الباحث القرآني
﴿لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ﴾ يَقُولُ: أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ [لِكَيْ نَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ، يَعْنِي النَّبِيِّينَ عَنْ تَبْلِيغِهِمِ] [[ما بين القوسين ساقط من "أ".]] الرِّسَالَةَ. وَالْحِكْمَةُ فِي سُؤَالِهِمْ، مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ صَادِقُونَ، تَبْكِيتُ [[في "ب" بتكذيب.]] مَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ.
وَقِيلَ: لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ عَمَلِهِمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقِيلَ: لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ بِأَفْوَاهِهِمْ عَنْ صِدْقِهِمْ فِي قُلُوبِهِمْ.
﴿وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ وَذَلِكَ حِينَ حُوصِرَ الْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَيَّامَ الْخَنْدَقِ، ﴿إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ﴾ يَعْنِي الْأَحْزَابَ، وَهُمْ قُرَيْشٌ، وَغَطَفَانُ، وَيَهُودُ قُرَيْظَةَ، وَالنَّضِيرِ، ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا﴾ وَهِيَ الصَّبَا، قَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَتِ الْجَنُوبُ لِلشَّمَالِ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ انْطَلِقِي نَنْصُرْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتِ الشَّمَالُ إِنَّ الْحَرَّةَ لَا تَسْرِي بِاللَّيْلِ، وَكَانَتِ الرِّيحُ الَّتِي أُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الصَّبَا [[انظر: القرطبي: ١٤ / ١٤٣-١٤٤.]] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا آدَمُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ" [[أخرجه البخاري في الاستسقاء، باب: قول النبي ﷺ: (نصرت بالصبا) ٢ / ٥٢، ومسلم في الاستسقاء، باب: في ريح الصبا والدبور، برقم (٩٠٠) ٢ / ٦١٧، والمصنف في شرح السنة: ٤ / ٣٨٧.
والصَّبَا: ريح، ومهبها المستوي أن تهب من مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار.
والدَّبَور: الريح التي تقابل الصبا، وقال النووي: هي الريح الغربية.]] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَلَمْ تُقَاتِلِ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَئِذٍ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ رِيحًا بَارِدَةً فَقَلَعَتِ الْأَوْتَادَ، وَقَطَعَتْ أَطْنَابَ الْفَسَاطِيطِ، وَأَطْفَأَتِ النِّيرَانَ، وَأَكْفَأَتِ الْقُدُورَ، وَجَالَتِ الْخَيْلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، وَكَثُرَ تَكْبِيرُ الْمَلَائِكَةِ فِي جَوَانِبَ عَسْكَرِهِمْ حَتَّى كَانَ سَيِّدُ كُلِّ حَيٍّ يَقُولُ: يَا بَنِي فُلَانٍ هَلُمَّ إِلَيَّ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ قَالَ: النَّجَاءَ النَّجَاءَ، لِمَا بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الرُّعْبِ فَانْهَزَمُوا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ.
﴿وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا﴾ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَمَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ، وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَعَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَائِنَا، دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ: أَنَّ نَفَرًا مِنَ الْيَهُودِ، مِنْهُمْ سَلَامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَكِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَهَوْدَةُ بْنُ قَيْسٍ وَأَبِي عَمَّارٍ الْوَائِلِيُّ، فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ وَنَفَرٍ مِنْ بَنِي وَائِلٍ، وَهُمُ الَّذِينَ حَزَّبُوا الْأَحْزَابَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، خَرَجُوا حَتَّى قَدِمُوا عَلَى قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ فَدَعَوْهُمْ إِلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَقَالُوا: إِنَّا سَنَكُونُ مَعَكُمْ عَلَيْهِ حَتَّى نَسْتَأْصِلَهُ، فَقَالَتْ لَهُمْ قُرَيْشٌ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ إِنَّكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ وَالْعِلْمِ بِمَا أَصْبَحْنَا نَخْتَلِفُ فِيهِ نَحْنُ وَمُحَمَّدٌ، فَدِينُنَا خَيْرٌ أَمْ دِينُهُ؟ قَالُوا: بَلْ دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ، وَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْهُمْ، قَالَ: فَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ"، إِلَى قَوْلِهِ: "وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا" (النِّسَاءِ ٥١-٥٥) .
فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ لِقُرَيْشٍ سَرَّهُمْ مَا قَالُوا وَنَشِطُوا لِمَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ مِنْ حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ، فَأَجْمَعُوا لِذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجَ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِنَ الْيَهُودِ حَتَّى جَاءُوا غَطَفَانَ مِنْ قَيْسِ غَيْلَانَ، فَدَعَوْهُمْ إِلَى ذَلِكَ وَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّهُمْ سَيَكُونُونَ مَعَهُمْ عَلَيْهِ، وَأَنَّ قُرَيْشًا قَدْ بَايَعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَأَجَابُوهُمْ.
فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ، وَقَائِدُهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَخَرَجَتْ غَطَفَانُ، وَقَائِدُهَا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ فِي فَزَارَةَ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرِّيُّ فِي بَنِي مُرَّةَ، وَمَسْعُودُ بْنُ رُخَيْلَةَ بْنِ نُوَيْرَةَ بْنِ طَرِيفٍ فِيمَنْ تَابَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ من أشجع ٧٦/ب
فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَبِمَا اجْتَمَعُوا لَهُ مِنَ الْأَمْرِ ضَرَبَ الْخَنْدَقَ عَلَى الْمَدِينَةِ.
وَكَانَ الَّذِي أَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْخَنْدَقِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَكَانَ أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ سَلْمَانُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ حُرُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِفَارِسَ إِذَا حُوصِرْنَا خَنْدَقْنَا عَلَيْهَا، فَعَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالْمُسْلِمُونَ حَتَّى أَحْكَمُوهُ [[رواه ابن إسحاق في السيرة عن ابن هشام: ٣ / ٢١٤ وما بعدها، وأخرجه الطبري: ٢١ / ١٢٩-١٣١.]] .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْخَنْدَقَ عَامَ الْأَحْزَابِ ثُمَّ قَطَعَ لِكُلِّ عَشَرَةٍ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، قَالَ: فَاحْتَجَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فِي سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَكَانَ رَجُلًا قَوِيًّا، فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: سَلْمَانُ مِنَّا، وَقَالَ الْأَنْصَارُ: سَلْمَانُ مِنَّا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ" [[أخرجه الطبري: ٢١ / ١٣٣-١٣٤، والحاكم: ٣ / ٥٩٨ وسكت عنه، وقال الذهبي: سنده ضعيف، والطبراني: ٦ / ٢٦١. وانظر: كشف الخفاء ومزيل الإلباس: ١ / ٥٥٨، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: ٦ / ١٣٠ رواه الطبراني، وفيه كثير بن عبد الله المزني، وقد ضعفه الجمهور، وحسن الترمذي حديثه، وبقية رجاله ثقات.]] .
قَالَ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ: كُنْتُ أَنَا وَسَلْمَانُ وَحُذَيْفَةُ وَالنُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ الْمَازِنِيُّ وَسِتَّةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا فَحَفَرْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا تَحْتَ ذِي نَابٍ أَخْرَجَ اللَّهُ فِي بَطْنِ الخندق صخرة مرورة كَسَرَتْ حَدِيدَنَا وَشَقَّتْ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا سَلْمَانُ ارْقَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَخْبِرْهُ خَبَرَ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَإِمَّا أَنْ يَعْدِلَ عَنْهَا فَإِنَّ الْمَعْدِلَ قَرِيبٌ، وَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَنَا فِيهِ بِأَمْرِهِ فَإِنَّا لَا نُحِبُّ أَنْ نُجَاوِزَ خَطَّهُ، قَالَ: فَرَقِيَ سَلْمَانُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ ضَارِبٌ عَلَيْهِ قُبَّةً تُرْكِيَّةً، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خَرَجَتْ صَخْرَةٌ بَيْضَاءُ مَرْوَةٌ مِنْ بَطْنِ الْخَنْدَقِ فَكَسَرَتْ حَدِيدَنَا وَشَقَّتْ عَلَيْنَا حَتَّى مَا يَحِيكُ فِيهَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، فَمُرْنَا فِيهَا بِأَمْرِكَ، فَإِنَّا لَا نُحِبُّ أَنْ نُجَاوِزَ خَطَّكَ، فَهَبَطَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَعَ سَلْمَانَ الْخَنْدَقَ وَالتِّسْعَةُ عَلَى شَقِّ الْخَنْدَقِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمِعْوَلَ مِنْ سَلْمَانَ فَضَرَبَهَا ضَرْبَةً صَدَّعَهَا وَبَرَقَ مِنْهَا بَرْقٌ أَضَاءَ مَا بَيْنَ لَابَّتَيْهَا -يَعْنِي الْمَدِينَةَ-حَتَّى لَكَأَنَّ مِصْبَاحًا فِي جَوْفِ بَيْتٍ مُظْلِمٍ، فَكَبَّرَ رسول الله ﷺ تكبيرا فَتْحٍ وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ، ثُمَّ ضَرَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الثَّانِيَةَ وَبَرَقَ مِنْهَا بَرْقٌ أَضَاءَ مَا بَيْنَ لَابَّتَيْهَا حَتَّى لَكَأَنَّ مِصْبَاحًا فِي جَوْفِ بَيْتٍ مُظْلِمٍ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تَكْبِيرَ فَتْحٍ وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ، ثُمَّ ضَرَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَكَسَرَهَا، وَبَرَقَ مِنْهَا بَرْقٌ أَضَاءَ مَا بَيْنَ لَابَّتَيْهَا حَتَّى لَكَأَنَّ مِصْبَاحًا فِي جَوْفِ بَيْتٍ مُظْلِمٍ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تَكْبِيرَ فَتْحٍ، وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ، فَأَخَذَ بِيَدِ سَلْمَانَ وَرَقِيَ، فَقَالَ سَلْمَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ شَيْئًا مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْقَوْمِ فَقَالَ: "أَرَأَيْتُمْ مَا يَقُولُ سَلْمَانُ"؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الْأُولَى فَبَرَقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ، أَضَاءَتْ لِي مِنْهَا قُصُورَ الْحَيْرَةِ وَمَدَائِنَ كِسْرَى كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ، فَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا، ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الثَّانِيَةَ فَبَرَقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ، أَضَاءَتْ لِي مِنْهَا قُصُورَ الْحَيْرَةِ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ، فَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا، ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الثَّالِثَةَ فَبَرَقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ، أَضَاءَتْ لِي مِنْهَا قُصُورَ صَنْعَاءَ كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلَابِ، وَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا، فَأَبْشِرُوا"، فَاسْتَبْشَرَ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ مُوْعِدَ صِدْقٍ، وَعَدَنَا النَّصْرَ بَعْدَ الْحَصْرِ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ مُحَمَّدٍ يَعِدُكُمْ وَيُمَنِّيكُمُ الْبَاطِلَ وَيُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ يُبْصِرُ مِنْ يَثْرِبَ قُصُورَ الْحِيْرَةِ وَمَدَائِنَ كِسْرَى، وَأَنَّهَا تُفْتَحُ لَكُمْ وَأَنْتُمْ إِنَّمَا تَحْفُرُونَ الْخَنْدَقَ مِنَ الْفَرَقِ لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَبَرَّزُوا؟ قَالَ فَنَزَلَ الْقُرْآنُ: ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾ وَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْقِصَّةَ: "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ" [[أخرجه الطبري: ٢١ / ١٣٤، قال الهيثمي في المجمع: ٦ / ١٣١: رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما حيي بن عبد الله وثقه ابن معين وضعفه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح، وانظر: سيرة ابن هشام: ٣ / ٢١٤-٢١٩.]] الْآيَةَ [آل عمران: ٢٦] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْخَنْدَقِ فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالْجُوعِ، قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ، فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَةِ"، فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِيْنَا أَبَدًا [[أخرجه البخاري في المغازي، باب: غزوة الخندق: ٧ / ٣٩٢ والمصنف في شرح السنة: ١٤ / ٤.]]
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى أَغْمَرَ بَطْنَهُ -أَوِ اغْبَرَّ-وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَوْلَا مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا
وَيَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ: أَبَيْنَا أَبَيْنَا [[أخرجه البخاري في المغازي، باب غزوة الخندق: ٧ / ٣٩٩، ومسلم في الجهاد والسير، باب: عزوة الأحزاب برقم (١٨٠٣) ٣ / ١٤٣٠-١٤٣١، والمصنف في شرح السنة: ١٤ / ٤-٥.]] .
رَجَعْنَا إِلَى حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْخَنْدَقِ أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ حَتَّى نَزَلَتْ بِمُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ مِنْ رُوْمَةَ مِنَ الْجُرُفِ وَالْغَابَةِ [[في سيرة ابن هشام: ٣ / ٢٢٠ (زغابة) قال أبو ذر: "كذا وقع هنا بالزاء مفتوحة، ورغابة بالراء المفتوحة هو الجيد، وكذلك رواه الوقشي".]] فِي عَشَرَةِ آلَافٍ مِنْ أَحَابِيشِهِمْ، وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ، وَأَقْبَلَتْ غَطَفَانُ وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، حَتَّى نَزَلُوا بِذَنَبِ نَقْمَى إِلَى جَانِبِ أُحُدٍ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالْمُسْلِمُونَ، حَتَّى جَعَلُوا ظُهُورَهُمْ إِلَى سَلْعٍ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَضَرَبَ هُنَالِكَ عَسْكَرُهُ وَالْخَنْدَقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْمِ. وَأَمَرَ بِالنِّسَاءِ وَالذَّرَارِي فَرُفِعُوا فِي الْآطَامِ.
وَخَرَجَ عَدُوُّ اللَّهِ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ حَتَّى أَتَى كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ الْقُرَظِيَّ، صَاحِبَ عَقْدِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَعَهْدِهِمْ، وَكَانَ قَدْ وَادَعَ رسول الله ﷺ ٧٧/أعَلَى قَوْمِهِ وَعَاهَدَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا سَمِعَ كَعْبٌ بِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ أَغْلَقَ دُونَهُ حِصْنَهُ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ، فَنَادَاهُ حُيَيُّ: يَا كَعْبُ افْتَحْ لِي، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا حُيَيُّ إِنَّكَ امْرُؤٌ مَشْؤُومٌ وَإِنِّي قَدْ عَاهَدْتُ مُحَمَّدًا، فَلَسْتُ بِنَاقِضٍ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَلَمْ أَرَ مِنْهُ إِلَّا وَفَاءً وَصِدْقًا. قَالَ: وَيْحَكَ افْتَحْ لِي أُكَلِّمْكَ، قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، قَالَ: وَاللَّهِ إِنْ أَغْلَقْتَ دُونِي إِلَّا عَلَى جَشِيشَتِكَ أَنْ آكُلَ مَعَكَ مِنْهَا، فَأَحْفَظَ الرَّجُلَ، فَفَتْحَ لَهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا كَعْبُ جِئْتُكَ بِعِزِّ الدَّهْرِ وَبِبَحْرٍ طَامٍّ، جِئْتُكَ بِقُرَيْشٍ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا حَتَّى أَنْزَلْتُهُمْ بِمُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ مِنْ رُومَةَ، وَبِغَطَفَانَ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا حَتَّى أَنْزَلْتُهُمْ بِذَنَبِ نَقْمَى إِلَى جَانِبِ أُحُدٍ، قَدْ عَاهَدُونِي وَعَاقَدُونِي أَنْ لَا يَبْرَحُوا حَتَّى يَسْتَأْصِلُوا مُحَمَّدًا وَمَنْ مَعَهُ. قَالَ لَهُ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ: جِئْتَنِي وَاللَّهِ بَذُلِّ الدَّهْرِ وَبِجَهَامٍ قَدْ هُرَاقَ مَاؤُهُ بِرَعْدٍ وَبَرْقٍ، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، فَدَعْنِي وَمُحَمَّدًا وَمَا أَنَا عَلَيْهِ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ مِنْ مُحَمَّدٍ إِلَّا صِدْقًا وَوَفَاءً، فَلَمْ يَزَلْ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ بِكَعْبٍ يَفْتِلُهُ فِي الذِّرْوَةِ وَالْغَارِبِ حَتَّى سَمَحَ لَهُ، عَلَى أَنْ أَعْطَاهُ مِنَ اللَّهِ عَهْدًا وَمِيثَاقًا. لَئِنْ رَجَعَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ وَلَمْ يُصِيبُوا مُحَمَّدًا أَنْ أَدْخُلَ مَعَكَ فِي حِصْنِكَ حَتَّى يُصِيبَنِي مَا أَصَابَكَ، فَنَقَضَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ عَهْدَهُ وَتَبَرَّأَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِيمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْخَبَرُ وَإِلَى الْمُسْلِمِينَ، بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، أَحَدَ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الْأَوْسِ، وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ أَحَدَ بَنِي سَاعِدَةَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، وَمَعَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَخَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَنْظُرُوا، أَحَقٌّ مَا بَلَغَنَا عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَالْحَنُوا لِي لَحْنًا أَعْرِفُهُ، وَلَا تَفُتُّوا فِي أَعْضَادِ النَّاسِ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى الْوَفَاءِ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْهُرُوا بِهِ جَهْرًا لِلنَّاسِ، فَخَرَجُوا حَتَّى أَتَوَهُمْ فَوَجَدُوهُمْ عَلَى أَخْبَثِ مَا بَلَغَهُمْ مِنْهُمْ، وَنَالُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَالُوا: لَا عَقْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ ولا عهد، فشاتمتهم سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَشَاتَمُوهُ، وَكَانَ رَجُلًا فِيهِ حِدَّةٌ، فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: دَعْ عَنْكَ مُشَاتَمَتَهُمْ فَإِنَّ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَرْبَى مِنَ الْمُشَاتَمَةِ، ثُمَّ أَقْبَلَ سَعْدٌ وَسَعْدٌ وَمَنْ مَعَهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا: عَضَلٌ وَالْقَارَةُ، لِغَدْرِ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَصْحَابِ الرَّجِيعِ: خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اللَّهُ أَكْبَرُ أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ.
وَعَظُمَ عِنْدَ ذَلِكَ الْبَلَاءُ وَاشْتَدَّ الْخَوْفُ، وَأَتَاهُمْ عَدُوُّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ حَتَّى ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ كُلَّ ظَنٍّ، وَنَجَمَ النِّفَاقُ مِنْ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ حَتَّى قَالَ مُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: كَانَ مُحَمَّدٌ يَعِدُنَا أَنْ نَأْكُلَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَأَحَدُنَا لَا يَقْدِرُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْغَائِطِ، مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا، وَحَتَّى قَالَ أَوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ قَيْظِيٍّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ مِنَ الْعَدُوِّ وَذَلِكَ عَلَى مَلَأٍ مِنْ رِجَالِ قَوْمِهِ، فَائْذَنْ لَنَا فَلْنَرْجِعْ إِلَى دِيَارِنَا فَإِنَّهَا خَارِجَةٌ مِنَ الْمَدِينَةِ.
فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَقَامَ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْقَوْمِ حَرْبٌ إِلَّا الرَّمْيُ بِالنَّبْلِ وَالْحَصَى.
فَلَمَّا اشْتَدَّ الْبَلَاءُ عَلَى النَّاسِ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حَفْصٍ، وَإِلَى الْحَارِثِ بْنِ عُمَرَ، وَهُمَا قَائِدَا غَطَفَانَ، فَأَعْطَاهُمَا ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَا بِمَنْ مَعَهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ، فَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمُ الصُّلْحُ، حَتَّى كَتَبُوا الْكِتَابَ وَلَمْ تَقَعِ الشَّهَادَةُ، فَذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَاسْتَشَارَهُمَا فِيهِ، فَقَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشِيءٌ أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ لَا بُدَّ لَنَا مِنَ الْعَمَلِ بِهِ أَمْ أَمْرٌ تُحِبُّهُ فَتَصْنَعُهُ، أَمْ شَيْءٌ تَصْنَعُهُ لَنَا؟ قَالَ: لَا بَلْ [شَيْءٌ أَصْنَعُهُ] [[غير وارد في المخطوطتين وقد أخذ من السيرة ولا يتم المعنى إلا به.]] لَكُمْ، وَاللَّهِ مَا أَصْنَعُ ذَلِكَ إِلَّا أَنِّي رَأَيْتُ الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَكَالَبُوكُمْ مِنْ كل جانب، فأدرت أَنْ أَكْسِرَ عَنْكُمْ شَوْكَتَهُمْ، فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ كُنَّا نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَى شِرْكٍ بِاللَّهِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، لَا نَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا نَعْرِفُهُ، وَهُمْ لَا يَطْمَعُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا ثَمَرَةً وَاحِدَةً إِلَّا قِرًى أَوْ بَيْعًا، فَحِينَ أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، وَأَعَزَّنَا بِكَ نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا! مَالَنَا بِهَذَا مِنْ حَاجَةٍ، وَاللَّهِ لَا نُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْفَ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ] [[ساقط من "ب".]] فَأَنْتَ وَذَاكَ. فَتَنَاوَلَ سَعْدٌ الصَّحِيفَةَ، فَمَحَا مَا فِيهَا مِنَ الْكِتَابَةِ، ثُمَّ قَالَ: لِيُجْهِدُوا عَلَيْنَا.
فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالْمُسْلِمُونَ، وَعَدُوُّهُمْ مُحَاصِرُوهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، إِلَّا أَنَّ فَوَارِسَ مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ، أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيَّانِ، وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَمِرْدَاسٌ أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ، قَدْ تَلَبَّسُوا لِلْقِتَالِ وَخَرَجُوا عَلَى خَيْلِهِمْ وَمَرُّوا عَلَى بَنِي كِنَانَةَ فَقَالُوا: تَهَيَّئُوا لِلْحَرْبِ يَا بَنِي كِنَانَةَ، فَسَتَعْلَمُونَ الْيَوْمَ مَنِ الْفُرْسَانُ، ثُمَّ أَقْبَلُوا نَحْوَ الْخَنْدَقِ حَتَّى وَقَفُوا عَلَى الْخَنْدَقِ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لِمَكِيدَةٌ مَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَكِيدُهَا.
ثُمَّ تَيَمَّمُوا مَكَانًا مِنَ الْخَنْدَقِ ضَيِّقًا فَضَرَبُوا خُيُولَهُمْ فَاقْتَحَمَتْ مِنْهُ، فَجَالَتْ بِهِمْ فِي السَّبْخَةِ بَيْنَ الْخَنْدَقِ وَسَلْعٍ، وَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى أَخَذُوا عَلَيْهِمُ الثَّغْرَةَ الَّتِي أَقْحَمُوا مِنْهَا خَيْلَهُمْ، وَأَقْبَلَتِ الْفُرْسَانُ تُعْنِقُ نَحْوَهُمْ، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ وَقَاتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ، [فَلَمْ يَشْهَدْ أُحُدًا] [[ساقط من "أ".]] فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ خَرَجَ مُعْلَمًا لِيُرَى مَكَانُهُ، فَلَمَّا وَقَفَ هُوَ وَخَيْلُهُ، قَالَ لَهُ عَلِيُّ: يَا عَمْرُو إِنَّكَ كُنْتَ تُعَاهِدُ اللَّهَ أَنْ لَا يَدْعُوكَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى إِحْدَى خَلَّتَيْنِ إِلَّا أَخَذْتَ مِنْهُ إِحْدَاهُمَا، قَالَ: أَجَلْ، فَقَالَ له علي ٧٧/ب بْنُ أَبِي طَالِبٍ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ، قَالَ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى الْبِرَازِ [[في "ب": النزال.]] قال: ولِمَ يا ابن أَخِي، فَوَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ، قَالَ عَلِيٌّ: وَلَكِنِّي وَاللَّهِ أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ، فَحَمِيَ عَمْرٌو عِنْدَ ذَلِكَ، فَاقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ، فَعَقَرَهُ وَضَرَبَ وَجْهَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ، فَتَنَاوَلَا وَتَجَاوَلَا فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ، فَخَرَجَتْ خَيْلُهُ مُنْهَزِمَةً حَتَّى اقْتَحَمَتْ مِنَ الْخَنْدَقِ هَارِبَةً، وَقُتِلَ مَعَ عَمْرٍو رَجُلَانِ: مُنَبِّهُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، أَصَابَهُ سَهْمٌ، فَمَاتَ مِنْهُ بِمَكَّةَ، وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ، وَكَانَ اقْتَحَمَ الْخَنْدَقَ فَتَوَرَّطَ فِيهِ فَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ قَتْلُهُ أَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ فَقَتَلَهُ، فَغَلَبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَسَدِهِ، فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَبِيعَهُمْ جَسَدَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِي جَسَدِهِ وَثَمَنِهِ، فَشَأْنُكُمْ بِهِ، فَخَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ.
قَالَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: كُنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي حِصْنِ بَنِي حَارِثَةَ، وَكَانَ مِنْ أَحْرَزِ حُصُونِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ أُمُّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ مَعَنَا فِي الْحِصْنِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ، فَمَرَّ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ مُقَلَّصَةٌ، قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا ذِرَاعُهُ كُلُّهَا، وَفِي يَدِهِ حَرْبَةٌ وَهُوَ يَقُولُ: لَبِّثْ قليلا ندركِ الْهَيْجَا حَمَلْ ... لَا بَأْسَ بِالْمَوْتِ إِذَا حَانَ الْأَجَلْ
فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: الْحَقْ يَا بُنَيَّ فَقَدْ وَاللَّهِ أَجَزْتَ، قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ لَهَا: يَا أَمَّ سَعْدٍ وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ دِرْعَ سَعْدٍ كَانَتْ أَسْبَغَ مِمَّا هِيَ، قَالَتْ: وَخِفْتُ عَلَيْهِ حَيْثُ أَصَابَ السَّهْمُ مِنْهُ، قَالَتْ: فَرُمِيَ سَعْدٌ يَوْمَئِذَ بِسَهْمٍ، وَقُطِعَ مِنْهُ الْأَكْحَلُ، رَمَاهُ خَبَّابُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الْعَرِقَةِ، أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، فَلَمَّا أَصَابَهُ قَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ، فَقَالَ سَعْدٌ: عَرَّقَ اللَّهُ وَجْهَكَ فِي النَّارِ، ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ: اللَّهُمَّ أَنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا فَأَبْقِنِي لَهَا، فَإِنَّهُ لَا قَوْمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ مِنْ قَوْمٍ آذَوْا رَسُولَكَ وَكَذَّبُوهُ وَأَخْرَجُوهُ، وَإِنْ كُنْتَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْعَلْهُ لِي شَهَادَةً وَلَا تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قريظة وكانوا خلفاءه وَمَوَالِيَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ [[انظر الرواية بتمامها في السيرة لابن هشام: ٣ / ٢١٩-٢٢٧.]] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ قَالَ: كَانَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي فَارِعِ، حِصْنِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَتْ: وَكَانَ حَسَّانُ مَعَنَا فِيهِ، مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، قَالَتْ صَفِيَّةُ: فَمَرَّ بِنَا رَجُلٌ مِنَ اليهود فجعل [[ساقط من "أ".]] يطيف بِالْحِصْنِ، وَقَدْ حَارَبَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ، فَقَطَعَتْ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَحَدٌ يَدْفَعُ عَنَّا، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالْمُسْلِمُونَ فِي نُحُورِ عَدُوِّهِمْ، لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْصَرِفُوا إلينا عنهم، إذا أَتَانَا آتٍ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا حَسَّانُ، إِنَّ هَذَا الْيَهُودِيَّ كما ترى، يطيف بِالْحِصْنِ وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى عَوْرَاتِنَا مَنْ وَرَاءِنَا مِنْ يَهُودَ، وَقَدْ شُغِلَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ [[ساقط من "أ".]] فَانْزِلْ إِلَيْهِ فَاقْتُلْهُ، فَقَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكِ يَابْنَةَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتِ مَا أَنَا بِصَاحِبِ هَذَا، قَالَتْ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ وَلَمْ أَرَ عِنْدَهُ شَيْئًا اعْتَجَرْتُ، ثُمَّ أَخَذْتُ عَمُودًا، ثُمَّ نَزَلْتُ مِنَ الْحِصْنِ إِلَيْهِ، فَضَرَبْتُهُ بِالْعَمُودِ حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْهُ رَجَعْتُ إِلَى الْحِصْنِ، فَقُلْتُ: يَا حَسَّانُ انْزِلْ إِلَيْهِ فَاسْلُبْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ سَلْبِهِ إِلَّا أَنَّهُ رَجُلٌ، قَالَ: مَا لِي بِسَلْبِهِ مِنْ حَاجَةٍ يَا بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [[انظر: سيرة ابن هشام: ٣ / ٢٢٨-٢٣٠.]] .
قَالُوا: أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ فِيمَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْخَوْفِ وَالشِّدَّةِ لِتَظَاهُرِ عَدُوِّهِمْ وَإِتْيَانِهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ.
ثُمَّ إِنَّ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودِ بْنِ عَامِرٍ مِنْ غَطَفَانَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَإِنَّ قَوْمِي لَمْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي، فَمُرْنِي بِمَا شِئْتَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّمَا أَنْتَ فِينَا رَجُلٌ وَاحِدٌ فَخَذِّلْ عَنَّا إِنِ اسْتَطَعْتَ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ، فَخَرَجَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى أَتَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانَ لَهُمْ نَدِيمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ قَدْ عَرَفْتُمْ وُدِّي إِيَّاكُمْ وَخَاصَّةَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، قَالُوا: صَدَقْتَ لَسْتَ عِنْدَنَا بِمُتَّهَمٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ جَاءُوا لِحَرْبِ مُحَمَّدٍ وَقَدْ ظَاهَرْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ، وَإِنَّ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ لَيْسُوا كَهَيْئَتِكُمْ، الْبَلَدُ بَلَدُكُمْ بِهِ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ وَنِسَاؤُكُمُ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ تَتَحَوَّلُوا مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ، أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ بَعِيدَةٌ، إِنْ رَأَوْا نُهْزَةً وَغَنِيمَةً أَصَابُوهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ لَحِقُوا بِبِلَادِهِمْ وَخَلُّوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الرَّجُلِ، وَالرَّجُلُ بِبَلَدِكُمْ لَا طَاقَةَ لَكُمْ بِهِ إِنْ خَلَا بِكُمْ، فَلَا تُقَاتِلُوا مَعَ الْقَوْمِ حَتَّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رَهْنًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ، يَكُونُونَ بِأَيْدِيكُمْ ثِقَةً لَكُمْ عَلَى أَنْ يُقَاتِلُوا مَعَكُمْ مُحَمَّدًا، حَتَّى تُنَاجِزُوهُ. قَالُوا: لَقَدْ أَشَرْتَ بِرَأْيٍ وَنُصْحٍ.
ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا فَقَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَدْ عَرَفْتُمْ وُدِّي إِيَّاكُمْ وَفِرَاقِي مُحَمَّدًا، وَقَدْ بَلَغَنِي أَمْرٌ رَأَيْتُ أَنَّ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أُبْلِغَكُمْ نُصْحًا لَكُمْ، فَاكْتُمُوا عَلَيَّ، قَالُوا: نَفْعَلُ، قَالَ: تَعْلَمُونَ أَنَّ مَعْشَرَ يَهُودَ قَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ: أَنْ قَدْ نَدِمْنَا عَلَى مَا فَعَلْنَا، فَهَلْ يُرْضِيكَ عَنَّا أَنْ نَأْخُذَ مِنَ الْقَبِيلَتَيْنِ، مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ، رِجَالًا من أشرافهم فنعطيكم فَتَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ ثُمَّ نَكُونَ مَعَكَ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ؟ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ: أَنْ نَعَمْ. فَإِنْ بَعَثَتْ إِلَيْكُمْ يَهُودُ يَلْتَمِسُونَ رَهْنًا مِنْ رِجَالِكُمْ فَلَا تَدْفَعُوا إِلَيْهِمْ مِنْكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا.
ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى غَطَفَانَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ غَطَفَانَ، أَنْتُمْ أَصْلِي وَعَشِيرَتِي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَلَا أَرَاكُمْ تَتَّهِمُونِي، قالوا: صدقت، ٧٨/أقَالَ: فَاكْتُمُوا عَلَيَّ، قَالُوا: نَفْعَلُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ لِقُرَيْشٍ وَحَذَّرَهُمْ مَا حَذَّرَهُمْ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ السَّبْتِ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ، وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَرْسَلَ أَبُو سُفْيَانَ وَرُءُوسُ غَطَفَانَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّا لَسْنَا بِدَارِ مُقَامٍ، قَدْ هَلَكَ الْخُفُّ وَالْحَافِرُ، فَاغْدُوَا لِلْقِتَالِ حَتَّى نُنَاجِزَ مُحَمَّدًا وَنَفْرُغَ مِمَّا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَقَالَ بَنُو قُرَيْظَةَ لَهُمْ: إِنَّ الْيَوْمَ السَّبْتَ، وَهُوَ يَوْمٌ لَا نَعْمَلُ فِيهِ شَيْئًا، وَقَدْ كَانَ أَحْدَثَ فِيهِ بَعْضُنَا حَدَثًا فَأَصَابَهُ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكُمْ، وَلَسْنَا مَعَ ذَلِكَ بِالَّذِينِ نُقَاتِلُ مَعَكُمْ حَتَّى تُعْطُونَا رَهْنًا مِنْ رِجَالِكُمْ، يَكُونُونَ بِأَيْدِينَا ثِقَةً لَنَا حَتَّى نُنَاجِزَ مُحَمَّدًا، فَإِنَّا نَخْشَى إِنْ ضَرَسَتْكُمُ الْحَرْبُ وَاشْتَدَّ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَنْ تَسِيرُوا إِلَى بِلَادِكُمْ وَتَتْرُكُونَا، وَالرَّجُلَ فِي بَلَدِنَا، وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِذَلِكَ مِنْ مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا رَجَعَتْ إِلَيْهِمُ الرُّسُلُ بِالَّذِي قَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ، قَالَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ: تَعْلَمُنَّ وَاللَّهِ أَنَّ الَّذِي حَدَّثَكُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقُّ، فَأَرْسَلُوا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ: إِنَّا وَاللَّهِ لَا نَدْفَعُ إِلَيْكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا مِنْ رِجَالِنَا، فَإِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ الْقِتَالَ فَاخْرُجُوا فَقَاتِلُوا، فَقَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ حِينَ انْتَهَتْ إِلَيْهِمُ الرُّسُلُ بِهَذَا: إِنَّ الَّذِي ذَكَرَ لَكُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقُّ، مَا يُرِيدُ الْقَوْمُ إِلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا، فَإِنْ وَجَدُوا فُرْصَةً انْتَهَزُوهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ انْشَمَرُوا إِلَى بِلَادِهِمْ، وَخَلُّوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الرَّجُلِ فِي بِلَادِكُمْ، فَأَرْسَلُوا إِلَى قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ: إِنَّا وَاللَّهِ لَا نُقَاتِلُ مَعَكُمْ حَتَّى تُعْطُونَا رَهْنًا، فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ، وَخَذَّلَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ [[انظر: سيرة ابن هشام: ٣ / ٢٣١-٢٣٣.]] وَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ فِي لَيَالٍ شَاتِيَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَجَعَلَتْ تَكْفَأُ قُدُورَهُمْ وَتَطْرَحُ آنِيَتَهُمْ.
فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا اخْتَلَفَ مِنْ أَمْرِهِمْ دَعَا حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَبَعَثَهُ إِلَيْهِمْ لِيَنْظُرَ مَا فَعَلَ الْقَوْمُ لَيْلًا.
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَرَوَى غَيْرُهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّمِيمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَا قَالَ فَتًى مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رَأَيْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَصَحِبْتُمُوهُ، قال نعم يا ابن أَخِي، قَالَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا نُجْهَدُ، فَقَالَ الْفَتَى: وَاللَّهُ لَوْ أَدْرَكْنَاهُ مَا تَرَكْنَاهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَلَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَعْنَاقِنَا وَلَخَدَمْنَاهُ، وَفَعَلْنَا وَفَعَلْنَا، فقال حذيفة: يا ابن أَخِي وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: مَنْ يَقُومُ فَيَذْهَبُ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَيَأْتِينَا بِخَبَرِهِمْ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ؟ فَمَا قَامَ مِنَّا رَجُلٌ، ثُمَّ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هُوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ مِثْلَهُ فَسَكَتَ الْقَوْمُ، وَمَا قَامَ مِنَّا رَجُلٌ ثُمَّ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هُوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرُ مَا فَعَلَ الْقَوْمُ عَلَى أَنْ يَكُونَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ، فَمَا قَامَ رَجُلٌ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَشِدَّةِ الْجُوعِ وَشِدَّةِ الْبَرْدِ، فَلَمَّا لَمَّ يَقُمْ أَحَدٌ دَعَانِي، رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ يَا حُذَيْفَةُ، فَلَمْ يَكُنْ لِي بُدٌ مِنَ الْقِيَامِ إِلَيْهِ حِينَ دَعَانِي، فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقُمْتُ حَتَّى آتِيَهُ، وَإِنَّ جَنْبَيَّ لَيَضْطَرِبَانِ، فَمَسَحَ رَأْسِي وَوَجْهِي، ثُمَّ قَالَ: ائْتِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ حَتَّى تَأْتِيَنِي بِخَبَرِهِمْ وَلَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَرْجِعَ إِلَيَّ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ احْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمَنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، وَمِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ تَحْتِهِ فَأَخَذْتُ سَهْمِي، وَشَدَدْتُ عَلَيَّ سِلَاحِي، ثُمَّ انْطَلَقْتُ أَمْشِي نَحْوَهُمْ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ، فَذَهَبْتُ فَدَخَلْتُ فِي الْقَوْمِ، وَقَدْ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لِلَّهِ تَفْعَلُ بِهِمْ مَا تَفْعَلُ، لَا تُقِرُّ لَهُمْ قِدْرًا وَلَا نَارًا وَلَا بِنَاءً، وَأَبُو سُفْيَانَ قَاعِدٌ يَصْطَلِي، فَأَخَذْتُ سَهْمًا فَوَضَعْتُهُ فِي كَبِدِ قَوْسِي فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ، وَلَوْ رَمَيْتُهُ لَأَصَبْتُهُ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ النَّبِيِّ ﷺ لَا تُحْدِثَنَّ حَدَثًا حَتَّى تَرْجِعَ إِلَيَّ، فَرَدَدْتُ سَهْمِي فِي كِنَانَتِي. فَلَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ مَا تَفْعَلُ الرِّيحُ وَجُنُودُ اللَّهِ بِهِمْ، لَا تُقِرُّ لَهُمْ قِدْرًا وَلَا نَارًا وَلَا بِنَاءً، قَامَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِيَدِ جَلِيسِهِ فَلْيَنْظُرْ مَنْ هُوَ، فَأَخَذْتُ بِيَدِ جَلِيسِي فَقُلْتُ مَنْ أَنْتَ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَمَا تَعْرِفُنِي أَنَا فُلَانُ ابن فُلَانٍ، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ.
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ وَاللَّهِ مَا أَصْبَحْتُمْ بِدَارِ مُقَامٍ لَقَدْ هَلَكَ الْكُرَاعُ وَالْخُفُّ وَأَخْلَفَتْنَا بَنُو قُرَيْظَةَ، وَبَلَغَنَا مِنْهُمُ الَّذِي نَكْرَهُ، وَلَقِينَا مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ مَا تَرَوْنَ، فَارْتَحِلُوا فَإِنِّي مرتحل، ثم قال إِلَى جَمَلِهِ وَهُوَ مَعْقُولٌ فَجَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ فَوَثَبَ بِهِ عَلَى ثَلَاثٍ، فَمَا أَطْلَقَ عِقَالَهُ إِلَّا وَهُوَ قَائِمٌ وَسَمِعَتْ غَطَفَانُ بِمَا فَعَلَتْ قُرَيْشٌ فَانْشَمَرُوا رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ.
قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَأَنِّي أَمْشِي فِي حَمَّامٍ فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَلَمَّا سَلَّمَ أَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ، فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ، قَالَ: فَلَمَّا أَخْبَرْتُهُ وَفَرَغْتُ قَرَرْتُ وَذَهَبَ عَنِّي الدِّفَاءُ.
فَأَدْنَانِي النَّبِيُّ ﷺ مِنْهُ، وَأَنَامَنِي عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَأَلْقَى عَلَيَّ طَرَفَ ثَوْبِهِ، وَأَلْزَقَ صَدْرِي بِبَطْنِ قَدَمَيْهِ فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ: قُمْ يَا نَوْمَانُ [[أخرجه مسلم في الجهاد باب: غزو الأحزاب برقم (١٧٨٨) : ٣ / ١٤١٤-١٤١٥.]] .
{"ayahs_start":8,"ayahs":["لِّیَسۡـَٔلَ ٱلصَّـٰدِقِینَ عَن صِدۡقِهِمۡۚ وَأَعَدَّ لِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابًا أَلِیمࣰا","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ إِذۡ جَاۤءَتۡكُمۡ جُنُودࣱ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ رِیحࣰا وَجُنُودࣰا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرًا"],"ayah":"لِّیَسۡـَٔلَ ٱلصَّـٰدِقِینَ عَن صِدۡقِهِمۡۚ وَأَعَدَّ لِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابًا أَلِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق