء عليهم، والفتح هو فتح مساكن الأعداء ودخول منازلهم.
{"ayah":"إِذَا جَاۤءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ"}