الباحث القرآني
* (فائدة)
ذَكَرَ البيهقي مِن حَدِيثِ موسى بن عبيدة الربذي، عَنْ صدقة بن يسار عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قالَ أُنْزِلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ ﴿إذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ﴾ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في وسَطِ أيّامِ التَّشْرِيقِ، وعُرِفَ أنَّهُ الوَداعُ، فَأمَرَ بِراحِلَتِهِ القَصْواءِ فَرُحِلَتْ، واجْتَمَعَ النّاسُ فَقالَ: " يا أيُّها النّاسُ "، ثُمَّ ذَكَرَ الحَدِيثَ في خُطْبَتِهِ.
* (فصل)
وَقَدْ قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ لِلصَّحابَةِ: ما تَقُولُونَ فِي: ﴿إذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ﴾ السُّورَة؟
قالُوا: أمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ إذا فَتَحَ عَلَيْهِ أنْ يَسْتَغْفِرَهُ، فَقالَ لِابْنِ عَبّاسٍ ما تَقُولُ أنْتَ؟ قالَ: هو أجَلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أعْلَمَهُ إيّاهُ، فَقالَ: ما أعْلَمُ مِنها غَيْرَ ما تَعْلَمُ، وهَذا مِن أدَقِّ الفَهْمِ وألْطَفِهِ، ولا يُدْرِكُهُ كُلُّ أحَدٍ، فَإنَّهُ - سُبْحانَهُ - لَنْ يُعَلِّقَ الِاسْتِغْفارَ بِعَمَلِهِ، بَلْ عَلَّقَهُ بِما يُحْدِثُهُ هو - سُبْحانَهُ - مِن نِعْمَةِ فَتْحِهِ عَلى رَسُولِهِ ودُخُولِ النّاسِ في دِينِهِ، وهَذا لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلِاسْتِغْفارِ، فَعَلِمَ أنَّ سَبَبَ الِاسْتِغْفارِ غَيْرُهُ، وهو حُضُورُ الأجَلِ الَّذِي مِن تَمامِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلى عَبْدِهِ تَوْفِيقُهُ لِلتَّوْبَةِ النَّصُوحِ والِاسْتِغْفارِ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَلْقى رَبَّهُ طاهِرًا مُطَهَّرًا مِن كُلِّ ذَنْبٍ فَيَقْدَمَ عَلَيْهِ مَسْرُورًا راضِيًا مَرْضِيًّا عَنْهُ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أيْضًا قَوْلُهُ: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرْهُ﴾ وهو ﷺ كانَ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ دائِمًا.
فَعَلِمَ أنَّ المَأْمُورَ بِهِ مِن ذَلِكَ التَّسْبِيحُ بَعْدَ الفَتْحِ ودُخُولُ النّاسِ في هَذا الدِّينِ أمْرٌ أكْبَرُ مِن ذَلِكَ المُتَقَدِّمِ، وذَلِكَ مُقَدَّمَةٌ بَيْنَ يَدَيْ انْتِقالِهِ إلى الرَّفِيقِ الأعْلى. وأنَّهُ قَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ مِن عُبُودِيَّةِ التَّسْبِيحِ والِاسْتِغْفارِ الَّتِي تُرَقِّيهِ إلى ذَلِكَ المَقامِ بَقِيَّةٌ فَأمَرَهُ بِتَوْفِيَتِها، ويَدُلُّ عَلَيْهِ أيْضًا أنَّهُ - سُبْحانَهُ - شَرَعَ التَّوْبَةَ والِاسْتِغْفارَ في خَواتِيمِ الأعْمالِ، فَشَرَعَها في خاتِمَةِ الحَجِّ وقِيامِ اللَّيْلِ.
«وَكانَ النَّبِيُّ ﷺ إذا سَلَّمَ مِن الصَّلاةِ اسْتَغْفَرَ ثَلاثًا»
وَشُرِعَ لِلْمُتَوَضِّئِ بَعْدَ كَمالِ وُضُوئِهِ أنْ يَقُولَ "اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِن التَّوّابِينَ واجْعَلْنِي مِن المُتَطَهِّرِينَ"
فَعُلِمَ أنَّ التَّوْبَةَ مَشْرُوعَةٌ عَقِيبَ الأعْمالِ الصّالِحَةِ، فَأمَرَ رَسُولَهُ بِالِاسْتِغْفارِ عَقِيبَ تَوْفِيَتِهِ ما عَلَيْهِ مِن تَبْلِيغِ الرِّسالَةِ والجِهادِ في سَبِيلِهِ حِينَ دَخَلَ النّاسُ في دِينِهِ أفْواجًا، فَكَأنَّ التَّبْلِيغَ عِبادَةٌ قَدْ أكْمَلَها وأدّاها، فَشُرِعَ لَهُ الِاسْتِغْفارُ عَقِيبَها.
والمَقْصُودُ تَفاوُتُ النّاسِ في مَراتِبِ الفَهْمِ في النُّصُوصِ، وأنَّ مِنهم مَن يَفْهَمُ مِن الآيَةِ حُكْمًا أوْ حُكْمَيْنِ، ومِنهم مَن يَفْهَمُ مِنها عَشَرَةَ أحْكامٍ أوْ أكْثَرَ مِن ذَلِكَ، ومِنهم مَن يَقْتَصِرُ في الفَهْمِ عَلى مُجَرَّدِ اللَّفْظِ دُونَ سِياقِهِ ودُونَ إيمائِهِ وإشارَتِهِ وتَنْبِيهِهِ واعْتِبارِهِ، وأخَصُّ مِن هَذا وألْطَفُ ضَمُّهُ إلى نَصٍّ آخَرَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَيَفْهَمُ مِن اقْتِرانِهِ بِهِ قَدْرًا زائِدًا عَلى ذَلِكَ اللَّفْظِ بِمُفْرَدِهِ، وهَذا بابٌ عَجِيبٌ مِن فَهْمِ القُرْآنِ لا يَتَنَبَّهُ لَهُ إلّا النّادِرُ مِن أهْلِ العِلْمِ، فَإنَّ الذِّهْنَ قَدْ لا يَشْعُرُ بِارْتِباطِ هَذا بِهَذا وتَعَلُّقِهِ بِهِ.
وَهَذا كَما فَهِمَ ابْنُ عَبّاسٍ مِن قَوْلِهِ: ﴿وَحَمْلُهُ وفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾ [الأحقاف: ١٥] مَعَ قَوْلِهِ: ﴿والوالِداتُ يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ﴾ [البقرة: ٢٣٣] أنَّ المَرْأةَ قَدْ تَلِدُ لِسِتَّةِ أشْهُرٍ.
وَكَما فَهِمَ الصِّدِّيقُ مِن آيَةِ الفَرائِضِ في أوَّلِ السُّورَةِ وآخِرِها أنَّ الكَلالَةَ مَن لا ولَدَ لَهُ ولا والِدَ، وأسْقَطَ الإخْوَةَ بِالجَدِّ، وقَدْ أرْشَدَ النَّبِيُّ ﷺ عُمَرَ إلى هَذا الفَهْمِ حَيْثُ سَألَهُ عَنْ الكَلالَةِ وراجَعَهُ السُّؤالَ فِيها مِرارًا، فَقالَ: يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ.
وَإنَّما أُشْكِلَ عَلى عُمَرَ قَوْلُهُ: ﴿قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكم في الكَلالَةِ إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ ولَدٌ﴾ [النساء: ١٧٦]
فَدَلَّهُ النَّبِيُّ ﷺ عَلى ما يُبَيِّنُ لَهُ المُرادَ مِنها وهي الآيَةُ الأُولى الَّتِي نَزَلَتْ في الصَّيْفِ، فَإنَّهُ ورَّثَ فِيها ولَدَ الأُمِّ في الكَلالَةِ السُّدُسَ، ولا رَيْبَ أنَّ الكَلالَةَ فِيها مَن لا ولَدَ لَهُ ولا والِدَ، وإنْ عَلا.
* وقال في (المدارج)
الفَهْمُ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلى عَبْدِهِ، ونُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ في قَلْبِهِ، يَعْرِفُ بِهِ، ويُدْرِكُ ما لا يُدْرِكُهُ غَيْرُهُ ولا يَعْرِفُهُ، فَيَفْهَمُ مِنَ النَّصِّ ما لا يَفْهَمُهُ غَيْرُهُ، مَعَ اسْتِوائِهِما في حِفْظِهِ، وفَهْمِ أصْلِ مَعْناهُ.
فالفَهْمُ عَنِ اللَّهِ ورَسُولِهِ عُنْوانُ الصِّدِّيِقِيَّةِ، ومَنشُورُ الوِلايَةِ النَّبَوِيَّةِ، وفِيهِ تَفاوَتَتْ مَراتِبُ العُلَماءِ، حَتّى عُدَّ ألْفٌ بِواحِدٍ، فانْظُرْ إلى فَهْمِ ابْنِ عَبّاسٍ وقَدْ سَألَهُ عُمَرُ، ومَن حَضَرَ مِن أهْلِ بَدْرٍ وغَيْرِهِمْ عَنْ سُورَةِ ﴿إذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ﴾
وَما خُصَّ بِهِ ابْنُ عَبّاسٍ مِن فَهْمِهِ مِنها أنَّها نَعْيُ اللَّهِ سُبْحانَهُ نَبِيَّهُ إلى نَفْسِهِ وإعْلامُهُ بِحُضُورِ أجَلِهِ، ومُوافَقَةِ عُمَرَ لَهُ عَلى ذَلِكَ، وخَفائِهِ عَنْ غَيْرِهِما مِنَ الصَّحابَةِ وابْنُ عَبّاسٍ إذْ ذاكَ أحْدَثُهم سِنًّا، وأيْنَ تَجِدُ في هَذِهِ السُّورَةِ الإعْلامَ بِأجَلِهِ، لَوْلا الفَهْمُ الخاصُّ؟ ويَدِقُّ هَذا حَتّى يَصِلَ إلى مَراتِبَ تَتَقاصَرُ عَنْها أفْهامُ أكْثَرِ النّاسِ، فَيُحْتاجُ مَعَ النَّصِّ إلى غَيْرِهِ، ولا يَقَعُ الِاسْتِغْناءُ بِالنُّصُوصِ في حَقِّهِ، وأمّا في حَقِّ صاحِبِ الفَهْمِ فَلا يُحْتاجُ مَعَ النُّصُوصِ إلى غَيْرِها.
* (فائدة)
وَقالَ في سُورَةِ أجَلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّتِي هي آخَرُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ ﴿إذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ - ورَأيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ في دِينِ اللَّهِ أفْواجًا - فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرْهُ - إنَّهُ كانَ تَوّابًا﴾.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ما صَلّى صَلاةً بَعْدَ إذْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ السُّورَةُ إلّا قالَ في رُكُوعِهِ وسُجُودِهِ: سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنا وبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، يَتَأوَّلُ القُرْآنَ»
فالتَّوْبَةُ هي نِهايَةُ كُلِّ سالِكٍ وكُلِّ ولِيٍّ لِلَّهِ، وهي الغايَةُ الَّتِي يَجْرِي إلَيْها العارِفُونَ بِاللَّهِ وعُبُودِيَّتِهِ، وما يَنْبَغِي لَهُ، قالَ تَعالى ﴿إنّا عَرَضْنا الأمانَةَ عَلى السَّماواتِ والأرْضِ والجِبالِ فَأبَيْنَ أنْ يَحْمِلْنَها وأشْفَقْنَ مِنها وحَمَلَها الإنْسانُ إنَّهُ كانَ ظَلُومًا جَهُولًا - لِيُعَذِّبَ اللَّهُ المُنافِقِينَ والمُنافِقاتِ والمُشْرِكِينَ والمُشْرِكاتِ ويَتُوبَ اللَّهُ عَلى المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٢-٧٣]
فَجَعَلَ سُبْحانَهُ التَّوْبَةَ غايَةَ كُلِّ مُؤْمِنٍ ومُؤْمِنَةٍ.
* (فصل)
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ ﷺ أنَّهُ قالَ:
«يا أيُّها النّاسُ، تُوبُوا إلى اللَّهِ، فَواللَّهِ إنِّي لَأتُوبُ إلَيْهِ في اليَوْمِ أكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّةً» وكانَ أصْحابُهُ يَعُدُّونَ لَهُ في المَجْلِسِ الواحِدِ قَبْلَ أنْ يَقُومَ «رَبِّ اغْفِرْ لِي وتُبْ عَلَيَّ إنَّكَ أنْتَ التَّوّابُ الغَفُورُ» مِائَةَ مَرَّةٍ، وما صَلّى صَلاةً قَطُّ بَعْدَ إذْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ ﴿إذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ﴾ إلى آخِرِها، إلّا قالَ فِيها «سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنا وبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي»
وَصَحَّ عَنْهُ ﷺ أنَّهُ قالَ «لَنْ يُنْجِيَ أحَدًا مِنكم عَمَلُهُ، قالُوا: ولا أنْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: ولا أنا، إلّا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنهُ وفَضْلٍ».
فَصَلَواتُ اللَّهِ وسَلامُهُ عَلى أعْلَمِ الخَلْقِ بِاللَّهِ وحُقُوقِهِ وعَظْمَتِهِ، وما يَسْتَحِقُّهُ جَلالُهُ مِنَ العُبُودِيَّةِ، وأعْرَفِهِمْ بِالعُبُودِيَّةِ وحُقُوقِها وأقْوَمِهِمْ بِها.
* (فصل)
لما خرج رَسُول الله من حصر العَدو دخل في حصر النَّصْر فعبثت أيدي سراياه بالنصر في الأطْراف فطار ذكره في الآفاق فَصارَ الخلق مَعَه ثَلاثَة أقسام:
مُؤمن بِهِ، ومسالم لَهُ، وخائف مِنهُ، ألْقى بذر الصَّبْر في مزرعة ﴿فاصْبِرْ كَما صَبر أولو العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾
فَإذا أغْصان النَّبات تهتز بخزامى والحُرُماتُ قصاص فَدخل مَكَّة دُخُولا ما دخله أحد قبله ولا بعده حوله المُهاجِرُونَ والأنْصار لا يبين مِنهُم إلّا الحدق والصَّحابَة على مَراتِبهمْ والمَلائِكَة فَوق رؤوسهم وجِبْرِيل يتَرَدَّد بَينه وبَين ربه وقد أباحَ لَهُ حرمه الَّذِي لم يحله لأحد سواهُ فَلَمّا قايس بَين هَذا اليَوْم وبَين يَوْم ﴿وَإذْ يمكر الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يخرجوك﴾ فأخرجوه ﴿ثانِي اثْنَيْنِ﴾
دخل وذقنه تمس قربوس سَرْجه خضوعا وذلا لمن ألبسهُ ثوب هَذا العِزّ الَّذِي رفعت إلَيْهِ فِيهِ الخليقة رؤوسها، ومدت إلَيْهِ المُلُوك أعناقها فَدخل مَكَّة مالِكًا مؤيدا منصورا.
وَعلا كَعْب بِلال فَوق الكَعْبَة بعد أن كانَ يجر في الرمضاء على جمر الفِتْنَة فنشر بَزًّا طُوي عَن القَوْم من يَوْم قَوْله "أحد أحد"
وَرفع صَوته بِالأذانِ، فأجابته القَبائِل من كل ناحيَة فَأقْبَلُوا يؤمُّونَ الصَّوْت فَدَخَلُوا في دين الله أفْواجًا، وكانُوا قبل ذَلِك يأْتونَ آحادا، فَلَمّا جلس الرَّسُول على مِنبَر العِزّ، وما نزل عَنهُ قطّ.
مدت المُلُوك أعناقها بالخضوع إلَيْهِ فَمنهمْ من سلم إلَيْهِ مَفاتِيح البِلاد، ومِنهُم من سَألَهُ المُوادَعَة والصُّلْح، ومِنهُم من أقرّ بالجزية والصغار، ومِنهُم من أخذ في الجمع والتَّأهُّب للحرب ولم يدر أنه لم يزدْ على جمع الغَنائِم وسوق الأُسارى إلَيْهِ.
فَلَمّا تَكامل نَصره وبلّغ الرسالَة وأدّى الأمانَة وجاءه منشور ﴿إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تقدم من ذَنْبِكَ وما تَأخَّرَ ويُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ويَهْدِيَكَ صِراطًا مُسْتَقِيمًا ويَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾
وَبعده توقيع ﴿إذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ ورَأيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ في دِينِ الله أفْواجًا﴾
جاءَهُ رَسُول ربه يُخبرهُ بَين المقام في الدُّنْيا، وبَين لِقائِه فاخْتارَ لِقاء ربه شوقا إلَيْهِ، فتزينت الجنان ليَوْم قدوم روحه الكَرِيمَة، لا كزينة المَدِينَة يَوْم قدوم الملِك.
إذا كانَ عرش الرَّحْمَن قد اهتز لمَوْت بعض أتْباعه فَرحا واستبشارا بقدوم روحه، فَكيف بِروح سيّد الخَلائق؟!
فيا منتسبا إلى غير هَذا الجناب، ويا واقِفًا بِغَيْر هَذا الباب ستعلم يَوْم الحَشْر أي سريرة تكون عَلَيْها ﴿يَوْمَ تبلى السرائر﴾.
* [فصل في بيان أن مكة فتحت عنوة]
* فَصْلٌ
وَفِيها البَيانُ الصَّرِيحُ بِأنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً، كَما ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ أهْلِ العِلْمِ، ولا يُعْرَفُ في ذَلِكَ خِلافٌ إلّا عَنِ الشّافِعِيِّ وأحمد في أحَدِ قَوْلَيْهِ، وسِياقُ القِصَّةِ أوْضَحُ شاهِدٍ لِمَن تَأمَّلَهُ لِقَوْلِ الجُمْهُورِ، ولَمّا اسْتَهْجَنَ أبُو حامِدٍ الغَزالِيُّ القَوْلَ بِأنَّها فُتِحَتْ صُلْحًا، حَكى قَوْلَ الشّافِعِيِّ أنَّها فُتِحَتْ عَنْوَةً في " وسِيطِهِ "، وقالَ: هَذا مَذْهَبُهُ.
قالَ أصْحابُ الصُّلْحِ: لَوْ فُتِحَتْ عَنْوَةً، لَقَسَمَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ الغانِمِينَ كَما قَسَمَ خَيْبَرَ، وكَما قَسَمَ سائِرَ الغَنائِمِ مِنَ المَنقُولاتِ، فَكانَ يُخَمِّسُها ويَقْسِمُها، قالُوا: ولَمّا اسْتَأْمَنَ أبو سفيان لِأهْلِ مَكَّةَ لَمّا أسْلَمَ فَأمَّنَهم كانَ هَذا عَقْدَ صُلْحٍ مَعَهُمْ، قالُوا: ولَوْ فُتِحَتْ عَنْوَةً لَمَلَكَ الغانِمُونَ رِباعَها ودُورَها، وكانُوا أحَقَّ بِها مِن أهْلِها، وجازَ إخْراجُهم مِنها، فَحَيْثُ لَمْ يَحْكم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيها بِهَذا الحُكْمِ بَلْ لَمْ يَرُدَّ عَلى المُهاجِرِينَ دُورَهُمُ الَّتِي أُخْرِجُوا مِنها، وهي بِأيْدِي الَّذِينَ أخْرَجُوهم وأقَرَّهم عَلى بَيْعِ الدُّورِ وشِرائِها وإجارَتِها وسُكْناها، والِانْتِفاعِ بِها، وهَذا مُنافٍ لِأحْكامِ فُتُوحِ العَنْوَةِ، وقَدْ صَرَّحَ بِإضافَةِ الدُّورِ إلى أهْلِها، فَقالَ: «مَن دَخَلَ دارَ أبي سفيان فَهو آمِنٌ، ومَن دَخَلَ دارَهُ فَهو آمِنٌ».
قالَ أرْبابُ العَنْوَةِ: لَوْ كانَ قَدْ صالَحَهم لَمْ يَكُنْ لِأمانِهِ المُقَيَّدِ بِدُخُولِ كُلِّ واحِدٍ دارَهُ وإغْلاقِهِ بابَهُ وإلْقائِهِ سِلاحَهُ فائِدَةٌ، ولَمْ يُقاتِلْهم خالِدُ بْنُ الوَلِيدِ حَتّى قَتَلَ مِنهم جَماعَةً، ولَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ، ولَما قَتَلَ مقيس بن صبابة وعبد الله بن خطل ومَن ذُكِرَ مَعَهُما، فَإنَّ عَقْدَ الصُّلْحِ لَوْ كانَ قَدْ وقَعَ لاسْتُثْنِيَ فِيهِ هَؤُلاءِ قَطْعًا، ولَنُقِلَ هَذا وهَذا، ولَوْ فُتِحَتْ صُلْحًا، لَمْ يُقاتِلْهم وقَدْ قالَ: «فَإنْ أحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتالِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقُولُوا: إنَّ اللَّهَ أذِنَ لِرَسُولِهِ ولَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ»، ومَعْلُومٌ أنَّ هَذا الإذْنَ المُخْتَصَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ إنَّما هو الإذْنُ في القِتالِ، لا في الصُّلْحِ، فَإنَّ الإذْنَ في الصُّلْحِ عامٌّ.
وَأيْضًا فَلَوْ كانَ فَتْحُها صُلْحًا، لَمْ يَقُلْ: إنَّ اللَّهَ قَدْ أحَلَّها لَهُ ساعَةً مِن نَهارٍ، فَإنَّها إذا فُتِحَتْ صُلْحًا، كانَتْ باقِيَةً عَلى حُرْمَتِها، ولَمْ تَخْرُجْ بِالصُّلْحِ عَنِ الحُرْمَةِ، وقَدْ أخْبَرَ بِأنَّها في تِلْكَ السّاعَةِ لَمْ تَكُنْ حَرامًا، وأنَّها بَعْدَ انْقِضاءِ ساعَةِ الحَرْبِ عادَتْ إلى حُرْمَتِها الأُولى.
وَأيْضًا فَإنَّها لَوْ فُتِحَتْ صُلْحًا لَمْ يُعَبِّئْ جَيْشَهُ: خَيّالَتَهم ورَجّالَتَهم مَيْمَنَةً ومَيْسَرَةً، ومَعَهُمُ السِّلاحُ، وقالَ لِأبِي هُرَيْرَةَ: «اهْتِفْ لِي بِالأنْصارِ "، فَهَتَفَ بِهِمْ فَجاءُوا، فَأطافُوا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ " أتَرَوْنَ إلى أوْباشِ قُرَيْشٍ وأتْباعِهِمْ "، ثُمَّ قالَ بِيَدَيْهِ إحْداهُما عَلى الأُخْرى: " احْصُدُوهم حَصْدًا حَتّى تُوافُونِي عَلى الصَّفا "، حَتّى قالَ أبو سفيان: يا رَسُولَ اللَّهِ أُبِيحَتْ خَضْراءُ قُرَيْشٍ، لا قُرَيْشَ بَعْدَ اليَوْمِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " مَن أغْلَقَ بابَهُ فَهو آمِنٌ»
وَهَذا مُحالٌ أنْ يَكُونَ مَعَ الصُّلْحِ، فَإنْ كانَ قَدْ تَقَدَّمَ صُلْحٌ - وكَلّا - فَإنَّهُ يَنْتَقِضُ بِدُونِ هَذا.
وَأيْضًا فَكَيْفَ يَكُونُ صُلْحًا، وإنَّما فُتِحَتْ بِإيجافِ الخَيْلِ والرِّكابِ، ولَمْ يَحْبِسِ اللَّهُ خَيْلَ رَسُولِهِ ورِكابَهُ عَنْها، كَما حَبَسَها يَوْمَ صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ، فَإنَّ ذَلِكَ اليَوْمَ كانَ يَوْمَ الصُّلْحِ حَقًّا، فَإنَّ القَصْواءَ لَمّا بَرَكَتْ بِهِ قالُوا: خَلَأتِ القَصْواءُ قالَ:
«ما خَلَأتْ، وما ذاكَ لَها بِخُلُقٍ، ولَكِنْ حَبَسَها حابِسُ الفِيلِ»
ثُمَّ قالَ: «واللَّهِ لا يَسْألُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيها حُرْمَةً مِن حُرُماتِ اللَّهِ إلّا أعْطَيْتُهُمُوها».
وَكَذَلِكَ جَرى عَقْدُ الصُّلْحِ بِالكِتابِ والشُّهُودِ، ومَحْضَرِ مَلَإٍ مِنَ المُسْلِمِينَ والمُشْرِكِينَ، والمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ ألْفٌ وأرْبَعُمِائَةٍ، فَجَرى مِثْلُ هَذا الصُّلْحِ في يَوْمِ الفَتْحِ ولا يُكْتَبُ ولا يُشْهَدُ عَلَيْهِ، ولا يَحْضُرُهُ أحَدٌ، ولا يُنْقَلُ كَيْفِيَّتُهُ والشُّرُوطُ فِيهِ، هَذا مِنَ المُمْتَنِعِ البَيِّنِ امْتِناعُهُ.
وَتَأمَّلْ قَوْلَهُ «إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الفِيلَ، وسَلَّطَ عَلَيْها رَسُولَهُ والمُؤْمِنِينَ» كَيْفَ يُفْهَمُ مِنهُ أنَّ قَهْرَ رَسُولِهِ وجُنْدِهِ الغالِبِينَ لِأهْلِها أعْظَمُ مِن قَهْرِ الفِيلِ الَّذِي كانَ يَدْخُلُها عَلَيْهِمْ عَنْوَةً، فَحَبَسَهُ عَنْهُمْ، وسَلَّطَ رَسُولَهُ والمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ، حَتّى فَتَحُوها عَنْوَةً بَعْدَ القَهْرِ وسُلْطانِ العَنْوَةِ، وإذْلالِ الكُفْرِ وأهْلِهِ، وكانَ ذَلِكَ أجَلَّ قَدْرًا، وأعْظَمَ خَطَرًا، وأظْهَرَ آيَةً وأتَمَّ نُصْرَةً، وأعْلى كَلِمَةً مِن أنْ يُدْخِلَهم تَحْتَ رِقِّ الصُّلْحِ، واقْتِراحِ العَدُوِّ وشُرُوطِهِمْ، ويَمْنَعُهم سُلْطانَ العَنْوَةِ وعِزَّها وظَفَرَها في أعْظَمِ فَتْحٍ فَتَحَهُ عَلى رَسُولِهِ، وأعَزَّ بِهِ دِينَهُ، وجَعَلَهُ آيَةً لِلْعالَمِينَ.
قالُوا: وأمّا قَوْلُكُمْ: إنَّها لَوْ فُتِحَتْ عَنْوَةً لَقُسِمَتْ بَيْنَ الغانِمِينَ، فَهَذا مَبْنِيٌّ عَلى أنَّ الأرْضَ داخِلَةٌ في الغَنائِمِ الَّتِي قَسَمَها اللَّهُ سُبْحانَهُ بَيْنَ الغانِمِينَ بَعْدَ تَخْمِيسِها، وجُمْهُورُ الصَّحابَةِ والأئِمَّةِ بَعْدَهم عَلى خِلافِ ذَلِكَ، وأنَّ الأرْضَ لَيْسَتْ داخِلَةً في الغَنائِمِ الَّتِي تَجِبُ قِسْمَتُها، وهَذِهِ كانَتْ سِيرَةَ الخُلَفاءِ الرّاشِدِينَ، فَإنَّ بلالا وأصْحابَهُ لَمّا طَلَبُوا مِن عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمُ الأرْضَ الَّتِي افْتَتَحُوها عَنْوَةً، وهي الشّامُ وما حَوْلَها، وقالُوا لَهُ خُذْ خُمُسَها واقْسِمْها، فَقالَ عمر: هَذا غَيْرُ المالِ، ولَكِنْ أحْبِسُهُ فَيْئًا يَجْرِي عَلَيْكم وعَلى المُسْلِمِينَ، فَقالَ بلال وأصْحابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: اقْسِمْها بَيْنَنا، فَقالَ عمر:
(اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِلالًا وذَوِيهِ) فَما حالَ الحَوْلُ ومِنهم عَيْنٌ تَطْرِفُ، ثُمَّ وافَقَ سائِرُ الصَّحابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلى ذَلِكَ، وكَذَلِكَ جَرى في فُتُوحِ مِصْرَ والعِراقِ، وأرْضِ فارِسَ، وسائِرِ البِلادِ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً لَمْ يَقْسِمْ مِنها الخُلَفاءُ الرّاشِدُونَ قَرْيَةً واحِدَةً.
وَلا يَصِحُّ أنْ يُقالَ: إنَّهُ اسْتَطابَ نُفُوسَهم ووَقَفَها بِرِضاهُمْ، فَإنَّهم قَدْ نازَعُوهُ في ذَلِكَ، وهو يَأْبى عَلَيْهِمْ، ودَعا عَلى بلال وأصْحابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - وكانَ الَّذِي رَآهُ وفَعَلَهُ عَيْنَ الصَّوابِ ومَحْضَ التَّوْفِيقِ، إذْ لَوْ قُسِمَتْ لَتَوارَثَها ورَثَةُ أُولَئِكَ وأقارِبُهُمْ، فَكانَتِ القَرْيَةُ والبَلَدُ تَصِيرُ إلى امْرَأةٍ واحِدَةٍ، أوْ صَبِيٍّ صَغِيرٍ، والمُقاتِلَةُ لا شَيْءَ بِأيْدِيهِمْ، فَكانَ في ذَلِكَ أعْظَمُ الفَسادِ وأكْبَرُهُ، وهَذا هو الَّذِي خافَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنهُ، فَوَفَّقَهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ لِتَرْكِ قِسْمَةِ الأرْضِ، وجَعَلَها وقْفًا عَلى المُقاتِلَةِ، تَجْرِي عَلَيْهِمْ فَيْئًا حَتّى يَغْزُوَ مِنها آخِرُ المُسْلِمِينَ، وظَهَرَتْ بَرَكَةُ رَأْيِهِ ويُمْنُهُ عَلى الإسْلامِ وأهْلِهِ، ووافَقَهُ جُمْهُورُ الأئِمَّةِ. واخْتَلَفُوا في كَيْفِيَّةِ إبْقائِها بِلا قِسْمَةٍ، فَظاهِرُ مَذْهَبِ الإمامِ أحْمَدَ وأكْثَرُ نُصُوصِهِ عَلى أنَّ الإمامَ مُخَيَّرٌ فِيها تَخْيِيرَ مَصْلَحَةٍ، لا تَخْيِيرَ شَهْوَةٍ، فَإنْ كانَ الأصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ قِسْمَتَها قَسَمَها، وإنْ كانَ الأصْلَحُ أنْ يَقِفَها عَلى جَماعَتِهِمْ وقَفَها، وإنْ كانَ الأصْلَحُ قِسْمَةَ البَعْضِ ووَقْفَ البَعْضِ فَعَلَهُ، فَإنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَعَلَ الأقْسامَ الثَّلاثَةَ، فَإنَّهُ قَسَمَ أرْضَ قُرَيْظَةَ والنَّضِيرِ، وتَرَكَ قِسْمَةَ مَكَّةَ، وقَسَمَ بَعْضَ خَيْبَرَ، وتَرَكَ بَعْضَها لِما يَنُوبُهُ مِن مَصالِحِ المُسْلِمِينَ.
وَعَنْ أحمد رِوايَةٌ ثانِيَةٌ، أنَّها تَصِيرُ وقْفًا بِنَفْسِ الظُّهُورِ والِاسْتِيلاءِ عَلَيْها مِن غَيْرِ أنْ يُنْشِئَ الإمامُ وقْفَها، وهي مَذْهَبُ مالك.
وَعَنْهُ رِوايَةٌ ثالِثَةٌ: أنَّهُ يَقْسِمُها بَيْنَ الغانِمِينَ كَما يَقْسِمُ بَيْنَهُمُ المَنقُولَ، إلّا أنْ يَتْرُكُوا حُقُوقَهم مِنها، وهي مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ.
وَقالَ أبو حنيفة: الإمامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ القِسْمَةِ وبَيْنَ أنْ يُقِرَّ أرْبابَها فِيها بِالخَراجِ، وبَيْنَ أنْ يُجْلِيَهم عَنْها ويُنْفِذَ إلَيْها قَوْمًا آخَرِينَ يَضْرِبُ عَلَيْهِمُ الخَراجَ.
وَلَيْسَ هَذا الَّذِي فَعَلَ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمُخالِفٍ لِلْقُرْآنِ، فَإنَّ الأرْضَ لَيْسَتْ داخِلَةً في الغَنائِمِ الَّتِي أمَرَ اللَّهُ بِتَخْمِيسِها وقِسْمَتِها، ولِهَذا قالَ عمر: إنَّها غَيْرُ المالِ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ أنَّ إباحَةَ الغَنائِمِ لَمْ تَكُنْ لِغَيْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ، بَلْ هو مِن خَصائِصِها، كَما قالَ ﷺ في الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلى صِحَّتِهِ: «وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنائِمُ، ولَمْ تَحِلَّ لِأحَدٍ قَبْلِي»
وَقَدْ أحَلَّ اللَّهُ سُبْحانَهُ الأرْضَ الَّتِي كانَتْ بِأيْدِي الكُفّارِ لِمَن قَبْلَنا مِن أتْباعِ الرُّسُلِ، إذا اسْتَوْلَوْا عَلَيْها عَنْوَةً، كَما أحَلَّها لِقَوْمِ مُوسى، فَلِهَذا قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ ﴿ياقَوْمِ ادْخُلُوا الأرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكم ولا تَرْتَدُّوا عَلى أدْبارِكم فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ﴾ [المائدة: ٢١]
فَمُوسى وقَوْمُهُ قاتَلُوا الكُفّارَ، واسْتَوْلَوْا عَلى دِيارِهِمْ وأمْوالِهِمْ، فَجَمَعُوا الغَنائِمَ، ثُمَّ نَزَلَتِ النّارُ مِنَ السَّماءِ فَأكَلَتْها، وسَكَنُوا الأرْضَ والدِّيارَ ولَمْ تُحَرَّمْ عَلَيْهِمْ، فَعُلِمَ أنَّها لَيْسَتْ مِنَ الغَنائِمِ، وأنَّها لِلَّهِ يُورِثُها مَن يَشاءُ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["إِذَا جَاۤءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ","وَرَأَیۡتَ ٱلنَّاسَ یَدۡخُلُونَ فِی دِینِ ٱللَّهِ أَفۡوَاجࣰا","فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا"],"ayah":"إِذَا جَاۤءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق